21 مسرى: نياحة القديسة ايرينى

السنكسار

وفى مثل هذا اليوم أيضا تنيحت القديسة ايرينى (أى السلامة). كانت ابنة ملك وثنى يدعى ليكينيوس. وكانت فريدة فى جمالها الطبيعى، ولمحبة والدها لها بنى لها قصرا حصينا. وجعل معها ثلاثة عشرة جارية لخدمتها، والسهر على حراستها، حفظاً لها مما يفسد بهاء شرف عائلتها. وكان عمرها وقتئذ ست سنوات، وقد ترك لها بعض التماثيل لتسجد لها وتعبدها، وعين لها شيخا معلما حكيما لتعليمها. وحدث أن رأت القديسة فى رؤيا حمامة وفى فمها ورقة زيتون. نزلت ووضعتها على المائدة أمامها. ثم هبط نسر ومعه إكليل وضعه على المائدة أيضا. وبعد ذلك جاء غراب ومعه ثعبان ووضعه على المائدة. فجزعت من هذه الرؤيا، وقصتها على المعلم الذى كان مسيحيا ـ دون أن يعرف والدها ذلك ـ  فأجابها: "إن الحمامة هى تعليم الناموس. وورقة الزيتون هى المعمودية. والنسر هو الغلبة. والإكليل هو مجد القديسين. والغراب هو الملك. والثعبان هو الاضطهاد." وختم قوله بأنه لابد لها أن تجاهد فى سبيل الإيمان بالسيد المسيح.

زارها أبوها ذات يوم وعرض عليها الزواج من أحد أولاد الأمراء، فطلبت منه مهلة ثلاثة أيام لتفكر فى الأمر. ولما تركها أبوها دخلت إلى التماثيل، وطلبت منها أن ترشدها إلى ما فيه خيرها فلم تجبها. فرفعت عينيها إلى السماء وقالت: "يا إله المسيحيين اهدني إلى ما يرضيك." فظهر لها ملاك الرب وقال لها: "سيأتيك غدا أحد تلاميذ بولس الرسول، ويعلمك ما يلزم ثم يعمدك." وفى الغد أتاها القديس تيموثاوس الرسول وعلمها أسرار الديانة وعمدها، ولما علم أبوها بذلك استحضرها، وإذ تحقق منها اعترافها بالسيد المسيح أمر بربطها فى ذنب حصان جموح ثم أطلقه. غير أن الله حفظها فلم ينلها أذى. بل أن الحصان نفسه عاد وقبض بفمه على ذراع والدها، وطرحه على الأرض فسقط ميتاً. وبصلاة ابنته القديسة قام حيا، وآمن هو وامرأته وثلاثة آلاف نفس، ونالوا سر العماد المقدس. وقد شرف الله هذه القديسة بصنع آيات كثيرة، أمام ولاة وملوك حتى آمن بسببها كثيرون. ولما أكملت جهادها تنيحت بسلام.(تذكر المراجع الأخرى أن القديسة ايرينى استشهدت بقطع رقبتها بحد السيف).

صلاتها تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.

 

الشهيدة إيرينى

عن كتاب: القديسة الشهيدة ايرينى إصدار دير الشهيد أبى سيفين للراهبات بمصر القديمة 

فى عصر الامبراطور نيرون وحوالي عام 65م كان ليكينيوس ملكاً علي مدينة ميقدونية باليونان، وكانت زوجته ليكينيا مسيحية سراً ، وهى من نسل الأمراء، امرأة تقية تخاف الله ، تقوم بالعديد من أعمال الرحمة . فكانت تعطف علي الفقراء والمساكين وتمد الأيتام والأرامل باحتياجاتهم دون علم زوجها فهو كان وثنياً عابداً للأوثان.

 وفي ملئ الزمان أراد الإله الحنون أن يفرح قلب الزوجة ليكينيا ـ إذ لم يكن لها نسل طوال مدة خمسة عشر عاماٌ ـ فرزقها بابنة فدعوها باسم بينالوبى وبسبب جمالها الباهر، خشي عليها والدها وأخبر زوجته برغبته في بناء قصر حصين لتقيم فيه ابنته، فلا تحتاج للخروج حتى تبلغ سن الزواج. فوافقته الملكة على ذلك وفى الحال أصدر أمراً ببناء القصر.     

 استدعي الملك عدداً كبيراً من مهرة البنائين والنجارين وحدد لهم موقع القصر. وفى أقل من عام تم بناؤه. فكان يتكون من ثلاث طوابق، وبه ستين نافذة وأربعة عشر باباً وأثنى عشر حصناً ويعلوه ستة عشر قبة. وكانت أبوابه من العاج والأبنوس، والحدائق تحيط به من كل جانب. كما أقام ليكينيوس لابنته فى أعلى القصر معبداً سقفه مرصع بالذهب، وزين جدرانه وأرضه بالرخام الفاخر وأقام فيه عرشاً من الفضة والذهب وفى داخل المعبد مذبح من الذهب يعلوه منارة من الفضة. وعند الانتهاء من العمل سر الملك ليكينيوس من فخامة وجمال القصر إذ وجدة يتناسب مع ابنته، التى يصف جمالها بأنه يماثل جمال الشمس.

          وعندما رأى اكتمال البناء، دعي خمسة ملوك وعدداً كبيراً من عظماء ورؤساء الجيش الملك هو و زوجته مع ابنته التى كانت تبلغ  من العمر وقتئذ ست سنوات و قال لها: "اعلمي يا ابنتي أنني قد بذلت كل جهدي لأعد لك هذا القصر الذى ليس له نظير فى العالم وقد رأيت أن أدخلك اليوم لتقيمي فيه إلى أن تبغي سن الزواج، وسيكون معك ثلاثة عشر جارية لخدمتك وسأحضر لك أيضاً اثني عشر إلهاً لتتعبدي لها وليحفظوك. وسوف أزورك أنا ووالدتك مرة كل أسبوع."  عندما سمعت بينالوبى هذا الكلام، تأثرت جداً وقالت لوالدها: "أتريد يا أبى أن تدخلني فى جب وأنا مازلت على قيد الحياة ولا أسمع صوت أب ولا أم." حينئذ بكت الملكة واحتضنت ابنتها. وخيم حزناً شديداً على الجميع إلا أن الملك أمر بوقف النوح والبكاء وبدخول الابنة على القصر. ونفذ الأمر.

          دخلت الابنة القصر، وأغلق الملك الباب وختمه بختامه وأمر الحراس ألا يدخل أحداً إلا هو والملكة والمعلم الشيخ أمبليانوس ليعلمها القراءة والكتابة والحكمة والآداب اليونانية كما هو معتاد مع أبناء الملوك فى ذلك الزمان.

وذات يوم بينما كانت بينالوبى جالسة فى القصر أمام نافذة شرقية، رأت حمامة تدخل وفى فمها غصن زيتون ووضعته فوق المائدة وطارت خارجاً. ثم دخل نسر وفى فمه إكليل مزين بالزهور الجميلة جداً ووضعها على المائدة ثم طار. ثم دخل غراب من نافذة غربية وهو يحمل حية مطوية ووضعها على المائدة وطار. فزعت بينالوبى من هذا المنظر. ولما حضر معلمها أمبليانوس أخبرته بما حدث. تأمل المعلم قليلاً ثم نطق روح الله على لسانه قائلاً لها: أسمعى وأصنعى يا ابنة الملك: الحمامةهى تعاليم الناموس وفم الحكمة، وورق الزيتون هو ختم ورسم المعمودية، والنسر هو ملك عظيم القوة، والتاج هو الإكليل المعد للغالبين ومرتبة سمائية عالية،  أما الغراب فهو ملك ضعيف جداً، والحية المطوية هى عدو يجلب الأحزان والتجارب والضيقات. فاٌعلمي يا ابنة إنك ستدعين من الملك الأعظم ولكنك ستذوقين ألم العذاب ويسلمك أبوك ليد الأعداء.

وفى اليوم التالى، قال الملك ليكينيوس لزوجته هيا بنا نزور ابنتنا. وعندما دخل، رأى وجهها يضئ كشعاع الشمس. ففرح بها جداً. وعندما بلغت بينالوبى سن الثانية عشرة من عمرها، تقدم لها الكثير من أولاد الملوك. فذهب إليها والداها ليستشيروها فى اختيار الزوج. فأجابته قائلة: "أمهلني يا أبى سبعة أيام لأفكر فى الأمر ثم أخبرك." فوافق والدها على طلبها وانصرف.

أما هى، فقامت لتستشير الآلهة الأصنام فى أمر زواجها وظلت أمامها لمدة ساعة تنتظر إجابة ولكن دون جدوى. فاتجهت بعد ذلك نحو النافذة التى فى الشرق وقالت: "ياإله النصارى إن كنت أنت هو الله الواحد كما يحكى عنك فعرفني واختار لى ما هو الأصلح واعلمني مافية الخير واهدني إلى معرفة ذلك بقدرتك."         

فى تلك الليلة، أرسل لها الرب ملاكه الذى قال لها: "من الآن لا يكون أسمك بينالوبى بل إيرينى لأنه سينجو ويخلص ألوف وربوات من الرجال والنساء بواسطتك ويؤمنون على يديك. ويكون اسمك عظيماً فى ملكوت السموات وتصيرين عروساً للختن الحي السمائى. وتتمتعين معه بالحياة الأبدية. وسيحمل إليك ملاك الرب عن قريب، رجل الله الأسقف تيموثاوس، تلميذ الكارز العظيم معلم المسكونة بولس الرسول، الذى سيأتيك ليلاً ويعرفك طريق الرب ويعطيك صبغة المعمودية المحيية باسم الآب والابن والروح القدس." وبعد أن شددها ملاك الرب وقواها، اختفي.

فرحت إيرينى جداً بهذه الرؤيا وظلت طول الليل تنتظر حضور رجل الله القديس تيموثاوس.وعند الفجر، انشق جدار القصر ودخل ملاك الرب ومعه رجل الله القديس تيموثاوس الذى بادرها بقوله: "اخبريني يا ابنتي بأمرك لأنه من أجلك اختطفني ملاك الله من أفسس وأتى بي إلى هنا." سجدت الفتاة بين يدي القديس وبدأت تسرد له الرؤيا وتفسير معلمها. ثم أعلمته بحضور ملاك الرب وبكل ما قاله لها. حينئذ أعلمها القديس بالأمانة كاملة ووصايا الله وطريق الخلاص. فأنار الله عقلها وقلبها، فقبلت بشارة الإيمان بفرح عظيم هى وجواريها. فقام القديس تيموثاوس وعمدها ودهنها بمسحة الميرون المقدس ودعاها باسم "ايرينى" كقول الملاك. كما عمد القديس أيضا الثلاثة عشر جارية اللواتي كن معها ثم أوصاهن بحفظ وصايا السيد المسيح وممارسة حياة الصوم والصلاة. ثم انطلق مع ملاك الرب.

مجدت القديسة إيرينى الله خالق السموات والأرض الذى أرشدها إلى طريقه. وفى الحال أسرعت وطرحت تماثيل الآلهة الإثني عشر من نافذة القصر إلى أسفل. وبعد مرور سبعة أيام جاء إليها والدها وقال: "هيا انزلي معى إلى البلاط ليرى الملوك جمالك." أجابت القديسة: "اعلم يا ولدى إنى قد دعيت لأكون عروساً للملك الأعظم يسوع المسيح واعتمدت باسم الثالوث الآب والابن والروح القدس الإله الحى الأزلى خالق المخلوقات بكلمته وهو ديان الأحياء والأموات." فقال الملك: "هل صرت نصرانية من عبدة يسوع المصلوب؟" أجابت: "نعم وقد ألقيت بيدي الآلهة المضللة من أعلى القصر، فتكسرت جميعها ولم يكن لها أدنى قوة لتدافع عن نفسها. فهي لها أفواه ولا تتكلم. لها أعين ولا تبصر. لها آذان ولا تسمع كذلك ليس فى أفواهها نفس. مثلها يكون صانعوها وكل من يتكل عليها. اعلم يا أبى أن رجاؤكم بها باطل وذهبكم وفضتكم التى تزينون بها هذه الحجارة الصماء كلها ضائعة. وإن كنت قد تعجبت يا أبي من بناء هذا القصر الذى تم فى أقل من عام. فكم يكون تعجبك إذا علمت أن رب السماء والأرض خلق الكون كله فى ستة أيام وهو الذى خلق الإنسان وأعد له كل شئ. لقد أرسل الله كلمته الابن الوحيد الذى صلبه اليهود وتألم بالجسد من أجلنا ومات ودفن وقام فى اليوم الثالث وصعد إلى السموات بمجد عظيم وجلس عن يمين الله. وأرسل روح قدسه إلى تلاميذه فى شبه ألسنة نار فامتلئوا نعمة وحكمة، فشفوا المرضى وأقاموا الموتى وأخرجوا الشياطين. وقد أنعم الله علي بمجيء تلميذه الذى عمدني باسم الثالوث المقدس. فأشكر الله الذى أهلني لهذه النعمة العظيمة. هل بعد ذلك يا أبي أترك المسيح الإله العظيم وأعبد آلهة صنعة الأيادي. ألا تعلم يا أبى مقدار فرحى لو قبلت أنت المسيح واعتمدت باسمه، فانك ستشاهد نور الله كما شاهدته أنا. وسينير قلبك وفكرك وعقلك وستهرب الشياطين خازيه وستكون ظافراً."

ظل الملك مذهولاً من كلام ابنته وغير مصدق لما تقوله. فقام وصعد إلى أعلى القصر، فلم يجد الآلهة وعندما تطلع من النافذة إلى أسفل وجدها مطروحة على الأرض مهشمة. فامتلأ قلبه غيظاً وغضباً وأمر بجمع الآلهة المكسورة وحملها إلى البلاط. ثم حاول أن يلاطف ابنته وأخذها معه لعلها ترجع إلى صوابها وتغير معتقدها الجديد.

وفى الصباح استدعى الملك زوجته وقال لها: "ألا ترين ماذا فعلت ابنتنا وكيف رفضت عبادة آلهتنا. كنت أريد أن أزوجها. والآن لن يرضى بها أحد لأنها لا تكرم الآلهة." أجابت الزوجة: "دعها الآن ولا تحزنها لأنها وحيدتنا، وأتركها قليلاً لعلها ترجع من ذاتها إلى عبادتنا." ثم صمتت قليلاً وقالت: "ولكنك ألا ترى أيها الملك إن الآلهة حقاً لم تخلق السماء والأرض. وإن ابنتنا على حق لأنها اختارت أن تعبد إلهاً قادراً. فمباركة هى ومبارك هو إلهها الذى تسبح اسمه وتدعوه مسيحاً ومخلصاً فهو حقاً نور العالم."

حينئذ استشاط الملك غضباً عند سماعه كلام زوجته وأمر بطردها من البلاط.. فأخرجها أعوانه فى الحال. فأسرعت إحدى الجواري وأخبرت القديسة إيرينى بما حدث. وهنا رفعت الطوباوية إيرينى قلبها وصلت إلى الله ليعطيها نعمة وقررت الذهاب لمقابلة والدها. وحاول الخدام أن يثنوها عن مقابلته فى هذا اليوم نظراً لشدة غضبه وحنقه عليها إلا أن القديسة أصرت على طلبها وقالت لهم: "حي هو الرب. لا بد لى أن أراه اليوم."

ذهب الخدام وأخبروا الملك، فأذن لها بالدخول. ولما مثلت بين يديه، ازداد غضبه منها فقالت له القديسة: "لماذا أراك يا أبى عابس الوجه، حزيناً، كئيباً، مهموماً، ألا ينبغى لك أن تفرح."

فنظر إليها وقال: "ليتك لم تولدى يا ابنتي حتى لا أكون حزيناً بسببك. فقد بنيت لك قصراً فخماً ودعيت الملوك والوزراء وعظماء الروم لأفرح بك، فحولت فرحى إلى حزن."

قالت القديسة: "تمهل يا أبى وكن طويل الروح والأناة، فأنا ابنتك وبين يديك، والقصر محفوظ وكل ما فيه، فلماذا  تحزن ولماذا طردت أمي باطلاً؟"

أجاب الملك: "لو لم أكن قد قدمت لك الخير ما كنت صرت حزيناً، فلأجلك شيدت هذا القصر العظيم وزينته بكل زينة وأقمت حوله الأسوار الشاهقة وزرعت حوله البساتين والحدائق الباهرة، وكنت أود أن أجد منك الطاعة ولكنك عوض الخير كافأتني شراً."

·        "أي شر اقترفته يا أبي؟"

·        "كيف لا أغضب ولا يطير عقلي وأنت قد أمنت بيسوع المصلوب وجحدت الآلهة وحطمتتها، هيا الآن، عاودي السجود لها لأرضى عنك."

·        "كيف أفعل ما تقوله يا أبي بعد أن دعاني ربي وإلهي باسم إيرينى، فليكن إيماني بالمسيح هو شرف لك، وأتمني أن تؤمن أنت وكل من معك بهذا الإله الحقيقي."

·        "اعلمي إنك لست ابنتي إن لم تفعلي ما قلته لك، فهلمي الآن واذبحي للآلهة."

·        "لن أذبح للشيطان، لا تتعب نفسك معي."

ازداد غضب الملك وتغير لون وجهه، وصرخ فى وجهها قائلا: "منذ الآن لست ابنتى، أنك ابنة العدو." وفى الحال أصدر أمراً بأن تجرد الطوباوية من ثيابها وتقيد يديها ورجليها وتطرح تحت أرجل الخيول الجامحة حتى تداس بين أرجلهم.

أخذ الجند القديسة ايرينى ومضوا بها إلى الإسطبل وهناك نفذا أمر الملك وهم يبكون عليها. أما الملك فجلس ليرى ما سيحدث لها لحظة فك الخيول من رباطاتهم. لقد حدث ما لم يتوقعه الملك، فقد صهل أحد الخيول صهيلاً شديداً وأسرع يجفل وضرب الملك بأقدامه الخلفية فى صدره، فسقط على الأرض صريعاً كما جذبه من ذراعه الأيمن وخلعه، وفى نفس اللحظة انحلت القديسة بقوة الله من قيودها. فتعجب كل الحاضرين مما حدث، ومجدوا إله الطوباوية ايرينى وسجدوا عند أقدامها وطلبوا منها أن تصلى إلي إلهها ليقيم والدها الملك. وقفت القديسة أمام جثة والدها، وضمت ذراعه المقطوعة إلى مكانها ورفعت عينيها نحو السماء وصلت بدموع إلى الله قائلة: "يارب الأرباب وإله الآلهة، ربي يسوع المسيح الناصري ابن الله، الإله الحق المتشوق لخلاص كل أحد. تحنن يارب على والدي وأقيمه بقوتك وأظهر عجائبك وقدرتك الإلهية أمام كل هؤلاء الغير عارفين بك من أجل مجد اسمك حتى يعلم الجميع أنك أنت هو الإله رب السماء والأرض."

وما أن ختمت القديسة صلاتها حتى قام والدها وعادت ذراعه صحيحة فى مكانها، كأن لم يلحقه أي أذى. ولما نظر الحاضرون ما حدث، صاحوا قائلين: "عظيم هو إله القديسة ايرينى، فهو الإله الحق وليس إله سواه." وآمن فى ذلك اليوم عدد كبير من الجمع يصل إلى ثلاثة آلاف نفس.

نهض الملك وأخذ ابنته بين أحضانه وقبلها قائلا: "مباركة أنت يا ابنتي، حقا إنك طاهرة، وما أحسن شهادتك، عظيمة هى قوة إلهك، فأنت سبب بركة وخلاص، فقد صرت نوراً لنا. منذ هذه اللحظة أعلن مسيحيتي وأؤمن أن إلهك هو الإله الحق الذى ينبغي له التكريم والتعظيم. وأعلمك إنني آمنت على يديك بالإله يسوع المسيح ولا حاجة لى إلى المملكة الفانية فإني سأتركها إلى آخر يدبرها." ثم أمر الملك باستدعاء زوجته. ففرحت القديسة بإيمان والدها ورجوع والدتها إلى القصر. وبعد عدة أيام حضر الأب الأسقف ووعظهم وعلمهم الإيمان المسيحي والوصايا المقدسة ثم عمد الملك وكل الذين آمنوا معه. ونصحه أن يقضى بقية حياته فى أصوام وصلوات وعمل الخير.

حينئذ ترك الملك البلاط وذهب مع زوجته إلى قصر ابنته حيث قضى بقية حياته عابداً للرب تاركاً الملك. أما القديسة، فذهبت إلى بيت الشيخ المعلم أمبليانوس، وكانت تبشر الجموع بالإله الحقيقي يسوع المسيح وتعلمهم وصايا الله المقدسة.

انتشر خبر إيمان الملك ليكينيوس واعتزاله الحكم وسمع الملك صيديكوس الذى أرسل إليه عشرة من جنوده، طالباً منه العودة إلى رئاسته. وعندما قرأ المغبوط ليكينيوس رسالة صيديكوس قال لرسله: "انطلقوا إلى صيديكوس ملككم وقولوا له إنني تنازلت عن هذه الرياسة وتركتها له، فإنني كنت قبلاً أعبد الأصنام المضللة والآلهة المزيفة والشياطين دون الإله الحي ولكن الرب أحبني ورحمني وأنقذني من تلك الضلالة وأرشدني إلى طريق الحق ونقلني من الظلمة إلى النور. فقد مت وقمت حياً ببركة ابنة المسيح العذراء المباركة، ابنتي ايرينى. وعاينت أموراً عظيمة لا يمكن وصفها. ولذلك صرت مسيحياً وتركت الدنيا وزهدت ملكها."

وعندما وصلت هذه الرسالة إلى صيديكوس بعث إليه رسالة ثانية يقول فيها: "اخبرني ما الذى دفعك إلى الكفر بالآلهة العظيمة واحتقار ممتلكات الدنيا وثرواتها."

أجاب ليكينيوس: " لقد تخليت عن الملك وفضلت حياة الفقر على الثروة والجاه واخترت الخضوع لإلهي يسوع المسيح وهو سيعوضني عن هذا العالم الفاني بعالم أبدى وملك سمائي لا يزول."

وعندما قرأ صيديكوس هذه الرسالة، اغتاظ ولكنه فرح لأنه سيملك أضعاف ملكه. وبعد مرور خمسة عشر يوماً ركض صيديكوس ومعه جيش عظيم إلى مدينة ميقدونية. فذبح للأوثان، وتسلط على كل ممتلكات ليكينيوس. ثم سأل عن سبب تحوله عن عبادة الآلهة، فعلم أن ابنته إيرينى هى السبب فى ذلك. ولما تقصى عن أخبارها، علم أنها في بيت معلمها الشيخ أمبليانوس، تأكل مرة واحدة فى الأسبوع، وتنام على الأرض وتقضى الليل كله فى الصلاة. أما فى النهار فتجول تكرز بالإيمان باسم المسيح.

لما سمع صيديكوس هذه الأخبار، استدعى أرطميس رئيس جنده وأمره بأن يمضى مع مجموعه من الجند والفرسان إلى بيت أمبليانوس ويحضر له الفتاه إيرينى. ولما مثلت الطوباوية بين يديه، خاطبها برفق ولطف قائلا لها: "هلمي يا ابنتي لنجلس سويا."

قالت القديسة: "أنا لا أجلس مع عابدى الأوثان، ولا أخاطبهم."

·        "اتركي عنك هذه الأوهام وتقدمي واذبحي للآلهة. وإلا ستعرضى نفسك لعذابات مريرة."

حينئذ صاحت إيرينى في وجهه قائلة: "ما هى آلهتك إلا شياطين مضللة، أما إلهي فهو الإله الحي القادر أن يخلصني بنعمته وقوته."

·        "لو أطعتى أمري، سأزوجك، وأجعلك ترثى أنت وزوجك مملكة أبيك."

·        "اعلم أيها الملك إنى أؤمن بالسيد المسيح ولا أريد أن يكون لى ملك أرضى."

حينئذ احتد صيديكوس غضباً وقال لها: "سترغمينني على الإساءة إليك."

أجابت الطوباوية: "لن يحدث هذا أبداً، لن أقرب قربانا للآلهة الصماء بل أقدم نفسي لإلهى يسوع المسيح ابن الله الحي الذى وهبت له ذاتي."

حاول الملك مراراً تارة بالوعد وأخرى بالوعيد أن يثنى القديسة عن ثباتها ويجبرها لتضحى للآلهة ولكن كل محاولاته باءت بالفشل دون جدوى حتى استشاط غيظاً، إذ رأى نفسه عاجزاً عن الوصول إلى مأربه، لذا أمر أعوانه بأن يعلقوا القديسة من شعرها حتى المساء ويكرروا عليها طلب التضحية للأوثان، فإذا أطاعت، يصفح عنها وإذا لم تطع سيعد لها عذاباً أشد. نفذ الجند الأمر، أما القديسة فقد ظلت ثابتة لم تتزعزع عن إيمانها. كان وجهها يشع نوراً وفرحاً واستمرت معلقه هكذا حتى المساء ثم أمر الملك بإنزالها وقال: "ألم يكفيك هذا حتى تخضعي لآلهة المملكة فتخلصي من العقاب."

أجابت القديسة: "أن جميع آلات التعذيب لا تخيفني لأنه كما أن الأرض لا تأتى بثمار مضاعفة إن لم تحرث أولاً بالحديد فكذلك الجسد أيضا لا يحظى بالفردوس أن لم يتألم."

اغتاظ الملك من كلمات القديسة وطلب من قائد الجند أن يقترح عليه عذابا يعذبها به لتموت سريعاً. فأشار عليه أن يحفروا جباً عمقه ثلاثون ذراعاً وتطرح فيه حيات لاذعة وحشرات ضارة ثم تلقى فيه القديسة منكسة الرأس فتلدغها الحشرات وتموت جزاء عصيانها. وافق الملك على ذلك وحفر الجند الجب وألقوا فيه عددا لا يحصى من الأفاعي والحيات والعقارب ثم أحضر الملك الطوباوية إيرينى وقال لها: "هيا لننظر إن كان إلهك سيخلصك أم لا."

أجابت القديسة: "الله هو ملكي، صانع الخلاص فى الأرض. أن ربى وإلهى يسوع المسيح هو المهتم بي وهو الذى حفظ الثلاثة فتية فى أتون النار وصار لهم كالندى الرطب حتى خرجوا منه، وهو الذى أخضع السباع لدانيال فى الجب. وهو قادر أن يحفظني سالمة."

حينئذ قال الملك للخدم: "ألقوها سريعاً فى الجب منكسة الرأس حتى ننظر إن كان إلهها سيخلصها أم لا."

صلت الطوباوية ورسمت على نفسها علامة الصليب. ثم قام الجند بطرحها فى الجب. وقبل أن تصل إلى القاع، انحدر إليها ملاك الرب وامتلأ الجب نوراً، فالتصقت الحيات والعقارب بجدران الجب وماتت جميعها. فأخذت القديسة تسبح وتشكر الله قائلة: "ياربى يسوع المسيح الإله الحق من الإله الحق الذى خلصتنا من الضلالة وعبادة الأوثان وأعطيتنا السلطان أن ندوس الحيات والأفاعي والعقارب، أشكرك لأنك خلصتني من هذه الحيات السامة المميتة. أمجدك ياربي يسوع المسيح لأنك أرسلت ملاكك وحفظني."

ترك الملك القديسة فى هذا الجب لمدة أربعة عشر يوما دون طعام أو شراب. ثم طلب إصعادها وقال لها: "لقد رأيت الآن كيف حفظتك الآلهة فهيا الآن تقدمي وبخري لها شاكرة إياها."

أجابت القديسة: "إنى أعترف بفضل إلهي وقوته أما أصنامك فهي من الخشب والحجارة صنعة الإنسان لا قدرة لها لأن تميت أو تقتل الحيات فإن ضلالتك ستقودك إلى الظلمة والنار الأبدية."

اغتاظ الملك جداً وحنق عليها وأمر الخدام بنشر جسدها نصفين من أعلى إلى أسفل بمنشار كبير فربطوها وبمجرد أن وضعوا المنشار على رأسها، انكسر إلى نصفين ولم يضرها بأي أذى. حينئذ طرد الملك النجارين وأحضر غيرهم وأمر أن تبسط القديسة على الأرض وتشد وتنشر يديها ورجليها. فنفذوا الأمر فى الحال وفرح الملك بالانتصار. أما القديسة فقد احتملت هذا الألم القاسي بصبر وشكر ولم تفتر عن الصلاة إلى الله طالبة أن يتمجد أمام الجموع.

صاح الملك قائلا: "أين هو إلهك وأين هى قوته التى تفتخرين بها."

ولكن الله لم يمهله ليكمل سخريته، فقد حدثت بروق ورعود عظيمة وزلزلة أرهبت الجمع. فأمر الملك أن يوضع حجر كبير فوق صدرها ثم فر هارباً هو ومن معه تاركين القديسة بمفردها. حينئذ أسرعت إليها امرأة مؤمنة تدعى كيريا وحاولت رفع الحجر فلم تستطع فظهر ملاك الرب وحل القديسة ورفع عنها الحجر ولمس كل جسدها فصار معافاً كما أعاد أعضاءها المقطوعة إلى جسدها وشفيت وقامت ومشت وهى تمجد الله صانع العجائب.

لما رأى الجمع ما حدث للقديسة أعلنوا فى الحال لإيمانهم قائلين حقا إن إله إيرينى هو الله الواحد الذى أرسل الرعد والبرق وقتل فاعلي الشر. وآمن فى ذلك اليوم حوالي ثمانية آلاف نفس.

وعندما وصل هذا الخبر إلى مسامع الملك تحير جداً وسأل أعوانه عما يفعله بتلك الساحرة حتى لا تضل الناس بسحرها. فاقترح القائد على الملك: "نمضى بالساحرة إيرينى إلى منحدر النهر ونحجز المياه لمدة ساعة ثم نربطها ملاصقة للساقية، ونطلق الماء عليها بشدة، فتدور الساقية بسرعة فتمزق جسدها."

قيدت القديسة بجوار الساقية إلا أن الماء توقف وتحول عن مجراه إلى الجانب الآخر ونجت الطوباوية من شر الأشرار. فلما رأى الملك والحاضرون معه ما حدث، اندهشوا وتعجبوا جداً، وصاحوا قائلين: يا إيرينى كيف أثر سحرك على الماء. ارحمي نفسك واذبحي للآلهة لتستريحي من العذاب.

حينئذ أمر الملك بوضعها فى السجن إلى أن يهتدي فكره إلى نوع آخر من التعذيب. أما أهل المدينة، فقد ثاروا على الملك وتآمروا على قتله، وطاردوه بالحجارة حتى أخرجوه خارج المدينة ولم يلبث حتى مات سريعا.

ولما سمع سابور ابن الملك ما حدث لأبيه صيديكوس قام مسرعاً وأخذ معه مائة ألف مقاتل قاصداً مدينة القديسة. فلما رأى أهل المدينة ذلك، خافوا جداً وأخبروها بأن مدينتهم ستخرب بسببها. فطمأنتهم القديسة قائلة: "لا تخافوا يا أخوتي بل دعوني أخرج لملاقاة الملك وبنعمة إلهي سأجنبكم شره." فسمح لها أهل المدينة بالخروج وكان يسودهم إيمان عظيم بأن الله الذى قتل الحيات والعقارب السامة فى الجب وكسر المنشار الحديدي وخلصها، هو قادر أن ينجيهم بواسطتها.

وعندما وقفت القديسة إيرينى أمام الملك وجيشه رشمت عليهم علامة الصليب وإذ بهم يصابون بالعمى. فصرخوا وطلبوا من القديسة إيرينى أن تتحنن عليهم وتطلب من إلهها أن يرد لهم البصر ووعدوها بأنهم سينصرفون عن بلدتها. فحنت أحشاء القديسة عليهم، وصلت إلى الله، فأبصر الملك وكل من معه. ولكن الشيطان قسى قلب الملك سابور بعد أن شفى. فاستدعى القديسة

وقال لها: "هلمي اذبحي للآلهة وسأصفح عنك وأمنحك نصف مملكتي."

أجابت القديسة: "لن تغريني بدهائك، فإن رغبت فى تعذيبي، فأصنع ما شئت لأنك لن تشغل ذهني عن محبتي لإلهى."

حينئذ أمر الملك سابور بحبسها فى سجن مظلم كريه الرائحة لمدة أربعة أيام حتى يفكر فى لون جديد من ألوان العذابات. وفى الليلة الرابعة ظهر لها ربنا يسوع المسيح وقال لها: "لا تخافي يا ابنتي لأني معك وأقويك حتى تتممي جهادك فتشددي وتقوى ولا تجزعي." ثم باركها رب المجد وتركها مغمورة فى سلام عظيم.

فى صباح اليوم التالى استدعى الملك القديسة وأمر الجند أن يرشقوا مسامير حادة فى رجليها وتحت أظافر يديها. وأن يضعوا فوق كتفها كيساً كبيراً مملوءً رملاً. نفذ الجند الأمر وكانت القديسة تحتمل الألم بجلد شديد مستغرقة فى صلاة عميقة. ولما رأى الملك قوة ثبات القديسة استشاط غضبه جداً وأمر أن يربطوا فى عنقها حبلاً وثيقاً ويربط الطرف الآخر فى أذناب سبعة خيول ويجروا القديسة فى الشوارع حتى تتمزق إرباً ثم تلقى فى حفرة عميقة. وبينما كانت القديسة إيرينى شهيدة المسيح تشكر وتسبح الله الذى حسبها أهلاً أن تعذب من أجله، رأت عن يمينها ربوات من الملائكة يسيرون بجوارها فتعزت وفرحت جداً. وإذ بزلزلة حدثت فى المدينة، فتهدم معظم قصورها وانشقت الأرض وابتلعت الخيول وفك ملاك الرب وثاقات القديسة ونزع المسامير من رجليها ويديها فأمن فى تلك اللحظة كثيرين وصاحوا قائلين: "يا الله إله إيرينى العذراء خلصنا نحن الخطاة."

أبى الملك أن يؤمن بالله، وتوعد القديسة بأشنع العذابات وفى طريق عودته وهو مستغرق فى أفكار كثيرة للانتقام من القديسة وقع ومات. فازداد عدد المؤمنين. وتقدمت الطوباوية إيرينى ودخلت المدينة وظلت تكرز فيها وتعلم أهلها وتدعو لمعرفة الله الحق الإله الواحد.

انطلقت القديسة إيرينى بأمر إلهي لتكرز فى مدينة تدعى كالينيكيا، وكان ملكها يدعى نوماريانوس.  فكانت تعظ وتعلم سكانها كلام الله.. وحطمت الأصنام وقلبت المذابح الوثنية فقبض عليها أهل المدينة وساقوها إلى الملك الذى قال لها: "إلى متى ستستمرين على كفرك؟. هيا اذبحي للأوثان." حينئذ رسمت الطوباوية علامة الصليب المحيي وقالت: "أنظر أيها الملك إن لم ترجع إلى الرب وتخافه فاعلم أن أيامك قليلة وانقضاء حياتك قريب جداً."

غضب الملك وأمر أن يشعلوا ناراً مضاعفة تحت قدر كبير فارغ من النحاس وأن توضع القديسة فيه لتنصهر بالحرارة. نفذ الجند الأمر وألقوها فى القدر المتوهج من شدة النار. وبعد انطفاء النيران، تعجب جميع الحاضرين عندما خرجت القديسة من وسط القدر دون أدني أذى. فانضم إلى الإيمان فى هذا اليوم عدد كبير واعتمدوا على اسم ربنا يسوع المسيح.

أما الملك فمرض مرضاً خطيراً ومات. وقبل وفاته أوصى وزيره بأن يعذب خادمة المسيح بقسوة. فربطها هذا الطاغي بسلاسل ثقيلة وألقاها فى أتون نار ولكن ملاك الرب نزل من السماء وحفظ القديسة وسط اللهيب فلم تؤذها النار وخرجت سليمة. وانضم إلى الإيمان فى هذا اليوم عدد لا يحصى من الوثنيين.

استشاط الوزير غضباً وأمر سيافاً يدعي زوفيل فارسى الأصل لينهى حياة القديسة. فتقدم فى الحال وقطع رأس القديسة بالسيف فطارت روحها الطاهرة وصعدت إلى عريسها وفاديها وهى تحمل أغصان الزيتون علامة النصرة وقوة الغلبة.

بركة صلواتها تكون معنا أمين.

St. Irene

 

Mygdonie

Penelope

Ampellianos

Sedecus

Kalinikia

Numerianus

Zophil

كان ذلك فى عصر دمتيان ( 81 م- 96م ) أو فى عصر تراجان (98م- 117م) كما ذكر فى المخطوطات الأجنبية الخاصة بسيرة الشهيدة.