10 بؤونة: الشهيد القديس أنبا مكسى القس من أهل شنرى

عن كتاب: تاريخ ايبارشية محافظة بنى سويف تأليف نبيه كامل داود، نقلاً عن نبيل سليم المنقبادى الذى نشر سيرته عن بعض المخطوطات..فى كتاب أبطال مجهولونعن المخطوط رقم 96 ميامر بكنيسة العذراء بحارة زويلة والثانى رقم 96 مسلسل / 469 تاريخ الميمر (17) بمكتبة المتحف القبطى.

 

"لما كان فى مملكة الملك دقلديانوس الذى ترك إله السماء الذى خلقه وعبد الأوثان المصنوعة بأيدى البشر وأرسل إلى كل المدن والقرى التى تحت سلطانه يأمرهم بعبادتها والسجود لها، فلما وصل مندوبه إلى شنرا وجد بها إنساناً قديساً مباركاً يخاف الله، رحوماً محباً للصدقة قساً اسمه مكسى وكانت صناعته مؤدب الأطفال فلما قرأ السجل النجس الذى بعث بـه الملك، قام القس مكسى المبارك بسرعة وأخذ أوانى البيعة وكل ما فيها وأخفاها فى الأرض وجميع الشعب أحضرهم إليه ووعظهم بكلام التعليم وأوصاهم أن يثبتوا على الإيمان بالسيد المسيح لـه المجد. وفيما هو قائم فى وسط الشعب يعظهم ويثبتهم بكلام الحياة أتى إليه أعوان الوالى وربطوه مع بقية الشعب وأتوا به إلى المندوب.

فلما وقف بين يديه قال لـه: "أنت مكسى القس الساحر؟" فأجابه الشجاع المملوء من الروح القدس: "لست كذلك بل أنا عبد وخادم للسيد المسيح الذى يبيدك أنت والملوك الكفرة وأوثانكم النجسة". فقال لـه المندوب: "دع عنك هذا الكلام وتقدم الآن وبخر للآلهة لئلا تموت ردياً". فقال لـه القديس أنبا مكسى القس: "لن يحدث هذا منى أبداً والموت عندى أهون من أن أترك سيدى يسوع المسيح الحى وأعبد الأوثان النجسة". فلما سمع القائد منه هذا الكلام غضب غضباً شديداً وأمر أن يغلى زيت فى مرجل من النحاس ويلقوا فيه القديس ففعلوا بـه كذلك، وأما القديس فبسط يديه وصلى قائلاً: "أيها السيد الرب يسوع المسيح ابن الله الحى، اسمعنى الآن وقونى فإنك أنت حياتى ورجائى وملجأى وليتمجد اسمك القدوس المبارك آمين". وللوقت انطفأ لهيب النار وصار المرجل كالماء البارد وصعد منه كمثل من خرج من روضة طيبة الرائحة ولما رأى الجمع هذه المعجزة العظيمة آمنوا بالسيد المسيح وصرخوا قائلين: "نحن نؤمن بالله إله القديس مكسى صانع العجائب والمعجزات وحده وللوقت أمر الوالى بقطع رؤس الجميع ونالوا إكليل الشهادة، وصعدت أرواحهم إلى النعيم الأبدى، وبعد هذا غضب الوالى غضباً شديداً وأمر أن يطرحوا القديس أنبا مكسى فى السجن ففعلوا بـه كذلك وفيما هو داخل السجن جاء إليه ملاك الرب ميخائيل رئيس الملائكة وأعطاه السلام وعزاه وقواه وتكلم معه قائلاً لـه: "طوباك يا أنبا مكسى القس القديس لا تخف فإنك استحققت ملكوت السموات. ومن أجل ذلك ستقابلك أتعاب كثيرة على اسم السيد المسيح لـه المجد وهوذا الرب قد أرسلنى إليك لأقويك وأعزيك وأكون معك فى شدائدك تقو ولا تخف فإنى مقيم معك ولا أتركك ولا أتخلى عنك". ولما قال لـه رئيس الملائكة ميخائيل هذا الكلام أعطاه السلام وصعد إلى السموات بمجد عظيم، وبعد هذا أرسل الوالى إلى القديس وأحضره إليه وقال لـه: "تقدم الآن وارفع البخور للآلهة لئلا تموت موتاً ردياً فأجابه القديس أنبا مكسى القس: "قد قلت لك أكثر من مرة أن هذا العمل لا يكون منى أبداً أأقدم بخوراً لآلهة مصنوعة بيد بشر وأترك سيدى يسوع المسيح الذى أنا عبده وخادم سرائره المحيية". قال لـه الوالى: "سأعذبك إلى أن تفعل هذا بغير إرادتك ثم أمر أن يربطوا يديه ورجليه بالقيود ويضربوه بالسياط ففعلوا بـه ذلك إلى أن جرى دمه على الأرض كمثل الماء وكان يصرخ قائلاً: "ساعدنى أيها الرب الإله الساكن فى السماء وخلصنى". واستمر الجند فى ضرب القديس حتى تعبوا من الضرب والقديس صابر بقوة الله الكائنة معه، وعند ذلك نزل رئيس الملائكة ميخائيل من السماء وضمد جراحاته وصار كأنه لم يصب بأذى البتة. وغضب الوالى غضباً شديداً وقال لـه: "قد اتعبتنى كثيراً وأتعبتنى أمورك السحربة فلست بمشفق عليك، ثم أمر أن يرفع على الهنبازين، ففعلوا بـه كذلك وأما القديس فقد رشم عليه بعلامة الصليب المقدس فانكسر الهنبازين نصفين ويبست أيدى الجند حتى صارت كالحجر ولما رأت الجموع هذه الأعجوبة العظيمة صرخوا قائلين: "نحن مؤمنون بالسيد المسيح ابن الله إله القديس مكسى". فأمر الوالى أن تقطع رؤسهم جميعاً فنالوا هم أيضاً إكليل الشهادة فى الحياة الأبدية ثم تكلم الوالى مع جليسه وقال لـه: "ماذا أصنع مع هذا الإنسان الساحر القس مكسى فإننا إن تركناه يكون خطراً على الآلهة وإن عذبناه فأهل هذه المدينة يؤمنون". فأشار عليه جليسه أن يرسله إلى مدينة الاسكندرية ليعذب هناك. فجلس الوالى مسرعاً وكتب رسالة إلى قلقيانوس الوالى بالاسكندرية يعرفه من أجل أنبا مكسى القس قائلاً لـه: "سأرسله إليك وإذا لم يسمع منك ويبخر للآلهة فاضرب عنقه بحد السيف". ثم أرسله بصحبة اثنين من الأعوان، فلما صعدوا بالقديس إلى المركب لم يكف عن الصلاة والتسبيح للسيد المسيح وفيما هو يصلى ويسبح ظهر لـه السيد المسيح لـه المجد وقال لـه: "السلام لك يا مختارى القس مكسى لا تخف ولا تجزع هوذا أنا معك ولا أتركك أبداً، وسوف تنال عذاباً عظيماً وبعد ذلك ترث ملكوت السموات". ولما قال لـه المخلص هذا باركه وصعد إلى السموات بمجد عظيم لا يوصف، وأما القديس مكسى ففرح فرحاً عظيماً بهذه الرؤيا رؤية المخلص لـه المجد وصار وهو فى وسط السفينة كأنه فى وسط روضة طيبة.

وبعد ذلك وصلوا مدينة الاسكندرية وأدخلوا القديس أنبا مكسى القس إلى السجن، فأقام ثلاثة أيام وفى اليوم الرابع أوقفوه قدام الوالى قلقيانوس فقال لـه: "تقدم أيها الساحر القس مكسى وارفع البخور للآلهة لئلا تموت موتاً ردياً. فأجابه القديس أنبا مكسى: "أيها الوالى لم أرسل إليك إلا لأموت على اسم سيدى يسوع المسيح ابن الله الحى". فأمر الوالى أن يرفع الهنبازين ففعلوا بـه كذلك وأما القديس أنبا مكسى فرفع عينيه إلى السماء وصرخ قائلاً: "ساعدنى ياربى وإلهى يسوع المسيح". وللوقت عميت عيون الجند ويبست أيديهم وصاروا كمثل الحجارة وانكسر الهنبازين وتخلص القديس مكسى ولم يصبه ألم البتة فلما عاين الجند هذه الأعجوبة صرخوا قائلين: "ارحمنا يا قديس الله أنبا مكسى فإننا من الآن صرنا عبيداً للسيد المسيح الذى يصنع مثل هذه العجائب الباهرة". وللوقت وضع يده عليهم فانفتحت أبصارهم واستقامت أيديهم ونالوا عطية الشفاء. فأمر الوالى برجوع القديس إلى السجن فجاء إليه اخوته المعتقلون وعزوه؛ وفى تلك الليلة أرسل الوالى وطلب القديس العظيم أنبا مكسى القس وقال لـه: "تقدم الآن وبخر للآلهة لئلا تموت موتاً ردياً". فقال لـه القديس: "إننى قد قلت لك غير مرة ان هذا العمل النجس لا يكون منى أبداً أن أترك إلهى وسيدى يسوع المسيح وأعبد الأوثان النجسة". فاغتاظ الوالى قلقيانوس جداً وأمر أن يعلقوا القديس أنبا مكسى بين أربعة أوتاد ففعلوا بـه كذلك إلى أن انفصلت أعضاؤه. وكان أحد المؤمنين حاضراً واسمه طيماتاوس جاء إلى القديس أنبا مكسى وحل وثاقه وغسل جراحاته بزيت وخمر فباركه القديس الطوبانى أنبا مكسى وعزاه وقال لـه: "الرب يعظم أجرك ويعطيك ملكوت السموات عوض صنيعك بى". ولما كان فى تلك الليلة جاء إليه رئيس الملائكة ميخائيل وناوله من جسد المسيح ودمه الزكى الكريم وعزاه بكلامه الروحانى وفيما هو يخاطبه أسلم نفسه الطاهرة بيد السيد المسيح لـه المجد، فأخذ الملاك الجليل ميخائيل رئيس الملائكة نفس الطوبانى القديس أنبا مكسى ولفها فى حلة نورانية وصعد بها إلى السموات بمجد عظيم، وهكذا أكمل جهاده المقدس فى اليوم العاشر من شهر بؤونة ومضى إلى أماكن النياح حيث الفرح الدائم وعيد مع المسيح الذى أحبته نفسه... آمين.