01 أبيب: شهادة القديسة أفرونية الناسكة         

في مثل هذا اليوم استشهدت القديسة الناسكة العذراء أفرونية. هذه القديسة كانت لها خالة تسمى أوريانة رئيسة علي دير كان موجودا بين النهرين فيه خمسون عذراء فربتها بخوف الله وعلمتها قراءة الكتب الإلهية . فنذرت نفسها للسيد المسيح، وجاهدت الجهاد الحسن بالنسك والصوم يومين يومين والصلاة بغير انقطاع. ولما أصدر دقلديانوس أمره بعبادة الأوثان، واستشهد كثيرون من المسيحيين علي يديه. سمعت العذارى بذلك فخفن وخرج من الدير واختبأن. ولم يبق فيه إلا أفرونية وأخت أخرى والرئيسة وأهانوها. فقالت لهم أفرونية: "خذوني أنا و اتركوا هذه العجوز."  فأخذوها هى أيضا مقيدة بالحبال إلى الوالي. وكان عمرها في ذلك الوقت عشرين سنة. وكانت جميلة المنظر. وكانت الأم تتبعها، فعرض عليها الوالي عبادة الأوثان ووعدها بوعود كثيرة فلم تقبل. فأمر بضربها بالعصى. ثم أمر بتمزيق ثوبها. فصرخت فيه الأم قائلة: "يشقك الرب أيها الوحش المفترس، لأنك تقصد التشهير بهذه الصبية اليتيمة." فاغتاظ وأمر أن تعصر القديسة أفرونية بالمعصرة ويمشط جسدها بأمشاط من حديد، إلى أن تهرأ لحمها. فكانت تصلى إلى الرب طالبة منه المعونة. ثم قطع لسانها وقلع أسنانها. وكان الرب يقويها ويصبرها. وأخيرا أمر بذبحها، فنالت إكليل الشهادة. فأخذ أحد الأتقياء جسدها ولفه بلفائف غالية، ووضعه في صندوق مذهب.

صلاتهما تكون معنا. أمين.

 

سيرة وعذابات

  الشهيدة فيبرونيا الناسكة السريانية

 مترجم عن كتاب :THE GREAT HOROLOGION  -24 JUN ترجم حديثاً من اليونانية الى الإنجليزية. قام بترجمته وطباعته            HOLY TRANSFIGRATION MONASTERM

  قام بالترجمة من الإنجليزية د.مرفت اسكندر

(1) في أيام الإمبراطور دقلديانوس كان هناك رئيساً يدعى أنثيموس. مرض أنثيموس وقارب الموت، فدعى أخاه سيلينوس وقال: "يا أخى إني على وشك مغادرة كل أمور الإنسان، وهاأنا استودع ابني ليسيماكوس في يديك. لقد رتبنا خطبته لابنة عضو مجلس الشيوخ بروسفوروس. وبعد موتى اجعل هذا الأمر موضع اهتمامك واعد حفلة الزواج كما لو كنت أبيهما."

بعد أن أعطى هذه التعليمات بثلاثة أيام مات الرئيس. حينئذ، استدعى الإمبراطور الشاب ليسيماكوس ابن أنثيموس وعمه سيلينوس وخاطب الشاب قائلا: "أيها الشاب، إنى من أجل صداقة أبيك أنثيموس كنت قد قررت أن بعد موته أعطى منصبه لك، ولكن؛ لأني سمعت انك تجد مسرة في خزعبلات المسيحيين فقد عدلت عن فكرة ترقيتك إلى مركز رئيس. وبدلا عن هذا أريد أن أرسلك إلى بلاد الشرق لتسكت خرافات المسيحيين، وحينما ترجع إلى هنا سوف أرفعك إلى منصب رفيع وتصير رئيساً."

(2) لما سمع ليسيماكوس هذا، لم يجرؤ أن ينطق بكلمة واحدة رداً على الإمبراطور. فهو كان شاباً صغيراً في العشرين من عمره. ولكن عمه سيلينوس وقع على قدمي الإمبراطور وترجاه قائلاً : "أتوسل إلى عظمتك، امنحنا بضعة أيام حتى نعد حفلة الزواج للشاب، وبهذه الطريقة أنا أيضا سأذهب معه وننفذ أي شئ تأمر به حكمة عظمتك."

فرد عليه الإمبراطور: "اذهب أولا إلى المشرق، أقضِ على خرافات المسيحيين. وحين تعود إلى هنا سأنضم إليك بكل شوق في الاحتفال بزواج ليسيماكوس."

(3) ولما وصلوا ميسوبوتاميا، سلم سيلينوس كل من وجدهم واعترفوا بأنهم مسيحيين  للنار والسيف، وأعطى أوامره بإلقاء أجسادهم للكلاب. تملك الخوف والذعر على كل المشرق بسبب وحشية سيلينوس عديم الرحمة.

في إحدى الليالي، دعا ليسيماكوس إليه بريموس وقال له: "يا سيدى بريموس، أنت تعلم أنه مع إن أبى كان وثنياً ولكن أمي ماتت مسيحية، وكانت تتوق جداً إلى أن أصير مسيحياً. ومع ذلك لم اقدر أن انفذ هذا خوفاً من أبى ومن الإمبراطور. ولكنى تسلمت منها وصية أن لا أؤذى أي مسيحي ، بل بالأحرى أن أكون صديقاً للمسيح. وهاأنا الآن أرى المسيحيين يقعون في أيدي هذا القاسي سيلينوس، يدفعون للموت بلا رحمة، نفسي تتألم جداً لأجلهم. هكذا إني أريد أن كل مَن وجدوا مسيحيين يهربوا سراً قبل أن يقعوا في يدي سيلينوس غير الرحوم." 

لما سمع بريموس هذا توقف عن إعطاء الأوامر بالقبض على المسيحيين، أرسل إلى رسائل إلى الأديرة قائلا لهم أن يختبئوا ويهربوا من قبضة سيلينوس الوحش.

(4) في أثناء سفرهم حول هذه المناطق أرادوا أن يدخلوا نصيبين، وهى بلدة على حدود الإمبراطورية الفارسية، ولكن تحت النفوذ الرومانية. في تلك المدينة كان هناك ديراً للراهبات، وفيه خمسون راهبة يعشن تحت إرشاد  الشماسة براينى. براينى كانت تلميذة بلاتونيا، التى كانت شماسة قبلها، وقد حفظت التقاليد والنظام الذي استلمته من بلاتونيا إلى النهاية. وقد كانت عادة بلاتونيا ألا تدع الراهبات يعملن أي عمل في يوم الجمعة على الإطلاق، وإنما يجتمعن في مكان الصلاة ويُقمن صلاة باكر. ومن وقت الفجر إلى الساعة الثالثة (9 صباحاً) اعتادت بلاتونيا أن تأخذ كتابا وتقرأ لهن. بعد صلاة الساعة الثالثة تعطى الكتاب إلى برايني لتقرأ للراهبات حتى الغروب. ولما أخذت برايني رئاسة الدير، استمرت بنفس هذا النظام. كان عندها راهبتين صغيرتين تربيتا في الدير وتعلمتا أصول الحياة الرهبانية، واحدة اسمها بروكلا والأخرى فيبرونيا. بروكلا كانت في الخامسة والعشرين من عمرها و فيبرونيا في العشرين.

(5) كانت فيبرونيا ابنة أخ براينى، وكانت حسنة المنظر جداً؛ وجهها وملامحها كانت جميلة للغاية حتى إن العين لا يمكن أن تشبع من التحديق فيها. جمالها العظيم جعل مهمة براينى في الاعتناء بها أمرا صعباً، ولهذا السبب أمرت فيبرونيا أن تأكل مرة كل يومين بينما كل الراهبات يأكلن كل مساء. ولما رأت فيبرونيا نفسها مقيدة بمثل هذا النظام الذى لم يشبع شهيتها للنسك حتى بخبز وماء.

كان عندها كرسى بلا ظهر كانت تستريح عليه عندما يحين موعد النوم. أحيانا كانت تلقى نفسها على الأرض مهملة للجسد حتى تستعبده. إذا حدث أن جُرِّبت بالخيالات أثناء الليل، كانت تقوم في الحال وتتوسل إلى الله، بدموع كثيرة، لكي يبعد عنها المجرب، ثم تفتح الإنجيل وبحب تتأمل في كلماته الحية الروحية. كان لها أيضا شغفا بالتعلم، حتى إن كثيرين ومن ضمنهم رئيسة الدير كانوا مندهشين من اتساع معرفتها .

(6) في أيام الجمعة، عندما تجتمع الراهبات للصلاة، اعتادت براينى أن تجعل فيبرونيا تقرأ الكلمات الإلهية لهن. ولأن بعض الحدثات المتزوجات اعتدن أن يجئن إلى مكان الصلاة في أيام الأحد والجمعة لسماع كلمة الله، أشارت براينى على فيبرونيا أن تجلس وراء ستار وتقرأ لهن من هناك.

لم ترَ أبدا ملابس عالمية مبهرجة، ولم تعرف شكل وجه الرجل. ولكنها كانت محور كلام المدينة ؛ تكلم الناس عن علمها، جمالها، إتضاعها ورقتها. ولما سمعت هيريّا التى كانت متزوجة لأحد أعضاء مجلس الشيوخ كل هذا، إلتهب قلبها بمحبة إلهية، وصارت مشتاقة جداً لرؤية فيبرونيا. هيريّا لم تكن قد اعتمدت بعد ، كانت لا تزال وثنية، عاشت مع زوجها سبعة شهور ومات تاركاً إياها أرملة، ولهذا السبب عادت إلى بلدتها ووالديها اللذين كانا وثنيين.

وهكذا جاءت هيريّا إلى الدير ومن خلال البوابة أبلغت براينى عن حضورها. ولما خرجت إليها براينى، خرت هيريّا عند  قدميها وعملت لها ميطانية ممسكة بقدميها قائلة: "استحلفك بالله الذي صنع السماء والأرض ألا ترديني لأني مازلت وثنية كريهة وألعوبة الشياطين، لا تحرميني من فرصة الحديث والتعلم من السيدة فيبرونيا. من خلالكن أيتها الراهبات سأتعلم طريق الخلاص وأسير فيه حتى اكتشف ما هو معد للمسيحيين. خلصيني من بطلان هذا العالم ومن عبادة الأوثان النجسة. أنت تعرفي أن والدىَّ يكرهانني على الزواج مرة أخرى، عذاب الخطأ الأول الذي عشت فيه يكفى، من فضلك دعيني اقتنى حياة جديدة من خلال تعاليم ومناقشة أختي فيبرونيا."

(7) وفيما كانت هيريّا تتكلم  بللت قدمي براينى بدموعها. فقالت براينى متأثرة بهذا: "يا سيدتى هيريّا، يعلم الله أنى منذ أن تسلمت فيبرونيا في يديَّ منذ ثمانية عشر سنة وكان عمرها سنتين ، وهى في الدير، ولم تر وجه رجل أو أي من مبهرجات العالم ولا ملابسه. ولا حتى الوصية عليها رأت وجهها منذ تلك اللحظة، مع أنها كثيرا ما سألتني، وأحيانا منفجرة في البكاء، أن اسمح لها بلمحة. لأني لا اسمح لفيبرونيا بأي تعامل مع النساء العلمانيات. ومع هذا، نظرا إلى الحب الذي عندك تجاه الله وتجاهها، سأدخلك إليها. ولكن لابد أن ترتدى ملابس الراهبات."

لما قدمت براينى هيريّا إلى فيبرونيا بهذا التنكر، خرت فيبرونيا عند قدميها، لما رأت الزى الرهباني ظناً أنها راهبة من مكان آخر وقد جاءت إليها. بعد أن قدمت كل منهما التحية للأخرى جلستا، فقالت براينى لفيبرونيا أن تقرأ الإنجيل لهيريّا. وفيما كانت فيبرونيا تقرأ امتلأت نفس هيريّا بالحزن والانسحاق نتيجة لمنظر فيبرونيا وتعليمها حتى انهما قضيتا الليل كله ساهرتين، فيبرونيا لم تتوقف ولم تتعب من القراءة ، و هيريّا لم تشبع من الاستماع لتعليمها، وبدموع كانت تئن وتتنهد.

(8) في الصباح بالكاد أقنعت براينى هيريّا أن تنزل وتعود إلى بيت والديها. ولما ودعت إحداهما الأخرى، مضت هيريّا وعينيها مليئتين بالدموع .

مضت إلى بيتها وحثت والديها على ترك تقليد عبادة الأوثان الباطل الذي تسلموه من آبائهم، وان يتعرفوا على الله خالق الكل.

بعد هذا سألت فيبرونيا  تومائيس التى كانت الثانية في الرئاسة بعد رئيسة الدير: "أرجوك، آيتها الأم، اخبريني من هذه الأخت الغريبة التى كانت تبكى كما لو أنها لم تسمع كلمات كتاب الله من قبل؟" أجابت تومائيس: "ألا تعرفي من هذه الأخت؟" قالت فيبرونيا: "كيف اعرفها وهى غريبة عن هذا المكان؟" قالت تومائيس: "إنها هيريّا، زوجة عضو مجلس الشيوخ، الذى جاء ليعيش هنا." قالت فيبرونيا: "لماذا خدعتموني، ولم تخبروني ، لقد عاملتها كما لو كانت أخت راهبة." أجابت تومائيس: "هذه كانت تعليمات رئيسة الدير."

مرضت فيبرونيا مرضا شديدًا ورقدت على فراشها وكانت على وشك الموت. ولما سمعت هيريّا الأخبار جاءت ولم تبرح من جانب فيبرونيا حتى تعافت من مرضها.

(9) أثناء هذا وصلت الأخبار بأن سيلينوس و ليسيماكوس على وشك الوصول إلى القرية وانهم سيلزمون المسيحيين بالتضحية للأوثان. لذلك كل المسيحيين، الإكليروس والرهبان، تركوا بيوتهم وهربوا. حتى أسقف البلدة اختبأ من الخوف. ولما عرفت الراهبات بهذا اجتمعن أمام الشماسة سألن: "ماذا نفعل يا أمنا؟ هذان الرجلان القاسيان قد أتيا هنا أيضا، الكل قد هرب من وجه تهديدهما."  قالت براينى: "ماذا تردن أن افعل لكن؟" أجبنَ: "اسمحي لنا أن نختبئ لفترة قصيرة لننجو بحياتنا." سألت براينى: "أتفكرن في الهروب وانتن لم تنظرن المعركة بعد؟ لم تدخلن الصراع بعد، وقد انهزمتن؟ لا يا بناتي، لا، أرجوكن، لنقف بالأحرى ونقاوم، لنمت من اجل الذي مات من أجلنا لكي نحيا معه."

(10) سكتت الراهبات عند سماع هذا الكلام. وفى اليوم التالي قالت واحدة منهن تدعى إيثيريا: "أنا اعلم أنه بسبب فيبرونيا لن تدعنا السيدة الرئيسة نغادر المكان. هل تريدنا أن نهلك جميعا من اجلها؟ أرى  أن نذهب ونتكلم معها بالنيابة عنكن ونقول ما ينبغي."

بعد هذا الكلام بعض الراهبات وافقن إيثيريا على هذا الاقتراح، بينما البعض الآخر وجدنه معيباً. ونشأ جدال عظيم بينهن، وفى النهاية ذهبن جميعا إلى الشماسة ليروا أي نصيحة تعطى لهن. كانت برايني على علم باقتراح إيثيريا، فنظرت مباشرة إليها، وقالت: "ماذا تريدين يا أختي إيثيريا؟" أجابت إيثيريا : "أريد أن تأمرينا أن نذهب للاختباء والهرب من الغضب الذي أتى علينا، لسنا أفضل من الإكليروس والأسقف. يجب أن تذكري أن بيننا بنات صغيرات، وأنت لا تريدين أن يأخذهن الجنود الرومان ويغتصبن أجسادهن، فيفقدن اجر حياتهن النسكية. وإلا فهناك خطر أن ننكر المسيح إذا لم نحتمل آلام التعذيب، في هذه الحالة سنصبح مضحكة للشياطين ونخسر نفوسنا. على أي حال إذا اعطيتينا الكلمة لنخلص حياتنا سنأخذ فيبرونيا أيضا ونهرب."

(11) لما سمعت فيبرونيا هذا الكلام، هتفت : "حيُُّ هو المسيح، المسيح الذي له خُطبت وله قدمت نفسى، لن ألوذ بالفرار، ولتكن إرادة الله."  قالت برايني: "أنت تعرفين يا إيثيريا ما قد جنيتِ، إني أسامحك على هذا." ثم التفتت إلى الراهبات الأخريات. وقالت: "كل واحدة منكن تعرف الصالح لنفسها، اخترن ما تردن." فصلين وودعن برايني و فيبرونيا، وغادرن الدير خائفات وقارعات صدورهن بحزن عظيم ودموع. أما بروكلا التى تربت مع فيبرونيا فقد عانقتها وقالت: "الوداع يا فيبرونيا، صلى من أجلى."  أمسكت فيبرونيا  بيديها ولم تدعها تذهب. قالت لها: "خافي الله يابروكلا، على الأقل لا تتركيني. أنت ترين أنى مازلت عليلة. ماذا يحدث إذا مت؟ سيدتنا الرئيسة لا تقدر أن تحملنى إلى القبر وحدها. ابقِ معنا، حتى إذا مت تساعدين في حملي إلى القبر." قالت بروكلا: "لقد اعطيتينى أمراً يا أختي لن أتخلى عنكِ." فقالت فيبرونيا: "الآن قد وعدتي أمام الله ألا تتركينى." ولما كان المساء ذهبت بروكلا واختفت.

(12) لما رأت برايني الدير وقد تجرد من الراهبات، ذهبت إلى مكان الصلاة وطرحت نفسها على الأرض، تئن بأسى. تومائيس التى كانت الثانية في الرئاسة جلست معها محاولة أن تعزيها قائلة: "كفى عن البكاء يا أمنا، الله قادر أن يوجد مخرجا من الشدائد والتجارب، سوف يُمَكِّننا أن نحتمل. مَن كان عنده إيمان بالله ثم ندم ؟ من ثابر في خدمته ثم تُخلىَّ عنه؟" قالت برايني: "نعم يا سيدتى تومائيس، أنا اعلم انه هكذا كما تقولين تماما. ولكن ماذا افعل بفيبرونيا؟ أين يمكنني أن اخبأها حتى تكون في أمان؟ كيف يمكنني أن انظر إليها إذا أخذها البربر أسيرة؟" أجابت تومائيس: "هل نسيتى ما قلته؟ القادر حتى أن يقيم الناس من الموت بالتأكيد قادر أن يقوى فيبرونيا ويخلصها. فقط كُفى عن البكاء ودعينا نذهب لنبهج فيبرونيا فإنها مازالت راقدة هناك عليلة."

(13) في اللحظة التى وصلت فيها إلى المنصة التى كانت فيبرونيا متكئة عليها، بكت براينى  بصوت عال بمرارة. ولأنها لم تتمالك نفسها من الدموع أحنت رأسها إلى أسفل. ولما رأتها فيبرونيا هكذا، سألت تومائيس: "أرجوك يا أمنا، ما هو سبب دموع الأم الرئيسة؟ لما كنت في مكان الصلاة من مدة قليلة سمعت صوت أنينها أيضا." أجابت تومائيس والدموع ملء عينيها: "ياابنتي فيبرونيا، إن سيدتنا الرئيسة تئن وتنوح من أجلك. بسبب الأشياء الرهيبة التى ستأتي علينا بيدىَّ هذين المستبدين ولأنك صغيرة وجميلة. لذا هى تتعذب والحزن يملئها بالأسى." قالت فيبرونيا: "أتوسل إليكما، فقط صلوا من اجل عبدتكما، لأن الله قادر أن ينظر إلى إتضاعي ويقويني، هو سيعطيني احتمال تماما كما يفعل مع خدامه الذين يحبونه."

(14) قالت تومائيس: "ابنتي فيبرونيا، إن ساعة المعركة قد اقتربت، إذا قبض علينا الجنود، الطغاة سوف يقتلونا سريعا لأننا كبار السن، ولكنهم سيختطفونك فأنك صغيرة وجميلة، وسيضايقونك بعروضهم وكلماتهم الخداعية. لا تستمعي لهم. وإذا حاولوا أن يستميلوك بأن يعدوك بذهب وفضة، احرصي أن لا تعطيهم اهتماما يا إبنتي، وإلا ستفقدين اجر حياتك السابقة، وتصبحين مضحكة للشياطين ومهزأة للوثنيين. لأنه ليس شيئا مكرم ومختار عند الله  مثل البتولية، عظيم هو اجرها. عريس البتولية حى ابدى وهو يعطي الحياة الأبدية للذين يحبونه. يا فيبرونيا أظهري لهفة نفسك لرؤية ذاك الذي خطبت نفسك له. لا تخذلينه ولا تخوني العربون الذي أعطاك وعهدك معه. انه ليوم رهيب هذا الذي ينال الإنسان فيه أجر أعماله." بينما كانت تستمع لهذه الكلمات، تشجعت فيبرونيا  وببأس أعدت نفسها ضد قوات الشر. ثم أجابت قائلة لتومائيس: "تفعلين حسناً يا سيدتي بتشجيع أمَتك، لقد تقوت نفسي بواسطة كلامك. إذا كنت أريد الهرب من هذه الحرب لرحلت مع الراهبات الأخريات واختبأت، ولكن لأني أحب ذاك الذي قدمت له نفسي، فأنا مشتاقة لأن آتي إليه، إذا حسبني أهلاً لأن أتألم وأحتمل القتال الذي من أجله."

(15) عند سماعها لهذا الكلام، أضافت برايني بعض كلمات التحذير قائلة لفيبرونيا: "تذكري كيف تبعت تعليمي، وتذكري كيف علمت آخرين، تذكري كيف أنى تسلمتك في يديَّ من مرضعتك وأنت في الثانية من عمرك، وأنه حتى هذه اللحظة لم ينظر وجهك أي رجل، ولم أدع النساء العلمانيات يتحدثن معكِ . حتى هذا اليوم قد حفظتك، يا ابنتي ، وأنت نفسك تعرفين هذا جيداً. ولكن الآن ، يا ابنتي ، ماذا يمكنني أن افعل لكِ ؟ لا تخزي شيخوخة برايني، لا تفعلى أى شئ يجعل عمل أمك الروحية بلا ثمر. اذكري المجاهدين الذين مضوا قبلك ، الذين جازوا استشهاداً مجيداً، ونالوا إكليل النصرة من مدير الحلبة السمائى. هؤلاء لم يكونوا كلهم رجالاً، ولكن منهم  نساءً وأطفالاً أيضاً، اذكري الاستشهاد المجيد الذي جازه ليوبى وليونيدا : ليوبى تكللت عند موتها بالسيف، وليونيدا بالنار. اذكري الفتاة يوتروبيا التى فى الثانية عشر من عمرها ، استشهدت مع أمها من أجل اسم الرب. ألم تكوني أنتِ دائماً مندهشة ومتعجبة لخضوع يوتروبيا واحتمالها؟ عندما أمر القاضي بضرب السهام ناحيتها ليجعلها تفر خائفة من السهام، سمعت أمها تناديها: "لا تجرى بعيداً يا إبنتى يوتروبيا " وعقدت يديها وراء ظهرها ولم تجر بعيداً ، أصابها سهم وسقطت على الأرض ميتة. لقد أظهرت طاعة كاملة لوصية أمها. ألَم يكن أدبها وطاعتها هما ما أعجبك دائماً ؟ وهى كانت بنت لم تتعلم في مدرسة ، بينما أنت كنت ومازلت تعلمين آخرين." هكذا مضى الليل وهن يتكلمن بهذا وأكثر معها.

(16) في الصباح التالي عند شروق الشمس كان هناك شغب وصراخ صادراً من أهل البلدة: استولي "سيلينوس وليسيماكوس على المدينة، وقبض الجنود على عدد كبير من المسيحيين، ملقين إياهم في السجن. تقدم بعض الوثنيين واعلموا سيلينوس عن الدير. ففي الحال أرسل بعض الجنود إليه حيث كسروا الباب بالفؤوس. عند دخولهم الدير قبضوا على برايني ، وسحب بعض الجنود سيوفهم وهموا بقتلها في الحال ، ولكن فيبرونيا لما رأت الخطر، قامت من المنصة وطرحت نفسها عند قدمي الجندي، صارخة بأعلى صوتها: "استحلفك بإله السماء، اقتلني أولا حتى لا انظر موت سيدتي." عندما وصل بريموس ورأى ما فعل الجنود، طردهم من الدير بغضب. ثم كلم  برايني قائلاً: "أين النساء اللواتي يعشن ههنا؟" اجابت براينى: "لقد غادرن الدير جميعاً خوفاً منك." قال بريموس: "كنت أتمنى لو انتن أيضا هربتن! مازالت هناك فرصة، اذهبن إلى أي مكان تُردنَ وأنقذن حياتكن." بهذا أزال قسوة العسكر الرومان وغادر الدير ولم يعين حتى حارساً واحداً هناك.

(17) عند الوصول إلى مكان القضاء دخل إلى ليسيماكوس الذي بادره بالسؤال : "هل حقيقي ما سمعنا عن الدير؟" أجاب بريموس: "ما سمعنا كان حقاً." ثم أخذه إلى جانب وأضاف : "كل النساء اللواتي يعشن في الدير قد هربن، وجدنا هناك راهبتين عجوزتين وأخرى صغيرة. إنني ممتلئ والدهشة وأنا أخبرك بما رأيته في ذلك الدير، لقد رأيت فتاة لم تقع عيناي على مثلها من قبل، لا، لم أرى مثل هذا الجمال والتناسق في أى امرأة أخرى. الآلهة تعلم أنى لما رأيتها راقدة على تلك المنصة ذهل عقلي. لو لم تكن فقيرة وحقيرة لكانت زوجة مناسبة لك يا سيدى."

أجاب ليسيماكوس: "إذا كنت أنا تحت أوامر ألا اسفك دم مسيحي، بل أن أكون صديقاً للمسيح، فكيف أؤذى أي أحد من خاصة المسيح؟ بالتأكيد لا. ولكن أتوسل إليك يا بريموس، ابعد النساء من الدير وكن حامياً لهن، لئلا يقعن في يدي عمى سيلينوس غير الرحوم." أسرع أحد الجنود الأشرار إلي سيلينوس وأخبره قائلاً: "لقد وجدنا فتاة جميلة جداً في الدير، و بريموس الآن يتكلم مع ليسيماكوس عنها لتكون زوجة مناسبة له."

امتلأ سيلينوس بالغضب والحنق عند سماع هذا. وأرسل بعض الرجال لحراسة الدير ليمنعوا النساء من الهرب ، ثم أرسل المنادين ليعلنوا في المدينة أن : "غداً سيكون اجتماعا عاما." هذا يعنى أن فيبرونيا ستحاكم علانية في المسرح. لما سمع سكان البلدة والمناطق المجاورة هذا الكلام، خرجوا جميعاً واحتشد الرجال والنساء  لينظروا مشهد "صراع" فيبرونيا.

(18) في اليوم التالي تدافع الجنود إلى الدير واختطفوا فيبرونيا من على منصة رقادها. كبلوها بالقيود الحديدية ، ووضعوا قيدا ثقيلا على عنقها، ثم جروها خارج الدير. تعلقت برايني وتومائيس بفيبرونيا، والتمستا من الجنود بدموع وأنين ليسمحوا لهن أن يتكلما قليلا مع فيبرونيا. فأجابوا طلبتهن وأعطوهن بعض الوقت. بعد هذا طلبتا من الجنود أن يأخذوهما إلى "الصراع" أيضا، حتى لا تكون فيبرونيا بمفردها، وقد ترتعب. ولكن أجاب الجنود: "ليس عندنا أوامر بأن نحضركما أمام منبر القاضي، فيبرونيا فقط." فبدأتا تشجعان فيبرونيا وتحذرانها، فقالت براينى: "ياابنتي فيبرونيا، ها أنت ذاهبة إلى "الصراع". تذكري أن العريس السمائي يشاهد صراعك هذا، وعساكر الملائكة واقفة أمامه حاملين إكليل النصرة، ومنتظرين نهايتك. انظري، لا ترتعبين من العذابات ؛ فتعطى مسرة لإبليس. لا تشفقين على جسدك عندما ينهار تحت الصفعات، لأن هذا الجسد أراد أو لم يرد سيتحلل سريعا ويصبح ترابا في القبر. سأبقى في الدير أنوح حتى تصلني الأخبار عنك، سواء طيبة أو سيئة، أرجوك يا ابنتي، اجعليها أخبارا طيبة التي اسمعها عنك. ليخبرني أحد أن "فيبرونيا أسلمت روحها أثناء العذابات". ليبشرني أحد أن "فيبرونيا بلغت نهايتها وأنها حُسبت ضمن شهداء المسيح."

(19) قالت فيبرونيا: "عندي إيمان بالله، يا أمنا، كما أني لم أتعدِ وصاياكِ من قبل، الآن أيضاً لن أتجاهل إنذاراتك. بل بالأحرى، ليرى الناس ويندهشوا، وليهنئوا برايني المتقدمة في أيامها ويقولوا: "بالحق هذا غرس غرسته برايني" في جسد امرأة سأظهر شجاعة رسوخ إيمان الرجل. دعوني امضي الآن." قالت تومائيس: "حي هو الرب، يا ابنتي فيبرونيا ، سألبس ملابس امرأة علمانية وآتى إلى صراعك."         

بينما كان الجنود متعجلين الذهاب، قالت لهن فيبرونيا: "أرجوكن يا أمهات ، أرسلوني في طريقي الآن بالبركات وصلوا من اجلي. دعوني اذهب الآن." فرفعت براينى يديها إلى السماء وقالت بصوت عالى "أيها الرب يسوع المسيح الذي ظهر لعبدتك تكلة في شبه بولس، التفت إلى هذه الفتاة المسكينة في وقت صراعها." وبهذا الكلام عانقت برايني فيبرونيا وقبلتها. ثم مضت في طريقها ورحل بها الجنود. رجعت برايني إلى الدير وطرحت نفسها على الأرض في مكان الصلاة، وكانت تئن بشدة وتتوسل إلى الله من أجل فيبرونيا.

(20) أما تومائيس فقد ارتدت ملابس علمانية وخرجت لتشاهد الصراع، وكذلك فعلت كل النساء العلمانيات اللواتي اعتدن الذهاب إلى الدير في أيام الجمعة ليسمعن الأسفار المقدسة. وبينما كن يجرين نحو الموضع حيث سيكون المشهد، كنَّ يبكين ويقرعن صدورهن، نائحات على فقدان معلمتهن.

ولما سمعت هيريّا زوجة عضو مجلس الشيوخ، أن الراهبة فيبرونيا ستحاكم أمام منبر القاضي، قامت وصرخت بصوت عالٍ. سألها والداها وكل من في البيت بتعجب عن الأمر. فأجابت: "إن أختي فيبرونيا قد ذهبت إلى المحكمة. معلمتي تقُدم للمحاكمة لأنها مسيحية." حاول والداها جاهدين أن يهدئاها، ولكنها كانت تنوح وتبكي بالأكثر . ثم طلبت منهم بتوسل: "اتركوني الآن وحدي لأنوح بمرارة من أجل أختي ومعلمتي فيبرونيا."  أثرت كلماتها في أبويها حتى أنهما بدئا ينوحان على فيبرونيا. ولما طلبت منهما أن يسمحا لها بالذهاب لمشاهدة الصراع، انطلقت مع بعض العبيد والإماء. وبينما أتت مسرعة بدموع إلى المشهد قابلت في الطريق حشدا من النساء اللواتي أيضا جئن مسرعات ونائحات. وقد عبرت أيضا بتومائيس، وإذ تعرفتا على بعضهما، جاءتا سويا باكيتين نائحتين إلى مكان المشهد.

(21) وعندما اجتمع حشد غفير هناك، جاء أيضا القضاة. ولما أخذ سيلينوس وليسيماكوس مكانهما في المحكمة، أُعطى أمر بإحضار فيبرونيا. فأدخلوها ويديها مربوطتين والقيد الحديدي الثقيل حول عنقها. ولما رأتها الجموع بكوا وأنّوا. وبينما كانت واقفة في الوسط أعطى سيلينوس أوامر بتوقف الصخب. وإذ حدث سكوت عظيم، قال سيلينوس لليسيماكوس: "ضع الأسئلة ودون الإجابات."

قال ليسيماكوس لها: "أخبريني أيتها الفتاة هل أنت عبدة أم حرة؟"

أجابت فيبرونيا: "عبدة."

سأل ليسيماكوس: "عبدة مَن أنت إذن؟"

قالت فيبرونيا: "عبدة المسيح."

قال ليسيماكوس: "ما اسمك ؟"

أجابت فيبرونيا: "المرأة المسيحية الفقيرة."

قال ليسيماكوس: "إنه أسمك الذي أريد أن أعرفه."

أجابت فيبرونيا: "لقد أخبرتك، المرأة المسيحية الفقيرة. ولكن إن أردت أن تعرف أسمى الذى تدعونى به سيدتى فهو فيبرونيا."

(22) في هذه اللحظة قال سيلينوس  لليسيماكوس أن يتوقف عن الأسئلة، ثم بدأ هو يستجوب فيبرونيا قائلاً: "إن الآلهة تعرف جيدا أنى لم أرد أن أعطيك فرصة للاستجواب، ومع هذا رقتك وحلمك وجمال مظهرك غلبوا قوة غضبي عليك. أنا لن أسألك كمتهمة، ولكنى سأحدثك كما لو كنت ابنتي الحبيبة. لذا اسمعي لي يا ابنتي. الآلهة تعرف أنى وأخي أنثيموس قد رتبنا خطبة ليسيماكوس، وهذا يتضمن تحويل مقدارا عظيما من الأموال والممتلكات. ومع ذلك فأنا اليوم سألغي وثائق الخطبة التي عملناها مع ابنة بروسفوروس، وسنوقع اتفاقا ثابتا معك، وستكونين زوجة لليسيماكوس الذي ترينه الآن جالسا عن يميني. انه حسن المظهر جدا مثلك. لذا اسمعي لنصيحتي كما لو كنت أباك، وسأجعلك ممجدة على الأرض. لا تخافي لأنك فقيرة، فأنا ليس لي زوجة حية ولا أولاد، سأحول لك كل ما أملك، وستكونين سيدة على كل ما عندى، وكل هذا سأكتبه في مهرك. ستكونين زوجة السيد ليسيماكوس وأنا سأقوم بدور أبيك . ستكونين مركز للمديح في العالم كله، وكل النساء سيحسبونك مغبوطة لأنك وصلت لكرامة مثل هذه . إمبراطورنا المنتصر سيسر أيضا وسيغدق عليكما الهدايا. لأنه وعد بترقية سيدي ليسيماكوس للعرش العالي الذي هو رئيس ربع، وهو سيتولى الرئاسة. الآن وقد استمعت لكل هذا، أعطيني جواباً يسر الآلهة ويفرحني  أنا أبوكِ ، ومع هذا إذا قاومت رغباتي ولم تسمعي كلامي ، تعلم الآلهة جيدا أنك لن تبقى حية في يدي ثلاث ساعات أخرى. لذلك أجيبي كما تريدين."

(23) وبدأت فيبرونيا تقول: "أيها القاضى، أنا لي مخدع عرس في السماء، غير مصنوع بأيدى، وحفلة عرس لا تنتهى معدة لي. كل ملكوت السماء كمهر لى، وعريسى لا يموت أبدا، غير فاسد، وغير متغير. سأتمتع به فى الحياة الابدية. لن أقبل فكرة الحياة مع زوج مائت وخاضع للفساد. لا تضيع وقتك يا سيد، فلن تحقق أي شئ بملاطفتي، ولن ترعبني بتهديداتك."

وعند سماع هذه الكلمات غضب القاضى جدا. وأمر الجنود بتمزيق ملابسها وربطها بخرق وان يجعلوها تقف هناك بدون ملابس ليخجلوها أمام كل أحد. "دعوها ترى نفسها عارية هكذا وتنوح على حماقتها ، إذ سقطت من الكرامة والاحترام الى الخزى والهوان."

وبسرعة نزع االجنود عنها ملابسها وقيدوها بخرق، وجعلوها تقف بغير ملابس أمام الجميع. ثم سألها سيلينوس: "ماذا عندك لتقولى يا فيبرونيا؟ أترين أية فرصة جيدة قد فقدتِ، ولأي هوان قد انحدرتِ؟" أجابت فيبرونيا: "اسمع أيها القاضي، حتى لو عريتنى تماما، لن أفكر شيئا في هذا العرى، لأنه هناك خالق واحد فقط للذكور والإناث. وفى الحقيقة أنا لست أتوقع أن أتعرى فقط من ملابسي، ولكنى مستعدة لعذاب النار والسيف، إذا حُسبت أهلا أن أتألم من أجل الذي تألم من أجلى."

(24) قال سيلينوس: "أيتها المرأة الوقحة. أنت تستحقين كل أنواع الخزى. أنا اعلم جيدا أنك فخورة بهيئتك الجميلة، ولهذا فأنت لا تعتبرينه عارا ولا خزيا أن تقفي هناك وجسدك عارياً ، بل تتصورين انه يزيد عظمتك." أجابت فيبرونيا: "اسمع أيها القاضي، الله ربي يعلم أنى لم أر وجه رجل إلى هذه اللحظة، وفقط لأني وقعت في أيديكم فأنا أدعى عديمة الحياء ووقحة! أنت رجل عديم الفهم وعديم الإدراك ، أي مصارع يدخل إلى الصراع ليقاتل في أوليمبيا ويشترك في المعركة وهو بملابسه ؟ ألا يدخل حلقة الصراع عاريا، حتى يقهر خصمه؟ أنا أنتظر العذابات والحرق بالنار، فكيف أحارب هذه وأنا مرتدية ملابسي؟ ألا يجب على أن أقابل العذاب بجسد عاري ، إلى أن أقهر خصمي الذي هو الشيطان أبوك ، محتقرة كل تهديداتك بالعذاب؟" فقال سيلينوس: "بما أنى أرى أنها تجلب العذاب على نفسها، وتستخف بتهديد النار، إذن مدوها بين أربعة رجال ووضعوا نارا تحتها، وليقوم أربعة جنود بتمزيق ظهرها بالعصي." نُفذت أوامره واستمروا يضربونها وقتا طويلا. وجرت قطرات الدم من جانبي ظهرها على الأرض مثل المطر. ثم أوقدوا نارا وحرقوا أمعائها. وأضافوا زيتا للنار حتى تزداد سخونة اللهيب وبدأ يأكل جسد فيبرونيا. ولما كانوا يضربونها هكذا بلا رحمة لوقت طويل كانت الجموع تتوسل إلى القاضي قائلة: "أيها القاضي الرحوم اصفح عن الفتاة." ولكنه لم يهتم بكلامهم، بل قال لهم أن يستمروا في ضربها. ولما رأى أن جسدها تمزق كله وبدأ يتساقط ككتل دامية، قال لهم أن يتوقفوا عن الضرب. ولأنهم ظنوا أنها ماتت القوها بعيدا عن النار.

(25) ولما رأت تومائيس الأشياء الفظيعة التى كانت تحدث لفيبرونيا، أصيبت بالدوار. وسقطت على الأرض عند قدمي هيريّا. فصرخت هيريّا بصوت عظيم قائلة: "وأسفاه يا فيبرونيا أختي، وأسفاه يا سيدتي ومعلمتي. اليوم قد حُرمنا من إرشاداتك، وليس إرشاداتك فقط بل أيضا إرشادات السيدة تومائيس، لانها ماتت ههنا أيضا."

ولما سمعت فيبرونيا صوت هيريّا وهى راقدة على الأرض، طلبت من الجنود أن يحضروا بعض الماء لوجهها. فأحضروه في الحال ومسحوا به وجهها. وللوقت انتعشت وطلبت أن ترى هيريّا. ومع هذا قال لها القاضي آن تقف وتجيب على أسئلته. سألها القاضي: "ماذا لديك لتقولي يا فيبرونيا؟ كيف حالك في المباراة الأولى من القتال؟"

أجابت فيبرونيا: "لقد علمتَ من المحاكمة الأولى أنني لا أُقهر وأنني أحتقر تعذيبك."

فأصدر سيلينوس أوامره: "مدوها على لوح خشبي ومشطوا جانبيها بالمسامير الحديدية، ثم ضعوا نارا تحتها حتى تحرقوا عظامها."

فعل الجنود ما أمروا به ، وبدأوا يمشطوها بالمسامير حتى تساقطت كتل دامية من لحمها على الأرض. ثم وضعوا نارا وحرقوا جنبيها. ثبتت فيبرونيا عينيها نحو السماء قائلة: "تعال لمعونتي يارب. لا تتخلى عني في هذه الساعة." ولما قالت هذا سكتت إذ أحرقتها النار بشدة.

(26) كثير من الناظرين غادروا مكان التعذيب مصدومين من وحشية سيلينوس عديم الرحمة. آخرون صرخوا للقاضي: "ابعد النار عنها."  فأمر بإزالة النار عنها وأراد أن يستجوبها وهى مسمرة على اللوح الخشبي، وإذ كانت غير قادرة على الإجابة، أمر بإنزالها عن اللوح وربطها بقطعة من الخشب، لأنها لم تكن قادرة على الوقوف على قدميها. استدعى طبيبا أيضا وقال له: "بما أن هذه المرأة الملعونة والكريهة لا ترد على  السلطة القضائية، إذن فليقطع لسانها."

أخرجت فيبرونيا لسانها. وأشارت إلى رجل حامل سيف أن يقطعه. اقترب الرجل ليقطعه ولكن الجموع صرخت للقاضي بأقسام كي لا يقطع لسانها. لذلك وبدلاً عن هذا أمر الملعون والكريه سيلينوس أن تقلع أسنانها. أحضر الطبيب أداة حديدية وبدأ بقلعهم ويطرحهم على الأرض. ولما قلع سبعة أسنان، وكان دما كثيرا يخرج من فمها ويجري على الأرض، أمر القاضي أن يتوقف الطبيب وان يوقف النزيف، إذ أنها كانت في حالة إغماء بسبب فقدان الدم. وضع الطبيب بعض الأدوية وأوقف النزيف.

(27) بدأ سيلينوس الشرير استجوابها مرة أخرى: "ماذا تقولين يافيبرونيا؟ هل ستطيعين السلطة القضائية الآن؟ هل ستعترفين بالآلهة؟"

أجابت فيبرونيا: "لتكن تحت العنة، أيها الرجل الملعون وسيئ المصير، لأنك تعطل رحلتي، إذ لا تدعني أذهب مباشرة لعريسي. أسرع وأخرجني من وحل هذا الجسد، لان محبوبى يشاهد وينتظرني."

قال سيلينوس: "سأهلك جسدك قليلاً قليلاً بالنار والسيف. أنا على علم أنه إلى الآن شجاعة شبابك ساعدت وقاحتك، ولكنك لن تربحِ شيئا بهذا، لأن كبرياءك يؤكد أن أشياء أشر آتية عليك." لم تقدر فيبرونيا أن ترد عليه لشدة الألم. وهذا وحده أغضب القاضي أكثر، وأعطى أوامره للطبيب: "لتقطع أعضاء جسم هذه الفتاة الوقحة التى تخرج اللبن وتلقى على الأرض." في الحال أخذ الطبيب مشرط الجراحة واقترب من فيبرونيا. عند هذا أنَّت الجموع وطلبت إلى القاضي بهذه الكلمات: "يا سيدنا القاضي، نتضرع إليك أن تعفى الفتاة من هذا العذاب." و بينما كانوا يصرخون متوسلين إليه، قال للطبيب بغضب: "اقطعهما أيها الرجل اللعين الغريب عن حياة الآلهة." فأخذ الطبيب مشرط الجراحة ولما بدأ يقطع ثديها الأيمن، رفعت صوتها إلى السماء ولهثت في كربها قائلة : "أيها الرب الهي انظر إلى بلائي المريع، اقبل نفسي في يديك." ولم تتكلم بعد هذا.

(28) ولما قطع ثدياها وألقاهما على الأرض، أمر القاضي بوضع نار على مكان الجروح. فوضعوا نارا عليها لمدة حتى أحرقتها من الداخل. لم تحتمل جموع الناس هذه العذابات الوحشية القاسية وغادروا المكان بهذه الكلمات: "ملعون هو دقلديانوس وآلهته." أما تومائيس وهيريّا أرسلتا إلى الدير تخبران برايني عما حدث. ولما وصلت الفتاة إلى الدير قالت لبراينى بصوت مرتفع: "السيدة هيريّا والسيدة تومائيس تقولان: لا تدعي يديك المرتفعتين إلى السماء تستريحان ولو لثانية واحدة، ولا تدعى قلبك يكف عن أن يلهث بالصلاة لله."

عند سماع هذه الرسالة ، صرخت برايني لله قائلة: "أيها الرب يسوع المسيح، تعال لمعونة عبدتك فيبرونيا." وألقت نفسها على الأرض مصلية لوقت طويل وهي تبكي وتقول: "ابنتي، ابنتي فيبرونيا، أين أنت؟" عادت الفتاة إلى المحفل بينما استمرت براينى تئن رافعة يديها إلى السماء قائلة: "يارب انظر إلى حالة فيبرونيا الرهيبة وتعال لمعونتها. اجعل عينيَّ ترى فيبرونيا مكللة ومحسوبة بين الشهداء المباركين."

(29) بعد ذلك أمر القاضي بحل فيبرونيا من اللوح الخشبي. ولما حلوها انهارت على الأرض إذ لم تكن قادرة على الوقوف. ثم قال بريموس لليسيماكوس: "لماذا تهلك فتاة مثل هذه؟"  اجاب ليسيماكوس: "ليكن يا بريموس لأن أتعابها هى للمغفرة لكثيرين، ربما لمغفرتك أنت. وعلى أي حال ليس لى سلطة لأفرج عنها وأنقذها. دعها تفوز بنصرتها، لأنها دخلت هذا السباق لخلاص كثيرين."

قامت هيريّا وصرخت فى القاضي: "أنت عدو الطبيعة البشرية، ألم تكفيك الأشياء المرعبة التي جلبت على هذه الفتاة المسكينة؟ ألا تتذكر أمك التي كان لها نفس الجسد ولبست مثل هذه الملابس؟ ألا تفكر فى اليوم المشئوم الذي ولدت فيه وكيف تغذيت من ذلك الثديين اللذين جرى منهما اللبن؟ أني اندهش لقلبك الوحشي عديم الرحمة الذي لم يتأثر بهذا. أرجو ألا يصفح عنك الملك السمائي كما لم تعفو أنت عن هذه الفتاة المسكينة]. استشاط القاضي غضباً من كلمات هيريّا وأصدر أمرا بإحضارها أيضاً للمحاكمة. عند سماع هذا نزلت هيريّا بسرعة والسعادة تغمرها قائلة : [يا إله فيبرونيا اقبلني أنا أيضاً، مع سيدتي فيبرونيا أنا الوثنية المسكينة."

(30) وبينما كانت فى طريقها. نصح أصدقاء سيلينوس ألا يحضرها للمحاكمة علناً وإلا انضمت إليها المدينة كلها فى الاستشهاد وُتفقد المدينة بأكملها. قبل سيلينوس النصيحة ولم يدع هيريّا تقف أمام الجمهور. ولكنه قال لها وهو يتميز من الغيظ: "اسمعي يا هيريّا، حية هى الآلهة، لقد تسببتِ فى مزيد من الآلام لفيبرونيا."

ثم أمر بقطع يدي فيبرونيا وقدمها اليمنى. وفى الحال أحضر الجلادون قالباً ووضعوه تحت يدها اليمنى وقطعوها بضربة فأس واحدة. وفعلوا بالمثل بيدها اليسرى. ثم وضعوا القالب تحت رجلها اليمنى وضربوها، ولكن لم تنفصل القدم فضربوا ثانية وأيضا فشلوا.

أثناء هذا كانت الجموع تئن وتتأوه. ولما ضرب المرة الثالثة قُطعت قدم فيبرونيا. كان جسد الفتاة المباركة يرتعش كله وكانت على وشك الموت ، ومع هذا فقد حاولت ان تضع رجلها الأخرى على القالب طالبة قطعها أيضاً. ولما رأى القاضي ما فعلته قال: "انظروا إلى قوة احتمال هذه الدنيئة." وبغيظ شديد قال للجلاد: "هيا إقطعها."

(31) ولما قُطعت قدمها الأخرى قام ليسيماكوس وقال لسيلينوس: "هل تنوى على فعل شئ أخر لهذه الفتاة الشقية؟ هيا بنا انه ميعاد الأكل."

ولكن سيلينوس الشرير قال: "حية هي الآلهة، لن اتركها حية، سأبقى هنا حتى تموت."

ولما قضت فيبرونيا وقتا ليس بقليل فى ألم شديد، سأل سيلينوس الجلاد: "هل هذه المرأة اللعينة مازالت حية؟" أجاب الجلاد: "نعم فلتعلم انه مازال فيها حياة."

حينئذ اصدر سيلينوس أوامره بقطع رأسها. اخذ الجلاد سيفا وامسك بشعرها الطويل ـ  كما يفعل من يذبح خروفا ـ وهكذا قتلها قاطعا رأسها المقدس.

وفى الحال قام القضاة وانصرفوا ليأكلوا. ولكن ليسيماكوس مضى وعينيه مملوءة بالدموع، بينما هجمت الجموع تريد أن تخطف جسد فيبرونيا. فأمر ليسيماكوس بعض الجنود أن يبقوا ويحرسوا الجسد. وهو نفسه كان غارقاً فى الحزن والدموع ، ولم يستطع أن يأكل أو يشرب، وإنما اغلق على نفسه فى حجرة باكيا على موت فيبرونيا.

 وعندما عرف عمه سيلينوس أن ليسيماكوس كان مضطربا جدا هو أيضا لم يقدر أن يأكل أو يشرب، بل قام ليتمشى فى الفناء. وهو أيضا غمره اكتئاباً مؤلماً، حتى أنه فجأة بينما كان ماشيا نظر إلى السماء ووقف فى مكانه برهة متحيرا ثم زأر مثل ثور وقفز ضاربا رأسه فى أحد الأعمدة حيث سقط ميتا.

(32) وعندما علا الصراخ ، اندفع ليسيماكوس ووقف حيث كانت الجثة ، سائلا ماذا حدث. ولما اعلموه هز رأسه قائلا: "عظيم هو إله فيبرونيا لقد انتقم لدمها الذى سُفك بغير ذنب." وبهذه الكلمات أعطى أوامره بأن يخرجوا سيلينوس. ولما أتموا هذا نادى ليسيماكوس بريموس وقال له: "أستحلفك بإله المسيحيين ألا تخالف تعليماتي، أسرع واصنع تابوتا لفيبرونيا، اصنعه من أحسن الأخشاب، و أرسل منادين فى كل اتجاه ليعلنوا فى البلدة، أن كل المسيحيين الذين يريدوا أن يأتوا إلى جنازة فيبرونيا، فليأتوا بلا خوف. خاصة وأن عمّي القاسي قد مات الآن . ولكن يا بريموس خذ الجنود معك ليحملوا جسد فيبرونيا ويوصلوه إلى ديرها وإلى برايني. لا تدع أحداً يخطف أي شئ من جسدها ولا من أطرافها التي قُطعت، ولا تدع الكلاب أو الحيوانات غير الطاهرة تلحس دم هذه القديسة الذي سُفك، بل اجمع التراب الذي سُفك عليه دم فيبرونيا و أرسله إلى ديرها."

(33) وعندما تلقى هذه الأوامر من ليسيماكوس، نفذ بريموس كل كلمة إذ جعل بعض الجنود يحملون جسد فيبرونيا بينما أخذ هو بنفسه رأسها، قدميها، يديها، وكل أعضاء هذه الفتاة المباركة التى قطعت ولفها فى عباءته . وهكذا آتى إلى ديرها. ولكن على أي حال أسرعت الجموع محاولة خطف جزءاً من أطرافها المقطوعة حتى أن بريموس كان فى خطر ليس بقليل من عنف الجمهور ، وفى النهاية اضطر الجنود أن يشهروا سيوفهم حتى يمنعوا الناس. ولما وصلوا الدير، مضغوطين وسط الجموع ، وبصعوبة ادخلوا جسد القديسة دون أن يدخل أحد، ماعدا تومائيس وهيريّا؛ والجنود منعوا الحشد من أن يدخلوا الدير.

وعند رؤية جسد فيبرونيا مبتوراً هكذا سقطت براينى على الأرض فى حالة إغماء لمدة من الوقت. أما بريموس فبعد أن وضع حراساً لحماية الدير رجع إلى ليسيماكوس فى مكان الولاية.

(34) وبعد مدة ليست بقصيرة، عادت برايني إلى وعيها وقامت وعانقت جثة فيبرونيا، وبتأوه قالت: "يا ابنتي فيبرونيا، اليوم قد أُخذتِ عن بصر أمك برايني. مَن سيقرأ الكتب المقدسة للراهبات؟ وأى أصابع ستمسك كتبك؟"

أثناء كلام براينى جاءت كل راهبات الدير مع ايثيريا، وهن أيضاً وقعن على الجسد بدموع مع ايثيريا. وفى أنين قالت : "إني انحني أمام هذه الأقدام المقدسة التي داست على التنين. دعوني اقبل الجروح البالغة التي على هذا الرأس المقدس لأن بواسطتها قد شُفيت ندبات نفسي. دعوني أكلل بزهور المديح هذا الرأس الذي كلل جنسنا بجمال هذه الانتصارات المجيدة." هكذا كانت كلمات هيريّا وهى باكية مع بقية الراهبات.

حان الوقت لصلاة الساعة التاسعة (الثالثة بعد الظهر) فصاحت رئيسة الدير: "يا ابنتي فيبرونيا قد أتت ساعة الصلاة." ثم بدأت تنادى على فيبرونيا باللغة السيريانية قائلة : "أين أنت ياابنتي فيبرونيا؟ ابنتي الصغيرة، قومى، طفلتي الصغيرة، قومي، تعالي." وقالت تومائيس: "اختى فيبرونيا، انك لم تعصى كلمة أمنا الرئيسة من قبل، لماذا لا تسمعي الآن؟"

(35) وفيما هن يقلن هذا كان هناك اضطرابا عظيما بين الراهبات اللواتي كن يذرفن الدموع. وفى المساء غسلن الجسد المقدس الذى للفتاه المباركة ووضعنه على نعش . ثم وضعن كل أعضاءها فى مكانها تماماً. وأعطت براينى تعليمات بفتح الأبواب للجموع. ولما دخلوا أعطوا المجد لله. كل النساء العلمانيات كن ينحن حزناً على فقدان معلمتهن.

بعض الأباء القديسين والرهبان جاءوا وقضوا الليلة كلها فى صلاة. أما ليسيماكوس فقد دعى إليه بريموس وقال له: "بريموس إنى أجحد كل تقاليد أبائى، كل ميراثى وممتلكاتى .  أنا سأذهب الى المسيح."

فرد بريموس: "أنا أيضاً أحرم دقلديانوس وحكمه، انى أترك كل معاملاتى مع والدىَّ أنا أيضاً سأذهب الى المسيح." وتركوا مكان إقامتهم  ولحقوا بالناس فى الدير.

(36) فى الصباح احضروا التابوت جاهزاً تماماً. ومضوا فى موكب بجسد فيبرونيا المقدس، مصحوباً بصلوات ودموع، ثم وضعوه فى التابوت، مرتبين كل عضو فى مكانه الصحيح أى رأسها وقدماها ويداها والأعضاء الأخرى، بينما أسنانها وضعت على صدرها. أما الجموع فقد ملأت التابوت بالمر والنبيذ الجديد والعطور الجيدة حتى إن جسدها لم يكن يُرى لكثرة الأعشاب العطرة. كان هناك صخباً عظيماً وضجيجاً من الجموع الذين لم يدعوا التابوت يقفل. حاول أسقف المدينة مع باقى الرهبان والاكليروس أن يضعوا الغطاء ولكن بدون فائدة . حينئذ صعدت براينى على مكان عال وتوسلت الى الجموع: "ألتمس منكم يا أخوتى وأخواتى أن تدعوها تذهب الى مكانها الذى يجب أن تذهب إليه."

فسمع جميع الناس لكلمات براينى ، وبين صلوات ودموع ومدائح زفوا جسد القديسة ووضعوه فى مكان مقدس فى الدير ، بينما الكل يسبح الله طيلة هذا الوقت.

(37) جموع كثيرة من الوثنيين آمنوا بالرب واعتمدوا. ليسيماكوس وبريموس أنفسهم قد اعتمدوا تاركين العالم وذهبوا الى رئيس الدير ماركيللينوس ليحيوا حياة ترضى المسيح ويكملوا أيامهم بسلام. كثير من الجنود آمنوا بالرب واعتمدوا وهيريّا ووالديها أيضاً. هيريّا تركت العالم وذهبت الى الدير الذى تبرعت فيه بكل ما تملك. وقد طلبت من براينى قائلة: "أتوسل إليك يا أمنا اجعلي عبدتك تأخذ مكان السيدة فيبرونيا سأكدّ كما كانت تفعل هى." وإذاك فقد خلعت هيريّا كل مجوهراتها وجعلت تابوت الفتاة المباركة مغطى بالذهب والمجوهرات من كل ناحية.

(38) فى وقت التذكار السنوى لنياحة وانتصار الفتاة المباركة وعند منتصف الليل وأثناء صلاة نصف الليل ترى راهبات الدير وبعض الناس الآخرون يرون الفتاة المباركة واقفة فى مكانها القديم. حتى صلاة الساعة الثالثة. خوف عظيم يمسك كل أحد فى هذه المدة ولا أحد يجرؤ أن يقترب منها أو يلمسها. هذا لأنه فى السنة الأولى التى ظهرت فيها وبينما كل الراهبات كن خائفات جداً ، أن صاحت براينى: "إنها ابنتى فيبرونيا."

ثم اندفعت نحوها لتعانقها. فاختفت فيبرونيا. وهكذا لم يعد يجرؤ أحد أن يقترب إليها و إنما كانت دموعهم  الكثيرة تذرف بسبب فرحهم برؤياها فقط.

(39) بنى أسقف المدينة مزاراً جميلاً وفاخراً للفتاة المباركة و أكمله فى ست سنوات. ولما كمل دعى الأساقفة من المدن المجاورة وقدم وليمة كبيرة وأقام صلاة بعد منتصف الليل فى 24 يونيو.

وهكذا اجتمع أناس كثيرون فى المزار حتى أن الدير كله لم يسعهم ، وكانت الخدمة تقدم فى أماكن عديدة فى نفس الوقت. وعندما أشرق الصبح كانوا قد اكملوا تسابيح النور وذهب الأساقفة إلى الدير ليأخذوا رفات  القديسة ويضعوها فى المزار المبنى حديثاً . فتبعهم جمع كثير بشموع ومصابيح ومجامر . وعندما وصلوا إلى الدير، وصلوا هناك جلسوا ودعوا براينى وقالوا لها: "إن ثمار حياتك الرهبانية وأتعابك المجيدة يعترف بها العالم كله ، وما من أحد قادر أن يعطيكى المديح اللائق. وأنه يليق بكل الذين أسندت لهم رئاسة الأديرة أن يقدموا ثماراً مشابهة. ولكن حيث أننا غير قادرين أن نعبر بالمديح اللائق لهذه الشهيدة القديسة فأننا سنصمت ، لأن ما من لسان يقدر أن يتغنى بمدائحها. ولأننا لا نقدر أن نفعل أو نقول أى شئ يليق بها فقد أتينا إليك كما لأختنا طالبين منك أن تشتركى معنا فى تكريم الشهيدة المجيدة . أعطيها لنا حتى تسكن فى المزار الذى بنى على اسمها."

(40)عندما سمعت الراهبات هذا سقطن عن أقدام الأساقفة مترجين إياهم قائلات: "نتوسل إليكم أن تشفقوا علينا نحن الفقيرات ولا تحرمونا من لؤلؤتنا."

وبعد وقت طويل وهن ينحن ويلتمسن من الأساقفة ، تكلم الأسقف نيسيبس إلى براينى قائلاً : [اسمعي يا أختى ، أنتِ تعلمين الغيرة التى بنيت بها هذا المزار لتكريم وتمجيد هذه القديسة المتوشحة بالنصرة ، انها الآن ست سنوات نتعب فى البناء. أنتِ لا ترغبى أن  كل تعبنا يصير بلا فائدة وبلا ثمر."

وعندما سمعت براينى هذا قالت: "أرجوكم يا أسيادى ، إذا حسن فى أعينكم وإذا حسن فى أعين الفتاة المباركة ذاتها، فمن أنا حتى أمنعكم؟ تعالوا اذن ونأخذها من هنا."

قام الأساقفة ودخلوا ليخرجوا التابوت وبدأت هيريّا تنوح قائلة: "واحسرتاه علينا! أنتم تحرمون ديرنا من بركة عظيمة فى هذا اليوم! يا للأسف علينا، اليوم حرمان وبلوى قد أتت على ديرنا! ويلاه أننا نسلم لؤلؤتنا!"

وجاءت الى براينى تذرف الدموع وتقول: "ماذا تفعلين يا أمنا؟ لماذا تحرمينى من أختى التى من أجلها قد تركت كل شئ لأحتمى هنا معك؟"

ولما رأت براينى هيريّا فى هذه الحالة قالت لها : "لماذا تبكين يا ابنتى هيريّا ؟ إذا أرادت الذهاب ستذهب."

(41) وعندما انتهى الأساقفة من الصلاة وقال الجميع أمين، اقتربوا لكى يأخذوا تابوت الفتاة المباركة. وفى هذه اللحظة حدث رعد فى السماء وصار كل الناس فى فزع. بعد قليل مدوا أيديهم ليأخذوا التابوت ولكن فى هذه المرة حدث زلزال عظيم حتى أنهم تصوروا أن المدينة كلها ستتحطم . وهكذا تيقن الأساقفة وجميع الناس أن الشهيدة القديسة لم ترد أن تغادر الدير. وفى حزن قالوا لبراينى: "إذا كانت الفتاة المباركة لا تريد أن تغادر الدير، دعيها تعطينا عضواً واحداً من أعضاءها التى بترت كبركة نأخذها ونمضى."

عند ذلك أخذت براينى مفتاحاً لفتح التابوت. كان جسد فيبرونيا كشعاع الشمس. وكما لو كان برقاً وناراً يشعان منه. مدت براينى يدها وهى مرتجفة ولمست يد فيبرونيا تريد أن تعطيها للأسقف. ولكن يدها أمسكت وهى تحاول أن ترفعها.

تضرعت براينى بدموع  قائلة: "أتوسل اليك يا سيدة  فيبرونيا، لا تغضبى على أمك اذكرى كل الأتعاب التى مرت بها براينى، لا تخجلى شيبتى."

ولما قالت هذا أرجعت يدها الى مكانها الأول. ثم مدت يدها مرة أخرى وهى تتنفس بصعوبة قائلة: "أعطينا بركة يا سيدتى ، لا تخيبى رجاؤنا." وأخذت إحدى أسنانها التى كانت موضوعة على صدرها وأعطته للأسقف وفى الحال أغلقت التابوت.

(42) تلقى الأساقفة هذه الؤلؤة على طبق ذهبى ومضوا فرحين وأمامهم جمع غفير يرتل المزامير حاملين الشموع والمجامر. وعند وصولهم الى المزار صعد الأساقفة على مكان عال وأظهروا هذا الجزء من جسدها ( إحدى الأسنان ) للشعب، كل العميان والعرج والذين بهم أرواح نجسة نالوا الشفاء. انتشرت هذه الأخبار وجاء الأولاد يجرون حاملين المرضى على أكتافهم  أو على أسرتهم، بينما الآخرون أحضروا حيوانات، كل واحد نال الشفاء من أى مرض كان عنده. الجموع لم تدع اللؤلؤة توضع فى مكانها حتى كف الناس عن إحضار المرضى. ولما شفى جميع من بهم أمراض و أعطوا السبح لله، حينئذ وضعت اللؤلؤة فى مكانها. وكان هذا فى الخامس والعشرين من  يونيو.

واذ قد تباركوا  بهذه المواهب العجيبة عاد الجميع الى منازلهم فى سلام فرحين ومسبحين ربنا يسوع المسيح الذى له المجد الى الأبد أمين .

(43)عاشت براينى سنتين بعد تكريس مزار الفتاة المباركة ولما رتبت كل شئ رقدت فى الرب بسلام. وبعد نياح سيدتى براينى ، أنا الفقيرة تومائيس أخذت مكانها. لأنى كنت على علم بكل شئ حدث لفيبرونيا من البداية وعرفت الباقى من ليسيماكوس. لذلك فقد كتبت سيرة هذه الشهادة لمديح وتكريم هذه الفتاة المجيدة ولخلاص وتشجيع الذين يسمعونها برجاء أن تستيقظ عقولهم بهذا الجهاد من أجل الأيمان ، لكى هم أيضاً يحسبوا أهلاً لملكوت السموات فى المسيح يسوع ربنا الذى له المجد والقوة الى الأبد والى أبد الآبدين . امين.

Axia Axia Axia ]agia v*rounia ]marturoc

 مناجاة

أيها الرب يسوع ؛ إن حَـمَلك يصرخ إليك بصوت عظيم " أحبك يا عريسى والآن أجاهد فى طلبك . وهاأنا مصلوبة ومدفونة فى معموديتك . أنى أتألم من أجلك ، لكى أملك معك .من أجلك أموت لكي أحيا فيك ، اقبلني  كذبيحة بلا عيب مقدمة اشتياقاً لك " يارب خلص نفوسنا بصلواتها لأنك عظيم الرحمة.

بالنسك صرتِ عذراء حسنة ، ثم صرت شهيدة مضيئة يا فيبرونيا الشهيدة .قد جريتِ نحو عريسك ومصباحك فى يدك ، بعد أن سهرتِ ليل عذابات استشهادك ، ولأنكِ تكللتِ بالمجد ، فأنتِ تطلبين عن الذين يمجدونك بإيمان.

  Febronia

أي إفرونية بحسب السنكسار القبطي والدفنار. هذه السيرة مترجمة من اللغة السريانية إلى اللغة الإنجليزية بواسطة Sebastian  Brock وهو أحد علماء هذه اللغة في جامعة اكسفورد،  ولذا فإن فيبرونيا هو الاسم الأصح خاصة وانه ينطق هكذا في الكنيسة اليونانية والروسية .

 ترجمتها من اللغة الأنجليزية الى اللغة العربية د. مرفت اسكندر  عن كتاب : Holy Women of the Syrian Orient

  مقاطعة Mesopotamia  تقع شمال فلسطين وتشمل سورية .

    هذا اللقب (the comes) قديم وربما غير معروف الآن

 

Nisibis

Bryene

Prokla

افر ونية .

 أى الحَكَم فى حلقة الصراع

الشهيدة تكلة تلميذة بولس الرسول. عيد استشهادها 25 أبيب. وقد ذكر فى سيرتها أن السيد المسيح ظهر لها في شكل بولس الرسول الذى آمنت على يديه، كأنه يجلس بين الجموع الذين يشاهدون عذاباتها وكان يشجعها

اسم المدينة التى تقام فيها المسابقات الأولمبية

فى الترجمات الاخرى يذكر اسم هيريا وينسب هذا الكلام لها.

مز 74: 13

 : تعنى ندبة أو الأثر  الذى يتركه الجرح العميق فى الجسم  scar  

الفعل amathematize  تعنى يلعن أو يحرم كنسياً . وهى نفس الكلمة التى تجئ فى العهد الجديد ليكن أناثيما

لعل المقصود الخدمة الثالثة من صلاة نصف الليل

خدمة الصلاة. تسبحة وقداس

Nisibis