10 بؤونة: نياحة القديس البابا يؤنس السادس عشر البطريرك الثالث بعد المئة من بطاركة الكرازة المرقسية

وفي هذا اليوم من سنة 1434 للشهداء الأبرار (15 يونية سنة 1718 م) تنيح البابا يؤنس السادس عشر البطريرك الثالث بعد المائة. ويعرف هذا البابا باسم يؤنس الطوخى، وكان والداه مسيحيين من طوخ النصارى بكرسي المنوفية، فربيا نجلهما وكان يدعى إبراهيم أحسن تربية وزوداه بكل معرفة وأدب وعلماه أحسن تعليم وكانت نعمة الله حالة عليه منذ صباه فنشأ وترعرع في الفضيلة والحياة الطاهرة.

ولما تنيح والده زهد العالم واشتاق لحياة الرهبنة، فمضى إلى دير القديس أنطونيوس ببرية العربة وترهب فيه، ولبس الزي الرهباني واتشح بالإسكيم المقدس. فلما تفاضل في العبادة والنسك اختاره الآباء الرهبان فرسمه البابا متاوس الرابع بكنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة قسا علي الدير المذكور، فازداد في رتبته الجديدة فضلا وزهدا حتى شاع ذكر ورعه واتضاعه ودعته. ولما تنيح البابا البطريرك متاوس وخلا الكرسي بعده اجتمع الأباء الأساقفة والكهنة والأراخنة لاختيار الراعى الصالح، فانتخبوا عددا من الكهنة والرهبان وكان هذا الأب من جملتهم، وعملوا قرعة هيكلية بعد أن أقاموا القداسات ثلاث أيام، وهم يطلبون من الله سبحانه وتعالى أن يرشدهم إلى من يصلح لرعاية شعبه ولما سحب اسم هذا الأب في القرعة علموا وتحققوا أن الله هو الذى اختاره إلى هذه الرتبة. وتمت رسامته في يوم الأحد المبارك الموافق 9 برمهات سنة 1392ش (5 مايو سنة 1676م) ودعى يؤنس السادس عشر وكان الاحتفال برسامته فخما عظيما عم فيه الفرح جميع الأقطار المصرية.

وقد اهتم بتعمير الأديرة والكنائس فقد قام بتعمير المحلات الكائنة بالقدس الشريف، وسدد ما كان عليها من الديون الكثيرة، وجدد مباني الكنائس والأديرة وكرسها بيده المباركة، واهتم خصيصا بدير القديس العظيم أنبا بولا أول السواح بجبل نمره، وكان خربا مدة تزيد على المائة سنة فجدده وفتحه وعمره، وأعاده إلى أحسن مما كان عليه وجهز له آواني وكتبا وستور وذخائر ومضى إليه بنفسه وكرسه بيده المقدسة ورسم له قسوسا وشمامسة ورهبانا في يوم الأحد الموافق 19 بشنس سنة 1421ش ( 25 مايو سنة 1705م). وقد زار دير القديس العظيم أنطونيوس أب الرهبان المعروف بالعرب بحبل القلزم أربع دفعات: الأولى فى شهر كيهك سنة 1395 ش ( سنة 1678م)، وكان بصحبته رئيس الدير وكاتب القلاية السابق وبعض الرهبان. والثانية في 20 برمودة سنه 1411ش (1695م) في ختام الصوم المقدس، وكان معه القس يوحنا البتول خادم بيعة كنيسة العذراء بحارة الروم، والشماس المكرم والأرخن المبجل المعلم جرجس الطوخى أبو منصور والمعلم سليمان الصراف الشنراوى. والثالثة في مسرى سنة 1417ش (1701م) . والرابعة في سنة 1421ش(1705م) لتكريس دير القديس أنبا بولا.

وفي شهر أبيب المبارك سنة 1417ش وقع اضطهاد على الشعب الأرثوذكسى بمصر المحروسة، في زمن الوالي محمد باشا بسبب وشاية وصلته بأن طائفة النصارى الأقباط أحدثوا مباني جديدة في كنائسهم، فعين علي الكنائس أغا من قبله ورجال المعمار وقضاة الشرع للقيام بالكشف علي الكنائس، فنزلوا وكشفوا وأثبتوا أن في الكنائس بناء جديدا، ولكن عناية الله تعالى لم تتخل عن شعبه بصلوات البابا الطاهر، فحنن على أمته القبطية قلوب جماعة من أمراء مصر وأكابر الدولة، وتشفعوا عند الوالي فقرر عليهم غرامة، فاجتمع البابا بالسادة الأراخنة المعلم يوحنا أبو مصري والمعلم جرجس أبو منصور والمعلم إبراهيم أبو عوض، واتفق الرأي بينهم علي أن يطوف البابا المكرم حارات النصارى، ويزور البيوت ويحصل منها ما يمكن تحصيله إلى أن يتم جمع الغرامة المطلوبة، فجمعت كلها بمعونة الله تعالي. وبعد تحصيل هذه الغرامة قام السادة الأراخنة بتسديدها لأربابها، وحصل فرح عظيم في البيعة المقدسة وفتحت الكنائس ورفرف الهدوء والسلام، في سائر البيع الطاهرة، ولكن البابا تأثر من طوافه على المنازل فتوجه إلى دير القديس أنطونيوس في 7 مسرى سنة 1417ش للترويح عن نفسه. 

وفي سنة 1419ش اشتاق البابا أن يعمل الميرون المقدس. فاجاب الرب طلبته وحرك إنسانا مسيحيا هو الأرخن الكبير المعلم جرجس أبو منصور ناظر كنيستي المعلقة وحارة الروم، وكان محبا للفقراء والمساكين. مهتما بمواضع الشهداء والقديسين، وكان مشتركا مع البابا في كل عمل صالح. فجهز مع قداسة البابا ما يحتاج إليه عمل الميرون. وتم طبخه وكرسه البابا بيده الكريمة في بيعة السيدة العذراء بحارة الروم واشترك في هذا الاحتفال العظيم الآباء الأساقفة والرهبان والشيوخ، لأن الميرون لم يكن قد طبخ منذ مائتين وسبع وأربعين سنة، تولى فيها الكرسي ثمانية عشر بطريركا. وهو أول من قام ببناء القلاية البطريركية بحارة الروم، وخصص لها إيرادات وأوقافا.

وفي سنة 1425ش ( سنة 1709م)، قام هذا البابا بزيارة القدس الشريف. ومعه بعض الأساقفة وكثير من القمامصة والقسوس والأراخنة عن طريق البر السلطاني، وقد قام بنفقة هذه الزيارة المقدسة الشماس المكرم والأرخن المبجل الشيخ المكين المعلم جرجس أبو منصور الطوخى، بعد أن تكفل بنفقة ترميم وصيانة بيعة السيدة العذراء الشهيرة بالمعلقة بمصر.

وكان البابا يفتقد الكنائس، ويزور الديارات والبيع، كما زار بيعة مارمرقس الإنجيلي بالإسكندرية، وطاف الوجهين البحري والقبلي وأديرتهما وكنائسهما، وكان يهتم بأحوالهما ويشجعهما. ورتب في مدة رئاسته الذخيرة المقدسة في الكنيسة، وهى جسد المسيح ودمه لأجل المرضى والمطرحين الذين لا يقدرون علي الحضور إلى الكنائس.

وكان البابا محبوبا من جميع الناس. وكانت الطوائف تأتى إليه وتتبارك منه، كما كان موضع تكرمهم واحترامهم، لأنه كان متواضعا وديعا محبا رحوما علي المساكين، وكان بابه مفتوحا للزائرين وملجأ للقاصدين والمترددين. وكانت جميع أيام رئاسته هادئة، وكان الله معه فخلصه من جميع أحزانه وأجاب طلباته وقبل دعواته وعاش في شيخوخة صالحة مرضية.

ولما أكمل سعيه مرض قليلا، وتنيح بسلام هو وحبيبه الأرخن الكريم جرجس أبو منصور في أسبوع واحد، فحزن عليه الجميع وحضر جماعة الأساقفة والكهنة والأراخنة وحملوا جسده بكرامة عظيمة وصلوا عليه ودفنوه في مقبرة البطاركة بكنيسة مرقوريوس أبي سيفين بمصر القديمة في 10 بؤونة سنة 1434ش بعد أن جلس علي الكرسي اثنين وأربعين سنة وثلاثة أشهر.

صلاته تكون معنا أمين.