مار أهرون السروجي السرياني

 عن كتاب روحانية التسبحة حسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ـ الأنبا متاؤوس عن مخطوط رقم 2 ميامر (ترقيم قديم) بمكتبه دير القديس العظيم الأنبا بيشوى .

ولد في مدينة سروج من بلاد ما بين النهرين حوالي سنه 530م من أبوين مسيحيين تقيين وغنيين جدا كان اسم أبيه توما واسم أمه انسطاسية، فربياه تربية مسيحية وعلماه الآداب الإنجيلية فأحب منذ صغره حياة الصلاة والعبادة.

ولما اصبح صبيا يافعا استأذن أباه ليخرج مع رعاة غنم أبيه التي كانت ترعي في منطقة بعيدة عن المدينة. وبعد إلحاح أذن له أبوه وأعطاه دابة ركب عليها، وصحبه أحد الرعاة حتى وصلا إلى عند مراعي الغنم ومكث مع الرعاة يومين، ثم أبصر من بعيدا مبني منفردا فسأل عنه الرعاة فقالوا أنه دير الذخائر يسكنه رهبان كاملون يتعبدون لله ليلا ونهارا، فاشتاق الصبي أهرون أن يزور هذا الدير ليراه ويري الآباء الرهبان المقيمين فيه فقال لواحد من رعاة غنم أبيه: "أمض بنا إلى هذا الدير لأنني مشتاق جدا أن أزوره". فصحبه الراعي وأتيا إلى الدير وتباركا من المتوحدين الذين كانوا هناك، ثم قال للعبد: "إني مشتاق أن أمكث هنا هذه الليلة بالدير ساهرا". وفي هدوء الليل سمع خدمة الرهبان وصلواتهم وتسبيحهم الروحانية فأعجب جدا بهذا الجو الملائكي، وفي الصباح ذهب إلى رئيس الدير وسجد له قائلا: "أريد يا سيدي أن أقيم عندك هنا واصير لك تلميذا وابنا روحيا". فقبله رئيس الدير وتنبأ له بالروح القدس وقال للرهبان المجتمعين حوله: "طوبى للأب والأم الذين ولدا هذا الصبي فإني أقول لكم أن كثيرين من بني البشر سيدخلون ملكوت السموات علي يديه". فتعجب الرهبان من ذلك ومجدوا الله.

        بعد ذلك جاء الراعي ليأخذ الصبي فرفض أن يذهب معه وقال له: "إنني سأمكث هنا بالدير" فاندهش الراعي جدا وقال له: "إرجع معي حتى أسلمك إلى أبيك وبعد ذلك إفعل ما شئت". فلم يوافقه أهرون، فأخذ الراعي يبكي وهو خائف من والد الصبي، ولكنه لما لم يجد فائدة خرج من الدير وذهب إلى سيده توما والد أهرون وقص عليه الموضوع، فاندهش توما وكل بيته بسبب تصرف ابنه الصغير أهرون، فقام هو وامرأته وأخذ هدايا جزيله وتوجها إلي الدير، وهناك تباركا من الآباء القديسين وطلبا من ابنهما أهرون أن يرجع معهما فأبي فتركاه في الدير ورجعا إلي بيتهما حزانى بسبب فراق ابنهما المحبوب.

مكث في دير الذخائر مدة عشرة سنوات وتعلم تراتيل ومزامير البيعة كما تعلم جميع طقوس الرهبنة وآدابها وفضائلها المختلفة وكان محبوبا من جميع الرهبان.

        بعد ذلك المدة عزم القديس علي الخروج إلى الجبل طلبا للوحدة الكاملة والسكون، فسجد للأخوة وقال لهم : "أسألكم يا آبائي وأخوتي أن تصلوا علي". وللوقت جاوبه الجميع بفم واحد قائلين: "امض بسلام يا أخانا  الحبيب ، وربنا يسوع المسيح يكون معك ويباركك كمثل مشيئته الصالحة".

        وللوقت خرج من الدير وصعد إلى رأس الجبل فوجد سقيفا (مغارة) فسكن فيه لمدة ثلاث سنين  وكان طعامه من نباتات الجبل وأثمار الأشجار التي تنبت فيه.

نزح مار أهرون إلى جبل الأرمن فوجد هناك متوحدا يدعي اغريغوري فأقام عنده ثلاث سنوات في نسك شديد وكان يأكل مرة واحدة كل يوم أحد.

فكر أغريغوري المتوحد وتلميذه أهرون أن يذهبا إلى أورشليم لأخذ بركة الأماكن المقدسة فقاما وتوجها إلى أورشليم، وفي الطريق تنيح القديس غريغوري في إحدي القري فدفنه ابنه اهرون بعد أن كفنه وجنزه كما يليق.

        بعد ذلك واصل سيره إلى أورشليم، وفي هذا الوقت انعم عليه الله بمواهب شفاء الأمراض وأخراج الشياطين، فكان ينتقل من مكان إلى آخر في رحلته الطويلة، وفي كل مكان يحل فيه كانوا يقدمون إليه المرضي والمصروعين والذين فيهم أرواح شريرة فكان الجميع ينالون الشفاء ببركة صلاته وبمجرد أن يمسهم القديس بالزيت.

        وفي مدينة أمد التي مر بها صنع عجائب كثيرة فشفي صبيا مخلعا وآخر مجذوما وغير ذلك فلما سمع به مار تادرس أسقف المدينة استدعاه إليه واستضافه عنده. 

عرض عليه مار تادرس أن يرسمه قسا فرفض القديس ولما ألح عليه قبل الشرطونية من يده فرسمه قسا يوم أحد العنصرة ( أي عيد حلول الروح القدس).

        بعد ذلك شكر مار أهرون الأسقف مار تادرس وأهل مدينته ثم غادر المدينة، ولما وصل إلى إحدي البلاد سكن بالقرب منها لمدة 4 سنوات حيث بني ديرا صغيرا واجتمع حوله بعض الرهبان، وفي نهاية الأربع سنوات ودعهم واستأنف رحلته إلى أورشليم ، وفي طريقه نزل إلى إحدي البلاد التي كانت تعبد الأصنام وأقام فيها ميتا فآمن جميع أهل المدينة بالمسيح فعمدهم القديس أهرون القس وعلمهم مبادئ الدين المسيحي وبني لهم كنيسة.

استأنف القديس رحلته إلى أورشليم فوصل إلى هناك وصلي في الأماكن المقدسة وتزود ببركاتها ثم رجع إلى ديره بالقرب من مدينة سروج فوجده قد تخرب.

اغتم القديس حينما رأي أن ديره قد تخرب فأخذ يصلي لله أن يهديه إلى مكان يسكنه، وفي نصف الليل ظهر له ملاك الرب، وبعد أن أعطاه السلام قال له: "قم أذهب إلى جبل الأرمن واسكن هناك". فقام واجتاز نهر الفرات ومشي أياما كثيرا ولقي صعوبات عديدة، أخيرا وصل إلى ذلك الجبل وكان يعيش بجهاد صعب ونسك عظيم. سمع به الناس القريبون من ذلك الجبل فأتوا إليه فكان الرب يعمل علي يديه آيات وعجائب كثيرة. ومكث في ذلك الجبل ثلاث سنوات ثم أرشده ملاك الرب إلى مكان آخر بقرب من نهر الفرات فذهب إليه وسكن فيه.

ذاع صيت القديس في تلك الأماكن فقصده الناس طلبا للمشورة أو للشفاء من بعض الأمراض  وسكن معه في ذلك الجبل خمسون شابا تتلمذوا علي يديه وصاروا رهبانا تحت رعايته.

دخل روح نجس في ابنة ملك القسطنطينية وكان الشيطان يصرخ : "إن كان أهرون السروجي لا يجئ فأنا لاأخرج". فأرسل الملك ثلاثة رسل إلى بلاد المشرق يبحثون عن القديس أهرون فسافروا أياما كثيرة وهم يسألون عن مكانه حتى وصلوا إليه أخيراً، وأعلموه بطلب الملك، فقبلهم وأراحهم ثم قال لهم أمضوا أنتم بسلام والله يفعل ما يشاء وسأسبقكم إلي هناك.

        بعد ذلك صلي القديس مع تلاميذه وتناول من الأسرار المقدسة ثم ودعهم متوجها إلى القسطنطينية، وفي الطريق كان ينزل إلى بعض الأماكن ويصنع قوات عظيمة واشفيه كثيرة.

        لما وصل إلى القسطنطينية استقبله الملك وفرح به وقدم له البنت التي فيها الروح النجس وهي تصرخ وتزبد، فلما نظرها القديس معذبه بهذا المقدار دمعت عيناه وصلي قدام الرب ثم أمر الشيطان بالخروج من الصبية وألا يعود إليها مرة أخري، فخرج الشيطان وعوفيت الصبية ففرح الملك وكل البلاط بشفاء الأميرة، ثم قال الملك للقديس أهرون: "أطلب منى ما شئت أعطيتك إياه" فطلب من الملك أن يتبرع ببعض المال لديره الذي ببلاد المشرق لإقامه كنسية وبعض المباني الأخرى وتوصيل المياه اللازمه للدير، ففرح الملك بطلب القديس ووعده بإرسال الأموال والرجال اللازمين لعمل كل ما يحتاج الدير، ثم ودع القديس الملك ورجع قاصدا ديره، وفي أثناء رجوعه نزل بعض البلاد وعمل آيات وأشفيه وأخرج شياطين من كثيرين.

أخيرا وبعد سفر طويل وصل إلى الدير بسلام ووجد تلاميذه ينتظرونه بفارغ الصبر فلما رأوه فرحوا فرحا عظيما جدا كمن وجد جوهره كريمة كثيرة الثمن.

        وبعد قليل وصل الصناع والفعله المكلفون من قبل الملك بعمل الأبنية اللازمة للدير فبنو كنيسة وبعض المباني الأخرى وعملوا مجاري لتوصيل المياه إلى الدير.

استقر القديس في ديره مع تلاميذه فكان يعمل نسكيات عالية وارتفع جدا في الفضائل الملائكية وكان الله يصنع علي يديه الكثير من الآيات والمعجزات  وكان الناس يأتون إليه من جميع الأٌقطار ومعهم المرضي والمصابين بأمراض مستعصية أو أرواح شيطانية وكان الرب يمنحهم الشفاء بصلوات القديس .

        ولما شاخ القديس وشبع أيامه حضرته الوفاة فجمع أولاده ال76 الموجودين بالدير وأوصاهم قائلا: "يا أولادي أنا منتقل من هذه الحياة إلى عند المسيح فانظروا إلى أنفسكم وتدبروا بمخافه الله كما يليق بشكلكم المقدس وزيكم الرهباني . وعيشوا مع بعضكم بالمحبة والسلام ، وسيكون الأخ توما هو مدبركم ومرشدكم بعدي".

وبعد ذلك أخذ يصلي ثم قال: "أيها الرب أقبل روحي" وللوقت أسلم روحه الطاهرة بيد الرب الذي أحبه وتنيح بسلام في يوم أحد العنصره أي عيد حلول  الروح القدس من شهر آيار(مايو) سنة 648 م وله من العمر 118 سنة ودفنوه في كنيسة الدير .

بركة صلاته فلتكن معنا.أمين.