26برمهات:
القديس
أمبروسيوس
عن كتاب
قاموس آباء
الكنيسة
وقديسيها ـ
القمص تادرس
يعقوب ملطى
ولد
القديس
أمبروسيوس فى
عام 340م من أسرة
تقية، فقد كان
والده حاكماً
لبلاد الغال
(فرنسا) فى عهد
قسطنطين
الصغير،
ومقره فى
تريف. كانت أخته
مارسيلينا
التى تكبره
بحوالى 10
سنوات إنسانة
تقية قامت
بدور فعال فى
حياته كأم
أكثر منها
أختاً، أما
أخوه ساتيروس
الأكبر
فمتقارب معه
فى السن.
يروى
لنا سكرتير
أمبروسيوس
أنه لما كان
طفلاً مضجعاً
فى مهده فى
بهو القصر رأت
المربية أسراب
نحل تدخل فم
الطفل
أمبروسيوس
وتخرج فاضربت،
لكن والديه
وأخته
اقتربوا منه
ولم يزعجوه،
وبعد برهة طار
النحل وارتفع
عالياً حتى
غاب عن
الأبصار، وعندئذ
قال الأب: "هذا
الطفل سيكون
عظيماً.
عندما
كان لـه من
العمر ثلاثة
عشر عاماً
أقام ليبريوس
أسقف روما
مارسيلينا
مكرسة للعبادة
والخدمة.. وإذ
تنيح الوالد
انتقلت
الوالدة والوالدان
إلى قصرهم
بروما حيث
عاشت معهم العذراء
المكرسة
مارسيلينا
وصديقة لها
عذراء.. فكان
القصر ديراً
يضم أسرة تتسم
بالوداعة والبساطة
مع الحب
المتبادل فى
الرب.
كان
أمبروسيوس
وأخوه يدرسان
معاً الغة
اليونانية
والقانون
الرومانى
والبيان
والبلاغة.
عندما
كان أمبروسيوس
ذاهب من روما
إلى ميلان
ليتسلم عمله
كحاكم
لميلان،
أوصاه صديقه
بترونيوس
بروباس قائلاً:
"لا تعمل كقاض
بل كأسقف"،
وكان يقصد ألا
يطلب السلطة
بل يقدم أبوة
حانية وحباً
لكل إنسان..
وكان ذلك
الصوت نبوة
وهو لا يدرى.
جاء
امبروسيوس
إلى ميلان
ليجدها
ميداناً مضطرباً
بالمجادلات
الأريوسية،
إذ كانت تابعة
للأسقف
الأريوسى
أوكسنيتوس، و
لم يمض عام
على مجئ
أمبروسيوس
لينتقل
الأسقف،
فتحولت المدينة
إلى صراعات
مرة حول
احتيار
الأسقف
الجديد.
علت
المجادلات
حول اختيار
الأسقف فى وسط
الكاتدرائية
فاضطر
أمبروسيوس أن
يحضر بصفته حاكم
المدينة..
وعند دخولـه
سمع الكل
صوتاً واضحاً
يقول:
"أمبروسيوس
هو الأسقف".
وتكرر الصوت،
فاندفع الكل
يطلب سيامته،
أما هو فقاوم
وهرب لكنه تحت
إلحاح الشعب
رضخ أخيراً.
اعتمد
أمبروسيوس
على يدى صديقه
القديم الكاهن
سمبليكيان
الذى قال: "قد
تكون لى صداقة
مع كثيرين،
وأما صداقتى
مع أمبروسيوس
فهى صداقة
الأب مع ابنه".
هو ذاك الكاهن
الذى استطاع
أن يجتذب
فيكتريانوس
الأستاذ
الوثنى الذى
ترجم كتابات
أفلاطون
وعلّم شباب
أشراف روما
المسيحين،
الأمر الذى
كان لـه أثره
فى رجوع
أغسطينوس
وتوبته.
أرسل
إليه القديس
باسيليوس
الكبير يهنئه
على قبوله
مسئولية
الرعاية.
وجاءت إليه
أخته مارسيلينا
من روما لتعيش
معه.. وحتى حين
كانت تتركه
للخلوة فى
منزل بريف
ميلان، كانت
على اتصال بـه
خلال الرسائل.
كانت تشاركه
صلواته ودراساته
وخدمته
للفقراء. كما
جاء إليه
ساتيروس الذى
تولى إدارة
شئون
الأسقفية
وتدبير الأمور
المادية،
بقلب نقى ونفس
زاهدة ولم يكن
بعد قد نال سر
العماد.
فى
عام 378م سافر
ساتيروس إلى
أفريقيا
فغرقت السفينة
وأنقذه الرب
بأعجوبة حتى
نال سرّ المعمودية
وتنيح فى
ميلان بين يدى
أخيه وأخته…
فرثاه القديس
أمبروسيوس،
قائلاً:
"لماذا أبكيك يا
أخى الحبيب؟!
..لقد تغير
المكان فقط،
ومن الآن
ستكون
أرواحنا معاً"…
وبعد ثمانية
أيام ألقى
القديس عظته
المشهورة عن
"الإيمان
بالقيامة".
كان
جهاد القديس
أمبروسيوس لا
يتوقف فمن الداخل
كانت
الأريوسية قد
بثت بعض
التفاسير المتحررة
والغريبة،
كما كانت
الوثنية لا
تزال تحارب
المسيحية وتدس
فيها بعض
المفاهيم
الخاطئة
كتحويل أعياد القديسين
إلى مهرجانات
عالمية،
وأيضاً كان عليه
إصلاح ما يعم
المجتمع من
فساد وظلم..
دخل
الأسقف مع
الشعب فى صراع
ضد
الإمبراطورة يوستينة
الأريوسية
التى استسلمت
أخيراً للواقع
حينما وجدت
حتى الجند لا
يقبلون
الأريوسية.
كان
موقف القديس
أمبروسيوس لا
يُحسد عليه
حينما استشاط
الإمبراطور
غضباً على أهل
تسالونيكى
لأن عامة
الشعب قتلوا
أحد ضباطه،
فدعى الشعب
لمشاهدة
المباريات فى
الساحة، وإذ
جمعهم أصدر
أمره للجنود
بقتلهم فهلك
الألوف وصار فزع
فى كل
المملكة.
كان
ثيئودوسيوس
مقتنعاً أن ما
فعله كان من
قبيل
العدالة، وإذ
اراد دخول الكنيسة
منعه القديس
أمبروسيوس
حتى يقدم توبة
عملية وعلنية
ويصلح ما أمكن
من آثار هذه
المذبحة. لقد
كان حازماً كل
الحزم مع
الإمبراطور
ولكنه أيضاً
كان يفتح لـه
أبواب الرجاء
بكل حب وحنو،
لذلك حينما
حاول
المحيطون
بالإمبراطور
أن يصوروا
الأسقف
بالشخص
المتسلط
العنيف لم
يقبل
الإمبراطور
وشايتهم.. بل
أنه بعد فترة
"قدم دموع
توبة
وانسحاقاً
حقيقياً وسجد
حتى الأرض
ليقبل الله
توبته".
فطالبه
الأسقف بسن شرائع
لحماية
لاضعفاء،
منها عتق
الأبناء الذين
باعهم الآباء
بسبب الفقر،
وإصدار قانون يحمى
الشعب من قسوة
بعض الرجال
الرسميين
سواء كانوا
مدنيين أو
عسكريين،
وألا ينفذ حكم
الإعدام على
أحد إلا بعد
30يوماً من
صدور الحكم.
حتى تُعطى
فرصة للحاكم
أن يراجع
نفسه..
انتهت
القصة بصداقة
حميمة بين
الإمبراطور والأسقف
لم تنفصم
عراها حتى
الموت، حتى
انه عندما انتصر
الإمبراطور
فى موقعة
أكويلا أرسل
إلى الأسقف
رسالة يقول
لـه فيها إنه
مدين لـه بانتصاره،
فحمل الأسقف
الرسالة إلى
المذبح، وكتب
إلى
الإمبراطور
يقول لـه: "لقد
وضعت رسالتك مع
الذبيحة حتى
يتكلم إيمانك
أمام الله فى
نفس الوقت
الذى انطلق
فيه أنا
بالصلاة".
ظهرت
أبوة
أمبروسيوس
حين شفع فى
المأسورين من
الوثنيين
بأكويلا حتى
لا ترتاع
جماهير
الوثنيين بميلان
أو غيرها من
البلاد، وقد
قبل الإمبراطور،
الأمر الذى
كان لـه أثره
فى حياة
الوثنيين.
وفى
19 يناير سنة 395م،
أى بعد خمس
سنوات من توبة
الإمبراطور،
وبعد بضعة
أسابيع من نصرته
فى أكويلا رقد
الإمبراطور
وهو مستند على
صدر الأسقف،
وكان يناديه
باسمه فى
اللحظة الأخيرة.
لقد
أعجب
أغسطينوس وهو
بعد مانياً
بالأسقف من
أجل البلاغة
والبيان..
ولكن الأسقف
استطاع أن
يسحبه
للإيمان..
وكان الأسقف
يعزى القديسة
مونيكا، كما
كان معجباً
بإيمانها
ودموعها التى
لا تجف بسبب
أغسطينوس،
وقد تم عماد أغسطينوس
على يديه فى
إبريل عام 387م.
بعد
عامين من وفاة
الإمبراطور
توقف أمبروسيوس
عن الكتابة
بسبب المرض،
وقد استمر فى
قراءاته
وتأملاته،
حتى قال عنه
سكرتيره
بولينوس إنه
إذ كان يتأمل
دفعة توهج
وجهه كالنور..
حدث
أنه فى أحد
الأيام بينما
كان يصلى مع
سمبليكيان الذى
كان يلازمه
ملازمة الظل
أن رأى
أمبروسيوس السيد
المسيح يقترب
منه بابتسامة
إلهية ويدعوه
لمرافقته فى
السماء، فعلم
أن وقت رحيله
قد أزف..
فى
يوم الجمعة
الكبيرة، فى 4
إبريل عام 397م
مد القديس
ذراعيه على
هيئة صليب ولم
يغير هذا
الوضع لمدة
ساعات حتى
أسلم روحه.
فى
اللحظات
الأخيرة إذ
تجمع الكل حول
الراعى الأمين
وقف جماعة من
الشمامسة فى
ركن من الغرفة
يتهامسون عمن
يخلف القديس
أمبروسيوس.
اقترح البعض
سمبليكيان،
وأجاب البعض
إنه كبير السن..
وإذ بالقديس
يفتح شفتيه
ويقول: "إنه
كبير السن
لكنه فاضل!".
ارتاع
الشمامسة
وخجلوا حتى تركوا
الحجرة..
وتحققت كلمات
الأسقف.
بالرغم
من اهتمام
القديس
أمبروسيوس
الشديد بعمله
الرعوى
والمتاعب
التى لاحقته،
فقد ترك
القديس
تراثاً
ثميناً. فمن
جانب اهتم
بتنظيم
العبادة
الليتورجية
العامة فى
إيبارشيته،
فقدم تدبيراً
ليتورجياً
جميلاً يعتز
به أهل ميلان،
كما أدخل
نوعاً من
الموسيقى
الكنسية دعت
بالأمبروسية Ambrosian ، أما
كتاباته
وعظاته فتضم
كتابات
عقائدية، وتفسيرية،
ونسكية،
وأخلاقية
وعظات ورسائل.
1ـ
من كتاباته
العقيدية:
كتاب عن
الثالوث
القدوس يشرح
فيه عقيدة
التثليث، ويؤكد
لاهوت السيد
للرد على
الأريوسيين،
وآخر عن الروح
القدس، وعن سر
التجسد
الإلهى ضد الأريوسيين
والأبوليناريين،
وعن الأسرار وعن
التوبة ضد
أتباع
نوفاتيان
ليؤكد سلطان
الكنيسة فى حل
الخطايا
وضرورة
الاعتراف
وأهمية
الأعمال
الصالحة،
وكتاب يرثى
فيه أخاه يحوى
حديثاً عن
عقيدة
القيامة.
2ـ
من كتاباته
التفسيرية: 6 كتب
عن أيام
الخلقة الستة
"هكساميرون"،
وتعليقات على
"قايين
وهابيل"،
و"فلك نوح"،
"إبراهيم"
إلخ..
3ـ
من كتاباته
النسكية
والسلوكية:
كتابه عن شرف
البتولية،
وآخر عن
الترمل إلخ..
4ـ
عظاته.
5ـ
رسائله: توجد
منها 91 رسالة
تعالج مواضيع
تاريخية
وعقيدية
وأخلاقية وكتابية،
كما تحوى
رسائل عن
الصداقة. هذه
الرسائل تكشف
عن سمو
شخصيته،
وغيرته
المتقدة، وورعه،
وثقافته
العالية،
وسلطانه
المملوء حباً.
بركة صلواته تكون معنا أمين.