24 بؤونة: شهادة القديس العظيم الأنبا موسى الأسود 

في مثل هذا اليوم استشهد القديس الأنبا موسى الأسود صاحب السيرة العجيبة. هذا الذي اغتصب ملكوت السموات حقا كما قال الإنجيل: "ملكوت الله يغصب والغاصبون يختطفونه." كان في حياته الأولى عبدا لقوم يعبدون الشمس، جبارا قويا كثير الإفراط في الأكل وشرب الخمر، يقتل ويسرق ويعمل الشر، ولا يستطيع أحد أن يقف في وجهه أو يعانده. وكان في أكثر أوقاته يتطلع إلى الشمس ويخاطبها قائلا: "أيتها الشمس! إن كنت أنت الإله فعرفينى." ثم يقول: "وأنت أيها الإله الذي لا أعرفه عرفني ذاتك." فسمع يوما من يقول له: "إن رهبان وادي النطرون يعرفون الله ، فاذهب إليهم وهم يعرفونك." فقام لوقته وتقلد سيفه وأتى إلى البرية. فالتقى بالقديس إيسيذورس القس، الذي لما رآه خاف من منظره فطمأنه موسى قائلا أنه أنما أتى إليهم ليعرفوه الإله. فأتى به إلى القديس مقاريوس الكبير، وهذا وعظه ولقنه الأمانة وعمده وقبله راهبا وأسكنه في البرية، فاندفع القديس موسى في عبادات كثيرة تفوق عبادة كثيرين من القديسين.

وكان الشيطان يقاتله بما كان فيه أولا من محبة الأكل والشرب وغير ذلك. فيخبر القديس إيسيذورس بذلك. فكان يعزيه ويعلمه كيف يعمل ليتغلب علي حيل الشيطان.

ويروى عنه أنه كان إذا نام شيوخ الدير، يمر بقلاليهم ويأخذ جرارهم ويملأها من الماء الذي كان يحضره من بئر بعيدة عن الدير وبعد سنين كثيرة في الجهاد حسده الشيطان وضربه بقرحة في رجله، أقعدته وطرحته مريضا. ولما علم أنها من حرب الشيطان، ازداد في نسكه وعبادته، حتى صار جسده كخشبه محروقة. فنظر الرب إلى صبره وأبرأه من علته، وزالت عنه الأوجاع، وحلت عليه نعمه الله.

ثم بعد زمن اجتمع لديه خمسمائة أخ فصار أبا لهم. وانتخبوه ليرسموه قسا. ولما حضر أمام البطريرك لرسامته أراد أن يجربه. فقال للشيوخ: "من ذا الذي أتي بهذا الأسود
إلى هنا. اطردوه." فأطاع وخرج وهو يقول لنفسه: "حسنا عملوا بك يا أسود اللون." غير أن البطريرك عاد فاستدعاه ورسمه ثم قال له :"يا موسى لقد صرت الآن كلك أبيض."

واتفق أن مضى مع الشيوخ إلى القديس مقاريوس الكبير. فقال القديس مقاريوس: "أنى أرى فيكم واحدا له إكليل الشهادة." فأجابه القديس موسى: "لعلي أنا هو لأنه مكتوب: من قتل بالسيف فبالسيف يقتل." ولما عاد إلى ديره لم يلبث طويلا حتى هجم البربر علي الدير. فقال حينئذ للأخوة الذين كانوا عنده: "من شاء منكم أن يهرب فليهرب." فقالوا له: "وأنت يا أبانا لماذا لا تهرب؟" فقال: "أنا أنتظر هذا اليوم منذ عدة سنين." ودخل البربر فقتلوه وسبعة أخوه كانوا معه. غير أن أحد الأخوة اختفى وراء حصير فرأي ملاك الرب وبيده إكليل وهو واقف ينتظره، فلم يلبث أن خرج مسرعا إلى البربر فقتلوه أيضا.

فتأملوا أيها الأحباء قوة التوبة وما فعلت. فقد نقلت عبدا كافرا قاتلا زانيا سارقا، وصيرته أبا ومعلما ومعزيا وكاهنا وواضع قوانين للرهبان ومذكورا علي المذابح. ويوجد جسد هذا القديس بدير البراموس الآن.

صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. أمين.