11 أبيب: نياحه القديس اشعيا المتوحد 

السنكسار: وفي هذا اليوم أيضا تنيح القديس العظيم الأنبا اشعيا الذى كان متوحدا بجبل شيهيت. صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.

 القديس إشعياء الإسقيطى

عن كتاب: الأنبا إشعياء الإسقيطى سيرته ـ تعاليمه ـ ميامره ـ إعداد الأنبا إشعياء أسقف طهطا وجهينة 

ولد القديس إشعياء الإسقيطى فى حوالى عام 337م، وتربى فى خوف الله ومحبته. وكان مغرماً بقراءة سيرة ونبوءة إشعياء النبى، وكان يضع أمامه خلاص الله فى ابنه الوحيد يسوع المسيح. ولما لم يستطع أن ينفذ ما يقرأه وهو بين أهله قرر الدخول إلى الصحراء. وذهب إلى الإسقيط حيث كواكب البرية وأبيهم الروحى الأنبا مقاريوس الكبير وكان ذلك فى عام 355م تقريباً. وقبله الأب الكبير وتلمذه عنده سنيناً كثيرة كان فيها القديس الأنبا إشعياء مثل الأرض العطشانة التى تتشرب كل قطرة ماء تهطل عليها وكثيراً ما كان يجلس بالقرب من القديس مقاريوس الكبير ويدون المناقشات والاستفسارات التى كانت تدور بين القديس مقاريوس الكبير والآباء الرهبان.

وظهرت نعمة الله عليه فأتمنه الأب الكبير القديس مقاريوس لكى يكون أباً روحياً لكثيرين من طالبى الرهبنة والرهبان بالإسقيط وكان الأنبا إشعياء الإسقيطى تلميذاً أيضاً للشيخ أخيلس الذى دربه على النسك الشديد، فشب نحريراً ومدبراً للرهبان من أعلى طراز.

فقد كان منهج الأنبا إشعياء الإسقيطى النسكى شديداً وصارماً إذ قال لأحد أبناءه: "إن أراد أحد أن يبقى معنا هنا عليه أن يلتزم بتقليد الآباء الذى تسلمناه منهم، ولا تطلبوا أن أكون لطيفاً معكم لأن هذا سيضر بخلاصكم، فإذا لم يلتزم كل واحد منكم بالطاعة، وأراد أن يسير حسب مشيئته الخاصة فليتركنا بسلام. كما خاطب تلميذه بطرس قائلاً له: "يجب أن تحفظ ذلك يا أخ بطرس وإلا أبعدتك خارجاً ولن أجعلك تعيش معى."

كان الأنبا إشعياء الإسقيطى ضمن مشاهير النساك فى برية شيهيت والذين شغف بهم البابا أثناسيوس الرسول وكان يسأل عنهم فى رسائله التى كان يتبادلها مع القديس أمونيوس حوالى سنة 363م : "وقد سألنى (أبا أثناسيوس البطريرك) عن النساك القديسين المتوحدين: بائيسوس وأخويه وبول وبيشوى وإشعياء وبيسير وإسحق قس شيهيت.

كانت قلاية الأنبا زينون بالقرب من قلاية الأنبا أرسانيوس معلم اولاد الملوك ويبدو أن القديس الأنبا إشعياء كان مسئولاً عن الحياة الروحية للقديس أرسانيوس فى بداية رهبنته وكان زينون قد خرج ليقطع خوصاً، وكان يوماً حره شديداً، فلما قطع الخوص ورجع أراد أن يأكل فلم يمكنه ذلك لأنه كان قد يبس حلقه، وفى ذلك الوقت كان الآباء بالإسقيط يسلكون بتقشف عظيم ونسك زائد، فأخذ ذلك الأب وعاء به ماء وأذاب فيه قليلاً من الملح، وبل الخبز وبدأ يأكل، فدخل إليه أنبا إشعياء ليفتقده، وإذ ذلك الأب رفع الوعاء وخبأه، وكان الأنبا إشعياء رجلاً ذكياً حاراً فى الروح جداً، وكان يعلم أن الأنبا أرسانيوس يعمل صنفين من الطعام بقلاً وخلاً، وبهذا يكسر النظام الرهبانى فى ذلك الوقت. وقد خجل أنبا إشعياء أن يحدثه فى هذا الأمر لأنه عرف حياته الأولى فى القصر مدللاً كمعلم لأولاد الملوك.

فوجد أنبا إشعياء أنها فرصة مناسبة يؤدب بها أرسانيوس بواسطة هذا الأب الذى عندما سأله عن ذلك أجابه أغفر لى يا أبى من أجل محبة المسيح فقد دخلت البرية لأقطع خوصاً فاشتد علىَّ الحر حتى سد حلقى، ولم أستطع أن آكل فأخذت ماء وأذبت فيه قليل من الملح وبللت الخبز الجاف.

فأحضر الأنبا إشعياء الوعاء وخرج ووضعه قدام قلاية أنبا أرسانيوس وأمر بدق الجرس فحضر الآباء، والتفت إلى أنبا زينون وقال له: "يا أخى لقد تركت تنعمك وكل مالك وجئت إلى الإسقيط حباً فى الرب وفى خلاص نفسك، إن أردت أن تأكل مرقاً امض إلى مصر لأنه لا يوجد فى الإسقيط  تنعم." فلما سمع أنبا أرسانيوس قال لنفسه هذا الكلام موجه إليك يا أرسانى، وأمر خادمه أن يعمل له بقولاً فقط وقال: "ها أنا قد تأدبت بسائر حكمة اليونانيين أما حكمة هذا المصرى فلم أصل إليها بعد."

والعجيب أن ما فعله الأنبا إشعياء الإسقيطى هنا قد حدث معه هو شخصياً فى بداية رهبنته، إذ دخل عليه الأنبا أخيلاس فى قلايته ووجده يأكل، وكان يبل الخبز الجاف أيضاً فى إناء به ماء وملح، وإذ شعر بمجئ أنبا أخيلاس أخفى الإناء وراء الحصيرة.. لكن أنبا أخيلاس كشف الأمر، وإذ اعتذر أنبا إشعياء أنه كان يقطع سعف النخيل فى الحر، وقد جف حلقه لذا يبل الخبز الجاف.. فوبخه قائلاً له: "أنبا إشعياء يأكل مرقاً فى الإسقيط، إن أردت أن تأكل مرقاً إذهب إلى مصر."

قيل عن الأنبا إشعياء الإسقيطى أنه ذات مرة حمل وعاء ومضى إلى الحقل ليقول لصاحبه أعطني قمحاً. فأجابه وهل حصدت يا أبى؟ قال لا، فأجابه كيف تريد أن تحصد مالم تزرع؟ فقال إذن من لا يعمل لا يا أخذ أجرة.. ثم تركه ومضى. فقال الأخوة لماذا فعلت ذلك؟ فأجاب الأنبا إشعياء إن ذلك مثالاً. فمن لا يعمل لا يأخذ من الله جزاءه.

حدثت مجاعة أيام الأنبا إشعياء الإسقيطى فكان يسهر طوال الليل مصلياً عارياً فى الصحراء لا يريد أن يرتدى شيئاً، وكان يصلى بدموع حتى يتحنن الله على شعبه وينقذ مصر من هذه المجاعة.

فلما رآه الله تبارك اسمه هكذا تحنن عليه كما يقول مار اسحق: "أنه كما يشفق الأب على ابنه هكذا يشفق ربنا يسوع المسيح على الجسد العّمال الذى يتعب من أجله." وأرسل ملاكاً إلى أحد المتوحدين بالبرية يأمره أن يأخذ شيئاً ويستر جسد إشعياء من البرد. فلما ذهب المتوحد ليستر جسد الأنبا إشعياء نظر إليه الأنبا إشعياء متألماً وقائلاً: "ألم يوجد الآن فى العالم كله إنساناً  عارياً غير إشعياء محتاج لهذا الغطاء؟" ثم رفض أن يأخذه. فقال له المتوحد: "اسمح يا أبى واقبله منى فإن ملاك الرب أمرنى أن أفعل هذا."، فبكى الأنبا إشعياء وحينئذ سمع صوتاً من السماء يقول له: "ثق يا إشعياء أنه لن تحدث مجاعة فى مصر طوال حياتك."، وبعد ثلاثة أيام جاءت قافلة من الجمال تحمل خيرات للدير.

بعد غارة البربر الأولى على الإسقيط عام 407م ذهب الأنبا إشعياء إلى سوريا يرافقه آباء آخرين، وأقاموا هناك جنوب مدينة نصبين على نهر موسكاس مؤسساً لرهبنة إسقيطية هناك.

وقد وصلتنا أخبار هجرته إلى سوريا من كتابات المؤرخ بطرس الأيبيرى ابن ملك الأيبيريين الذى وقع فى أسر تيؤدوسيوس الثانى حيث يقول: "وإنى أذكر أيام أن جاءوا بى من قصر (أبى) الملك وكنت آنئذ صغيراً، إنى أذهب إلى جبل الفسجة الذى يقع عبر الأردن تجاه الشرق، وسمعت خبراً عن أحد عظماء رهبان شيهيت كان يسكن هناك فى هدوء وسلام وكان قد جاء من شيهيت مع جمع كبير من الرهبان الذين كانوا معه فى شيهيت وتركوها إثر غارة المازيس (البربر) التى وقعت على الأديرة هناك.. وهذه القلاية التى ترونها الآن هى القلاية التى عاش فيها القديس أربعين سنة دون أن يغادر بابها.. فقد كان ناسكاً ونبياً ومملوءاً من نعمة الله.

والسنكسار القبطى يكشف لنا عن شخصية الأنبا إشعياء أنه هو بعينه هذا الراهب العظيم والنبى المصرى الذى جاء من شيهيت، فيذكر تحت يوم أول كيهك: "في هذا اليوم تنيح القديس بطرس الرهاوي أسقف غزة ولد بمدينة الرها في أوائل الجيل الثالث من أبوين شريفي الحسب والنسب ، ولما بلغ من العمر عشرين سنة قدمه أبوه إلى الملك ثاؤدوسيوس ليكون بمعيته. ولكن لزهده في أباطيل العالم وأمجاده، كان يمارس النسك والعبادة وهو في بلاط الملك وكان يحمل أجساد بعض القديسين الشهداء من الفرس. وترك البلاط الملوكي ومضي فترهب بأحد الأديرة، وبعد قليل رسموه أسقفا ـ دون رغبته ـ علي غزه وما يليها من الضياع. وقيل عنه أنه في أول قداس له فاض من الجسد دم كثير حتى ملأ الصينية. وفى أرض فلسطين اتفق  اجتماعه بالقديس "أنبا أشعياء المصري" واتصل خبره إلى الملك زينون فاشتهى أن يبصره، فلم يقبل لأنه كان يهرب من مجد هذا العالم."

وينبغى أن نفرق بين أنبا إشعياء الإسقيطى الذى تغرب فى سوريا بعد غارة البربر الأولى وعاش جنوب مدينة نصبين على نهر الموسكاس مدة أربعين سنة وتنيح سنة 447م، وبين إشعياء آخر معروف باسم "إشعياء الغزاوى" والذى عاش فى غزة وتنيح سنة 490م وإشعياء الغزاوى ليست له كتابات مأثورة، أما إشعياء الإسقيطى فله مقالات عدة وله تلاميذ كثيرين من السريان ويكرمه السريان كثيراً.

أخيراً تنيح القديس الأنبا إشعياء عام 447م عن عمر يناهز 110عاماً وتعيد له الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فيذكر فى السنكسار تحت اليوم الحادى عشر من شهر أبيب المبارك.

بركة صلواته تكون معنا أمين.

2 إشعياء اسم عبرى معناه "الرب يخلص" أو "خلاص الرب"

3 تلميذ القديس مقاريوس الكبير