19 بشنس:  إيسيذورس وبندلاون وصوفية وأوفومية 

هذه عائلة مقدسة شريفة محبة للمسيح من سلالة ملوك إنطاكية، إذ كان أب العائلة "قريبا للملك نوماريوس". استشهدت هذه العائلة عن بكرة أبيها مفضلين الملكوت السماوي عن المملكة الأرضية، حاسبين عار المسيح غنى أفضل من خزائن إنطاكية ولسان حالهم يقول مع الرسول بولس "لكن ما كان لي ربحا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة، بل أني أحسب كل شئ أيضا خسارة من أجل فضل معرفة يسوع المسيح ربي الذى من أجله خسرت كل الأشياء وأنا احسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه."

          أما القديس بندلاون فعلاوة علي أنه كان قريب الملك نوماريوس، فقد كان يشغل منصب حاكم مدينة إنطاكية، ومشرفا علي قصر الملك دقلديانوس، وكانت زوجته تسمي صوفية وابنه يسمي إيسيذورس وابنته اسمها أوفومية.

          ظل القديس بندلاون في هذا المنصب الكبير ومن المقربين إلى الملك دقلديانوس مدة حكمة الأولي حين كان مسيحيا، لكنه لما كفر بالإيمان المسيحي وتعبد للأوثان وأمر الناس بالسجود له وعبادتها، ترك القديس بندلاون منصبه وأخذ ابنه إيسيذورس ومضي وسكن في أحد الجبال القريبة من إنطاكية، ولما عرف الملك بأمره أرسل 500 جنديا إلى مكان تعبد القديس فأحضروه هو وابنه. ولما سأله الملك عن سبب اختفائه أجابه بشجاعة "لما كنت تعبد الله الحي كنا نحبك ونكرمك ونخدمك، فلما تباعدت عن عبادة الله وتعبدت للأوثان والشياطين تباعدنا نحن أيضا عنك." ورغم هذه الإجابة القاسية أخذ الملك يلاطفه آخذا في اعتباره أصله الملوكي ومنصبه العظيم، لكن لم تجد الوعود والأغراءات إلى قلب بندلاون المؤمن الشجاع سبيلا، فأمر الملك بقطع رأسه هو وابنه الصبي إيسيذورس فقطعوا رأس بندلاون ونال إكليل الشهادة.

أما إيسيذورس الصبي الصغير فقد توسط أحد عظماء القصر لدي الملك قائلا "أنه صغير السن ولا يفقه شيئا" فوضعه في السجن.

          ولما سمعت العفيفة صوفية أن ابنها الوحيد إيسيذورس يعذب نهضت مع ابنتها أوفومية وجاءت إلى موضع العذاب وكانت تعزية وتشجعه، ثم نظرت إلى الملك، وأخذت توبخه على قساوته وتجاسره علي الأمراء وأصحاب المملكة الأصليين، وكذلك فعلت ابنتها أوفومية، فاستشاط الملك غيظا، وأمر أن يخرجوهما ويقطعوا وسطيهما بحد السيف. ففعلوا بهما كذلك، فأكملتا جهادهما ونالتا إكليل المجد.    

  أما الصبي الشجاع إيسيذورس فقد مر علي عذابات تشيب لذكرها النواصي حتى أنه مات ست مرات نتيجة التعذيب الوحشي، وفي المرة السادسة والأخيرة أسلم روحه بيد المخلص الذي أعطاها للملاك ميخائيل فحملها علي أجنحته النورانية، وصعد إلى السماء مع الملائكة مرتلين ومسبحين والمخلص في وسطهم، ومن هذه العذابات المريرة التى احتملها هذا الفتى إيسيذورس بشجاعة فقد ذكر اسمه في مجمع التسبحة كما هو واضح قبل أسماء والديه وأخته.

          بعد أن وضعوا الشهيد إيسيذورس علي الهنبازين، وضعوا تحته المشاعل المتقدة  ناراً، ولما لم يلين عزم الصبي لتهديدات الملك أمر فأنزلوه وشقوا بطنه وأخرجوا أمعاءه فللوقت اسلم الروح، وهذه هي الميتة الأولي. وبناء علي أمر الملك حملوا الجسد وطرحوه فوق جبل عال لتأكله الوحوش وطيور السماء.

          هناك علي الجبل نزل المخلص بعلامة الصليب ونفخ في وجهه قائلا: "قم يا حبيبي إيسيذورس." فقام معافى، ثم أمره الرب أن ينطلق إلى الملك ليوبخه، فلما ذهب إلى الملك وتراءى أمامه اندهش ونسب ذلك للسحر فأمر أن يضعوه علي سرير حديدي ويشعلوا تحته النيران القوية ويضعوا كرة حديد محمي علي رأسه فاحتمل كل ذلك بشجاعة، ثم أمره الملك بالسجود للأوثان فأبى موبخا الملك ولاعنا أوثانه المنجوسة، فغضب الملك وأمر الجند أن يطرحوه علي حديد ويعصروه فخرجت عيناه من وجهه وللوقت أسلم الروح. وهذه هي الميتة الثانية.

          نزل المخلص نفسه مع ملائكته كثيرين، فأخذ أعضاء القديس ولصقها بعضها ببعض دفعة أخرى وأقامه صحيحا. ولما رآه الملك قد قام من الموت أمر بالقبض عليه وأمر فوضعوه في بقرة من نحاس بابها من جانبها وأغلقوا عليه ثم أشعلوا تحتها النيران الشديدة يوما وليلة، وكان القديس داخل البقرة يصلي ويسبح الله، والملاك ميخائيل يحرسه وينفض لهيب النار عنه، ثم أخرجوه من داخل البقرة وهم بخزي عظيم، ووقف أمام الملك وهزأ بأصنامه، وجعلهم يقتلون كهنتهم الذين يخدمونهم ويقدمون أمامهم القرابين، فغضب الملك وأمر بقطع رأسه مع آخرين آمنوا بسببه وكانوا يصرخون نحن نصارى. فاسلم روحه الطاهرة وهذه هي الميتة الثالثة.

          جاء الرب بنفسه ووقف علي جسد صفيه إيسيذورس وناداه قائلا: "يا مختارى إيسيذورس قم صحيحا دون أي أثر من الجراح." فقام القديس معافى وسجد للرب يسوع، ثم أسرع القديس ووقف أمام الملك وأخذ يوبخه، فأمر الملك أن يعلقوه علي عمود مرتفع، لكن جاء بعض المؤمنين وأنزلوه عن العمود فمضى إلى الملك واخذ يوبخه ويلعن أوثانه، فأمر الملك فربط الجنود حجرا ثقيلا في عنق القديس والقوه في البحر، لكن بقوة الله طفا الحجر وركب عليه القديس مثل قارب حتى جاء إلى الشاطئ، فمضي القديس إيسيذورس يبشر باسم المسيح في شوارع المدينة، ويرد الناس عن عبادة الأوثان، ثم ذهب إلى بيت رجل من البلاط الملكي يدعي بطرس ومكث هناك يعلم ويعظ كل من يأتي إليه، فلما سمع الملك بذلك أرسل قوة من الجند لقتل الاثنين معا وكل من يجدونه في بيت بطرس، لكن ملاك الرب أختطف القديس إيسيذورس ومضيفة بطرس ووضعهما في وسط القصر قدام الملك، فلما رآهما الملك اضطرب وأمر أن يعلق إيسيذورس علي خشبه وبطرس علي الهنبازين، ثم أمر بقتلهما مع مجموعة كبيرة من المؤمنين، فاسلموا جميعهن أرواحهم بيد الرب، ومن ضمنهم الصبي القديس إيسيذورس. وهذه الميتة الرابعة.

          جاء الرب يسوع وناداه بصوته الحلو قائلا: "قم يا حبيبي إيسيذورس الذي امتلأ العالم شهادة بسببه." فنهض القديس معافى وسجد للسيد المسيح. ثم بعد ذلك مضي إلى الملك ووبخه وفضح آلهته الكاذبة فتحير الملك في أمره، فأشار عليه جلساؤه أن يأمر بتجويع وحوش مفترسة لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال ثم يطرحوا الصبي إيسيذورس في وسطهم ليأكلوا لحمه مع عظامه، ففعلوا ذلك وأطلقوا عليه الوحوش الجائعة، فلما رآهم صلي لله أن يحفظه سالما كما حفظ دانيال النبي، فصارت السباع مثل حملان وديعة حول راعيها، فلما رأى الجموع ذلك آمن كثيرون بالرب يسوع فاغتاظ الملك وأمر الجنود فقطعوه أربا أربا حتى اسلم الروح ثم وضعوه في زنبيل وألقوه في البحر مثقلا بحجر عظيم، وهذه هي الميتة الخامسة.    أمر الرب البحر فقذف الجسد إلى الشاطئ، ثم أمر أن يقوم القديس حيا فقام معافى وسجد للمخلص، فلما سمع الملك واحتار في أمره قبض عليه ونفاه إلى جزيرة سلوكية وهناك آمن الوالي أندونيكوس علي يديه وإكرمه ومكث هناك سنة معززا مكرما، فلما سمع الملك بذلك أرسل فاستدعي الوالي وكل عائلته ومعهم القديس إيسيذورس، ولما ووصلوا إلى الملك، أمر بقطع رؤوس اندونيكوس وكل عائلته بحد السيف فأكملوا جهادهم ونالوا إكليل الاستشهاد، أما البار إيسيذورس فوقف أمام الملك يلعن أوثانه النجسة، فغضب الملك وأمر أن يطرح في سجن مملوء زبل منتن الرائحة، ويستمر هكذا بلا أكل ولا شرب حتى يموت نسيا منسيا، لكن ملاك الرب كان يآتى إليه بطعام روحاني يتناول منه حاجته، وبعد مدة كبيرة في السجن أحضروه إلى الملك فتظاهر أمامه أنه يريد السجود للأصنام، فاجتمع فى البربا جمع كبير، وهناك بدلا من أن يسجد للآلهة الوثنية أمر الأرض فابتلعتهم جميعهم فآمن عدد كبير من الحاضرين، فغضب الملك وأصدر أمره فسمروه علي صليب من خشب، فأسلم روحه الطاهرة بيد الرب الذى أحبه، وهكذا اكمل الشهيد الشجاع جهاده ونال إكليل الشهادة وكان له شرف الموت بالصلب، وبنفس الطريقة التي مات بها المخلص الرب يسوع المسيح. وتعيد له الكنيسة في 19 بشنس.

          بعد تولى الملك البار قسطنطين زمام الملك ظهر له الشهيد ايسيذوروس فى رؤيا وقال له: "السلام لك أيها الملك المحب لله قسطنطين. أرسل واحضر جسدى وجسد أبى وأمىوأختى واجعلهم فى مدينتك القسطنطسنية." فأرسل الملك وأحضر الأجساد، ثم بنى كنيسة عظيمة وضع فيها جسدى بندلاون وزوجته صوفيه، أما جسدى الشهيدين ايسيذوروس وأختهأوفيمية فبنى لهما كنيسة فى مدينة تسمى أكيمون ووضعهما فيها.

          وقد ذكرت المخطوطة رقم 263ميامر بدير السريان عشرين معجزة صنعها الرب بواسطة الشهيد ايسيذوروس بعد إكمال استشهاده.

          بركة هؤلاء الشهداء الأبرار تكون معنا أمين.  

إيسيذورس : كلمة يونانية معناها عطية يسوع، بندلاون: كلمة يونانية معناها الوصية، صوفية: كلمة يونانية معناها حكمة، أوفومية: كلمة يونانية معناها مديحه.

عن كتاب روحانية التسبحة حسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأنبا متاؤس عن: مخطوطة رقم 263 ميامر بمكتبة دير السريان العامر

في 3 : 7 – 9

سلوكية: ميناء سوري، أسسها سلوقس نيكانور علي بعد 16 ميلا غربي إنطاكية، علي ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقد كانت أثناء حكم الرومان ذات جمال عظيم رائع ، كما كانت ميناؤها حسنة ولا زالت إلى يومنا هذا، واسمها الآن السويدية