14 بشنس: الشهيد دونا

عن: الكتاب الشهرى للشباب والخدام إصدار بيت التكريس لخدمة الكرازة سبتمبر 1999م قام بإعداد السيرة تاسونى انجيل لبيب. وذلك عن يوسابيوس القيصرى، الكتاب الثانى، الفصل الثانى وتذكارهما حسب كتاب قديسو مصر الجزء الثانى يوم 22 مايو.

 

        ولد دونا فى مدينة استرا، وكان والده مسيحياً تقياً يدعى يسنتينوس، فربى ابنه تربية مسيحية، وصار دونا مسكناً حقيقياً للرب يسوع المسيح الذى ملأ قلبه بمحبته، وكانت نفسه النقية مهيأة لنوال مواهب الله فى داخله. كانت سعادته الحقيقية أن يوجد فى الكنيسة مختلياً مع الرب فى صلوات وتأملات طويلة. فتضاءل العالم فى نظره، وأصبح الله هو كل شئ فى حياته. وعلمه والده العلوم الإنسانية وأتاح له الفرصة أن يتثقف ثقافة عالية جداً. وفى شبابه المبكر درس أسفار الكتاب المقدس بصبر وسهر وغيرة شديدة.

ولما بلغ من العمر عشرون عاماً. قرر أن يكرس حياته كلها لله، تاركاً وراء ظهره المستقبل الباهر الذى كان ينتظره. وكان الرب معه كما كان مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً. وأعطاه الرب موهبة التبشير باسمه القدوس بين غير المؤمنين من الوثنيين الذين كانوا كثيرين جداً فى ذلك الوقت، وآمن على يديه كثيرون منهم ونالوا سر المعمودية المقدس.

علم دونا أن مدينة اكيليا بها أكثر من 130000نسمة لا يعرفون شمالهم من يمينهم، فأخذته الغيرة المقدسة وذهب ليبشر فى هذه المدينة باسم الرب يسوع المسيح. وهذه المدينة تبعد حوالى 38كم عن مدينة تريستا وتقع بين نهرى سونيتوس وناتيسو. وهناك فى هذه المدينة تعرف على أسقفها فأخذه وسامه كاهناً معه. فصار يخدم الله بكل قلبه.. ولم يكن للوقت ولا لراحة جسده حساباً عنده.

ظهرت فى ذلك الوقت جماعة تعلم ضد بتولية العذراء مريم. فرد عليهم القديس دونا بعلمه الوافر ودراسته. فذاع صيت هذا القديس، وكان الرب يجرى على يديه آيات وعجائب كثيرة.

هبت سحابة الاضطهاد قوية مع هذا النجاح الباهر فى خدمة الله، وكان ذلك على يد الإمبراطور الطاغية دقلديانوس. ومن ضمن المدن التى حاصرها المضطهدون كانت مدينة اكيليا التى يخدم فيها القديس دونا.

وزع الإمبراطور جنوده حول المدينة وكانوا يقبضون على المسيحيين بوحشية وقسوة ويعذبونهم. وقبضوا على الكاهن القديس دونا وأهانوه ووضعوه فى السجن عدة أيام. ولكن شاء الرب أن ينقذه من أيديهم إذ كان الرب قد جعل له بقية من الخدمة تنتظره. فهرب من المدينة كلها وأبحر على سفينة إلى مدينة دلماتيا وصعد الجبل الذى خارجها ويسمى جبل كوزياك.

قضى القديس دونا فترة من الزمن متوحداً فى هذا الجبل، يتعبد للرب بصلوات وتسابيح ليلاً ونهاراً. وكان الرب يرسل له من يعوله ويعطيه الطعام ويخدمه.

ووصل حصار الاضطهاد إلى هذه المدينة. ووضع دقلديانوس، الإله جوبيتر على هذا الجبل. وكان يجبر المسيحيين على السجود له وإلا قتلهم بحد السيف. وبدأ الجنود يهجمون على المغائر والكهوف المنتشرة فى هذا الجبل. فقبضوا على الكثير من النساك ومنهم القديس دونا. وقف الكاهن دونا أمام الإمبراطور وقال له بشجاعة: لماذا تثير الرعب هكذا فى أماكن عبادتنا المقدسة؟ فعرف دقلديانوس أنه الكاهن دونا الذى قبض عليه فى مدينة اكيليا. وأخذ يسخر بالكلام والتساؤلات. وسأله الإمبراطور: هل المسيحيون يؤمنون بالتوراة مثل اليهود؟

فقال له دونا: إن الديانة المسيحية هى تحقيق لما جاء فى أنبياء العهد القديم وتكميل له.

كان دونا وديعاً ومتواضعاً فى كلامه. وكان مع الكاهن دونا كاهن آخر يدعى مقار وشماس يدعى تادرس. ثم تركه دقلديانوس إلى حين. فرجع إلى مغارته فى الجبل. وكانت مغارته تصدر منها أصوات تسابيح ملائكية شجية كان يسمعها النساك الذين معه فى الجبل.

        ثم عاد دقلديانوس وقبض على الكاهن مقار والشماس تادرس. ووضعهم فى الساحة أمام جمع غفير من الناس. وكان الجنود يهزأون بهم. وأطلق عليهم الوحوش المفترسة.

        فصلوا قائلين: يا إلهنا القدوس لا تترك حياة معترفيك تهلكها هذه الوحوش الضارية. وحدثت المعجزة. وشعر كل الحاضرين أن هذه الوحوش قد افترست عدداً كبيراً من جنود الملك، أما هؤلاء القديسين فلم تتجاسر الوحوش أن تتقدم نحوهم بأى أذى، بل تحولت أمامهم إلى حيوانات أليفة. وهنا انتهز القديس دونا هذه الفرصة وصار يعظ الحاضرين بكلمة الله. فآمن كثيرون من الوثنيين.  

        وبعد الانتهاء من وعظه حدثت زلزلة عظيمة راح ضحيتها الكثير من الوثنيين وحدث ذعر وشغب فى الساحة كلها. فقفز القديسون الثلاثة هاربين من الساحة دون أن يجسر أحد أن يمسك بهم. وجاءوا إلى الإسكندرية ثم إلى مصر ومنها إلى مدينة طما بصعيد مصر. وقاموا بخدمتهم خير قيام فى هذه المدينة وهم موقنون أن ذراع الله الحانية هى التى حملتهم إلى هذا المكان.

        لم يكن قد مر على استشهاد أسقف طما الشهيد فيلياس سوى شهور قليلة، وكان الشعب فى أشد الحزن على راعيه القديس. وذات يوم دخل الكاهن دونا إلى الكنيسة ليصلى وكان حاضراً عدد كبير جداً من شعب طما. وأثناء صلاته على المذبح رأى الحاضرون حمامة بيضاء كبيرة استقرت على رأسه ودارت عدة دورات فى الكنيسة، فعلا هتاف الحاضرين وصلواتهم، وكانوا يشكرون الله الذى افتقدهم بهذا القديس المبارك.

        فأجمع الكل على اختياره أسقفاً خلفاً للشهيد فيلياس. فخدم القديس دونا شعبه ببر وأمانة. ولم يفتر عن تعليم الشعب ووعظه وتثبيته على الإيمان، وظل يخدم طما لمدة اثنتا عشر سنة. وازدهرت المسيحية فى عهده، وكان الناس يعبدون الله بخوف ومحبة. وبنى كنائس كثيرة. وكان يرد الضالين وبصلاته كان الرب يشفى المرضى ويعمل العجائب.

        لما مات دقلديانوس ومكسيميانوس وخلفهما فى الحكم الإمبراطور جاليريانوس، الذى حكم من سنة 306م إلى 311م. سادت العالم فترة من الهدوء النسبى، وصدر مرسوم ميلانو سنة 313م. فأوقف الاضطهاد وسمح للمسيحيين بممارسة شعائرهم الدينية بحرية، كما رجع المسيحيون إلى وظائفهم الرسمية فى الولايات، ورفع سيف الاضطهاد. ثم جاء صهر الملك قسطنطين ليكينيوس وحكم البلاد من سنة 307م إلى 324م. فشن اضطهاداً عنيفاً على المسيحيين سنة 316م. وحرم كل ما أباحه دستور ميلانو السابق وحاصر المدن والمقاطعات. وكانت طما من المدن التى حاصرها من كل جانب، لدرجة أن المسيحيين لم يعودوا يخرجون إلى الشوارع من شدة الخوف.

        وعلم الإمبراطور بخبر الأسقف دونا فأرسل جنوده وقبضوا عليه، وهو فى مسكنه الخاص. وقيدوه بالسلاسل الحديدية هو والكاهن مقار والشماس تادرس، وأخذوهم إلى مكان عام وصدر الحكم هناك بقتلهم أمام الجمع. فمددهم الجنود على الأرض وقطعوا أعضاءهم بالمناشير حتى أسلموا أرواحهم الطاهرة فى يد الرب الذى أحبوه. ونالوا جميعهم إكليل الشهادة.

صلاتهم تكون معنا أمين.

عن: الكتاب الشهرى للشباب والخدام إصدار بيت التكريس لخدمة الكرازة سبتمبر 1999م قام بإعداد السيرة تاسونى انجيل لبيب. وذلك عن يوسابيوس القيصرى، الكتاب الثانى، الفصل الثانى وتذكارهما حسب كتاب قديسو مصر الجزء الثانى يوم 22 مايو.

ببلاد إيطاليا حالياً

وهذه المدينة هى التى عاش فيها دقلديانوس فى أواخر أيامه