26برمهات: نياحة البابا بطرس السادس البطريرك المائة والرابع 

وفي مثل هذا اليوم تعيد الكنيسة تذكار نياحة البابا بطرس السادس البطريرك 104 في سنة 1442 ش (2 أبريل سنة 1726م) . وكان هذا الأب الطوباوي والملاك الروحاني ابنا لأبوين مسيحيين طاهرين من المدينة المحبة لله أسيوط. فربياه أحسن تربية، وثقفاه بالعلوم والآداب الكنسية حتى برع فيها. وكان اسمه مرجان، ولكنه اشتهر باسم بطرس الأسيوطى فيما بعد. وكانت نعمة الله حالة عليه من صغره، فلما بلغ أشده زهد العالم وكل مافية واشتاق إلى سيرة الرهبنة، فمضي إلى دير القديس العظيم أنطونيوس بالعربة فمكث فيه وترهب ولبس الزي الرهباني، وأجهد نفسه في العبادة. ولما نجح في الفضيلة والحياة النسكية والطهارة والتواضع اختاره الآباء الرهبان قسا. فأخذوه رغم إرادته وقاموا به إلى مصر ورسم قسا علي دير القديس العظيم أنبا بولا أول السواح، هو وكهنة آخرون من يد البابا يؤنس الطوخى البطريرك (103 ) في بيعة السيدة العذراء بحارة الروم. فزاد في الفضيلة وشاع ذكره بين الناس.

ولما تنيح البابا يؤنس المذكور، وخلا الكرسي بعده مدة شهرين وستة أيام، لبثوا يبحثون عمن يصلح لهذه الرتبة الجليلة فاختاروا بعض الكهنة والرهبان. وكتبوا أسماءهم في وريقات وضعوها علي المذبح وأقاموا القداس. وفي ثالث يوم وقعت القرعة علي هذا الأب بعد الطلبة والتضرع إلى الله أن يقيم لهم المختار من عنده، فتحققوا بذلك أنه مختار من الله. ورسم بطريركا علي الكرسي المرقسي في يوم الأحد 17 مسرى سنه 1434ش ( 21 أغسطس سنة 1718 م) في بيعة القديس مرقوريوس أبو سيفين بمصر القديمة، وكان فرح عظيم بإقامته. وحضر رسامته الشعب المسيحي وبعض من الإفرنج والروم والأرمن وطائفة من العسكر.

ثم بعد ذلك مضي إلى بلاد الوجه البحري، وافتقد الكنائس ووصل الإسكندرية لزيارة بيعة مار مرقس الإنجيلي لها في 11 برمودة سنة 1438ش واهتم هناك بإصلاحات معمارية داخل الكنيسة، وقبل الرأس المقدسة الطاهرة. ولما أراد الرجوع علم أن جماعة بالإسكندرية تكلموا علي الرأس المقدسة فأخفاها في الدير من ذلك الوقت. ثم قدم قنديلا من الفضة هدية وأسرجه علي قبر البشير، كما أحاطه بحجاب له طاقات تطل علي الداخل، ومضي إلى الوجهين البحري والقبلي وفرح به أهل كوره مصر.

وفي أيام هذا البابا حضر جماعة من الكهنة والشمامسة من قبل سلطان أثيوبيا، ومعهم هدايا فاخرة مع مرسوم من الملك،يطلب مطرانا فتشاور الأمر مع المعلم لطف الله أبو يوسف كبير الأراخنة في القاهرة، وباقي أراخنة الشعب علي أبينا المكرم خرستوذلو أسقف القدس الشريف فامسكوه ورسموه مطرانا، لأنه كان خبيرا كاملا ومعلما عالما وحبرا فاضلا، فمضوا به فرحين مسرورين. ودعي خرستوذلو الثالث وتولي هذه الأبرشية من سنه 1720م إلى 1742م ورسم الأنبا أثناسيوس أسقفا علي أورشليم. وقد شيدت في مدة رئاسته هذا البابا كنائس كثيرة وكرست بيده المباركة، ومن بينها كنيسة دير العدوية علي البحر جهة المعادى، التي جددها المعلم مرقورة الشهير بديك أبيض. وكنيسة الملاك ميخائيل القبلي جهة بابليون وكنيسة مارمينا العجايبي بفم الخليج بمصر. عمرها الثري الشهير والأرخن الكبير المعلم لطف الله يوسف من جيبه الخاص. وبسبب هذا التجديد غرمه الوزير أربعين كيسا من المال، دفعها له من ماله، كما قام هذا المحسن الكريم أثناء نظارته علي دير القديس أنطونيوس ببناء كنيسة أبائنا الرسل وكرسها مع كنيسة أنبا مرقس بالدير المذكور، لأنه كان مملوءا غيرة واهتماما بشئون أمته وكنيسته القبطية. وقام أيضا بتحمل مصاريف حفلة إقامة تنصيب البطريرك علي نفقته الخاصة.

وانقضت أيام هذا البابا في هدوء واطمئنان. وكان يعمل علي تنفيذ القوانين الكنسية، فأبطل الطلاق لأي سبب، ومضي لهذا الغرض إلى الوالي ابن ايواز وباحث علماء الإسلام فكتبوا له فتاوي وفرمانا من الوزير بأن عدم الطلاق لا يسري إلا علي الدين المسيحي دون غيره، وأنه ليس لأحد أن يعارضه في أحكامه. فأمر الكهنة أن لا يعقدوا زواجا إلا علي يده في قلايته، بعدما اعترضه رجل ابن قسيس، كان طلق امرأته وتزوج غيرها بدون علمه. فأمر بإحضاره فيفصل بينهما فأبي ولم يحضر، فحرمه هو وزوجته وأبيه القمص. فمات هذا الرجل بعد أن تهرأ فمه وذاب لسانه وسقطت أسنانه. أما أباه فاستغفر وأخذ الحل من البابا ومات. 

ورعي هذا البابا رعية المسيح رعاية صالحة. ولما أكمل سعيه مرض قليلا و تنيح في يوم 26 برمهات سنة 1442ش في الصوم الكبير، ووضع جسده في مقبرة الآباء البطاركة ببيعة مرقوريوس أبي سيفين بمصر القديمة. وأقام علي الكرسي مدة 7 سنين و7 أشهر و11 يوما، وكان محسنا، كريما، رحوما بشعبه متشبها بسلفه. وكان عمره سته و أربعين سنة تقريبا. وعاصر السلطان احمد الثالث العثماني. وخلا الكرسي بعده تسعة أشهر وأحد عشر يوما.

وفي سنة نياحة هذا البابا وقع وباء الطاعون في البلاد مع قحط شديد. و تنيح قسوس كثيرون وأساقفة. ووقع الموت علي الناس من الإسكندرية إلى أسوان. واضطر الناس إلى ترك الزرع حتى صاروا يدفنون في الحصر من قله الأكفان. وفي تلك السنة تلفت زراعة القمح في وادي النيل ولم يسد حاجة البلاد، ووقع القحط والغلاء. لطف الله بعباده، ونفعنا ببركات وصلوات المثلث الرحمة البابا البطريرك بطرس الأسيوطي.

ولربنا المجد دائما أبديا. آمين.