22 أبيب: تذكار شهادة القديس مقاريوس بن واسيليدس الوزير

في مثل هذا اليوم استشهد القديس العظيم مقاريوس بن واسيليدس الوزير. وذلك أنه لما عرض عليه أوامر الملك دقلديانوس القاضية بعبادة الأوثان، لم يكترث بها. ولما علم الملك بذلك أرسله إلى والي الإسكندرية، فودع والدته وأوصاها بالمساكين والضعفاء، ومضى مع الرسل، فظهر له السيد المسيح في رؤيا وشجعه وأعلمه بما سيناله. فلما وصل مدينة الإسكندرية ووقف أمام أرمانيوس الوالي لاطفه وخادعه كثيرا لعلمه أنه ابن الوزير واسيليدس، وإذ لم يرجع عن عزمه عذبه بكل نوع وبينما هو يُعذَبْ خُطفت نفسه وشاهدت منازل القديسين. وبعد ذلك أرسله الوالي إلى نقيوس. وهناك عذبوه، وقطعوا لسانه وذراعيه وجعلوا مساميراً ساخنة في جنبيه.

وقد أجري الله علي يديه آيات كثيرة. من ذلك أن قوما اجتازوا به حاملين ميتا. فطلب القديس من السيد المسيح أن يظهر مجده. فقام الميت لوقته وأعلم الحاضرين بما رأى فى الجحيم، وأن المسيح هو رب الكل. فآمن كثيرون وقطعت رؤوسهم ونالوا إكليل الشهادة. ثم اتفق حضور أريانا والي أنصنا. فأخذ القديس معه عند عودته. ولما وصلوا إلى شطانوف توقفت السفينة عن السير ولم يستطيعوا تحريكها من مكانها. فأمر الوالي الجند فأصعدوا القديس إلى البر حيث قطعوا رأسه. وهكذا أكمل جهاده ونال إكليل الشهادة.

ولما تولى الملك قسطنطين البار. أرسل من قبله القائد أولوجيوس وأمر بفتح الكنائس وترميم المتهدم منها وهدم هياكل الأوثان. فظهر له القديس في رؤيا وأعلمه بمكان جسده. فذهب إلى حيث أرشده وأخرج الجسد وبنى علي اسمه كنيسة ووضع فيها الجسد. وقد أجرى الله منه آيات كثيرة.

صلاته تكون معنا. آمين.

 

القديس مكاريوس الشهيد

 عن كتاب: "القديس مكاريوس الشهيد لمريد عبد المسيح ويوسف حبيب"

القديسمكاريوس كان شاباً شهماً ثاقب النظر شجاعاً وكان دقلديانوس يحبه فحاول أن يستميله خاصة أنه ابن وزيره وقريبه وكان فى ريعان الشباب.. لذلك ترك مكاريوس القصر ومغريات دقلديانوس لكى يهرب من أمامه، فلما استدعاه دقلديانوس مرة أخرى وهو غاضب عليه لعصيانه أراد أن يستبعده فأرسل فى طلب بعض الجنود لكى يمضوا به إلى الإسكندرية لكى يقتل هناك لأنه رفض أوامر دقلديانوس ولم يجاره فى شروره.

وأما مكاريوس فطلب أن يتقابل مع أمه لكى يودعها قبلما يغادر أنطاكية وهو غير متذمر لأنه كان يعلم أنه سيقدم ذاته ذبيحة للمسيح. فلما قابلها طيب نفسها وأوصاها بالفقراء والمساكين الذين كان يعولهم.. فقالت له أمه: "إلى أين أنت ذاهب يا ابنى تاركاً أمك فقد كنت أرى فيك صورة المسيح لتعزينى.." قال لها: ".. لا تحزنى يا أماه فإننا سوف لا نتقابل على هذه الأرض ثانية بل سوف نتقابل على أرض جديدة، وأنت أيضاً يا أمى سوف تتبعيننى فيما بعد، ثم تعانقا عناق المحبة المقدسة وكانا يتبادلان الدموع.

حمل الجنود القديس إلى الإسكندرية وهناك رست السفينة على الشاطئ وظل هناك فى الحبس إلى حين.

إن القديس مكاريوس ظل موجوداً فى السجن وكان يصلى إلى الله ليلاً ونهاراً وكان يقول من كل قلبه: "يا سيدى يسوع المسيح الملك الحقيقى لا تبعد عنى ولكن كن معى أنا عبدك وأنت تعلم يا سيدى إننى لا أشتاق إلى أمجاد هذا العالم، فاقبلنى إن أردت فى ملكوتك السمائى."

ولما علم حاكم الإسكندرية بقصة هذا القديس أمر أن يحضروه أمامه.

لما مثل القديس أمام أرمانيوس الحاكم الذى كان يعرف عائلته أراد أن يتجاهله فقال لـه:             ".. مالذى صنعته حتى أحضروك أمامى أيها الشقى، اخبرنى بالحقيقة قبل أن أعذبك وتموت فى يدى، بمن تؤمن؟ هل رذلت آلهة الملك!؟ أو ماذا!.. لماذا لا تضحى للآلهة؟ يبدو أنك اتبعت تعاليم المسيح، لكنى أشفق على شبابك، تعال وقدم الآن التضحية لآلهة الملك وأنا سوف أرسل رسالة لكى يصفح عنك… إنك شاب ولم تختبر بعد قوة الآلام فارجع عن رأيك لئلا تندم."

أما القديس الذى لم يكن يريد أن يتكلم، تقوى بالروح القدس وقال لـه: "لماذا تتبع هذه الضلالات أيها الوالى وإلى متى تظلون على عبادة الأوثان مع أنكم تشكون فيها وتعرفون أنها غير حقيقية وليست آلهة، وتخدعون ذواتكم من اجل الملك الأرضى ولا تكتفون بهذا بل تضطهدون أصحاب الديانة الحقيقية، وتصبون جامات غضبكم على المسيحيين الأبرار.. ألا تخبرنى أنت أيها الوالى لماذا تدافع عن آلهة الملك؟".

أما الوالى الذى لم يعرف بماذا يجيبه، وقد جعلته هذه الكلمات فى ارتباك فقد دعا القديس لكى يقترب إليه وقال لـه: "من هو الذى علمك هذه الجرأة حتى تقول مثل هذا الكلام؟ وهل أحضروك إلى هذا المكان لكى تتكلم كلاماً كثيراً كهذا؟ إن أمراً رئيسياً واحداً هو الذى أطلبه منك هو أن تضحى لآلهة الملك لكى نطلقك بعيداً عنا." أجابه القديس بأن هذه الجرأة ينبغى أن تكون فى كل من يعرف الحق وأردف قائلاً: "واعجباً لك أيها الوالى فأنت تعلم لماذا أتوا بى إلى ههنا، لأنه إن كنت أريد أن أضحى للآلهة فلماذا أتوا بى إليك؟"

كان لهذه الكلمات التى تكلم بها القديس أثر كبير على الحاضرين فكلمات المحبة التى كانت تنساب من فمه كانت تجذب الكثيرين، فضلاً عن أن منظره السماوى كان يسبى القلوب، لذلك لم يرد الوالى أن يتأخر عن التخلص منه، فأمر بأن يقتادوه لكى يعذبوه. فقطعوا أصابع القديس ووضعوا عليها خلاً وأمر الوالى أن يضعوا مسامير من حديد متوهجة بالنار ويدحرجوه عليها، ولم يكتف بهذا أيضاً بل صب فوق رأسه قاراً مغلياً.. فلم يستطع أن يحتمل كل هذا فغشى عليه وظل على هذه الحالة مدة طويلة حتى تركه المعذبون.

وأن أحد أقرباء القديس تقدم منه موبخاً إياه وقائلاً لـه: "تعقل لأن الحاكم قريبنا فدعنا نسعى لكى ينجيك من الموت." فأجابه القديس قائلاً: "مسكين أنت يا أخى لأنك لم تعلم أنه أثناء تعذيبى لم أستطع أن احتمل فصرخت من كل قلبى وقلت: "أيها الرب إلهى، يا من قلت أن نيرك هين وحملك خفيف كيف يكون هذا بدون معونتك؟" وكانت نفسى تئن فىَّ، وأخيراً لم أحتمل ولست أعلم هل نفسى قد فارقت جسدى! فرأيت سيدى يسوع المسيح ذاته واقفاً أمامى وكل القديسين حوله وكان كل منهم يعزينى ويشجع نفسى وقد رأيت منهم شاباً تقدم الموكب وجاء نحوى وقال: "حسناً يا أخى مكاريوس ألم تعلم أنى أيضاً قتلت بالعنف مثل أخى وقد انتزعت أيضاً من أبى وأمى، ولكن هذا السيد الحبيب لم ينسانى فقد فتح لى أبواب الفردوس…" وكان كثير من القديسين يعانقوننى وأخيراً لم أدر بشئ سوى أننى وقفت معافى من كل آلامى وهذا هو الدليل على صدق كلامى."

فلما جاءوا بالقديس ثانية أمام أرمانيوس وقال لجنوده: "أين هو صاحب الكلمات القوية؟" فقالوا لـه: "ها هو"، فتعجب الوالى من سلامته وأمر أن يحضروا لـه سيخين من حديد محميين بالنار ويوضعا فى حنجرته، أما القديس فرفع قلبه بالصلاة قائلاً: "أيها الرب يسوع إلهى الذى أحبنى ومات من أجل خلاصى على خشبة الصليب، كن لى عوناً ولا تسلمنى إلى أيدى الذين يضطهدوننى لأنه خير لى أن أعذب بهذه النار الضعيفة من أن أتركك وأطرح فى النار الأبدية، ولكن كما يقول رسولك إن خفة ضيقتنا الأرضية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدى."

أما الوالى الذى أراد أن يرسله إلى أنصنا لأنه كان يريد ألا يحدث شغب أكثر بسببه، أرجع القديس إلى مدينة بشاتى، وفى الطريق اصطدم أحد الجنود بمركبة الوالى لأنه كان مسرعاً فوقع لوقته وترضضت أعضاؤه وفارق الحياة، وقد حزن الوالى عليه لأنه كان من جنوده الأوفياء وأمر أن يوقف الركب قليلاً ومن كثرة ألمه عليه قال ربما لأننا ظلمنا هذا القديس حدث ما حدث.

لكن القديس مكاريوس كان أشد ألماً من الوالى على هذا الرجل وتقدم نحوه وهو يبكى وكان يقول: "ياربى يسوع لماذا أحزنت نفسى فى وقت ينبغى علىَّ فيه أن أفرح لأنى أقدم ذاتى لك.." وشرع القديس يتقدم نحو الجندى المقتول وكانت دموعه تهطل حتى اندهش جميع الموجودين. ولكنهم لم يكونوا يعلمون ما سيفعله القديس.

تقدم هذا الشهيد نحو جثة الجندى وركع أمامها وكان يصلى من عمق القلب: "أيها الرب يسوع المسيح القدوس وحده والذى صنع العجائب والمعجزات وأقام الأموات، أظهر أنت وحدك مجدك وترآى بقوتك لكى تخزى قوة هذا العالم. آه أيها الرب إلهى إننى لم أندفع من ذاتى ولكن دفعتنى محبتك العجيبة التى غمرت بها قلبى إلى أن أطلب من أجل هذا الميت لأنك أنت تريد أن تقيمه ولست أعلم السبب! ربما لكى تخلص نفسه. خلص يارب هذه النفس التى مت من أجلها."

ولما أكمل صلاته وقف فترة كأنه مبهوتاً من أمر ما ثم صرخ بعدها بصوت عظيم قائلاً: "باسم الآب والابن والروح القدس قم يا أخى قف." فانتعشت نفسه فيه وقام، ولما نظر القديس مكاريوس ناداه باسمه ثم جاء نحوه يسجد أمامه ويقبله وهو يقول: "طوباك أيها القديس رجل الله لأنك خلصت نفساً خاطئة اليوم من الجحيم."

وكان الوالى والجنود فى حالة دهشة ولم يستطيعوا أن ينطقوا بكلمة فكانت هذه الحادثة كمثل الصدمة القوية بالنسبة لهم، وكان الجندى يتحدث وكأنه بدون وعى، ومن لحظة لأخرى كان يتقدم ويقبل القديس حتى أن القديس قال لـه: "لتهدأ نفسك يا أخى هلم أرو لنا قصتك، مالذى حدث لك؟ ألم تعلم إننى أنا الشخص الذى كنت تضطهده منذ أيام." فبدأ الرجل يقول: "لقد كان لى عدة أيام من أن حدثت لى الحادثة، كنت أقاسى فيها آلاماً لم أر لها مثيل كل أيام حياتى من قبل، حقاً إنى كنت عابد وثن وكانت هذه الأوثان لى سبب عذاب فقد رأيت وجوهها المختلفة تريع نفسى لأنه قد ظهرت أمامى أشكال تنانين وأسود وتماسيح قد جاءوا نحوى ونزعوا نفسى من جسدى فى قسوة عظيمة وطرحوها فى بحر كأنه من نار غطست فيه إلى أعماقه، وبعد ذلك حملونى وأسرعوا بى إلى أماكن مظلمة ظلامها لا يوصف، وكنت أتألم آلاماً مبرحة. أخيراً طرحونى فى موضع يقال له الجحيم، وإذ كانوا يسوقوننى إليه سمعت صوتاً كأنه ملتحف برائحة زكية لما اشتممتها انتعشت نفسى وكان يقول :"ينبغى أن يعود هذا الرجل إلى العالم من أجل صلوات القديس مكاريوس الأنطاكى." ولم أدر بعد ذلك بشئ إلا وأنا أمامك أيها الطوباوى. وإنى أسألك قبل كل شئ أن تصلى عنى إلى إلهك حتى تدركنى مراحمه فلا أحمل ثانية إلى ذلك المكان الردئ، وان تصيرنى مسيحياً مثلك."

لما سمع سكان مدينة بشاتى بهذا الخبر جاءوا نحو الجندى لكى يسمعوا منه الأقوال التى نطق بها، ولما تيقنوا صرخوا جميعاً قائلين: "عظيم أنت يا إله الشهداء، نحن نريد أن نؤمن بك." وجاءوا إلى القديس مكاريوس قائلين نريد أن نكون مثلك.

أمر الحاكم أن يحضروا القديس ليجلدوه بلا شفقة أمام الجمع حتى يخافوا ولكن الجمع الكثير الذى آمن صرخ فى وجه الوالى وقال بصوت واحد: "نحن مسيحيون." وكانوا يزدادون فى صراخهم حتى اضطرب الحاكم وأراد أن يستخدم العنف لكى يوقف اعترافهم، فأمر جنوده أن يقتلوا الجمع بلا شفقة، ولكن نائب الحاكم قال لـه: "وماذا بعد أيها الوالى؟ هل ستبيد المدينة كلها؟ بكل تخومها؟ إن هذا الرجل مكاريوس قد استمال الشعب كله بطريقة لا نعلمها."

استدعى الوالى أرمانيوس القديس مكاريوس وأراد أن يؤنبه فقال لـه: "هل يطيب قلبك أو تستريح نفسك إذ يموت هذا العدد الكبير بسببك؟ أجابه القديس مكاريوس بقوة وقال لـه: "ولماذا أحزن وكيف لا تستريح نفسى وأنا موقن أن هذا الجمع كله ذاهب إلى مكان النياح الدائم والسعادة الأبدية؟"

وفى هذه الأثناء أراد أرمانيوس أن يقضى ليلة ممتعة فأرسل يستدعى المدعو "اسكندر" رئيس معلمى السحر فى ذلك الوقت وكان القديس مودعاً فى أعماق السجن يصلى وكأنه كان يستعد ويمتلئ لكى يقف أمام بليعال. ولما حضر الإسكندر قال له الوالى: "ألا تعلم إنى استدعيتك لأمر هام؟ هلم ابطل بأعمال سحرك قوة هذا المسيحى الذى أثار الشغب فى المدينة كلها"، فطلب الإسكندر أن ياتوا بخنزير لكى يسلخوا جلده ويضعوه فوق القديس ليتلطخ رأسه بدم الخنزير، لأنه بعد ذلك سوف يهزم. ثم أحضر الساحر بعض الأدوية لكى يركبها فى إناء وأحضر ثعباناً مميتاً وشق رأسه وأخذ بعضاً من السم وصبه على المزيج.. وأخذ يتمتم ببعض العبارات الغير مفهومة، وأخيراً قدم الإناء للوالى قائلاً بهذا الدواء ننتصر على القديس، فأحضروا القديس وأرغموه على تناول الكأس وقالوا لـه أرنا قوة إلهك لننظر هل يخلصك!! فلم يرد القديس فى بادئ الأمر أن يشرب لكنه رفع عينيه نحو السماء فرأى مجد ابن الله مع ملائكته وإكليلاً فى يده وهو يقول لـه: "لا تخف فقد شربت قبلك الكأس ممزوجة بمرارة ولكن ثق أنا قد غلبت العالم وأنت أيضاً ستغلب." فطابت نفس القديس لما سمع هذا الكلام وشرب الكأس من يد الوالى باسم الثالوث الأقدس ولم يصبه شئ.

فلما رأى الوالى ذلك لم ينسبه إلى قوة إله القديس بل ظن أن الساحر قد خدعه فأمر للوقت أن يأخذوا الكأس من يد القديس ويعطوها للساحر لكى يشرب منها أيضاً، فما كاد الساحر يشرب منها حتى انشق وسطه أمام الجمع كله وسقط ميتاً.

حدث بعد هذه الأمور أن جاء إلى الإسكندرية مندوب الملك دقلديانوس ومعه منشورات جديدة وأمر أن يحضر إليه كل الحكام وصنع لهم أرمانيوس ضيافة كبيرة استمرت عدة أيام وكان من ضمن هؤلاء الولاة أريانوس والى أنصنا.

وفى هذا الوقت حضر إليه بعض الجنود يشكون من الشغب الذى حدث بسبب معجزات القديس فى السجن، فأثار هذا غضب أرمانيوس حتى أنه من شدة غيظه لم يستطع أن يواصل مشاركة الولاة فى أفراحهم مما جعل أريانوس والى أنصنا يسأل: "من هو هذا الرجل الذى أثار الشغب؟"

أراد أرمانيوس أن يستغل الفرصة لكى ينتقم من القديس فأرسل يستدعى بعض الجنود من حاشيته لكى يشهدوا زوراً على القديس، وكان من جراء ذلك أن والى أنصنا اتفق مع أرمانيوس أن يأخذ القديس معه إلى أنصنا لكى يقتله هناك.

أحضر القديس من السجن لكى يسألوه عن آخر طلبة لـه قبل أن يغادر الإسكندرية ويقتل هناك. فقال لهم القديس ليس لى سوى طلبة وحيدة أن تتركونى أكلم إخوتى وأشار إلى الجمع بيده، ولما أذن لـه وقف القديس وفتح فاه وقال: "يا إخوتى لتكن سيرتكم تعليماً للمنافقين واشتهوا أن تحتملوا لأجل المسيح الظلم والخسارة والإهانة لأنى أنا أيضاً لأجله لا أبالى بالموت وأفضل هذه الآلام على كنوز مصر، وإنى وأنا مقيد حباً فى المسيح كنت أرجو أن أكون معكم دائماً لكى نتعزى سوياً ولكن أخاف يا أحبائى لأنى محصور من الإثنين فأخشى أن تسبب لى محبتكم ضرراً لأنى أشتهى أن أصل سريعاً إلى المنازل الأبدية ولو أن محبتكم تملأ قلبى، لذلك أعرفكم إننى اشتهى الاستشهاد لكى أكون مسيحياً بالحق، لأننا لو كنا ننتظر مجداً أرضياً لما كنا نمضى إلى الموت بسرور بل كنا ننكر أننا مسيحيون ليتنا نتقابل جميعاً أمام كرسى المسيح فى ملكوته.."

ولما انتهى من خطابه استدعاه أريانوس فوجد منه مثابرة واحتمالاً كثيرين وكان السلام والهدوء يملآن نفسه حتى لم يطق أرمانيوس أن يراه فطلب أن يمضوا به من أمام وجهه.

انطلق أريانوس إلى الوجه القبلى وفى الطريق تعطلت السفينة عند مدينة بشادى لأن الريح كانت مضادة. فرسا هناك. ولما علم افتخيانوس حاكم المدينة خرج للقاء أريانوس مع جمع كثير وأضافه فى منزله لمدة ثلاثة أيام وبعد ذلك أكمل سفره إلى شطانوف وفى منتصف الليل بينما كان القديس يصلى والجنود نائمين ظهر له رئيس الملائكة ميخائيل وقال له لا تخف فعما قريب سوف تنال إكليل جهادك فى هذا المكان وسوف تقام كنيسة على اسمك أيضاً، ولما بزغ نهار يوم 22 أبيب الذى رست فيه السفينة على شطانوف قال له الوالى: "مع من كنت تتكلم الليلة الماضية لأنى رأيت ناراً تحيط بك ومن ساعتها لم أستطع أن أرقد ساعة واحدة. لعلهم أتوا إليك بخبز وخمر فأكلت وشربت لأنى أرى وجهك مشرقاً متهللاً مثل إنسان فرح القلب بخمر وعرس. فأجابه القديس ببشاشة: "لتعلم يا سيدى الوالى أنه اليوم الحادى والعشرين منذ تناولت آخر طعام، ومنذ ذلك الوقت لم يدخل فمى شئ، وإن إلهى الذى من أجله ُأضطهد أرسل ملاكه لكى يعزينى ويخبرنى أن هذا هو مكان استشهادى، ولأجل هذا أنا متهلل، فأجابه الوالى بتهكم: "سوف أكمل فرحك فى هذا اليوم." وأمر رئيس الجلادين أن يأخذ رأس القديس ولما حملوه إلى الموضع كان يصلى : "أيها الرب يسوع اقبل روحى." وفى هذه اللحظة ضرب الجلاد عنقه وكان ذلك فى 22 أبيب، وتعيد له الكنيسة فى ذلك اليوم.

أخذ المؤمنون الجسد وكفنوه ودفنوه شمالى شطانوف وكتب يوليوس الأقفهصى سيرة هذا القديس.

فى أيام قسطنطين الملك البار ظهر القديس مكاريوس فى رؤيا إلى الأمير أولوجيوس وأعلمه بمكان جسده فجمع رؤساء مدينة شطانوف واستعلم منهم عن قصة هذا القديس فساروا معه إلى مكان دفنه حيث قبله وألقى عليه أطياباً ووعد أن سيحمله إلى أنطاكية ولكن بعد أيام ظهر لـه القديس للمرة الثانية بملابس بيضاء وطلب منه ألا ينقل جسده من هذا الموضع، وفى الصباح أمر أولوجيوس لوقته ببناء كنيسة على اسم القديس.

بركة صلواته تكون معنا ولربنا المجد الدائم آمين.

1

 2من هنا يبدأ المخطوط باللغة القبطية والذى نشره العلامة الكسيس مالون وهى ناقصة.

Grammair Copte, Alexis Mallon

وقد نقلت الفقرات أعلاه من كتاب: "القديس مكاريوس الشهيد لمريد عبد المسيح ويوسف حبيب"

 

3 سنكسار رينيه باسيه وأوليرى

The Saints of Egypt. O.Leary

4 المخطوط