الفتى ايلاريون والذين معه

عن كتاب: القراءات الكنسية والأسرة المسيحية

 إن عناية الله التي أعلنها في  مجيء ابنه الوحيد فائقة، ولا يمكن لمن يرى ما يحدث للشهداء الأبرار أن ينكر محبة الله لهم، لأنهم عندما وثقوا به. كانوا في الحقيقة قد قرروا أن يسيروا في طريق الآلام مع ربنا يسوع. وأن يحسبوا ذبيحة مثله فينالوا به إكليل الانتصار علي العدو المقاتل لجنس البشر. الحية القديمة التي أغوت  الإنسانية، وعلمت البشر التفاخر  والكبرياء والقتل. فالشيطان هو مصدر البغضة، وهو المهلك الذي يزرع القتل والخصام.

أنا تيموثاوس الشماس بنعمة الله. حضرت اعتراف ايلاريون وهو صبى ( فتى) من كنيسة الإنجيلي مرقس. كان قد رأى استشهاد أبيه وأمه وأخيه وأختيه. مع جمع كبير في المدينة لأن الجند دخلوا البيوت وجروا العذارى من شعورهن وقطعوا أجسادهن بالسيوف، أما الأطفال فقد داسوا البعض منهم تحت أقدام الخيول، والبعض الآخر القوهم في نار عظيمة وهائلة أشعلها الوثنيون ، الذين كانوا يغنون ويرقصون علي أصوات صلوات كهنة الأوثان، فذبحوا المؤمنين الذين رفضوا الاعتراف بالإلهة الكاذبة . أما ايلاريون الذي رأي ما حل بوالديه  أخيه وأختيه، فقد أصيب بالخوف والفزع  وجرى هائما علي وجهه في شوارع المدينة، وفي غمرة الاضطراب والقتل ونهب الأمتعة وإشعال النار في المتاجر، لم يلتفت أحد إلى ما حدث  لهذا الفتى الوحيد، أما هو فقد سار علي غير هدف بعد أن تعب من الركض، حتى دخل المقابر وهو لا يعلم… ولما انتبه إلى هدوء المكان جلس تحت شجرة يبكى حتى نام من التعب.

أن الرب الذى قال: "جميع شعور رؤوسكم محصاة، وشعرة من رؤوسكم لا تسقط بدون أذن أبيكم الذى في السموات، هيأ له أن يرى رؤيا عجيبة أثناء نومه: فقد رأى الشهداء وهم يستعدون للاعتراف بالمسيح  الإله الحقيقي. وكلما اعترف واحد منهم سطع عليه نور فائق، أما عندما يقترب السيف من جسده فان الجسد ينشق ويخرج منه كائن نوراني هوهو ذات الشخص ولكنه في بهاء فائق.  وجاء ورأي أبيه وأمه بعد أن اعترفوا، إنهم صاروا في بهاء فائق وجاء الملاك ميخائيل العظيم في طغمات السمائين ووضع إكليل نور مثل الجواهر الثمينة علي رأس أمه وعلي رأس أبيه وفعل نفس الشيء  بأخيه وأخته. ولما  نظر ايلاريون هذه الرؤيا تعجب لأن أجساد الذين رآهم لا ينزل منها الدم، ولا ترى فيها أثار الجراح أو حريق. ولما أفاق من النوم ابتهج بالرؤيا وأحس بالجوع فجلس يفكر ماذا يفعل في أمره

ولأن الرب محب البشر لم يشأ أن يتركه وحيدا أرسل له شيخا عظيما في الإيمان والمعرفة، فقاد الروح القدس الشيخ إلى المقابر وسار به حتى وصل إلى ايلاريون. ولما نظره الشيخ ابتسم في وداعة المسيح وقال لـه: "أأنت ايلاريون". فتعجب وقال لـه:" نعم يا أبى". فرد عليه وقال له: "لماذا أنت هنا؟". فقال: "لست أدرى" وغلبته الدموع، وجلس الشيخ علي الأرض وجلس ايلاريون معه وأخرج الشيخ كيسا وأعطاه زيتونا وخبزاً يابسا وصليا صلاة الشكر وأكل كل منهما مقداراً قليلاً. وقال الشيخ أظن أنك متوجع مما رأيته، وأنك تسأل، لماذا أراد الله الذى هو غنى في رحمته أن يحل هذا الألم الشديد بوالدك ووالدتك وأخيك وأختيك. فصرخ أيلاريون وقال" لقد قتلوا هلبيس بعد أن جروها من شعر رأسها، أما طابيثا فقد قطعوا جسدها بالسيوف ولم يكتفوا بذلك بل ألقوها في النار. أنني لم أري أبي لأن الجنود أحاطوا به وكانوا كثرة ولم أرى من بين الجموع والخيول سوى ملابسه مغطاة بالدم. أما أمي فقد صرخت ونادتني وقالت: "لا تترك المسيح لأنه ليس لك حياة بدونه". أما أنا الشقي فلم أدرى ماذا حل بي فقد سرت في جسدي قشعريرة ولم أشعر بنفسي ألا وأنا هنا. ولكنني الآن مطمئن أكثر من قبل لأنهم سعداء في بهاء المسيح الإله. قال الشيخ: "إن الله أرسلني إليك يا ايلاريون لأنك عزيز في عينيه، ولذلك لم يشأ أن يتركك وحيداً. فأنت أبني. وأنا ليس لي أبناء ولم أتزوج. أننا سوف ندخل المدينة معا. والرب سوف يعطيني إكليل الشهداء وستراني وستعرف مقدار النعمة الفائقة التي سوف توهب لي عند سفك دمى من أجل المسيح".

وقاما معا ودخلا المدينة ومكث ايلاريون في بيت الشيخ ثيئوغنوستس  محب الإله. حيث تقابلت معه عندما أرسلني أبي الأسقف لكي أحمل طعام الحياة من الكنيسة لكي يوزع علي الذين لم يحضروا اجتماع الكنيسة بسبب الشغب. وفي صباح اليوم التالي قتل الجنود عدداً غير معروف من الرجال والنساء والعذارى والشبان والأطفال. حتى أنهم أشعلوا النار في بيت رجل وثنى يدعى ثاؤناس لأنه استضاف مسيحيا في بيته، وتبعت الجموع الذاهبين إلى الملعب الكبير، حيث جلست مع جماعة من المؤمنين فسمعت اعتراف الشهداء، ونصلى من أجل ثباتهم ونسجل الوصايا التي كانوا ينطقون بها قبل قتلهم.

وجاء الشيخ ثيئوغنوستس وسار في وقار بين صفين من الجند ووقف أمام القنصل ( الوالي) وقال لـه: "هل تظن أيها الإنسان أن الإيمان يزرع في قلوب الناس بالسيوف؟ أن الآلهة التي تحتاج إلى سيوفكم هي آلهه ضعيفة وعاجزة عن أن تعمل شيئا ولذلك تستعين بسيوفكم". وأشار القنصل فخرج مصارع ضخم من بين الجنود وأمسك برقبة الشيخ ورفعه إلى فوق وألقاه علي الأرض بقوة مثل حجر ونهض الشيخ والدم يسيل من جسده ومن يديه ثم رفع يديه وقال: "يا شعب الإسكندرية أن دقلديانوس لن يعيش طويلا ومن يملك علي عظام الناس لن ستقر ملكه"، وهجم الجنود علي الشيخ وقتلوه في طرفه عين.

أما باقي المؤمنين فقد كانوا يرقبون ذلك المشهد الرهيب، ولمحت ايلاريون واقفا في ثبات وقد أحاط رأسه بإكليل غار مثل الفائزين في الألعاب والمسابقات. ودهشت  لذلك لأن الكنيسة الجامعة كانت تطلب من محبي المسيح عدم التزين بمثل هذه الأكاليل. لأنها ليست علامة علي العبادة الحسنة. ولكن شيئا ما في قلبي أعطاني السكينة. وتقدم ايلاريون ثابتا ولمحه أحد قواد المائة فقال للقنصل: "هذا الصبي يعبد آلهة القيصر لأنه يحمل علامة الظفر"، فقال القنصل: "قدموه إلي هنا". فتقدم ايلاريون وساد الملعب هدوء عظيم. وقال القنصل: "أمسيحى أنت؟". فقال ايلاريون: "نعم أنا مسيحي". فقال القنصل: "ولكن لماذا تضع إكليل القيصرعلي رأسك". فقال ايلاريون: "أن هذا من ورق الشجر والزهور التي صنعها المسيح الإله وهو الرب والملك لكل ما فى السماء والأرض". فقال القنصل: "كم عمرك؟". فقال: "أربعة عشر سنة". ونظر إليه القنصل وقال: "هل ستموت مثل هؤلاء؟". فقال ايلاريون: "أن هؤلاء لم يموتوا بل رحلوا أحياء إلى كوره الأحياء التي لا يدخلها الموتى". فقال القنصل: "وهل توجد كوره غير هذه المدينة العظيمة الإسكندرية؟". فقال ايلاريون: "نعم إنها السماء كوره المؤمنين بالحق". فقال القنصل: "سوف أعمل بكل سرعة علي أن تصل إليها سريعا". فقال ايلاريون:" الشكر لله"  وسار بكل ثبات ونظر إلى المؤمنين وإلى أنا غير المستحق تيموثاوس وقال لنا: "إن الرب أوصانا أن لا نخاف من الذين يقتلون الجسد لأنني رأيت أنهم عندما قتلوا ثيئوغنوستس أن نورا ساطعا مسح كل مكان في  جسده  حتى لم أعد أرى  فيه إلا نورا ساطعا. إذا وجدتم شيئاً يخص أبي أو أمي فهو للكنيسة وللفقراء".

ومد رقبته في هدوء إلى الجنود وقال بصوت عظيم: "يا يسوع أنت إلهى وحياتي". ولما قال هذا… نال إكليل الشهداء. 

بركة ايلاريون وثيئوغنوستس مع القارئ والكاتب.

حاشية:

نال الشماس  تيموثاوس إكليل الشهداء بعد تعذيب طويل لأنه خدم الشهداء وكان يقويهم فضاعفوا العذاب. ولكنه لم يسقط، بل ثبت علي الإيمان…

أنا ثيؤفانوس كاتب هذه السطور شاهدت وعاينت استشهاد تيموثاوس شماس كنيسة الإنجيلي مرقس. أنا روفينوس شاهدت كيف نال ايلاريون إكليل الشهادة وبعدة الشماس تيموثاوس.