8 برمودة: شهادة العذارى القديسات أغابي وايريني وسيونية 

في مثل هذا اليوم استشهدت العذارى القديسات: أغابي  وايريني وسيونية. وهؤلاء كن من أهل تسالونيقية، وكن عابدات للمسيح عن آبائهن، ثم اخترن عيشة البتولية واتفقن علي السلوك في الفضيلة. وكن مداومات علي الأصوام المتواصلة والصلوات الكثيرة. مترددات علي أديرة العذارى، متنسكات مع الراهبات. فلما تملك مكسميانوس الكافر. وأثار عبادة الأصنام، وسفك دماء كثيرين من المسيحيين، خافت القديسات، وهربن إلى الجبل، واختبأن في مغارة، مداومات علي نسكهن وعبادتهن.

وكانت هناك امرأة عجوز مسيحية تفتقدهن، بكل ما يحتجنه كل أسبوع. وتبيع ما يعملنه بأيديهن، وتتصدق عنهن بما يفضل. وحدث أن رأي أحد الأشرار كثرة خروج هذه العجوز إلى الجبل. فتبعها عن بعد، إلى أن عرف المغارة التي تدخل إليها، فاختبأ حتى لا تراه عند عودتها، وكان يظن أنها تخبئ أشياء ثمينة. فلما خرجت من المغارة وابتعدت عنها، دخل إليها فوجد الجواهر النفيسة عرائس المسيح وهن قائمات يصلين، فربطهن وجذبهن وأحضرهن إلى والي تسالونيقية. فسألهن عن إيمانهن فأقررن أنهن مسيحيات عابدات للمصلوب. فحنق الوالي عليهن وعذبهن كثيرا ثم طرحهن في النار، فأسلمن أرواحهن ونلن إكليل الشهادة.

صلاتهن تكون معنا. آمين.

الشهيدات أغابى وسيونيه   وإيرينى 

عن كتاب الشهيدة ايرينى إصدار دير ابى سيفين للراهبات بمصر القديمة 

       إن القديسات أغابى وسيونيه وإيرينى هم ثلاث أخوات فى الجسد من مدينة تسالونيكى بمقدونية فى اليونان، وقد ارتبطن معاً برباط المحبة فى الرب، فكن يعبدن الإله الواحد ربنا يسوع المسيح وقد نذرن له بتوليتهن منذ حداثتهن، كما كن يترددن على أحد أديرة العذارى فى المدينة ليتدربن على حياة الفضيلة والتقوى ويمارسن الصوم والصلاة والنسك مقتدين بالحياة الرهبانية الملائكية.

عندما أثار ديوكليتيكانوس وشريكة مكسيميانوس الاضطهاد وأصدر منشوراً فى الثالث والعشرين من شهر فبراير عام 303م، يقضى بهدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة وبضرورة تقديم العبادة للآلهة الوثنية، قصدت أولئك العذارى أغابى وسيونيه وإيرينى مغارة فى أحد الجبال حيث خبأن فيها عدداً كبيراً من الكتب الكنسية وكذلك العديد من نسخ الكتاب المقدس ومكثن فيها يداومن على الصلاة والعبادة والحياة النسكية. وكانت تفتقدهن فى المغارة، سيدة مسيحية عجوز، تقدم لهن احتياجاتهن وتبيع عمل أيديهن، وتتصدق بما كان يفضل عنهن.

وعندما لاحظ أحد الوثنيين كثرة تردد هذه العجوز على الجبل، ظن أنها تخفى هناك أشياء ثمينة، فاقتفى أثرها من بعيد حتى عرف موقع المغارة. وفى ذات يوم اقتحم هذا الرجل الوثني المغارة، فوجد عرائس المسيح يصلين، وعلم إنهن مسيحيات ولا يعبدن الآلهة التى تعبدها الإمبراطورية الرومانية. كما رأى الكتب المقدسة العديدة التى اكتظت بها المغارة، فسخر منهن وتوعدهن ثم ربطهن وأحضرهن إلى الحاكم دولسيبيوس مع أربعة أشخاص آخرين. 

عندما جلس الحاكم على كرسيه، قال له الكاتب أرتيميوس: "بعد إذن سيادتكم، أود أن أقرأ عليكم رسالة من مندوبنا كاسيندر بخصوص هؤلاء الماثلون أمام عظمتكم." ثم قرأ عليه الرسالة التالية: "من المندوب كاسيندر إلى جلالة دولسيتيوس حاكم مقدونية، مرسل إلى جلالتكم سته فتيات ورجل يدينون بالديانة المسيحية ويرفضون تناول اللحوم المذبوح للآلهة وها هى أسماؤهم: أغابى، سيونيه، إيرينى كاسيا، فيليبا، أوتاكيا ورجل يدعى أغاثون."

سألهم دولسيتيوس عن معتقدهم، فاعترفوا إنهم مسيحيون يعبدون الإله الواحد الحقيقي ربنا يسوع المسيح. فأمرهم بالخضوع والطاعة لأمر المنشور الملكي وأن يأكلوا مما ذبح للأوثان، فرفضوا. حينئذ استدار الحاكم نحو الفتيات وقال لهن: "حقا تعيسات وشقيات أنتن. كيف تتجاسرن وتعصون ولا تخضعن لأوامر الأباطرة؟" ثم توجه بالحديث إلى أغاثون قائلا: "وأنت ياأغاثون، لماذا ترفض أن تتناول ما ذبح للآلهة؟ أجاب أغاثون: "لأني مسيحى." وجه الحاكم دولسيتيوس نفس السؤال إلى الفتيات. فأجابت كل منهن بدورها:

أغابى: "أنى أؤمن بالله الحي ولن أضحى بأبديتى وإكليلي."

سيونيه: "لن أطيع أمر الإمبراطور لأني أؤمن بالله الحي."

إيرينى: "لن أرتكب ما يغضب إلهي."

كاسيا: "إنى أريد خلاصي الأبدي."

الوالي: "ألا تريدين الاشتراك فى ذبائحنا؟"

كاسيا: "ليحفظني الله من هذا الفعل الشنيع."

ثم وجه السؤال إلى فيليبا قائلا: "هل ستجيبين مثلهن؟"

فيليبا: " نعم بكل تأكيد، إنى أفضل الموت علي اسم ربي ومخلصي يسوع المسيح ولن أشترك نهائياً فى ذبائحكم." فقال الحاكم إلى أوتاكيا: "هل ستكونين أنت أيضا مجنونة مثلهن؟"

أوتاكيا: "نعم إني أوافقهن فى الرأي وأفضل أن أضحي بحياتي حتى الموت ولا أخضع البتة لما تطلبه منى."

ولما كانت أوتاكيا امرأة حامل، أمر الحاكم بإيداعها فى السجن إلى أن تضع مولودها. أما عن أولئك العذارى الثلاث أغابي وسيونيه وإيرينى، فلم يمل دولسيتيوس من محاورتهن محاولاً استمالتهن وإقناعهن بشتى الطرق للخضوع لأوامر قيصر. وقد توجه بالحديث أولا إلى أغابي قائلا: "ماذا قررت؟ ألا تريدين تقديم الولاء والطاعة والإقتداء بأولئك الذين يطيعون أوامر أباطرتنا العظام؟"

أجابت أغابي: "لن يجدي حديثك معي ولن أذعن أبداً لاغراءاتك، فلن أخدم ولن أطيع أبداً الشيطان."

حينئذ وجه دولسيتيوس سؤاله إلى سيونيه قائلا: "وأنت سيونيه، بماذا تجيبين؟"

أجابت: "أنك لن تنجح فى زعزعة ثباتنا أو تغيير إيماننا فنحن نؤمن بالله الكلى العظمة وبابنه ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وبالعقيدة المقدسة التى ندين بها".

ثم التقى بهن أيضا الإمبراطور ديوكلتيانوس الذى حاول إرجاعهن عن معتقدهن ولكن أغابى أجابته فى جرأة وغيرة قائلة: "أيها الإمبراطور الجليل، من واجبك الاهتمام بالإمبراطورية ورعاية الدول والعناية بالجيش ولكن ليس لك أن تتحدث بالسوء ضد الله الحي الذى بدونه لا تقدر أن تفعل شيئا."

حينئذ التفت الإمبراطور إلى سيونيه، طالباً منها أن تجيب على غباوة أختها. فقالت سيونيه: "أن أختي فى كمال الفهم لأنها تجحد التقدمات الدنسة." فالتفت ديوكليتانوس إلى إيرينى أصغرهن ناصحاً إياها أن تكون أعقل من أختها." فأجابت إيرينى: "أن ما تظنه جنونا فى نظرك، إنما هو كمال العقل والحكمة."

حينئذ أمر ديوكليتانوس بإلقائهن فى السجن، فكانت المرأة العجوز تفتقدهن وتشجعهن. وعندما اضطر ديوكلتيانوس للسفر، سلمهن مرة ثانية للحاكم دولسيتيوس الذى استدعاهن بدوره مرة ثانية للمحاكمة وعندما باءت محاولاته بالفشل، أمر بجلدهن بقسوة وهن عراة. ولما نفذ صبره فى إخضاعهن رغم التعذيب الوحشي، وجه الحديث إليهن قائلا: "نظراً لأنكن لم تخضعن لأوامر أباطرتنا ورفضتن الخضوع والطاعة للمرسوم الملكي وفضلتن الثبات على عنادكن وعصيانكن رغم كل ما بذلناه فى نصحكن لتخضعن لديانة الإمبراطورية ولكنكن قد ازدريتن بأقوالنا وأوامرنا، لذا فإننا سنوقع عليكما العقاب الذى ينص عليه المنشور الإمبراطوري." ثم تابع دولسيتيوس حديثه فى عنف وغيظ قائلا: "نظراً لعناد أغابى وسيونيه وإصرارهما على الثبات فى الديانة المسيحية وازدرائهما بآلهتنا، فإننا نحكم عليهما بالحرق وهما أحياء أما إيرينى، فلتساق إلى السجن مع بقية رفقائها حتى نقرر ما يتعلق بشأنها."

تم تنفيذ الحكم، ونالت عروستا المسيح أغابى وسيونيه إكليل الإستشهاد والمجد الأبدي. وفى اليوم التالى، استدعى دولسيتيوس الفتاة إيرينى محاول تملقها بالوعد ثم بالوعيد لعله يتمكن من زعزعة إيمانها خاصة بعد أن عاينت ما قد حل بأختيها أغابى وسيونيه. وعندما باءت كل محاولاته بالفشل، قال لها: "لقد اتضح اليوم جنونك، لقد عثرنا فى المغارة على العديد من الكتب والأوراق الخاصة بالديانة المسيحية. تلك الديانة التى تحرمها الدولة. ولا تستطيعي الآن إنكار وجود هذه الكتب التى تم إحضارها أمامي. فاعلمي أنى ما زلت أعاملك باللطف، ومازال أمامك فرصة للنجاة من الموت والعذاب المرير الذى سيلحق بك. فقط ضحى للآلهة، ونفذي أوامر أباطرتنا وكلى مما ذبح للآلهة وسأعفو عنك فى الحال."

أجابت إيرينى فى ثبات وشجاعة: "اعلم أيها الوالي إنى لن أنفذ أبداً شيئا مما ذكرته، فأنى لن أسلم نفسي لنار وعذاب أبدى، هذا العذاب الذى أعد لأولئك الذين ينكرون مسيحهم ابن الله الحي من أجل النجاة من عذاب وقتي."

- "أخبريني من الذى حرضك على إخفاء هذه الكتب طوال هذه الفترة؟"

+ "إن إلهي الكلى العظمة أوصانا أن نحبه أكثر من حياتنا. لذا نفضل أن نظل أمناء لله وأن نسلم ذواتنا للحريق ونحن أحياء ولا نسلم أبدا الكتب المقدسة لأيدي عابثة آثمة."

- "هل يعلم أحد بإخفاء هذه الكتب لديكن؟"

+ "لم يعلم أحد بهذا الأمر سوى الله وحده العارف بكل شئ."

- وأين اختبأت أنت وأخواتك طوال العام الماضي منذ إصدار المنشور الملكي؟"

+ "لقد اختبأنا فى الجبل."

- "ومن كان يطعمكن إذا؟"

+ "إلهنا الصالح الذى يهتم بكل خليقته."

- "هل يعلم والدك بكل ذلك؟"

+ "لم يعرف أحدا شيئا."

- "والجيران والأقارب، لا يعلمون هم أيضا شيئا من أمركن؟"

+ "تستطيع أن تسأل وتبحث عما يعنيك من الأمور التى تريد الاستفسار عنها."

- "هل قرأتن هذه الكتب أمام أحد أثناء مكوثكن فى المغارة؟"

+ "لم نقرأ فيها أمام أحد ولم نجرؤ على حملها خارج المغارة. لذا كلنا نخبئها بكل حرص."

- "لقد استوجبت أختاك العقاب الذى يستحقانه. أما أنت فسأذيقك نوعا آخر من العذاب لإخفائك هذه الكتب."

حينئذ أمر دولسيتيوس باقتياد الفتاة إيرينى إلى بيت للأشرار مع الفتيات الساقطات وأن تترك معهن عدة أيام وأن يكون الخبز الجاف هو غذاءها الوحيد وأن تشدد عليها الحراسة ولا يسمح لها بالخروج من هذا المكان لحظة واحدة. وبالفعل نفذ هذا الحكم بكل شدة.

أما إلهنا القدوس فقد أحاط عروسه بعنايته. وكان حافظاً وحامياً لطهارتها وعفتها، فلم يجرؤ أحد على الاقتراب منها. وعندما شعر الوالي أنه اصطدم ببرج حصين ثابت البنيان، اغتاظ جداً. واستدعاها للمثول أمامه وقال لها: "إلى متى ستستمرين فى عنادك وعصيانك؟"

أجابت إيرينى: "أن ما تعتبره عناد وعصيان إنما هو محبة لإلهى وأنى أقر أنني سأظل أمينة له حتى الموت."

عندما سماع الوالي هذه الأقوال، طلب لوحاً وكتب عليه الحكم التالى: "نظراً لأن إيرينى ترفض الخضوع والطاعة لأوامر الأباطرة وترفض التضحية للآلهة وتصر على التصاقها وارتباطها بهذه الجماعة التى تدين بالمسيحية، فإننا نصدر أمراً بإلقائها فى النار حية مثل أختيها."

شكرت إيرينى إلهها ومخلصها وظل قلبها يطفر فرحاً لملاقاة عريسها السماوي وأسرعت بخطى جريئة نحو موضع العذاب، وهو نفس الموضع الذى نال فيه أختاها أغابى وسيونيه أكاليل المجد. بعد إن انتهت من الصلاة، دنت من النار وألقت بنفسها فيها. فطارت روحها الطاهرة إلى الأمجاد السماوية ونالت إكليل المجد الغير المضمحل عام 304م. بركتهم تكون معنا أمين.