1مسرى: نياحة البابا القديس كيرلس الخامس بابا الإسكندرية المائة والثاني عشر

وفى مثل هذا اليوم أيضا من سنة 1643ش ( 7أغسطس سنة 1927م  ) تنيح الأب التقى الجليل البابا كيرلس الخامس، المائة والثانى عشر من باباوات الكرازة المرقسية. ولد هذا الأب فى مدينة تزمنت بمحافظة بنى سويف سنة 1831م، من أبوين تقيين فسمياه يوحنا وربياه أحسن تربية، وأنشآه على الآداب المسيحية. وكان ذا ميل شديد إلى الدراسة فى الكتاب المقدس وأخبار القديسين.

و فى سنة 1843م رسم شماساً وهو ابن اثنتى عشرة سنة، فقام بخدمة الشماسية خير قيام. ولما كان ميالاً بطبعه الفطرى الى الزهد والتقشف وحب الوحدة، فقد ترك العالم وقصد دير السيدة العذراء بالسريان بوادى النطرون، وهناك تتلمذ للأب الشيخ الروحى القمص جرجس الفار أب اعتراف الرهبان. وعلم أبوه بمكانه فحضر إليه وأخذه ولكن حب النسك الذى كان متملكا عليه لم يدعه يلبث قليلاً، فعاد إلى البرية وترهب فى دير البرموس سنة 1850م. فأحسن القيام بواجبات الرهبنة واشتهر بالنسك والعفة والحلم، حتى أصبح قدوة صالحة لسائر الرهبان. فرسموه قسا سنة 1851م، ثم قمصا سنة 1852م وكان عدد رهبان الدير فى ذلك الوقت قليلا جدا، وإيراد الدير يكاد يكون معدوماً. فكان هذا الأب يكد ويجد فى نسخ الكتب وتقديمها للكنائس، ويصرف ثمنها على طلبات الرهبان من أكل وكسوة.

وذاعت فضائله من علم وحلم وتقوى، فرسم بطريركا فى 23 بابه سنة  1591ش ( أول نوفمبر سنة 1874م ) باحتفال مهيب. فوجه عنايته إلى الاهتمام ببناء الكنائس، وتجديد الأديرة، والعطف على الفقراء والعناية بشؤون الرهبان. وفى سنة 1892م فضل أن ينفى من أن يفرط فى أملاك الرهبان، كما نفى معه الأنبا يؤنس مطران البحيرة والمنوفية ووكيل الكرازة المرقسية وقتئذ، وبعد ذلك عاد الاثنان من منفاهما بإكرام واحترام زائدين.

وقد ازدانت الكنيسة فى عصره بالقديسين والعلماء: منهم الأب العظيم رجل الطهر والوداعة والاحسان الأنبا ابرآم مطران كرسى الفيوم (كتب تاريخه تحت اليوم الثالث من مسرى) هذا الحبر الذى بلغت فضائله حداً بعيدا من الذيوع والانتشار وبلغ من تناهيه فى الإحسان على الفقراء وذوى الحاجات أنه لم يكن يدخر نقوداً. بل كان كل ما يقدمه له أهل الخير يوزعه على المحتاجين. وله من العجائب التى أجراها فى إخراج الشياطين وشفاء المرضى الشىء الكثير.

ومن العلماء الأب اللاهوتى الخطير والخطيب القدير الإيغومانوس فيلوثاؤس ابراهيم الطنطاوى، رئيس الكنيسة المرقسية الكبرى. والأب العالم الجليل والراهب الناسك الزاهد القمص عبد المسيح صليب البرموسى، الذى كان ملما إلماماً تاما باللغات القبطية والحبشية واليونانية والسريانية وقليل من الفرنسية والإنجليزية، وقد تحلى بصبر لايجارى فى البحث والتنقيب فى ثنايا الكتب الدينية فترك مؤلفات ثمينة تنطق بفضله.

وقد اتخذ البابا كيرلس المرحوم حبيب جرجس الذى كان مديراً للكلية الاكليريكية شماسا له، فكرس حياته للكلية ونهض بها، وساعد البابا فى توسيع مبانيها بمهمشة، وكان البابا يزورها ليبارك طلبتها. وكان هذا الشماس واعظا قديرا، رافق البابا فى رحلاته إلى الصعيد والسودان. وقام بترجمة الكتب الدينية من اللغات الأجنبية إلى العربية، وأصدر مجلة الكرمة لنشر الحقائق الايمانية بأسلوب إيجابي، وألف كتبا كثيرة منها: كتاب أسرار الكنيسة السبعة وكتاب عزاء المؤمنين وسر التقوى وغيرها، وقد علم وربى أجيالا كثيرة من رجال الدين الذين نهضوا بالكنيسة وملأوا منابرها بالوعظ، واصدار المؤلفات الدينية .

وقد بذل البابا البطريرك أقصى جهده فى النهوض بشعبه الى أرقى مستوى، كما اهتم بطبع الكتب الكنسية، وتنيح بسلام بعد أن قضى على كرسى البطريركية اثنين وخمسين سنة وتسعة أشهر وستة أيام.

صلاته تكون معنا ولربنا المجد الدائم. أمين.