25 أبيب: نياحة
القديس
بلامون أب
الرهبان
وفي
مثل هذا اليوم
أيضا من سنة 316م
تنيح القديس أنبا
بلامون
السائح. كان
سائحا في
الجبل الشرقي
في بلدة القصر
والصياد من
أعمال مركز
نجع حمادى
بمحافظة قنا.
وقد تعب
الشيطان فيما
نصبه لهذا
الأب من
الشراك، فلم
يقدر عليه حتى
اضطر هذا
الشرير أن
ينتهز فرصة
أخرى لينصب له
فخاخه. ففي
أحد الأيام،
قام رجل الله
أنبا بلامون،
وحمل عمله
القليل الذى
أعده واتجه
نحو ريف مصر.
وبينما كان
يمشى في
الطريق وهو
يبكى علي
خطاياه، أضله
عدو الخير في
الجبل، فظل
سبعة أيام حتى
قارب الموت من
الجوع
والعطش، وقد
كان الوقت
صيفا. وأخيرا
وقع علي الأرض
مغشيا عليه
يطلب الموت.
فأراد الله
محب البشر أن
لا يترك عبده
أنبا بلامون
يقع فريسة
للشيطان فأمره
بتركه. ولما
أدرك الشيخ
ذلك صرخ
قائلا: ياربى
يسوع المسيح
أعنى. وللوقت
سمع صوتا يقول
له لا تخف فان
العدو لا يقدر
أن يقوى عليك.
قم وامش
قليلاً إلى
القبلي فانك
تجد شيخا
راهبا صديقا
اسمه أنبا
تلاصون، وهو
في قلعة،
واعلمه بكل
شئ جرى لك من
الشيطان،
وبالخطية
العظيمة التى
جربك بها في
عهد صباك، وهو
يصلى من أجلك
فتغفر لك كل
خطاياك. حينئذ
قام الطوبانى
أنبا بلامون،
وحمل عمل يده
القليل، وسار
في الجبل وهو
يتلو المزمور
الثالث والخمسين
قائلا: "اللهم
باسمك خلصني
وبقوتك احكم
لى، اسمع يارب
صلاتى، وانصت
إلى كلام فمي.
فان الغرباء
قد قاموا علي
وجماعة
الأقوياء طلبوا
نفسى. لم
يجعلوا الله
أمامهم،
فهوذا الله معين
لى. الرب ناصر
نفسى. يرد
الشر علي أعدائي
بحقك
استأصلهم
فاذبح لك
طائعا واعترف
لاسمك يارب
فانه صالح
لانك من كل
حزن نجيتني
وبأعدائي
نظرت عيناي."
ثم قال أيضا:
"يقوم الله. ويتبدد
جميع أعدائه
ويهرب مبغضوه
من أمام وجهه. كما
يباد الدخان
يبادون. كما
يذوب الشمع
أمام وجه
النار، كذلك
تهلك الخطاة
أمام الله.
والصديقون
يفرحون.
يتهللون أمام
الله ويتنعمون
بالسرور." ولم
يفتر عن
الصلاة حتى
هداه الله إلى
مكان الشيخ.
فلما
نظره أنبا
تلاصون فرح
جدا وحياه
وأمسكه وأصعده
علي الصخرة.
ثم صليا وجلسا
يتحدثان بعظائم
الله وقد
استقصى منه
أنبا تلاصون
عن كيفية
معرفته
الطريق حتى
جاء إليه
ليفتقده في
هذه البرية.
حينئذ بدأ القديس
أنبا بلامون
يبكى وسجد
قائلا: "اغفر لى
يا أبى الحبيب
القديس." فقال
له أنبا
تلاصون: "الرب
يسوع المسيح
يغفر لنا
جميعاً كل
زلاتنا."
فأجابه الشيخ
البار أنبا
بلامون قائلا:
"أنى استحى أن
أعرفك يا أبي
القديس العظيم
بالخطية
الكبرى التى
أدركتنى من
قبل الشيطان
ولم أعلم."
فقال أنبا
تلاصون:
"مكتوب هكذا: اعترفوا
بخطاياكم
بعضكم
لبعض."فقال
أنبا بلامون:
"وأنا يا أبى
القديس قد
صنعت أيضا
خطايا عظيمة
في صباي، وإلى
الآن فإنى
أخطئ كل يوم.
ومن أجل هذا
أتيت إليك في
هذه البرية
أسأل الله
بدموع حتى
يغفر لى لأنه
رؤوف رحيم،
وارادته
الرحمة لأنه
إله محب البشر
يستطيع أن يغفر
لنا خطايانا،
وهو إذا غفر
الخطية فلا
نعود نخطئ مرة
أخرى." ولما
نظر القديس
بلامون إلى الطوباوى
أنبا تلاصون
يعزيه
بالتوبة. تعزى
بكلامه وبدأ
يقول له: "هذا
كان منى مرة
واحدة، وأنا
في دير
الرهبان أسأل
الله تعالى أن
يغفر لى
خطاياي،
فسمعتهم
يقولون في
الكتب المقدسة،
التى هى من
نفحات روح
الله، أن
الوحدة تلد
الخوف، وأن
الله يبغض
الاستهزاء
والضحك بغير
موجب، فوضعت
في قلبي أن
أتوحد في
مسكني الصغير،
ولا أتكلم مع
أحد، ولا أضحك
البتة، بل
أبكى علي
خطاياى الليل
والنهار. وكان
الشيطان في
مرات كثيرة
يقاتلني
ويطيب قلبي
بالضحك فلا
أسمع منه، ولا
اشتم البتة،
وكان يضع أمامي
ألعابا مضحكة
لكى أضحك، فلا
أصغى له بل
كنت أنحني
وأبكى علي
خطاياى،
متمسكاً
بالخلاص الذى
لربنا يسوع
المسيح،
وبقيت أجاهد
زماناً طويلاً
في الأتعاب
حتى غضب علي
العدو. وعندما
قمت ذات يوم
أحمل عمل يدي،
وسرت في الجبل
لأمضى
لأبيعه،
واشترى
قليلاً من
الخبز. وبعدما
بعدت عن مسكني
قليلاً،
جذبني
الشيطان نحوه.
وللوقت أضل
عقلي وانتزع
اسم ربى من
فمي، ولم أعد انطق
بالأقوال
الإلهية.
ورأيت الجبل
كله قد تغير
في وجهى.
وصارت الأرض
الرملية
أرضاً سوداء.
ولما تطلعت
أمامي رأيت
مدينة جديدة
حسنة المباني
تحوي بيوتاً
عظيمة القدر،
وقصوراً فخمة
وأبواباً
مصفحة تبرق
جيدا، وكانت
تلك المدينة
حصينة كأنها
مدينة الملك
والأشجار
والبساتين
محيطه بها.
ولما شاهدتها
تعجبت لهذه
المدينة
ولعظم
كرامتها،
ولما انحرفت
للدخول فيها
قلت لعل أهلها
يشترون منى
عمل يدي القليل،
فلما وصلت
بجوار
أسوارها وجدت
ساقية تدور
ونظرت امرأة
حزينة. ووجهها
مكتئب
وثيابها ممزقة،
ومنديلها
يغطى عينها من
أجل الحشمة، وهى
جالسة علي
البئر وتدير
الساقية
وتسقى الكروم.
فلما نظرتني
جلست وغطت
رأسها وقالت:
بارك علي يا
أبى القديس.
ثم أسرعت
ووضعت القفف
أمامي، ثم
قالت: اقعد
واستريح يا
أبى الحبيب
لأنك تعبت من
حملك. حينئذ
أجلستني علي
مجرى ماء وصارت
تأخذ من الماء
بكفيها
وتسكبه علي
رجلي، وتغسلهما
كمثل من يأخذ
البركة،
كأنها امرأة
إنسان غنى.
فقالت لها:
أيتها المرأة
المؤمنة قولي
لى إذا أنا
دخلت هذه
المدينة بعمل
يدي هذا
القليل فهل
أجد من يشتريه
منى؟ فقالت:
نعم. يشترونه
منك، ولكن
اتركه وأنا
اشتريه منك بما
أقدر دفعه
وأعطيك كل ما
تحتاجه لأني
كنت متزوجة من
إنسان غنى
ومات في عهد
قريب، وترك لى
مالاً كثيراً
ومواشي
عديدة، وها
أنت ترى هذه
الكروم
العظيمة أقوم
بقطف ثمرها،
وليس عندى أحد
يلاحظها،
فليتني أجد
إنسانا مثلك أسلم
له كل مالى
فإن قبلت يا
أبى القديس أن
تأتى وتتسلط
على بيتى
وتأخذ كل مالى
فأنا أتخذك لي
زوجا. أما أنا
فقلت لها: إذا
تزوج الراهب
يلحقه الخزى
والعار. حينئذ
قالت لى
المرأة: إن
كنت لا تأخذني
لك زوجة، فكن
متولياً علي كل
مالى، تديره
أثناء النهار
لأني أملك
حقولا وأجرانا
ومواشي
وكروماً
وعبيداً
وجواري فتقوم
بتدبير العمل
في النهار،
وإذا جاء الليل
تقوم بتأدية
صلواتك. ثم
قامت
وأصعدتني إلى أعلى
دارها وهيأت
لى مائدة من
جميع الألوان
ووضعتها
أمامي. ثم
دخلت حجرتها،
ولبست ثيابا فاخرة
وأتت إلى
وعانقتني،
فدهشت لذلك.
وتمسكت بقوة
الله العلي،
ورشمت علي
نفسي علامة
الصليب. فانحل
كل ما رأيته
كالدخان أمام
الرياح. ولم
يبق شئ مما
فعلته تلك
المرأة.
وفي
الحال علمت أن
ذلك كله كان
من فعل
الشيطان
اللعين الذي
يريد إسقاطي
في الخطية.
فبكيت بكاء
مراً، وندمت
كثيرا على ما
وقع مني،
فتحنن علي ربي
الكثير
الرحمة،
وأرسل لي
ملاكه فعزاني
ووعدني
بغفران
خطاياي وقال
لى: امضي إلى
القديس أنبا
تلاصون
القريب منك،
واعترف له
بخطاياك. وقد
أتيت إليك
أيها القديس
لكى بصلواتك
يغفر الرب لي
خطاياى". فصلى
القديس وقال:
"يا ولدى الرب
يغفر لك ولنا".
وعند ذلك نزلت
لهما مائدة من
السماء وأكلا
ثم عاد إلى
معبده بسلام.
وكان
هذا القديس
متزايد في
النسك
والعبادة، مداوماً
طول أيام
حياته علي
الصلوات
الليلية
والنهارية،
ساهراً الليل
الطويل في
العبادة
التقشفية. وقد
تتلمذ علي يد
هذا القديس
الأنبا
باخوميوس أب
الشركة
الرهبانية.
ونال
هذا القديس
موهبة الشفاء
من الله، وكانت
الوحوش تأنس
إليه فيطعمها
بيده وتلحس
قدميه، وكان
يعيش عارياً
فأطال الله
شعره حتى ستر جسمه
كله. وكان
يصوم أسبوعاً
أسبوعاً، ولا
يفطر إلا يومي
السبت والأحد
بنصف خبزه،
يرسلها له
الرب مع
الغراب، وكان
يأكل مراراً
من عشب الجبل،
ويشرب الماء
بمكيال وكان
رؤوفاً
رحيماً حنونا متشبها
بخالقه. وكان
عندما يحل
الليل، ينزل من
مكان تعبده
ويتفقد
المساجين
والمتضايقين والأيتام
والأرامل
والمنقطعين
والغرباء حسب
ما تسمح به
قوته من ثمن
ما تصنعه يداه
من الأعمال.
ولما
انتصر
قسطنطين
الكبير وعادت
حملته إلى بلادها
بمصر العليا
وانطلق
الجنود إلى
بلادهم، وصل
القديس
باخوميوس
بلده شينو
فسكيا، وقابل
كاهنها وطلب
إليه ضمه إلى
شعب كنيسته،
ولما كان
باخوميوس
وثنياً
كوالديه كتب
الكاهن اسمه
ضمن
الموعوظين
إلا أن الله
تعالى ألهم
الكاهن أن
يقبله في عداد
المؤمنين
فأخذه وعمده
في يوم خميس
الفصح المجيد
سنة 301م وكان عمره
وقتئذ عشرين
سنة، وكان
ينمو في
الفضيلة ومحبة
الناس وخدمة
المؤمنين حتى
ذاعت فضائله،
فالتف حوله
شعب كثير
واتخذ قريته
موطنا له إلى
أن حل وباء في
تلك القرية،
فكان يقوم بخدمتهم
ويحضر لهم
الحطب من
الأماكن
المجاورة حتى
تحنن الرب
ورفع عنه
المرض وظل
ثلاث سنين يتفقد
الأيتام
والأرامل
ويقضى
حاجاتهم حافظا
نفسه من دنس
العالم.
وبعد
ذلك التمس أن
يعيش عيشة
الزهد
والتقشف
بعيداً عن
العالم فأرشده
قس البلدة إلى
المتوحد
العظيم
بلامون، وللوقت
سلم موضعه
لشيخ آخر راهب
لكى يهتم بأحوال
المساكين،
وقام ومضى إلى
الشيخ بلامون.
ولما وصل إليه
قرع باب
قلايته،
فتطلع إليه
الشيخ من
الكوة وقال
له: "من أنت
أيها الأخ
وماذا تريد؟"
فأجابه مسرعا
قائلا: "أنا
أيها الأب المبارك
أطلب المسيح
الإله، الذى
أنت تعبده، وأرغب
إلى أبوتك أن
تقبلني إليك
وتجعلني راهبا."
فقال له
بلامون
الكبير: "يا
بنى أن الرهبنة
ليست من
الأعمال
المطلقة ولا
يأتى إليها الإنسان
كيفما اتفق ،
لأن كثيرين قد
التجأوا
إليها وهم
يجهلون
أتعابها،
ولما صاروا
فيها لم
يستطيعوا
الصبر عليها،
وأنت سمعت
عنها دون أن
تعرف جهادها."
فأجابه
باخوميوس: "لا
ترد سؤالي
ورغبتي ولا تطفئ
شعلة نشاطي بل
اقبلنى وتمهل
علي وجربنى، وبعد
ذلك أفعل بي
ما يبدو لك."
فقال له
الشيخ: "امض يا
ولدى وجرب نفسك
وحدك وقتاً ما
ثم ارجع إلينا
لأني مستعد أن
أتعب معك
كمقدار ضعفى
حتى تعرف ذاتك
وحدك، لأن نسك
الرهبنة
يحتاج إلى
خشونة وتقشف
وأنا أعلمك
أولاً
مقدارها،
وتمضى بعد ذلك
وتجرب نفسك إن
كنت تحتمل
الأمر أم لا.
وقصدي في ذلك
قد عرفه ربى
أنه علي سبيل
تعليمك
وتثقيفك وليس
لشئ آخر. ونحن
أيها الابن
الحبيب إلى،
والكريم علي،
لما عرفنا من
الدنيا
غرورها
وحيلها، وصلنا
إلى هذا
المكان
الوحيد
والمسكن
الفريد،
وحملنا علي
عاتقنا صليب
مسيحنا. ليس
عود الخشب، بل
تذليل الجسد
وقمع شهواته
وأماته قواه.
ونقضى الليل
ساهرين نتلو
الصلاة ونمجد
الله. وقد
نسهر مرات
كثيرة من وقت
العشاء إلى الصباح
ونعمل عملا
كثيرا
بأيدينا إما
حبالا أو ليفا
أو خوصا أو
شعر لكى نقاتل
النوم، ونقوم
بحاجة
أجسادنا
وإطعام
المساكين حسب
قول الرسول:
"اذكروا
المساكين."
وأما أكل
الزيت أو الشيء
المطبوخ أو
شرب الخمر،
فلا نعرفه
البتة. ونحن
نصوم إلى
المساء في
نهار الصيف،
وفى الشتاء
يومين يومين،
ونفطر علي خبز
وملح لا غير،
ونبعد الملل
بذكر الموت
وقرب الأجل.
وندحض بالنسك
والأتضاع كل
تعاظم
وارتفاع،
ونحرس أنفسنا
من الهواجس
الرديئة.
وبهذا الجهاد
النسكى
المكمل
بمعونة الله
جل اسمه نقدم
أرواحنا ضحية
نقية وذبيحة
مرضية ليس
دفعة واحدة بل
دفعات عديدة،
وذلك حسب
الجهاد
ومقدار ما
نبذله فيه
لتحققنا أن
المواهب
الروحية توزع
علي قدر
الأتعاب
الجسدية،
ذاكرين قول
الإله: "إن الذين
يقهرون
ذواتهم،
يختطفون
ملكوت
السموات."
فلما
سمع باخوميوس
من بلامون
الشيخ هذه الأقوال
التى لم يسمع
مثلها قبلا،
تأكد بالروح أكثر
وتشجع علي
مباشرة
الأتعاب
ومكابدة الآلام.
وأجابه قائلا:
"إنى، كلى ثقة
بالمسيح الإله
أولاً
وبمؤازرة
صلواتك
ثانياً أقوى
علي تأدية
جميع الفروض
واصبر معك حتى
الممات".
عند
ذلك سجد أمامه
وقبل يديه،
فوعظه الشيخ
وعرفه بضرورة
العمل علي
إماتة الجسد،
وتواضع القلب
وانسحاقه.
وقال له: "إن
أنت حفظت ما
قلته لك، ولم
ترجع إلى خلف،
ولم تكن ذا
قلبين، فإننا نفرح
معك." ثم قال
له: "أتظن يا
بنى أن جميع
ما ذكرته لك
من نسك وصلاة
وسهر وخلافه،
نطلب به مجد
البشر. كلا يا
ولدى ليس
الأمر كذلك.
أو تظن أننا
نهدد الناس؟
ليس الأمر
كذلك أيضا بل
نحن نعرفك
بعمل الخلاص
لنكون بغير
لوم، لأنه قد
كتب أن كل شئ
ظاهر فهو نور،
لأنه بضيقات
كثيرة ندخل
ملكوت
السموات.
والآن ارجع
إلى مسكنك حتى
تمتحن نفسك
وتجربها
أياماً، فليس ما
تطلبه أمراً
هينا." فأجابه
باخوميوس: " قد
أتممت تجربة
نفسى في كل
شئ، وأنا أرجو
بمعونة الله
وبصلواتك
المقدسة، أن
يستريح قلبك
من جهتي."
فأجابه الشيخ
: "حسن." وقبله
بفرح ثم تركه
عشرة أيام وهو
يجربه في
الصلاة وفي
السهر وفي
الصوم. وبعد
ثلاثة أشهر،
لما اختبر
صبره
واجتهاده
وعزيمته، صلى
عليه وقص شعره
وألبسه اسكيم
الرهبان في
سنة 304م، وصارا
يواظبان معا
على النسك
والصلاة، كما
ظلا يشتغلان
في أوقات
الفراغ بغزل
الشعر ونسج
الملابس وينالان
من ذلك الحاجة
الضرورية،
وما فضل عنهما
يقدمانه
للمساكين.
وكانا إذا
سهرا وغلبهما
النوم يخرجان
معا خارج
قلاليهم
ينقلان رملاً
من مكان لآخر
ليتعبا
جسديهما
ويطرد النوم عنهما.
وكان الشيخ
يداوم علي عظة
الشاب وتشجيعه
ويقول له:
"تشجع يا
باخوميوس
وليكن تعلقك بالله
متوقدا بنار
المحبة على
الدوام وكن
أمامه ورعاً
متواضعاً
مواظباً على
الصلاة بلا ملل،
مواصلا
السجود بلا
كلل. يقظا
ساهرا حذرا
لئلا يمتحنك
المجرب
ويحزنك."
وجاء
في سيرة
القديس
باخوميوس
المخطوطة بدير
البراموس ما
يأتى:
"وفي
بعض الأيام
طرق باب
القديس
بلامون وباخوميوس
أحد الأخوة
زائراً، وكان
ممن قد غلب عليه
الكبرياء
والاعتداء
بالذات فبات
عندهما،
وفيما هما
يتحادثان
بأقوال الله
وأمامهما نار
تشتعل، لأن
الوقت كان
شتاء، قال
الأخ الضيف
لهما: من
منكما له
إيمان قوى
بالله،
فلينهض وليقف
علي هذا
الجمر، ويتلو
الصلاة التى
علمها الرب
لتلاميذه.
فلما سمع
الشيخ ذلك
زجره قائلا:
ملعون هو
الشيطان
النجس الذى
ألقى هذا الفكر
في قلبك.
فاكفف عن
الكلام. فلم
يحفل الأخ
بقول الشيخ،
ولكنه قال:
أنا. أنا. ثم
نهض قائما
وانتصب علي
ذلك البحر
المتقد وهو
يقول الصلاة
الإنجيلية
مهلاً مهلاً.
وخرج من النار
ولم تعمل في
جسده شيئا
البتة. وبعد
ذلك مضى إلى
مسكنه
بكبرياء. فقال
باخوميوس
للشيخ بلامون:
الرب يعرف
أننى تعجبت من
الأخ، الذى
وقف علي الجمر
ولم تحترق
قدماه. فأجابه
الشيخ قائلا:
لا تعجب يا
بنى من هذا،
لأنه بلا شك
من فعل
الشيطان. فقد
سمح الرب أن
لا تحترق
قدماه كما هو
مكتوب. أن
الله يرسل
للمعوجين
طرقا معوجة.
صدقنى يا بني
أنك لو كنت
تعلم بالعذاب
المعد له،
لكنت تبكى علي
شقائه. وبعد أيام
قلائل وهو في
كبريائه، رأي
الشيطان أنه علي
استعداد
لقبول خداعه،
فجاء إليه
بصورة امرأة
جميلة الدلال
حلوة المقال،
متزينة بثياب
زاهية
وقناعات
فاخرة وقرعت
بابه، ففتح لها.
حينئذ أسفرت
وجهها وقالت
له: أعلم أيها
الأب الخير أن
علي دينا لقوم
وهم الآن
يطلبونه، وأنا
في هذا الوقت
لا يمكنني
وفاؤه، وأخشى
أن يقبضوا علي
عنوة،
ويأخذوني إلى
ديارهم عبدة لهم
لأنهم
مسافرون
فاعمل معي
جميلا لامكث
عندك يوما
واحدا أو
يومين علي
الأكثر لكي
أتخلص منهم،
وتنال من الله
جزيل الأجر،
ومنى أنا المسكينة
صالح الذكر.
أما هو فلأجل
عمى بصيرته
وكبرياء
قلبه، لم يحس
بالبلاء الذي
دبر له، فأدخلها
إلى قلايته
واتكأها علي
وسادته. حينئذ
امتلأ قلبه من
الشهوة
نحوها،
وللوقت باغته الشيطان
وصرعه علي
الأرض وبقي
كالميت يوما وليلة.
وبعد ذلك
عاوده رشده
ورجع إليه
عقله، فقام
وجاء إلى
الشيخ بلامون
باكياً
نادماً علي ما
حدث وقال: إن
سبب هلاكي
وعلة مماتى هو
أنني صرت
أسيرا
للشيطان
برغبتي.
وعندما كان
يعدد هذه
الأقوال،
والشيخ
وتلميذه
يبكيان لمصابه،
باغته الروح
النجس فمضى
إلى الجبل
وقطع مسافة
حتى بلغ مدينة
بانوس وبقى
تائهاً فاقد
العقل وقتاً
ما. وأخيرا زج
بنفسه في أتون
متقد فاحترق
فيه ولما عرف
الأب الكبير
ما آل إليه
حاله وكيف
كانت وفاته
حزن جدا وقال:
لعلى كمن يجهل
هذه الأمور.
ثم تساءل
تلميذه وقال:
كيف فعل له
سبحانه ما فعل
بعد الاعتراف
الحسن، وطلبه
التوبة بندم
وخشوع؟
فأجابه الأب
قائلا: أن الله
تبارك اسمه ـ
بسابق علمه ـ
علم أن توبة
هذا الأخ لم
تكن صادقة،
فأوقعه فيما
فعل."
ولما
كان باخوميوس
يسعى في
البرية عندما
كان ملازما
لمعلمه
الأنبا
بلامون، وصل
قرية طبانسين،
وعندما كان
يصلى ظهر له
ملاك مقدس
وقال له بأمر
الرب: "يا
باخوميوس،
عمر ديراً في
البقعة التى
أنت واقف
عليها
برجليك، حيث
سيأتي إليك
جمع غفير
طالبين
الرهبنة."
فعاد إلى
الشيخ،
وأعلمه بكلام
الملاك،
وعزمه علي تنفيذ
إرادة الله
فحزن بلامون
لمفارقته
وقال : "كيف
بعد سبع سنين
مكثتها معي
بطاعة وخضوع
تفارقني عند
كبرى. أنى أرى
أن ذهابي معك
أسهل على من
مفارقتك."
فانتقلا
إلى قبلي
وبلغا طبانسين
وشرعا في
إقامه دير،
وذلك في سنة
311م، وكان عمر
باخوميوس
وقتئذ ثلاثين
سنة. ولما فرغا
من إنشاء
الدير قال
الشيخ بلامون
لتلميذه باخوميوس:
"أعلم أيها
الابن الحبيب
والشخص الكريم
إن نفسى
تنازعني
بالعودة إلى
قلايتي ومكان
توحدي، وقد
عرفت أن الله
قد قلدك تعمير
هذا الدير
وأنه سينمو
ويمتلئ من
الرهبان المرضيين
لله، وأنت
عتيد أن تستمد
من الله قوة وطول
روح علي
سياستهم. أما
أنا فلقد طعنت
في السن وضعفت
قوتي وحان وقت
انطلاقي وأرى
أن توحدي هو
الأوفق لى.
ولكنى التمس
من بنوتك
وأطلب من خالص
محبتك أن لا
تحرمني من
رؤياك من وقت
لآخر، وأنا
سأقوم
بزيارتك إذا
سمحت الأيام
اليسيرة التى
تبقت لي." ثم
افترقا بعد أن
صليا وصار
يتزاوران،
وفى إحدى
الزيارات مرض
الشيخ بلامون
المرض الذى
انتقل فيه إلى
الرب الذى
خدمه منذ
نعومة أظفاره
فكفنه
باخوميوس بعد
أن تزود
ببركاته.
وتذكر
لهذا القديس
عجائب كثيرة،
كما توجد علي
اسمه أيضا
كنيسة أثرية
في بلدة القصر
والصياد، في
دير يحمل
اسمه، به عدة
كنائس غيرها
علي اسم
القديس
مرقوريوس أبي
سيفين، ويقام
له احتفال
عظيم في عيده
وأخرى علي اسم
العذراء
القديسة مريم
والشهيدة دميانة
والملاك
ميخائيل.
صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. أمين.