26برمهات:
نياحة
القديسة
براكسية
العذراء
في مثل
هذا اليوم
تنيحت
القديسة
الطوباوية براكسية
العذراء. وهذه
كانت ابنة
لوالدين من عظماء
مدينة رومية،
ومن عائلة
الملك
أنوريوس. وعند
نياحة والدها
أوصي الملك
بها.
واتفق
أن أتت
والدتها إلى
مصر لتحصيل
أجرة الأملاك
والبساتين
التي تركها
لها زوجها.
فأحضرت ابنتها
معها وكان
عمرها وقتئذ
تسع سنين.
ونزلتا بأحد
أديرة
العذارى,
وكانت راهبات
ذلك الدير علي
غاية النسك
والتقشف. فلا
يأكلن المأكولات
الدسمة ولا
زيتا ولا
فاكهة، ولا
يذقن خمرا.
وينمن علي
الأرض.
فأحبت
هذه الصبية
الدير،
واستأنست
بالخادمة
التي فيه.
فقالت لها الخادمة:
"عاهديني أنك
لا تتركين هذا
الدير"؛ فعاهدتها
علي ذلك. ولما
أنهت والدتها
عملها الذي
كانت قد أتت
لأجله امتنعت
ابنتها عن
العودة معها
قائلة: "إني قد
نذرت نفسي
للمسيح، ولا حاجة
بي إلى هذا
العالم، لأن
عريسي الحقيقي
هو السيد
المسيح". فلما
عرفت والدتها
ذلك منها وزعت
كل مالها علي
المساكين،
وأقامت معها
في الدير عدة
سنين، ثم
تنيحت بسلام.
وسمع
أنوريوس هذا
الخبر فأرسل
يطلبها. فأجابته
قائلة: "بأنها
نذرت نفسها
للسيد
المسيح، ولا
تقدر أن تخلف
نذرها". فتعجب
الملك من
تقواها علي
صغر سنها
وتركها.
أما هي
فسارت سيرة
فاضلة،
وتعبدت تعبدا
زائدا، فكانت
تصوم يومين
يومين ثم
ثلاثة فأربعة
فأسبوعا. وفي
صوم الأربعين
لم تكن تأكل
شيئا مطبوخا.
فحسدها
الشيطان
وضربها في
رجلها ضربة آلمتها
زمانا طويلا،
إلى أن تحنن
الرب عليها وشفاها.
وقد أنعم الرب
عليها بموهبة
شفاء المرضي.
وكانت محبوبة
من الأخوات
والأم
الرئيسة
لطاعتها العظيمة
لهن .
وفي
إحدى الليالي
رأت الرئيسة
أكاليل معدة، فسألت:
"لمن هذه؟"
فقيل لها:
"لابنتك
بركسية. وهي
ستجيء إلينا
بعد قليل،
وقصت الأم
الرؤيا علي
الأخوات،
وأوصتهن ألا
يعلمن براكسية
بها. ولما
حانت أيامها
لتترك هذا العالم
اعترتها حمى
بسيطة،
فاجتمع عندها
الأم والأخوات
والخادمة،
وطلبن منها أن
تذكرهن أمام
العرش
الإلهي، ثم
تنيحت بسلام.
ثم
تنيحت بعدها
الخادمة
صديقتها،
وبعدها بقليل
مرضت الأم
فجمعت
الأخوات
وقالت لهن:
"تدبرن من
تقمنها عليكن
لأني ذاهبة
إلى الرب". وفي
صباح اليوم التالي
افتقدنها
فوجدن أنها قد
تنيحت.
صلاة
الجميع تكون
معنا . آمين .
القديسة
إبراكسيا
الراهبة
عن
كتاب القديسة
ابراكسيا
الراهبة
إصدار دير
الشهيد أبى
سيفين
للراهبات
بمصر القديمة
كان
بالقسطنطينية
في عصر
الإمبراطور ثيؤدوسيوس
الكبير (379 – 395م)
رجل نبيل علي
درجة عالية من
العلم
والتقوى يدعي
أنتيجونوس
وهو من أعضاء
مجلس الشيوخ،
وقد اشتهر
بمحبته
الشديدة لعمل
الرحمة. وكان
له مكانة خاصة
لدى الإمبراطور
لما كان يقوم
به من خدمات
عظيمة
للإمبراطورية.
تزوج
أنتيجونوس من
شابة تدعي
أوفرازي من
طبقة الأشراف
ونسل الأباطرة
وكانت تحظى
بتقدير حكام
ذلك العصر وتتمتع
بمكانة مميزة
في البلاط
الملكي وفي كل
المدينة لما
كانت تتصف به
من تقوى ومحبة
الله. كانت
الصلاة
المقترنة بكل
أعمال الرحمة
هي أولي
اهتماماتها،
مما جعلها
محبوبة جداً
لدي الإمبراطور
ثيؤدوسيوس
وزوجته.
لقد بارك
الله هذا
الزوج بميلاد
ابنه دعيت في المعمودية
باسم والدتها.
وقد حرص
والداها علي
تربيتها
تربية مسيحية
حقه، ليكون
لله المكانة
الأولي في
حياتها..
واتفقا فيما
بينهما أن
يكتفيا بهذه
الطفلة وأن
يهبا حياتهما
لله، معتبرين
غني ومجد
العالم كأنه
لا شئ منفذين
قول الكتاب:
"الوقت منذ
الآن مقصر لكي
يكون الذين لهم
نساء كأن ليس
لهم.. والذين
يستعملون هذا
العالم كأنهم
لا يستعملونه.
لأن هيئة هذا
العالم
تزول"(1كو7: 29- 31 ).
فكانا
يكثران من
أعمال الرحمة
والصدقات حارصين
علي أن يكونا
في حياة البر
والقداسة
التي تليق بأولاد
الله ليكتنزا
لهما كنوز
باقية في السماء..
ولم يمضى
علي قرارهما
هذا سوى عام
وبضعة أشهر حتى
انتقل
أنتيجونوس من
هذا العالم
الفاني إلى
عالم المجد
الأبدي،
تاركا زوجته
أرملة في ريعان
شبابها إذ
كانت تبلغ من
العمر وقتئذ
اثنين وعشرين
عاما.
حزن علي
فقدانه كل أهل
المدينة
وكذلك الإمبراطورة،
إذ لم يكن في
المدينة
إنسان مثله في
أمانته
وفضائله
ليشغل مكانه
في مجلس
الشيوخ، أما
زوجته فكانت
تسهر علي
رعاية طفلتها
وتجد عزاءها
الوحيد مع
الله وقراءة
الكتب المقدسة.
تولي
الإمبراطور
الطفلة تحت
وصايته بحكم
صلة القرابة
بينهما.
وعندما بلغت
الطفلة سن الخامسة
من عمرها، نصح
الأرملة
الشابة
بالموافقة
علي زواج
ابنتها بأحد
الأثرياء من
أبناء أعضاء
مجلس الشيوخ
والذي سيكون
أميراً فيما بعد.
قبلت الأم هذا
العرض إلى حين
أن تبلغ
الابنة سن
الزواج.
وبينما
كانت أوفرازي
لا تفكر إلا
في الاهتمام
برعاية
وحيدتها،
فوجئت بأحد
الأشخاص من أعضاء
مجلس الشيوخ
يطلب الزواج
منها عن طريق
الإمبراطورة
دون علم
الإمبراطور
ثيؤدوسيوس. وعندما
سمعت أوفرازي
هذا الخبر
اضطربت جداً وكان
الرفض التام
هو جوابها ولم
تترك أي رجاء
أو أمل لموافقتها.
وعندما علم
ثيؤدوسيوس
بما قامت به الإمبراطورة
سراً دون
علمه، غضب
جداً وأعلمها
بتكريس
أوفرازي
حياتها لله
ولا يستطيع
أحد أن يعرض
عليها زواجا
ثانياً دون أن
يخطئ إلى الله
وإلى ذكري
أنتيجونوس.
منذ ذلك
الحين خشيت
أوفرازي من أن
ثروتها
وشبابها سوف
يعرضها
لمواقف أخرى
مشابهة. لذا
قررت الرحيل
مع ابنتها إلى
مصر بحجة أنها
تباشر بنفسها ممتلكاتها
الكائنة هناك.
وبالفعل
غادرت
أوفرازي
القسطنطينية
ووصلت إلى
الإسكندرية
مع ابنتها
التى كانت
تبلغ من العمر
وقتئذ سبع
سنوات. فكانت
لها الفرصة في
مصر لزيارة
العديد من
أديرة الرجال
والبنات التى
كانت قد ذاع
صيتها ووصلت
إلى
القسطنطينية.
فوزعت عليها
الكثير من
الصدقات.
وكان من
بين الأديرة
التى زارتها
ديرا في الصعيد
يحتوي علي
أكثر من 200
راهبة يحيون
في حياة التوبة
والقداسة
والنسك
الشديد، فلا
يذقن خمراً
ولا زيتاً ولا
شيا من
الفواكه وكان
طعامهن دفعة
واحدة حبوبا
أو بقولا مع
بعض أنواع
الحشائش
والخضراوات.
وكان بعضهن لا
يأكلن إلا مرة
واحدة عند
المساء،
وأخريات كن
يصمن يومين
يومين أو
ثلاثة ثلاثة.
وتجاهد كل
منهن علي قدر طاقتها.
وفي أيام
الصوم كن يزدن
كثيرا من
النسك والتقشف،
فكان معظمهن
لا يأكلن سوى
مرة واحدة كل
ثلاثة أو
أربعة أيام.
وكن ينمن
مستلقيات علي
الأرض فوق
بساط قصير من
جلد الماعز.
وكانت ملابسهن
أيضا عبارة عن
مسوح من جلد
الماعز
يكسوهن حتى
الأقدام. وكن
يحرصن علي
حياة الخلوة
وتعمل كل
واحدة حسب
قدرتها
وقواها، ولا
يختلطن بزوار
الدير، وكانت
الأم البوابة
تجيب
الزائرين علي
أية استفسارات.
وعندما كان
الله يفتقدهن
بالمرض، كن
يقدمن له
الشكر
باستمرار
ويسلمن
للعناية
الإلهية أمر
شفائهن دون
اللجوء إلى
الطب.
هذه هي
الحياة
النسكية التي
عاشتها أولئك
الناسكات في
حياتهن
الرهبانية.
وكان جميع من
في المدينة
يثقون في
صلواتهن،
فكانوا
يلجئون إلى الدير
طالبين
صلواتهن من
أجل الشفاء من
أمراضهم أو من
الأرواح
النجسة التى
كانت تعذبهم.
وكان الدير
مكانا يتمجد
فيه الله
دائما بعمل المعجزات.
تأثرت
أوفرازي جداً
بحياة
الراهبات في
هذا الدير
وكانت رؤيتها
لهن مصدر
تعزية كبيرة
واشتياق لأن
تحيا معهن هي
وابنتها.
فكانت تتردد عليه
من حين إلى
آخر وتحضر
معها البخور
والشموع
والزيت وبعض
التقدمات إلى
الكنيسة.
وذات يوم
أرادت أوفرازي
أن تقدم للدير
مبلغا من
المال، ولكن
الأم رئيسة
الدير رفضت
قبول المال
وقالت لها
نيابة عن
بناتها بأنهن
لا يرغبن في
المال لأنهن
زهدن كل
ممتلكات
العالم حتى
يتأهلن
للتمتع والتنعم
بالخيرات
الأبدية. ولكن
يمكنها
الاستمرار في
إحضار
مستلزمات
المذبح
والكنيسة وهن
بدورهن يصلين
من أجلها ومن
أجل ابنتها
الصغيرة. فداومت
علي تقديم
الشموع
والبخور
بفرح، طالبة
صلواتهن من
أجلها ومن أجل
زوجها الراحل
أنتيجونوس
وابنتها.
جمعت
محبة الله
ومخافته
رئيسة الدير
وهذه السيدة
التقية،
فكانت الأم
الرئيسة تحب
مداعبة
الصغيرة
إبراكسيا
التي كانت تري
فيها ميولا
لحياة التقوى
تفوق سنها،
فسألتها ذات
يوم ـ بقصد
اختبارها ـ
إذا كانت تحب
الدير
والراهبات
اللواتي فيه.
فأجابتها
بالإيجاب في
وداعة وأعجاب
شديد. فقالت لها
الأم
الرئيسة:" إذا
كنت تحبين
الدير فامكثي
إذا معنا".
أجابت الطفلة:
"بكل تأكيد إذ
كان هذا الأمر
لا يضايق أمي،
فإني اشتاق
جداً للمكوث
هنا وسوف أظل
معكن طوال
حياتي". أضافت
الأم
الرئيسة:"
أيهما تحبين
أكثر راهبات
الدير أم
الشخص الذي
اختاروه لك
زوجا؟" أجابت
الطفلة: "هذا
الشخص لا
أعرفه ولا هو
يعرفني أما أنتن
فأني أعرفكن
جيداً
وأحبكن." ثم سألتها
الطفلة:"
وانتن
أتحبونني أنا
أكثر من خطيبي؟"
أجابت الأم
الرئيسة: "نحن
نحبك كثيرا ويحبك
أيضا عريسنا
الذي هو ربنا
يسوع المسيح". فقالت
الطفلة: "وأنا
أيضاًَ أحبكن
وأحب عريسكن
ربنا يسوع
المسيح".
كان
الفرح المقدس
يسود هذا
الموقف وفرحت
الأم لكون
ابنتها أخذت بركة
الحديث مع
الأم رئيسة
الدير وفي نفس
الوقت سالت
دموعها
تأثراً لسماع
إجابات
ابنتها. ولكن
الأمر كان
جاداً فعندما
حان وقت
انصراف الطفلة
مع أمها من
الدير صارحت
الطفلة إبراكسيا
والدتها
بأنها تود
البقاء في
الدير. ثم سألت
أمها:" أين هو
المسيح؟"
فأحضرت لها
رئيسة الدير
صليبا وقالت
لها" ها هو
المسيح." أخذت الطفلة
الصليب
واحتضنته
وقبلته ثم
اتجهت نحو
الأم رئيسة
الدير قائلة
لها: "وأنا
أيضا أريد أن
أكون مثلكن
وأكرس حياتي
للمسيح، فسوف
لا أعود مع
والدتي".
فقالت لها
الأم الرئيسة:
"ليس لدينا
مكان لتنامي
فيه يا ابنتي
وبالتالي
سيكون من
المستحيل
أقامتك معنا".
أجابت الطفلة:
"سأنام في
المكان الذي
تنامين فيه
وسأفعل كل شئ
مثلك". وأصرت
الطفلة علي
رغبتها وكان
من الصعب
إقناعها
بالعودة مع
والدتها.
كان
إصرار الطفلة
يبدو في نظر
الجميع كأنه
نزوة طفل أكثر
من كونه دعوة
واعتقد الجميع
بأنها يمكن أن
تعدل عن رأيها
بعد أن تقضي
ليلة في الدير
وأنها في
اليوم التالي
ستفضل الرحيل.
وعلي هذا
الأمل وافقت
الأم. ولكن في
اليوم التالي
كانت
المفاجأة
للجميع. فعلي
عكس توقعهن،
لم تغير
الطفلة رأيها
رغم ما قدمته
لها أمها من
اغراءات
ووعود. فبدأت
الأم الرئيسة
تضع أمام
الطفلة بعض
الصعاب فقالت
لها: "إن كنت
تودين البقاء
في الدير
فعليك حفظ المزامير
عن ظهر قلب،
والصوم مثل
بقية
الراهبات ولكن
لصغر سنك فلن
تستطيعين
ذلك".فقالت
إبراكسيا:
"إني أعدك
بأنني سأحفظ
المزامير
وسأصوم مثل
بقية
الراهبات،
فاسمحي لي إذا
بالبقاء في
الدير ولا
تصرفينى من
هنا."
وأمام
إصرار
إبراكسيا،
وافقت الأم
الرئيسة، إذ
شعرت بدعوة
الرب لهذه
الابنة. ورأت
أن الله قد
خصها بشيء غير
عادي يفوق
الطبيعة.
فقالت
لوالدتها: "يا
سيدتي اتركي
ابنتك معنا في
الدير لأن
نعمة الله هي
التي تعمل
فيها. فصلواتك
وصلوات زوجك
الراحل قد
هيأت لها
الطريق للحياة
الأبدية."
أما
أوفرازي التى
كانت فضيلتها
تسمو فوق عاطفة
حنانها فقد
أخذت ابنتها
إبراكسيا من
يدها ووقفتا
أمام أيقونة
ربنا يسوع
المسيح ورفعتا
أياديهما نحو
السماء وقالت
الأم بصوت عال
وهي تبكي:
"ياربي يسوع
المسيح استلم
هذه الطفلة،
ولتكن في ظل
حمايتك حيث
أنها لا تريد
سواك وترغب في
تكريس حياتها
بالكامل
لخدمتك". ثم
التفتت نحو
ابنتها وقالت:
"الله الذي
ثبت الجبال
بقوته فلا
تتزعزع، يثبتك
في مخافته
المقدسة. خافي
الله. اكرمي
أخوتك. واخضعي
لهن بكل تواضع
ولا تقولي في
فكرك إنك من
جنس المملكة
ومن واجبهن
الخضوع لك.
فتمسكنى علي
الأرض كي
تستغني في
السموات". ثم
سلمتها إلى
الأم الرئيسة.
وبالرغم من
تسليم الأمر
لإرادة الله
وخضوع الجميع
لمشيئته إلا
أن العواطف
والمشاعر
الإنسانية
الطبيعية تتغلب
في مثل هذه
المواقف. فلقد
تأثرت الأم
الرئيسة
وجميع
الراهبات
وبكين.
وبعد عدة
أيام أحضرت
الأم الرئيسة
الصغيرة إبراكسيا
إلى الكنيسة
حيث تم
رسامتها
راهبة وارتدت
الزي
الرهباني
وقرأت عليها
الصلاة التالية:
"يا ملك
الدهور كمل
عمل تقديسك
الذي بدأته مع
هذه الطفلة،
امنحها
النعمة لتتبع
إرادتك الإلهية
وليكن
اتكالها
عليها
ورجاؤها وثقتها
فيك".
وعندما
رأتها
والدتها في
ملابسها
الرهبانية
الداكنة
سألتها عما
إذا كان هذا
الزي يعجبها،
فقالت لها
إنها تحبه
جداً لأنه
عربون ومهر يسوع
المسيح
لعرائسه.
فقالت لها
الأم: "إني أتمني
يا ابنتي أن
العريس السماوي
الذي نذرت له
نفسك يجعلك
مستحقة
لقبلاته
المقدسة". ثم
قبلتها
واستأذنت
الأم الرئيسة
وانصرفت وهي
متفكرة في
طريق الكمال
الذي دبره
الله لابنتها.
استمرت
أوفرازي ليس
فقط في أعمال
الرحمة الكثيرة
التي كانت
تقوم بها ولكن
أيضا في
الجهاد في
تداريب التوبة
لتتمثل
بالطريق الذي
تسلكه ابنتها.
فعزفت تماما
عن تناول
اللحوم أو
الأسماك
وكانت تصوم كل
يوم حتى
الغروب،
مكتفية
بالقليل من
الخضراوات أو
بعض الأعشاب.
وبالرغم من
أنها كانت تحيا
فيما مضي في
حياة التقوى
إلا أنها نمت
روحياً أكثر
منذ التحاق
ابنتها
بالدير. وقد
وصل صيتها إلى
مسامع
الإمبراطور
ومجلس الشيوخ في
القسطنطينية،
فازداد تقدير
ومحبة الجميع
لها.
عاشت هذه
الأم التقية
بعد ذلك عدة
سنوات، وقد كشف
الله في حلم
لرئيسة الدير
بقرب نياحة
أوفرازي إذ
أراها الله
زوجها
أنتيجونوس في
مجد عظيم وهو
يصلي لربنا
يسوع المسيح
مخلصنا لكي
تأتي زوجته
لتشترك معه في
السعادة والمجد
الذي يتنعم
فيه. وعندما
أتت الأم
لزيارة ابنتها،
أعلمتها
رئيسة الدير
بخبر هذه
الرؤيا، فلم
يحزن قلب هذه
الطوباوية
عند سماع هذه
الخبر بل فرحت
وتهلل قلبها
إذ كانت الأرض
بالنسبة لها
موضع غربة
وكانت تعتبر
السماء موطنها.
فبمجرد أن
علمت من الأم
الرئيسة أنها
ستتنيح عن
قريب، ازداد
فرحها
واشتياقها
للسماء للتمتع
بربنا يسوع
المسيح في
الأبدية. ثم
طلبت رؤية
ابنتها للمرة
الأخيرة
وقالت لها: "يا
ابنتي
إبراكسيا إني
أعلمك أن
المسيح دعاني
له، لقد
اقتربت
أيامي،
فاهتمي
بتوزيع بقية
ممتلكاتي
التي تركتها
لك علي
الفقراء
والمحتاجين
ليكون لك
ميراث في
السماء". أما
ابنتها ففي اللحظات
الأولي
لسماعها هذا
الخبر، لم
تظهر نفس فرح
وهدوء الأم،
بل انساقت في
البداية لمشاعرها
وعواطفها
الطبيعية.
فصاحت باكية
ساكبة الغزير
من الدموع
لأنها ستصير
يتيمة، أما والدتها
التقية فقد
عزتها قائلة
لها: "ياابنتي لا
تخشى شيئا خذي
لك ربنا يسوع
المسيح أباً
وأخاً
وعريساً،
والأم
الرئيسة
ستكون لك أماً
عوضاً عني". ثم
قدمت لها
نصائحها
الأخيرة قائلة:
"اهتمي يا
ابنتي بأن
تتممي كل ما
وعدت به الله،
عيشي في
مخافته، أحبي
أخوتك،
اخدميهم
باتضاع ولا
تطلبي منهن
خدمتك ظنا في
نفسك أنك من
سلالة
الأباطرة،
كوني فقيرة
علي الأرض ليكون
لك نصيب في
خيرات السماء.
وها أنت لك
حرية التصرف.
في كل
الممتلكات
التي تركتها
لك. أعط منها
للدير
واذكريني أنا
ووالدك في
صلواتك لكي ما
نجد رحمة أمام
الله".
وبعد ذلك
بثلاثة أيام،
تنيحت الأم
بسلام. فقامت
الأم الرئيسة
وبقية
الراهبات
بدفنها في الدير
بإكرام جزيل.
وعندما علم
الإمبراطور
بنياحتها،
أخبر ابن عضو
مجلس الشيوخ
التي كانت الطفلة
قد خطبت له
بأن إبراكسيا
قد قطعت كل
ارتباط لها
بالعالم. ولكن
بناء علي
إلحاح الأمير،
كتب لها
الإمبراطور
ليدعوها
للمجيء إلى القسطنطينية
ليكملا حفل
عرسهما.
استلمت
إبراكسيا
رسالة
الإمبراطور،
ولكنها لم
تتزعزع عن
عزمها
وثباتها في
دعوتها فأجابت
علي الرسالة
قائلة: "أتريد
يا جلالة
الإمبراطور
أن عبدتك تترك
ربنا يسوع
المسيح من أجل
إنسان يفني،
إنسان موجود
اليوم وفي
الغد ليس بموجود
وسيصبح ذات
يوم طعاما
للدود؟ الله
يحفظ عبدتك من
هذه الخطيئة
العظيمة،
أرجو أن تقنع
هذا الرجل
بألا يزعجك
ويلح عليك في
هذا الشأن مرة
أخري. وأطلب
منك أيضا أن
تذكر والدي
فأنا أعلم مدي
محبتك
وتقديرك له.
فلقد كنت تحب دائما
أن يكون
بجوارك،
فباسمه ومن
أجل محبة والدتي
أيضا أوصيك أن
تستخدم
أموالهما في
أعمال البر
وأن تعتق
العبيد وتوزع
الممتلكات التي
تركاها لي علي
الفقراء
والأيتام
والكنائس حتى
إذا ما صرت
بلا هم تجاه
الممتلكات
الأرضية
أستطيع أن
أكون لربي
يسوع المسيح
أمينة لإلهي
وأطلب أيضا
هذه البركة من
زوجتك
الإمبراطورة".
ثم وقعت علي
الرسالة
وأعطتها
للرسول الذي
جاء من قبل
الإمبراطور.
قرأ
الإمبراطور
الرسالة مع
زوجته فبكيا
من شدة
تأثرهما. وفي
اليوم التالي
قرأها علي
أعضاء مجلس
الشيوخ. فأعجب
الجميع بجهاد
القديسة التى
لم تكن قد
تجاوزت وقتئذ
الثانية عشر
من عمرها، فصفقوا
لما لمسوه
فيها من فضيلة
وشجاعة وتقوى تفوق
عمرها كثيرا.
ولم يجرؤ أحد
أن يذكرها بموضوع
زواجها، كما
اهتم
الإمبراطور
بتوزيع ممتلكاتها
الموجودة في
القسطنطينية
وضواحيها،
الأمر الذي
ساعدها علي
عدم الانشغال
بأمور زائلة
مع الاهتمام
الدائم
بتقديس نفسها
ليكون قلبها
ملتهبا دائما
بحب الله.
منذ ذلك
الوقت بدأت
إبراكسيا
تدخل في معارك
كبيرة ضد عدو
الخير وضد
ذاتها مما
جعلها تزيد من
أصوامها
ونسكها. ففي
البداية كانت
لا تأكل سوي
مرة واحدة في
اليوم ثم بعد
ذلك كانت لا
تأكل سوى مرة
كل يومين أو
ثلاثة، ثم مرة
واحدة في
الأسبوع.
كانت
إبراكسيا
ترهق نفسها في
الأعمال
الحقيرة في
الدير. وتخدم
كل أخواتها في
اتضاع، ولا
تهتم بأن تنعم
جسدها، ولا
تفكر في
اختيار
الأعمال التي
تتناسب مع
قواها الجسمانية
بل تسرع دائما
للمشاركة في
كل أعمال
الدير بكل
نشاط. لذا هاج
عدو الخير
كعادته في
حربه لمثل هذه
النفوس.
بدأ
أولاً في
محاربتها
بالفكر،
ولكنه لم ينجح
في ذلك.. فتابع
حربه لها
مستخدما
الخيالات، فتسلحت
إبراكسيا ضده
بالاتضاع
والطاعة كما كانت
تكشف فكرها
للأم الرئيسة
التي كانت تقدم
لها النصائح
والرشاد
المناسب.
كانت هذه
الطوباوية
تضطرب
وتستغرب في
البداية من
هجمات العدو،
إذ لم تختبر
من قبل مثل هذه
الحروب.
فاسترشدت
كثيرا براهبة
أخت لها تدعي
يوليطة كانت
بمثابة
معلمتها..
وكانت تنتصر دائما
بمعونة الله
علي هجمات عدو
الخير مهما كانت
شدة حربة.. إذ
كانت دائما
يقظة، شجاعة،
مستعدة للمعركة،
لا تيأس أبداً
ولا يفارقها
سلامها، مما
كان يزيدها
ثباتا أكثر من
الفضائل وفي
مكانتها
واستحقاقها
في نظر الله.
ومع هذه
الحروب
الروحية كانت
تتمسك
باتضاعها
وأماته ذاتها
ومحبتها
الملتهبة لله
ولحياة النقاوة
وكراهيتها
وفزعها من
أفكار عدو
الخبير الخبيثة.
كانت
الأم الرئيسة
تجعل ابنتها
إبراكسيا بجوارها
باستمرار
لتلاحظها
وتوجهها..
فكانت تجد
فيها طاعة
وخضوعاً
واستعداداً
دائما لتنفيذ
أي طلب.. أما
هذه الأم
المستنيرة
فكانت تصلي من
أجلها قائلة "
يا الله الذي
خلقتها
كصورتك
وجعلتها تلبس
هذا الإسكيم
ثبتها في
مخافتك. وكانت
توصيها
قائلة:" أثبتي
يا ابنتي في
القتال
بشجاعة وبنفس
غير متزعزعة،
فإن عدو الخير
بقوة إلهنا
القدوس لا يقوى
عليك وسوف
يجربك دفعات
كثيرة..
فجاهدي لتغلبي
لكي تنالي
إكليل
الغلبة..
وزيدي في نسكك
قدر استطاعتك.
فكل من يجاهد
أكثر ينال
خيرات أكثر."
كانت
الأم الرئيسة
تطلب أيضا من
بقية الراهبات
أن يصلين من
أجل إبراكسيا
لتمنحها
السماء القوة
اللازمة
لتغلب حرب
العدو
العنيفة التي
يلاحقها بها..
كما كانت
تقودها
بالتدريج من تدريب
إلى آخر ومن
فضيلة إلى
أخري. وفي كل
ذلك كانت
إبراكسيا
تطيع نصائح
أمها الروحية
طاعة عمياء.
ولا تعرف
المستحيل لأن
الطاعة كانت
تسهل لها كل
الصعاب.
ذات يوم
أرادت الأم
الرئيسة أن
تختبر طاعة ابنتها
إبراكسيا،
فأمرت أن تنقل
من مكان إلى
آخر كومة من
الحجارة
بالكاد تتمكن
راهبتان معا
علي تحريك
حجرة منها..
فلم تفكر
إبراكسيا بأن
ثقل هذه
الحجارة يفوق
قوتها
وأصومها التي
لا تجعلها
تحتمل مثل هذا
العمل
المضني.. لم
تفكر سوي في
طاعة أمر أمها
دون أن تطلب
مساعدة أحد من
الراهبات ..
وقامت بشجاعة
بإتمام ما طلب
منها.. وبعد
عدة أيام طلبت
منها الأم
الرئيسة
إعادة
الحجارة إلى
مكانها الأول،
فنفذت ذلك بكل
نشاط وطاعة
مثل المرة
الأولي. ثم
طلبت منها أن
تكرر هذا
العمل مدة شهر
كامل، فنفذت
إبراكسيا
الطلب بنفس
النشاط والطاعة
والفرح التي
كانت عليه في
المرة الأولي.
أثار
خضوعها
وطاعتها
إعجاب ودهشة الراهبات
اللواتي كن
شاهدات عيان
لها أثناء قيامها
بهذا العمل،
فكانت مثالا
للطاعة العمياء.
وبالتأكيد قد
منحها الله
قوة غير عادية
للقيام بمثل
هذا العمل
الذي يفوق
وبعد
ثلاثين يوما
أثناء قيامها
بنفس العمل(نقل
الحجارة) دون
أدني تذمر أو
ملل، أمرتها
الأم الرئيسة
بأن تترك
العمل وتذهب
لتعجن وتخبز
الخبز للمجمع
ليقدم
لأخوتها فى
مساء نفس
اليوم،
فأطاعت أيضا
رغم أن هذا
العمل يتطلب
منها مضاعفة
جهدها
وسرعتها،
وكانت إبراكسيا
تقوم بعملها
في صبر وهي
تتلو المزامير
بفرح.
ولم يمل
عدو الخير من
مضايقتها
بمحاربات
جديدة
ونستطيع أن
نتصور
المتاعب التي
كانت تتحملها
بإرادتها
لتنتصر علي
حيله. كان من
عادة الدير إذ
حارب عدو
الخير إحدى
الراهبات
بالنوم ولم
تحضر الصلاة
أن تعترف بذلك
للأم الرئيسة.
فكانت
إبراكسيا
تصلي كثيرا إلى
الله حتى
تسندها
النعمة
العلوية فلا
تغلبها هذه
الحروب. وكانت
تضع حجارة تحت
الحصيرة التى
ترقد عليها
وتتغطى بمسوح
خشن حتى لا
تثقل بالنوم.
ذات ليلة ظهر
لها عدو الخير
في شكل إنسان
علماني
ولكنها في
الحال هبت
واقفة وتسلحت
بعلامة
الصليب،
فتبخر في
الحال من
أمامها وظلت
واقفة طوال
أربعين يوما
متتالية رافعة
يديها في صلاة
حارة حتى زالت
عنها حرب عدو
الخير.
كانت
إبراكسيا
تجبر نفسها
علي القيام
بالكثير من
الأشغال
الشاقة بكل
نشاط وجدية.
فكان عملها
اليومي يشمل؛
القراءة
لأخوتها وهي
واقفة لمدة
ساعات طويلة،
إعداد الطعام وتجهيز
المائدة،
تنظيف الدير،
قطع الخشب
وإحضاره إلى
المطبخ، وعجن
وتسوية
الخبز، وكان
نشاطها
الدائم يلفت
نظر أخوتها
الراهبات
خاصة أنها
استمرت علي
هذا الحال
لمدة عام كامل
دون أدني راحة
باستثناء
ساعات قليلة
ليلاً.
وعلي الرغم من
كل هذه
الأشغال، كانت
إبراكسيا لا
تعتذر عن حضور
الصلوات الليلية
والنهارية بل
تواظب علي
الحضور في
الميعاد. وقد
لاحظ الجميع
النعمة
الكبيرة التي
كانت تشرق علي
وجهها، مما
جعلها تبدو
عظيمة حتى في
اتضاعها. لأن
الله كان
يسندها بوضوح
في أتعابها
المستمرة،
فبدلا من أن
يظهر عليها
سمات الإرهاق
والإجهاد،
كانت صحتها
تكتسب قوة أكثر.
وعندما أراد
الله أن يظهر
وداعتها وصبرها
لتكون قدوة
للآخرين، سمح
أن تثور عليها
راهبة أخرى
وتنعتها
بالكبرياء
والغرور وأنها
تتفاخر
بالصوم لعدة
أيام لتكون
سببا في يأس
أخوتها
اللواتي لا
يستطعن الصوم
مثلها وأنها
تلجأ لهذه
الحيلة
الخادعة
ليكون لها مركزا
في الدير بعد
نياحة الأم
الرئيسة. أما
إبراكسيا فقد
أوضحت لها في
هدوء ودعة
أنها تصوم
بإرشاد أمها
الروحية ولا
تسلك من
ذاتها. ثم صنعت
لها ميطانية
وقالت لها في
أتضاع شديد: "سامحيني
يا أختي وصلي
من أجلي أنا
الخاطئة لأني
أخطأت إلى
الله وإليك".
وعندما علمت
الأم الرئيسة
بما حدث،
أحضرت هذه الراهبة
ووبختها بشدة
علي سلوكها
وفرضت عليها قانون
توبة
وأبعدتها عن
شركة أخواتها.
أما إبراكسيا
ذات القلب
الرقيق والتي
كانت تتأثر لمتاعب
أخواتها، فقد
ظلت لمدة
ثلاثين يوما
تترجي الأم
الرئيسة
لتصفح عن
أختها
وتسامحها وتعيدها
إلى حياة
الشركة مع
بقية
الراهبات.
ولما لم تأت
توسلاتها
بنتيجة، ترجت
معلمتها الراهبة
يوليطه
لتساعدها في
إقناع الأم
الرئيسة بالإعفاء
عن أختها وذلك
باصطحاب
الأمهات القدامى
في الدير
ليترجوها،
لأنها لا
تحتمل أن تظل
أخت لها تحت
العقوبة طوال
هذه الفترة.
وبناء علي
توسلات
المجمع للأم
الرئيسة.
استجابت لطلب
إبراكسيا
واستدعت هذه
الراهبة. وبعد
تأنيبها من
جديد علي ما
صدر منها مرة
ثانية، سمحت
لها الأم
بالرجوع إلى
حياة المجمع.
ولكن تجارب
العدو
لإبراكسيا لم
تنته، فلا
تكاد تعبر
تجربة حتى
يلاحقها
بغيرها. فعندما
نظر إلى صبرها
لم يشأ أن
يجربها مرة
أخرى بل أراد
أن يهلكها
بسرعة. في ذات
يوم اقترب
منها الشيطان
فجأة وهى تملأ
الجرة من ماء
البئر وأوقعها
داخله ولكنها
صرخت في الحال
قائلة: "ياربي
يسوع المسيح
أسرع إلى
معونتي
وأنقذني".
حضرت نحوها
أخواتها مع
الرئيسة وأخرجوها
من البئر
وللحال رشمت
نفسها بالصليب
قائلة: "حي هو
المسيح إنك لا
تغلبني أيها
الشيطان يا
عدو كل بر،
فإلى الآن
أملأ جرة ماء
واحدة للطبيخ
ومن اليوم
سأملأ جرتين.
فلما رأى الشيطان
أنه لا يقوى
عليها، تركها
إلى حين. وذات
يوم بينما
كانت تقوم
بقطع قليل من
الأخشاب، قيد
الشيطان
يديها فأفلت
منها السلاح
وأصاب رجلها
بجرح غائر.
فلما نظرت إلى
عمق الجرح
وكثرة الدماء
النازفة منه،
انزعجت وللحال
انطرحت علي
الأرض. فلما
رأتها
الراهبة يوليطة
من علي بعد،
أسرعت وأخبرت
الأم الرئيسة وأخواتها.
فحضر الجميع
بسرعة نحوها
ثم رشت الأم
الرئيسة علي
وجهها ماء
وصلت عليها
باسم الأب
والابن
والروح القدس
الإله الواحد
واحتضنتها
قائلة: "يا
ابنتي
إبراكسيا
لماذا صغرت نفسك؟!"
وللحال قامت
إبراكسيا
واطمأن عليها
الجميع. ثم
رشمت الأم
الرئيسة
صليبا علي
جبهتها قائلة:
"يا سيدي يسوع
المسيح، خلص
عبدتك إبراكسيا
فقد نالت تعبا
كثيراً من
أجلك". وأمسكت
بيدها لتعود
إلى الدير،
أما هي فلما
أبصرت الحطب
مطروحاً علي
الأرض قالت
لأخواتها: "حي
هو اسم الرب
إلهي إنني لا
أمضى من هاهنا
حتى أجمع مقداراً
آخر من الحطب".
فقالت لها
الراهبة يوليطة:
"لا يا أختي
إنك لا تقوي
علي حمله،
اتركيه فسوف
نقوم بجمعه
واستريحي
أنت". أما هي
فلم ترض
بالراحة بل
جمعت مقداراً
منه وحملته
وصعدت معهن.
أما الشيطان،
إذ عوق
ذراعيها فعثرت
بذيل ملابسها
وسقطت علي
وجهها فوق
الحطب الذي
كانت تحمله،
فإنغرس عود في
عينها، فصرخت
الأم يوليطة
قائلة: "قد قلت
لك يا أختي لا
تحملي حطباً".
فأجابتها
إبراكسيا: "لا
تخافي يا أختي
بل انزعي
العود من عيني
برفق، فإني
بنعمة وقدرة
إلهي سأكون
سالمة".
فأخرجت العود
من عينها وكان
الدم يسيل
بغزارة. فأخذت
الأم الرئيسة
زيتا ودهنتها
به فبرأت
عينها في الحال.
وأصرت
إبراكسيا علي
أن تكمل
خدمتها قائلة:
"إنني ما
أستريح حتى
أنال بركة
خدمة أخواتي
وأمهاتي
الراهبات".
ولما نظر
الشيطان
صبرها،
تعقبها ذات
يوم بينما
كانت صاعدة
إلى الدور
الثالث من أجل
خدمة أخواتها،
فاختطفها
وطرحها إلى
أسفل من الطابق
الثالث فصرخت
الراهبة
يوليطة في
انزعاج عليها
وأخبرت الأم
الرئيسة.
فأسرع جميع
الراهبات
نحوها
ووجدوها مطروحة
علي الأرض.
ولم يكدن يصلن
إليها حتى
قامت
إبراكسيا من
مكانها ونهضت
للقائهن،
فرافقوها إلى
حيث كانت الأم
الرئيسة التى
مجدت الله عند
رؤيتها لها
سالمة. وفي كل
هذه الحوادث،
والتي كان
يكفى واحدة
منها أن تطيح
بحياتها، كانت
حماية الله
لها واضحة فلم
يصبها أي آذى.
كانت
إبراكسيا لا
تضعف أبداً
أمام هجمات
عدو الخير بل
كانت تتابع
بكل همة ونشاط
جهادها الروحي
ولا تعبأ بحيل
عدوها الماكر
واضعة كل ثقتها
في الله. لم
يكف عدو الخير
عن محاربته
لها وأراد ذات
يوم أن ينهي
حياتها.
فبينما كانت
إبراكسيا
تحمل قدر
الطبيخ وبه
سليقاً مغلياً،
عثرت قدميها
فوقعت وانسكب
ما بداخل القدر
علي وجهها
فصرخت أختها
يوليطة عند
رؤيتها لهذا
المنظر قائلة:
"لقد فارقت
إبراكسيا الحياة".
فأسرعن جميعا
نحوها، أما هي
فقامت للحال
من مكانها
قائلة: "لا
تنزعجن ولا
تضطربن، فلم
يصيبني شئ، حي
هو المسيح ربي
أن هذا الماء المغلي
صار مثل الماء
البارد علي
وجهي". فتفرست
فيها الأم
الرئيسة
جيداً لتطمئن
عليها، ومجدت
الله قائلة
لها: "الرب
يحرسك يا
ابنتي ويقاتل
عنك دائما
ويثبتك في
مخافته". ثم
توجهت الأم
الرئيسة إلى
موضع الصلاة
وأخبرت الأمهات
المتقدمات في
السن وقالت
لهن: "إن
إبراكسيا قد
نمت في النعمة
كثيراً وهذا
أغاظ عدو الخير
الذى طرحها من
أعلى ولم
تنكسر ولم
تحترق من
السليق
المغلي". فقلن
لها: "لولا أن
إبراكسيا ابنة
حقه لله وهو
المهتم بها،
ما كانت تنجو
من إحدى هذه
التجارب".
فهذه
الاختبارات المتعددة
وما صاحبها من
حماية الله
لابنته، زاد
من تقدير
ومحبة
أخواتها
وأمها لها.
ذات يوم
أحضرت إحدى
السيدات
طفلها ـ
البالغ من
العمر ثمان
سنوات وكان
يعاني من
الشلل وعدم القدرة
علي الكلام
والسمع ـ إلى
الدير. وكانت تصلي
إلى الله
بدموع غزيرة
لكي يمنحه
الشفاء، ولما
أعلمت الأم
البوابة
رئيسة الدير
بخبر هذا
الطفل،
فبإرشاد من
الله استدعت
ابنتها إبراكسيا
وأمرتها بأن
تحضر إليها
الطفل الموجود
علي بوابة
الدير ولم
تعلمها
بحالته. وبمجرد
أن رأت
إبراكسيا
الطفل في هذه
الحالة من البؤس،
أشففت عليه
ورشمت علامة
الصليب قائلة
له: "الله الذى
خلقك قادر أن
يشفيك". ثم
حملته بين ذراعيها
لتوصله إلى
الأم الرئيسة
ولكنها لم تكد
تحمله حتى قفز
الطفل من بين
يديها مسرعاً جاريا
نحو أمه معافا
وسليما تماما.
وعندما علمت
الأم الرئيسة
بالمعجزة
التى أجراها
الله علي يد
إبراكسيا،
خصصتها لخدمة سيدة
تعذب من روح
نجس كانت تقيم
بالدير لتشفي وكانت
جميع
الراهبات
يصلين منذ
فترة من أجلها،
ولكن الشيطان
كان يتعب
ويعذب هذه
السيدة بشدة
ويجعلها في
حالة هياج
شديد، الأمر
الذي استلزم
ضرورة ربطها
بسلاسل قوية
ولم يكن أحد يجرؤ
علي الاقتراب
منها. وعندما
جاءت إبراكسيا
لتقدم لها
الطعام، هاج
الروح الشرير
جداً، وبدأ
يصر علي
أسنانه
محاولاً أن
يرتمي عليها،
فلم تنزعج
القديسة
ولكنها هددته
بضربة بالعصا
التى
تستخدمها
أمها الرئيسة
مظهرة بذلك
طاعتها
وثقتها
وتقديرها
لأمها، ففي
الحال هدأت
السيدة وأخذت
الطعام من يد
إبراكسيا التى
استمرت في
خدمتها دون أن
تهاب شيئا أو
تخشى منها.
ولم يجرؤ أحد
أن يقوم بمثل
خدمتها.
وهنا تأكدت
الأم الرئيسة
بأن الله قد
منح ابنته
موهبة إخراج
الشياطين.
فقالت لها
إنها إرادة
الله، فعليها
أن تخرج هذا
الروح النجس،
فألقت
إبراكسيا
بنفسها علي
الأرض وصاحت
بأنها عاجزة
قائلة: "يا
لشقاوتي! من
أنا حتى أخرج
هذا الشيطان
الذي قوى علي
صلوات جميع
الراهبات ولم
يخرج". ولأجل
الطاعة لكلام
أمها، قامت
إبراكسيا بعد
ما صلت أم
المذبح
واتجهت نحو
السيدة لتجبر
الروح النجس
علي الخروج
منها وقد
تبعها كل
الراهبات من
بعيد بدافع
رؤية ماذا
سيحدث.. في
البداية حاول
الروح الشرير أن
يتظاهر ببعض
المقاومة،
فبدأ يسبها
علي لسان
السيدة بكل
أنواع
الشتائم،
وكلما اتضعت أمامه،
كلما حاول أن
يذلها أكثر.
وعندما رأت القديسة
عناده في عدم
الخروج، لجأت
إلى الله رافعة
قلبها
بالتضرع إليه
بكل ما تملك
من قدرة. وفي
هذه اللحظة
خرج الروح
النجس صارخاً
بصوت مفزع
ومحدثاٍ ضجة
رهيبة.
وفي الحال
قامت
إبراكسيا
وأخذت السيدة
التي ألزمها
عدو الخير أن
تحيا دون أدني
نظافة. فاهتمت
بتنظيفها
وتغيير
ملابسها ثم أوصلتها
إلى الأم
الرئيسة التي
أخذتها إلى المذبح
لتقدم الشكر
إلى الله مع
جميع
الراهبات.
منذ ذلك الحين
زاد اتضاع
إبراكسيا أكثر
من ذي قبل.
فكانت تقضى
الليل كله في
الصلاة ولم
تقلل من
الأشغال
الشاقة التي
كانت تقوم بها
لخدمة
أخواتها. إلا
أنها لم تحيا
طويلا بعد ذلك
فقد أكملت
جهادها بسرعة
بعد أن بلغت درجة
عالية في حياة
الفضيلة
والكمال
الرهباني.
أعلم الله
الأم الرئيسة
بميعاد انتقال
ابنتها إذ رأت
في حلم السيدة
العذراء تدخل
إبراكسيا إلى
المجد وأن ذلك
سيتم في خلال
عشرة أيام.
حزنت الأم
الرئيسة جدا
علي الخسارة التى
ستلحق بها
ورغم أنها ظلت
تحتفظ في
قلبها بسر الرؤيا
وحاولت إخفاء
ألمها أن جميع
الراهبات
لاحظن الحزن
بوضوح علي
وجهها.
فأعلمتهن بالرؤيا
في الليلة
التي ستنتقل
فيها هذه
الابنة المباركة،
فحزن جميع
الراهبات
لهذا الخبر.
أما إبراكسيا
فقد سجدت في
اتضاع عند
أقدام أمها
وتوسلت إليها
بدموع لتطلب
إلى الله من
أجلها لكي
يمنحها عاما
آخر لتبكي فيه
علي خطاياها
لأنها في حاجة
لأن تتوب.
فطمأنتها الأم
الرئيسة
وشجعنها
وأمرت
أخواتها أن
يذهبن بها إلى
الكنيسة لأن
ساعتها قد
اقتربت.
حينئذ
اعترتها حمي
شديدة، وظل
جميع
الراهبات
بجوارها حتى
المساء حين
جاءت ساعة المائدة.
فقمن جميعا.
وكانت الأم
يوليطة بجوارها
تترجاها أن
تطلب بعد
نياحتها من
أجلها حتى ترحل
بعدها لكي
يكونا معاً في
السماء كما
عاشتا سويا
علي الأرض.
وفي صباح
اليوم التالي
استدعت الأم
الرئيسة
الراهبات
ليودعن أختهن
الوداع الأخير،
فبكين جميعا
ووقفن يصلين
حتى لفظت
أنفاسها
الأخيرة. فقد
أكملت جهادها
سريعاً وبلغت
إلى مقدار عال
من القداسة
ونالت إكليل
المجد وهى في
الثلاثين من
عمرها.
ولشدة محبة
الراهبة
يوليطة لها، تأثرت
كثيرا
لفراقها،
فظلت بجوار
مقبرتها ثلاثة
أيام تصلى إلى
الله بدموع.
وفي اليوم الرابع
جاءت إلى الأم
الرئيسة
لتعلمها أن
إبراكسيا
ظهرت لها
وأخبرتها
بأنها بلغت
طلبتها إلى
الله وأنها
ستحلق بها في
المجد. وفعلا
تنيحت الأم
يوليطة في
اليوم
التالي، بعد
أن ودعت جميع
الراهبات
ودفنت في نفس
مقبرة
القديسة إبراكسيا.
ولم يمر سوى
ثلاثين يوما
حتى حصلت الأم
الرئيسة
بصلوات
ابنتها إبراكسيا
علي نفس
البركة،
فأعلمت
الراهبات
بذلك حتى
يخترن لهن
رئيسة أخرى
للدير. ومن
أجل أن تهدئ
من روعهن
وحزنهن، روت
لهن عن كل ما
أعلمه الله
لها عن المجد
الذى تتمتع به
ابنتها إبراكسيا
ويوليطة فى
السماء،
فطلبن منها أن
تسأل الله
أيضا من أجلهن
حتى يشتركن
جميعا في هذا المجد
السمائى.فاخترن
راهبة تدعى
ثيؤجنيا
وعندما
قدموها إلى
الأم
الرئيسية
قالت لها: "ها
هن الأخوات قد
اخترنك
لتقوديهن حسب
وصايا الله
وقوانين
الدير،
فاسلكي باسم
الثالوث الأقدس
ولا تبحثي عن
غني أو خيرات
العالم ولا تدعى
إحداهن تنشغل
بالاهتمامات
الأرضية بل بالحري
اجعليها
تزدرى
بالخيرات
الزمنية الفانية
لتستحق
الخيرات
الأبدية" ثم
قالت للراهبات:
"وانتن يا
بناتي
الأعزاء
تذكرن علي
الدوام كيف
سلكت
إبراكسيا
بينكن
واجتهدن أن
تسرن علي
دربها
وتتمثلن بها
إن أردتن
الاشتراك معها
في المجد".
بعد ذلك
اعتزلت الأم
الرئيسة بمفردها
في الكنيسة
حيث انطلقت
روحها بسلام
ووجدها
بناتها في
اليوم التالي
ترقد رقاد
القديسين.
فقمن
بالتكريم
اللائق نحوها
ثم دفنت مع ابنيتها
إبراكسيا
ويوليطة في
نفس المقبرة.
تحتفل
الكنيسة
القبطية بعيد
نياحة القديسة
إبراكسيا في 26
برمهات
الموافق
اليوم الرابع
من شهر إبريل.
وتحتفل به
الكنيسة
اليونانية في
25 يوليه
والكنيسة
الرومانية في
13 مارس.
بركة
صلواتها تكون
معنا. امين.