13 بشنس: القديس سيرابيون المعروف بالسبانى 

القديس سيرابيون أو صرابامون المعروف بالسبانى عن كتاب: الرهبنة القبطية للقمص متى المسكين

هذه التسمية ترجع إلى أنه كان يرتدى "سبانية" أى "جبة" واحدة من الكتان لا يخلعها أبداً. وقد رآه بالليديوس  وتحدث إليه سنة 391م وقيل خطأ أنه لم يكن يعرف القراءة والكتابة، ولكن الحقيقة أنه كان متعلماً يجيد اليونانية جداً وكان يحفظ أسفار الكتاب المقدس عن ظهر قلب، وهو صاحب معظم الأقوال التى جاءت تحت اسم "سيرابيون" أو صرابامون" فى كتاب أقوال الآباء. ويقول بالليديوس أنه بعد أن أتقن الجلوس فى القلاية، وحفظ الكتاب كله عن ظهر قلب، وضبط حفظ العقل جداً فلم يكن أى شئ يستطيع أن يشغل عقله إلا الإنجيل، خرج من قلايته مدفوعاً بغيرة رسولية ليبشر فى مصر والإسكندرية وخارج مصر. وقد اشتهر هذا الأب القديس بحبه للتبشير والكرازة وتثبيت إيمان الناس وتصحيح معتقداتهم بصورة جارفة، كما اختص بنوع من التبشير نادر المثال يشهد لـه بعلو الفضيلة وقوة الشخصية وضبط الشهوة، وهو تبشير النساء المنحرفات والممثلين والممثلات من ذوى الشهرة الماجنة باعتبارهم مركز إفساد الشباب. ومن أعظم أعماله قصة توبة تاييس الخاطئة على يديه، التى بلغت شهرتها إلى أقصى أنحاء العالم، حتى أنهم من فرط تأثر رجال الغرب بهذه القصة، جاهدوا حتى حصلوا على جسدى تاييس وسيرابيون بعد نياحتهما وحملوهما إلى متحف جيمة بباريس. ويقال أنهما لا يزالان راقدين هناك. ولكن قامت حديثاً إحدى البعثات الأثرية بحفائر فى منطقة أنتينوا، فاكتشفوا إحدى المقابر للرهبان بجوار أحد الأديرة المخصصة للراهبات (الدير الذى أرشد سيرابيون تاييس إليه)، ووجدوا فى القبر الحجرى هيكلاً متكاملاً ملفوفاً بسبانية وعلى وسطه حزام وقلنسوة وفى رقبته طوق حديد (كان يلبسه بعض النساك لإخضاع الجسد)، وعلى يافطة خزفية موضوعة بجوار الجسد مكتوب هذه الكتابة Carapiwn kornwcyalou ويؤكد العلامة الفرنسى Nau أن المخطوطة السريانية لسيرة سيرابيون تذكر القصة أن سيرابيون بعد عودته من روما اتجه إلى دير باخوميوس، ومات ودُفن هناك فى مقبرة حجرية. وإن الرهبان عند تحضيرهم الجسد للدفن وجدوا فى رقبته طوقاً من حديد ومن حولـه جروح غائرة. والعجيب أنهم وجدوا بجوار هذه المقبرة وامتداداً  لها مقبرة أخرى تحمل هيكلاً لجسد إمرأة، وعلى مكلس الحائط مكتوب هذه العبارة kairiayaiac كل هذا جعل العلماء وبالأخص العالم Nau يعتبرون أن سيرابيون وتاييس دُفنا فى هاتين المقبرتين المتجاورتين تخليداً لذكرى هذه الكرازة المقتدرة التى أنقذت من الجحيم نفساً طيبة، صارت مثلاً للقداسة والطهارة والتوبة العالية.

هذا الإكتشاف الجليل يؤكده كتاب"شرح الفردوس" لفيلوكسينوس، المخطوط رقم س9 مكتبة دير أنبا مقار ص 77.

فإذا أخذنا برأى العلامة Nau اعتماداً على الحفائر المذكورة والمدعمة بالأسماء المكتوبة، علينا أن نعيد النظر فى الرواية التى أوردها بالليديوس عن سيرابيون السبانى فى نهاية قصته أنه تنيح فى روما ودُفن هناك.

والمذكور فى أقوال الآباء عن هذا الأب أنه بشَّر بلاد خارج مصر، فى فقر رسولى حقيقى. فذهب إلى أثينا وأسبرطا وروما، وتقابل مع علمائها وحبسائها، فقابل دومينوس تلميذ أوريجانوس، وعلم منه أماكن النساك. وتذكر سيرته أيضاً أن غيرته فى تخليص النفوس هناك جعلته يبيع نفسه عبداً مرات كثيرة حتى للمثلين والممثلات، ولا يتركهم حتى يأتى بهم إلى حضن المسيح تائبين. كما يُذكر عنه أنه أعطى سبانيته لإنسان فقير وسار عرياناً فى السوق، كما باع إنجيله وسدد به دين إنسان محكوم عليه، ولما سأله تلميذه عن إنجيله مصدر عزائه قال له: "الذى أمرنا أن نبيع كل مالنا ونعطى للفقراء بِعتهُ، وأعطيت ثمنه للفقراء، لكى يكون لنا شجاعة ضمير فى اليوم الأخير."

والمرجح لدى العلماء أنه تنيح سنة 400م. عن ستين عاماً وتكرِّم الكنيسة اليونانية (الروم) سيرة هذا القديس جداً وتُعيد لـه فى 21 مايو ولكنها تنعته باسم "الصيدونى" نسبة إلى "صيدا" خطأ بدلاً من "السيبذونيتى" التى هى "السبانية" أى الرداء.

وفى نهاية هذه السيرة المباركة نلفت نظر القارئ إلى هذا النوع من الآباء الذى جعل الإنجيل حياته، فلم تستطع البرارى أن تحد لجة محبته لخلاص الناس، فانطلق من كل قيد يبشر ويكرز ويقود إلى التوبة أخطى الخطاة، حاملاً بريته المقدسة فى قلبه، وعائشاً فى وحدته النفسية والفكرية أينما حلَّ، ضابطاً لفكره فى السوق كما فى القلاية، ومتقشفاً صائماً فى السفينة كما فى الصحراء، فقيراً جائعاً فى شوارع أثينا أكثر مما كان فى شيهيت.

بركة صلواته تكون معنا امين.

Back