8 أبيب: الأنبا مرقس الأنطونى

 عن كتاب  روحانية التسبحة حسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الانبا متاؤس

من مشاهير رهبان دير القديس أنطونيوس بالصحراء الشرقية، كان معاصراً للبابا متاؤس الأول البطريرك 87 وكان صديقاً حميماً له إذ عاشا مع بعضهما في الدير المذكور فترة من الزمان. كان القديس مرقس من أهل منشأة النصارى من أعمال أسيوط، كان اسم  أبيه  "مخلوف" واسم  أمه "نسكنة" أي قبة.  تنيح أبوه وهو صبي فاهتمت أمه بتربيته، وكان مرقس من صغره يصوم إلى الساعة التاسعة كل يوم ولا يأكل لحماً وهو ابن خمس سنين، وكانت له فضائل عظيمة منذ طفولته، منها أنه إذا نظر والدته تصلي كان يشد وسطه بزنار ولا يبرح قائما يصلي معها حتى تفرغ من الصلاة.

وكان إذا أخذ غذاءه من عند والدته ليمضى إلي عمله يتصدق بما تعطيه والدته من الغذاء علي الجياع ولا يبرح صائماً إلي أن يعود إلي والدته. 

ولما بلـغ سن الثالثة والعشرين اشتاق إلي سيرة الرهبنة فقام وودع والدته ومضي إلي أحد الأديرة التي بالريـف ولما لم يجد فيه المثاليات في النسك والعبادة تركه وذهب إلي دير الأنبا أنطونيوس، وبعد قليل أرشده مرشده الروحي إلي دير الأنبا بولا لكي ينفرد هناك للنسك والعبادة، وهناك حفر لنفسه قبراً (مغارة) بجانب البستان وصار يصوم يومين يومين، وأخذ يتدرج في الصوم حتى أكمل الأسبوع، ومع ذلك كان يشتغل حمالاً للحطب، وكان أخوته الرهبان يغصبونه علي الأكل أما هو فلم يكن يرضي.

أقام بدير الأنبا بولا ست سنوات، ولما رأي الرهبان شـدة نسـكه خـافــوا عليه وحملوه إلي دير الأنبا أنطونيوس وهناك وكلوا عليه إنساناً ليعطيه طعامه بالعصي يوما بيوم، وكان رغم ذلك لا يوافقه بل كان يترك طعامه علي المائدة يومين يومين حتي يجـف وينتن، وحيـنئذ يأخذه ويمزجه بالماء ويأكله. وكان يقول لأولاده عندما يشفقون علي جسده من الضعف والشيخوخة : يا أولادي لا تأمنوا لهذا الجسد ولا ترخوا له الحبل ولو في القبر لئلا من الشبع تتحرك فيه الأوجاع.

وباختصار فقد كان هذا القديس مثالاً حياً للحـياة النسكية وزهد العالم وملذاته وتنعماته. وقد ذاع صيت قداسته حتى وصل إلي الملوك المسيحيين في كل العالم فكانوا يستغيـثون به في شـدائدهم ويطلبون بركته.

وقد حدث أن الأمير بليغا ســيّـر  حملة إلي دير الأنبا أنطونيوس للسلب والنهب وبعد أن ضرب الجنود هذا القديس والقس متي ( البابا متأوس الأول  فيما بعد ) أخذوهما وآخرون من الرهبان معهم للنزول بهم إلي مصر، وفى الطريق عطشوا فلم يعطهم الجنود ماء، فصلى القديس بحرقة، فنزل الماء مدراراً حتى تعطلت الحملة عن المسير، فشرب الجميع واستراحوا بعد عطش شديد وتعب عظيم.

وكان القديس مرقس فى أواخر حياته كثيراً ما يطلب من المرتل أن يتلو له مراثى أرميا بطريقتها الحزاينى، وكان دائماً يشير إلى أولاده عن قرب ساعة انتقاله.

لما حضرته الوفاة أدركه الضعف بغتة فأخذ يودع أولاده وداع الموتوهو يبكى، وكانت أهم وصية قالها لهم أن يحبوا بعضهم بعضاً، وأن لا يهتموا بمقتنيات هذا العالم البته، ثم أمرهم أن يخرجوا من عنده.

أسند رأسه على أحد تلاميذه ثم رشم أعضاءه وحواسه بعلامة الصليب وأسلم روحه بكل هدوء وراحة. وكان ذلك فى 8 أبيب سنة 1102 للشهداء الموافقة 1386م.

"فحزن عليه الرهبان ثم كفنوه وجنزوه ودفنوه فى قبر جديد داخل البستان، وقد رأى أحد الرهبان فى يوم نياحة هذا القديس عساكر وأجناد نورانية لا تحصى قد نزلت من السماء وأحاطت بالدير ثم دخلت إمرأة حاملة طفلاً وقد غلب نورها ضوء الشمس فجلست إلى جانب هذا الشيخ ثم قبلت نفسه الطاهرة إليها وكان جميع القديسين يرتلون قياماً حولها حتى أصعدتها إلى السماء بفرح ومجد عظيم".

ويوجد بحديقة دير الأنبا أنطونيوس حيث كان يتعبد القديس وحيث رقد ودفن فى كنيسة ما زالت حتى الآن تحمل اسمه، وقد رممت فى القرن الثامن عشر".

بركة صلواته تكون معنا أمين.

مرقس : اسم يوناني معناه مطرقة

سلسلة تاريخ الباباوات بطاركة الكرسى الاسكندرى إصدار دير السريان الحلقة الثالثةص85

  كتاب الأديرة المصرية المعاصرة للقمص صموئيل تاوضروس السريانىص27