14 أمشير: نياحة القديس ساويرس بطريرك إنطاكية 

في هذا اليوم من سنة 538م تنيح الأب القديس ساويرس بطريرك إنطاكية، الذي كان من آسيا الصغرى، وكان جده يسمي ساويرس، وقد رأي في رؤيا من يقول له: "إن الولد الذي لابنك سيثبت الأرثوذكسية". ويدعى اسمه علي اسمك، ولما رزق ابنه هذا القديس اسماه ساويرس، فتعلم الحكمة اليونانية ثم العلوم الكنسية، وفيما هو سائر خارج المدينة، إذ بقديس حبيس يخرج من مغارته ويصيح به قائل: "مرحبا بك يا ساويرس معلم الأرثوذكسية وبطريرك إنطاكية". فتعجب ساويرس كيف يدعوه باسمه وهو لم يعرفه، وكيف علم بما سيكون منه. وقد نما ساويرس في الفضيلة وترهب بدير القديس رومانوس، وذاع بره ونسكه. فلما تنيح بطريرك إنطاكية ، اتفق رأي الأساقفة علي تقدمته بطريركا علي المدينة وذلك سنة 512م، فاستضاءت الكنيسة بتعاليمه التي ذاعت في المسكونة كلها كما كان من الآباء الذين حضروا مجمع أفسس، ولم يلبث قليلا حتى مات الملك أنسطاسيوس، وملك بعده يوسطينيانوس  وكان علي عقيدة مجمع خلقيدونية. فاستدعى هذا الأب وأكرمه كثيرا عساه يذعن لرأيه فلم يقبل . فغضب غضبا شديدا، ولكنه لم يخش غضب الملك، فأمر بقتله. وعلمت بذلك ثاؤدورة زوجة الملك وكانت أرثوذكسية المعتقد، فأشارت علي القديس أن يهرب من وجهه، فخرج سرا وجاء إلى أرض مصر، وطاف البلاد والأديرة في زي راهب، وكان يثبت المؤمنين علي الإيمان المستقيم، وأقام في مدينة سخا عند أرخن قديس يسمي دورثاؤس. وقد أجري الله علي يديه آيات كثيرة وتنيح بمدينة سخا ونقل جسده إلى دير الزجاج.

صلاته تكون معنا. آمين .

القديس ساويرس بطريك أنطاكية

 عن كتاب قاموس آباء الكنيسة وقديسيها القمص تادرس يعقوب ملطى

حينما يذكر اسم القديس الأنبا ساويرس بطريرك إنطاكية يذكر اهتمامه باستقامة الإيمان وتآلفه مع كنيسة الإسكندرية. عرف بالصلابة والرسوخ فى الإيمان.

كانت الصلة وطيدة بين البطريرك الأنطاكي والبطريرك السكندري البابا تيموثاوس في القرن السادس بخصوص دفاعهما عن الإيمان المستقيم والتمسك بعبارة القديس كيرلس السكندري الخاصة بالطبيعة الواحدة للكلمة المتجسد وتمييزها عن الطبيعة الواحدة التى نادى بها أوطخيا منكر ناسوت المسيح.

أصر الاثنان على رفض مجمع خلقيدونية المنعقد فى 451م ، وصار تقليد بين الكنيستين أن يخاطب البطريركان الأنطاكى والسكندري بما يقر الإيمان المستقيم وكانت الكنيستان تذكر اسم البطريرك الأخر بعد بطريركها فى أوشيه الآباء.

تذكره الكنيسة القبطية فى المجمع بعد القديس مرقس الرسول وتضمه مع الأبطال المجاهدين القديسين أثناسيوس وكيرلس الكبير وديسقورس.

 ولأهميته وجدت مخطوطات ومراجع كثيرة أثيوبية وسريانية ويونانية ولاتينية وقبطية وإنجليزية وفرنسية وعربية. وقد أورد المتنيح الشماس يوسف حبيب قائمة بأسماء أهم المخطوطات وناشريها فى مذكراته "تاريخ كنسي" عن محاضراته بالكلية الأكليريكية واللاهوتية بالإسكندرية عام 1974م. والمعتمد في تسجيله لسيرته رئيسيا على المخطوطة الأثيوبية فى المتحف البريطاني القسم الشرقي رقم 733 وعلى ميمر رقم 299 بدير السريان، مع رجوعه إلى بعض النصوص الأخرى.

ولد في سوزوبوليس من أعمال بيسيدية بأسيا الصغرى حوالي عام 459م. وحدث أن أنبا ساويرس الكبير أسقف مجمع كنيسة افسس اختطف عقله وغاب حسه مقدار ساعة. قال انه سمع صوتاً يقول : "قصبة مرضوضة لا يقصف، فتيلة مدخنه لا يطفئ". (اش 42: 3). أن ساويرس سيثبت أركان الإيمان المسيحي، ويثبت صخرة الأرثوذكسية بكلامه الحق، لكنه سيقاسى تعبا عظيما، ويرد كثيرين عن الضلال.

لما صار شاباً أرسلته والدته الأرملة ليكمل هو وأخواه اللذان يكبرانه دراسته فى العلوم والفلسفة واللغة بالإسكندرية ثم انطلق إلى بيروت يدرس العلوم القانونية هناك كان موضع إعجاب كل زملائه من أجل صلابة طبعه وجده في الدراسة وذكائه، ففاق الجميع بمعرفته وانطلاقة وتعمقه فى دراساته. وتوقع الجميع ما سيكون عليه من عظيم شأنه.

يذكر عنه زميل له يدعى زكريا كان يقيم في الإسكندرية: "أثناء دراسته في الإسكندرية كان زملاؤه معجبين لصفاء روح ساويرس ولمحبته للعلم. وكيف كان في عمق يتعلم ويتفوق بلياقة واجتهاد ومواظبة، وفي دراسة قوانين العلماء القدامى كان يحاول أن يقلد أسلوبهم البراق، ولم يكن يشغل تفكيره شئ غير هذا، ولا يتعزي بشيء آخر مما كان يتعزي به عادة الشبان، فكان يكرس ذاته للدراسة، ويبتعد من أجل حماسه لها عن الاهتمام بالأمور الباطلة. أبدى ساويرس اهتمامات بمقالات ليبانيوس الذى كان معجباً به، وكذا أعمال القدماء وأقوال القديسين باسيليوس وغريغوريوس الأسقفين الشهيرين وغيرهما وكنا ننصحه أن يقبل إلى العماد حتى يصل عن طريق البيان الذى كان له إلى حكمة هؤلاء وفلسفتهم.. فلما تعلم ساويرس أن يعرف كتبهم شغف بها بالكلية وسمع وهو يمدح الخطابات الموجهة من باسيليوس إلى ليبيانوس وردود ليبيانوس ، وكان يفرد ما اكتسبه إلى خطابات القديس باسيليوس. وكان نتيجة لذلك أن ساويرس عكف منذ ذلك الوقت علي قراءة كتب تأملاته."

قيل أن أحد المؤمنين بالإسكندرية يدعي ميناس اتسم بطهارة سيرته وقوة إيمانه وكرم طبعه وحبته للعفة والفقراء لما رأى ساويرس تعجب وقال لهم: "سيتألق نوره بين الأساقفة وسيروى الناس مياه المعرفة مثل العظيم يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية".

التقي زكريا به فى بيروت ومضى به إلى كنيسة القيامة لكي يصلى ثم ذهب إلى كنيسة والدة الإله بالقرب من الميناء. وإذ انتهى من صلاته اقترب منه ساويرس وبمرح قال لـه: "إن الله قد أرسلك إلى هذه المدينة بسببي. قل لي أذن كيف أخلص؟" فتحدث معه صديقه خلال الكتاب المقدس وما علمه الآباء القديسون. سأله ساويرس إن كان لديه كتب باسيليوس الكبير وغريغوريوس والحكماء الآخرين. فأجابه بأنه أحضر الكثير من مؤلفاتهم. صليا معا ثم تحدث معه عن محبة الله الفائقة وسقوط الإنسان وعمل الله الخلاصى.

عكف ساويرس على قراءة كتب القديسين باسيليوس وغريغوريوس خاصة عن العماد وعدم تأجيله.

كان لزكريا صديق يدعي افاجيروس (أوغريس) يؤنب زكريا بشدة على تأخر ساويرس على العماد. أخيراً انطلق الثلاثة إلى كنيسة لاونديوس في طرابلس الشام حيث نال سر العماد وكان أفاجيروس اشبينا له، تم ذلك على يد كاهن يدعى ساويرس.

قيل أنه وهو فى طريقة للعماد التقى به متوحد يدعى أليشع أسرع إليه وهو يقول : "ياساويرس افرح، افرح، يا بطريرك  يا رئيس الأساقفة.." كما قيل ظهر القديس لاونديوس الشهيد قائما مثل أمير جبار وكانت منطقته مرصعه بالجواهر، وإذ خافوا طمأنهم القديس واختفى عن أعينهم.

أثناء العماد ظهرت يد نازله على رأسه وسمع الحاضرون صوتا يقول : "مستحق مستحق مستحق" فتعجب الكل لما حدث.

انطلق إلى بلده بعد دراسته للقانون واشتغل بالمحاماة زمانا، ثم قرر أن يمضى إلى أورشليم لزيارة الأماكن المقدسة، وهناك شعر بشوقه للتكريس للخدمة، وأن يستبدل ثوب المحاماة بثوب الرهبنة.

قيل أنه إذ كان يقرأ فى كتب الفلسفة ظهر له الشهيد لاونديوس وقال له حسبك هذه القراءة. هلم اتبعنى لكى تتعمق فى دراسة قوانين الله التى يقرأها الآباء حتى أيام نياحتهم. انهض يا ساويرس، وأعد نفسك للعمل الجدى فى الكنيسة، واسلك في الرهبنة لكى تعرف الجهاد بقوة، وتحمل ترس الإيمان الذى به تقدر أن تطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة.."

وقيل أن أحد المتوحدين الساكن خارج المدينة رآه فى حلم يمسك "كوريكا" ينظف نافورة مملوءة طينا ونتنا . وإذ جاء إليه القديس لكي يصلى عرفه وقال للذين معه: "هذا سيكون عظيماً بين الحكماء. شهيدا بين الأساقفة.."

عكف على قراءة الكتاب المقدس بلا انقطاع، وصار يتعمق فى دراسة الكتاب المقدس وفى كتب الآباء القديسين. ثم انطلق إلى دير الشهيد لاونديوس بفلسطين بالقرب من طرابلس الشام سنة 488م . هناك انضم إليه بعض أصدقائه ممن كانوا يتعلمون منه الفلسفة.

التهب قلبه بالشوق نحو حياة الوحدة فترك الدير وذهب إلى صحارى إيلوتيروبليس بصحبة أثناسيوس من الرها: فكرس وقته للعبادة والدراسة وإذ أتعب جسده بالصوم والسهر مرض. لكن مرضه لم يطفئ شعلة غيرته.

إذ هزل جسده جداً وانتابته الأمراض مضى إلى دير القديس رومانيوس. استقبله رئيس الدير ويدعى رومانيوس بحفاوة وقال لـه: " الذى أنت عبد لـه أظهر لي عملك وعلمك فى هذه الليلة ومقدار كرامتك". وقد رأى رومانيوس كأن صحراء مملوءة شوكا وحسكا وإذا بامرأة تجرى الدموع من عينيها على خديها  وصدرها، وكانت ثيابها مهلهلة وممزقة وهى حزينة. سمع من يقول لرفيقة: "هوذا يأتى ساويرس ليقتلع الشوك من هذه الأرض ويقدس كرماً لرب الصباؤوت". ثم خاطب المرأة: "لا تخافي أيتها المدينة إنطاكية، هوذا يأتى ساويرس رجل مستقيم ويبنى على أساس المجامع المقدسة".

كان القديس ساويرس بالرغم من مرضه يعمل باجتهاد حسب طاقته وكان يحث الرهبان على العمل اليدوي. وبسبب مرضه الشديد كان رئيس الدير رومانيوس ينصحه بأن يخفف من نسكه ويهتم بجسده لكى يمارس الفضائل، فأقنعه بذلك.

فى أحد الأيام رأى أحد الآباء الرهبان المباركين وهو قائم ليصلي ملاك الرب يقول لـه: "انظر إلى هذه الأرض وتأمل ساحة الدير". عندئذ تطلع فرأى رجلين يسيران نحو ساويرس لا يقدر أحد أن ينطق بكرامتهما وأشراق وجهيهما، صارا يتحدثان مع ساويرس ويعلنان لـه سر الإيمان الأرثوذكسي.

  سأل راهب الملاك عن هذين الحكيمين اللذين يخاطبان ساويرس وهو منصت لهما فأجابه بأن أحدهما هو باسيليوس الكبير والآخر غريغوريوس الناطق بالإلهيات، وأنهما يرشدانه إلى قواعد الإيمان لأنه سيكون حارساً للإيمان المستقيم يرعى شعباً عظيماً في إنطاكية وفى المسكونة كلها.

ذاع صيت ساويرس فى الشرق والغرب وجاء كثير من الكهنة والرهبان يسألونه فى تفسير الكتاب المقدس والعقيدة.

بعدما استقر زمانا طويلا في دير الشهيد رومانيوس اشتاق إلى الهدوء الذى كان ينشده، وإذ كان قد ورث عن والديه ثروة كبيرة (كان والده عضوا في مجلس الشيوخ بالمدينة) أخذ نصيبه ووزع جزء منه على الفقراء؛ وشيد بالباقي ديراً بجهة مايوما قرب غزة. اجتذب كثيرين للحياة الرهبانية؛ وجاء كثيرون ينتفعون بكلمات النعمة الموهوبة له

بعث إليه يوليانوس الهرطوقي رسالة يقول فيها أنه لم يره منذ كان مقيما معا في Tiberias وأنه يلزمه أن يرجع إلى عقله ولا يتدخل في العقيدة والدفاع عنها لئلا يجلب متاعب للرهبان أما ساويرس فبعث إليه بالرد مبينا له خطأه، وأنه يغير على الإيمان المستقيم. وإذا أعلن أخر يدعى Kelibselimos يحارب الروح القدس رد عليه ساويرس وافحمه. كما ضل راهب يدعى ديونيسيوس الفيلسوف عن الإيمان المستقيم، وإذ خشي أن يلتقي بساويرس هرب من الدير. وعلى بعد ميل ظهر لـه ملاك الرب وحثه على العودة إلي الدير، والالتقاء مع ساويرس، وبالفعل عاد ورجع عن طريقة .

اتصل مقدونيوس أسقف القسطنطينية برهبان الأديرة يعلم بينهم بأن الذى صلب هو يسوع الإنسان، الذى لم يقدر أن يخلص نفسه، ورفض القول: "أيها المصلوب ارحمنا". مما أثار انقساماً في الشعب. وبناء علي دعوة الإمبراطور انطلق الراهب ساويرس وأفحم مقدونيوس. وانعقد مجمع الأساقفة في حضور القديس ساويرس  وحكموا بقطع مقدونيوس ونفيه وكان ذلك عام 511م.

عندما عاد القديس إلى ديره اجتمع الأساقفة الشرقيون وطلبوا من بطريرك إنطاكية فلافيان أن يترك هرطقته وإذ رفض أقالوه. أقر الجميع من أساقفة ورهبان وشعب بصوت واحد: "إن ساويرس هو الذى يجلس علي الكرسي.." وافق الإمبراطور علي هذا الاختبار، وحاول القديس الهروب لكنه تحت الضغط ذهب إلى إنطاكية حيث ارتجت المدينة كلها متهللة.

لدي وصوله ألقى عظة مليئة بالمعرفة اللاهوتية كشف فيها عن تعاليم نسطور الغريبة والإيمان المستقيم، واعتذر لهم عن قبوله البطريركية لكن الكل صرخ بأن الله يدينه إن هرب وترك النفوس تهلك. فتمت رسامته عام 512م. قيل أن رائحة طيب كانت تفوح أثناء سيامته في كل موضع، علامة فرح  السمائيين بذلك. أما هو فكأب نزل إلى أبنائه الصغار ليضع لهم ترانيم بسيطة، وكان يؤلف الألحان وينغمها. بهذا أحل الترانيم المقدسة عوض الأغاني المعثرة. حتى قيل أنه في أيامه كانت الميادين العامة تشبه الكنائس إذ كان صوت الترانيم والتسابيح المقدسة يسمع فيها عوض الأغاني العابثة.

لم يعرف القديس ساويرس الراحة بل كان يجول يصنع خيراً كسيده، كما كانت الجماهير تأتى إليه لتنتفع بتعاليمه. أما هو فكان يحث الكهنة على الاهتمام بالرعية. كما وجه رسائل كثيرة للإكليروس والشعب يثبتهم علي الإيمان المستقيم وتعاليم المجامع المسكونية الثلاثة التى حرمت أريوس ونسطور ومقدونيوس، كما رفض مجمع خلقيدونية ورسالة لاون.

عقد مجمعا في إنطاكية سنة 513م يشجب فيه مجمع خلقيدونية  وطومس لاون، وآخر عام 514 م في صور لذات الهدف.

تبادل الرسائل مع البابا يوحنا الثاني السكندري (507- 517) بشأن تأكيد الإيمان بالطبيعة الواحدة ورفض مجمع خلقيدونية. ولما جلس البابا ديسقورس الثاني على الكرسى المرقسى بعث برسالة إلى الأنبا ساويرس، وبعث الأنبا ساويرس  إليه برسالة يعزيه في نياحة البابا يوحنا الثاني، ويؤكد وحدتهما في الإيمان.

عندما توفي انسطاسيوس التقي عام 518م، وتولى الملك بعده يوستينوس، أحد قادة الحرس الإمبراطوري، واصدر أمراً بالاعتراف بمجمع خلقيدونية، وخيَّر الأساقفة بين القول بالطبيعتين للسيد المسيح أو الطرد، فأقصى 32 أسقفا عن كراسيهم منهم فيلوكسينوس أسقف منيج وبولس الرهاوي، كما طرد الرهبان الرافضين ذلك من أديرتهم.

شدد الإمبراطور الأمر ضد القديس باعتباره الرأس وناله ضيق شديد، هرب إلى مصر عام 518م وبقى فيها زهاء عشرين عاما (518- 538م). رجع خلالها إلى القسطنطينية في الفترة من 534 إلى 536م.

استخدم يوستينوس كل وسائل التعذيب لإلزام الأساقفة إلى قبول قرارات خلقيدونية. كمثال نفي القديس فيلوكسينوس إلى غنغرة، وأمر بحبسه في بيت وأوقد فيه النار وسدت منافذه فمات مخنوقا.

لازم عصر يوستينوس كوراث طبيعية كثيرة منها زلزال في عين زربة، وطوفان غَّرق الرها، وصاعقة في بعلبك أحرقت هيكلها، وجفاف في فلسطين دام مدة طويلة. وفى سنة 526م حدث زلزال ضخم بإنطاكية دمر بيوتها ومبانيها العمومية وكنائسها وكان عدد ضحاياه حوالى 50 ألفا من السكان، كان من بينهم الأسقف افراسيوس (521- 526م) الذي مات تحت الأنقاض.

فلما ملك جوستانيوس الأول (527- 565م) حذا حذو سلفه، فظل القديس ساويرس فى مصر عدا مدة قصيرة وهى من 534 إلى 536م لحضور المجمع الذى انعقد في القسطنطينية.

كان القديس في مصر مهتماً بشعبه خلال الرسائل المتبادلة. كما كان يكتب رسائله إلى القديسة أنستاسية، ويرد على رسائلها كما ورد في المخطوطات السريانية واليونانية.

كان جوستيانوس الأول يعتبر نفسه رئيسا للدولة والكنيسة، لـه حق التفسير والتطبيق دون الرجوع إلى آباء الكنيسة. كان ينفذ قوانينه بكل صرامة، فيقطع الأساقفة ويعين من يشاء ويدعو إلى المجامع، ويعدل قراراتها أو يلغيها. غير أن الإمبراطورة ثيؤدورا ( 527- 548م) كانت تخفف من ثورته في الاضطهاد. كانت تتميز بالشجاعة وكانت تهتم بالقضايا العامة لاسيما الدينية، كما كانت تؤمن بوحدة طبيعة السيد المسيح، وتدافع عنها ضد زوجها، وكان لها دورها الفعال فى  إفلات القديس ساويرس من تعقب الإمبراطور له.

في سنة 534م على الأرجح، مضى القديس ساويرس إلى القسطنطينية وظل بها حتى عام 536م. فقد أمر جوستينيانوس الأول بعقد مجمع في القسطنطينية لإلزام الأرثوذكس بقبول مذهب الخلقيدونيين، ودعا إليه جميع رؤساء الكنائس، فحضر كليسوس أسقف روما وأبوليناريوس الذى صار البطريرك السكندري الملكي فيما بعد وأوطيخوس بطريرك القسطنطينية والأساقفة الذين يتبعوهم. وقد شدد الإمبراطور علي البابا تيموثاوس السكندرى والأنبا ساويرس الإنطاكي بالحضور. أما الأول فكان يعلم غرض الإمبراطور السيئ فلم يقبل الدعوة واستمر يدير رعاية شعبه فتعرض لشدائد عظيمة.

روى الأب أثناسيوس بأن الأنبا ساويرس أخذ معه بعض الأساقفة العلماء وانطلق سراً إلى عسقلان بفلسطين، وكان معه الأب أثناسيوس، ودخلا الدير الذى بناه القديس بطرس. هناك ظهر له ملاك الرب وسأله أن يذهب إلى القسطنطينية ويعترف بالإيمان المستقيم. انطلق ومن معه إلى البحر فوجدوا سفينة قاصدة القسطنطينية، وانطلقوا هناك إلى فيرونيا التى كانت من القصر الملكي.

بعد يومين ظهر القديس أمام الإمبراطور الذى قال لـه: "هل أنت ساويرس الذى يحتقر كنائس الله ؟" أجابه القديس :" لا لست أنا لكنك أنت الذى تركت الإيمان المستقيم" ثم أردف قائلا: "أين إيمان قسطنطين الملك وعقيدة الملك زينون وأناستاسيوس الملك؟ أما أنت فقد تركت إيمان أولئك وقبلت هرطقة نسطوريوس ومجمع خلقيدونية وسببت اضطرابا للعالم". فتعجب الملك والضابط من حوار الأب ساويرس ومن حكمته وثباته في الإيمان وتحير الملك في أمره.

استمر القديس ساويرس سنه يعد نفسه للجهاد وبعد نياحة البطريرك القديس تيموثاوس سنة 535م، عندما التأم مجمع القسطنطينية عام 536م جرى حوار عنيف بينه وبين الإمبراطور، فأغتاظ الإمبراطور وأمر بالقبض عليه وقطع لسانه.

قيل أن أحد ضباط الملك كان ماكراً وشريراً أشار على الملك بالقضاء على القديس ساويرس بحكم الموت قائلا بأنه الأفضل أن يموت ليكون سلام فى الكنيسة. وإذ علمت الإمبراطورة ثيؤدورا ذلك أوعزت إليه أن يهرب، أما هو فلم يقبل أولاً وقال أنه مستعد أن يموت في سبيل الإيمان المستقيم. ولكن تحت إلحاح الإمبراطورة والمحبين له ترك القسطنطينية وهرب إلى مصر عام 536م. أما الإمبراطور فأرسل خيلاً ورجالاً لتعقبه فأسدل الله حجابا على أبصارهم ولم يروه مع أنه كان قريبا منهم. وقد ظل فى ديار مصر حتى نهاية حياته. وكان لشدة تواضعه يجول متنكرا من مكان إلى آخر، ومن دير إلى دير في شكل راهب بسيط وأجرى الله على يديه آيات وعجائب كثيرة.

ورد فى المخطوطات الخاصة بسيرته بعض الآيات والعجائب التى صنعها الله على يديه يذكر منها:

1ـ صلاته وسقوط المطر

حل جفاف ببلاد المشرق وصارت مجاعة شديدة، فذهب القديس أكلوديوس ومعه جماعة من المؤمنين إلى قلاية الأب ساويرس، وطلبوا بإلحاح أن يصلى لكي يرسل الله مطراً حتى لا يهلك الناس والبهائم. فبكى القديس بكاءً عظيما وصلى إلى الله مع جماعة الأخوة، فانفتحت أبواب السماء وانهمر المطر، فلما رأوا ذلك مجدوا الله قائلين إن الله أقام  لنا نبيا عظيما. يقول الكاتب: "حقا إنى أصمت وأتحير، لقد كان وجهه يضئ مثل شعاع الشمس من أجل طهارته. وكان عجيب المنظر لامتلائه من نعمة الروح القدس".

 

 

2ـ  شفاء ابرص

أصيب القس ثيؤدورس بالبرص في يديه حتى ما كان يقدر أن يدخل الكنيسة. وعندما  سمع القس عن المعجزات التى يصنعها الله على يدي القديس ساويرس ذهب إليه. ففعل ذلك وشفي. فرجع كثيرون عن النسطورية لما رأوا ذلك.

 

3ـ شفاء مريضة

فى تجواله بمصر متخفياً ذهب إلى مدينة أوسيم مركز إمبابة فاستقبله رجل تقي محب لإضافة الغرباء كان يعمل في النسيج، ينفق على أسرته ويوزع ما يتبقى علي الفقراء والمحتاجين. وكانت امرأة ابنه تشكو من الآم شديدة فى أمعائها، ولم يقدر أحد من الأطباء أن يشفيها. صلى عليها القديس وشفاها الرب، فتعجب أهل البيت ومجدوا الله.

 

4ـ ماء البئر المالح يصير عذبا

دخل القديس دير القديس مقاريوس متخفياً، فعرفه راهب قادم من الصعيد يدعى مقاريوس. قدم له الإكرام وطلب منه أن يصلي على البئر لأن مائها ملحا. أجابه القديس ساويرس إن صلاته هو قادرة على ذلك ، وإذ أصر الشيخ الراهب أخذ القديس مقاريوس قليل من الماء الذى فى الصينية بعد غسلها بعد القداس الإلهي وسكبه في البئر فصار الماء حلوا بأمر الله.

 

5ـ تكريم الله له

عندما عبر القديس على كنيسة السيدة العذراء التى تعرف بالمعلقة وكان الكاهن يصلى على المذبح، وإذ رفع الأبروسفارين لم يجد الصينية ولا الكأس فبكي كثيرا وبكي الحاضرون حين قال الكاهن: "لست أدرى إن كان هذا من أجل خطيئتي أم خطيئتكم!" فظهر له الملاك وأعمله بأنه رفع القرابين في حضرة البطريرك وأشار إليه فى إحدى زوايا الكنيسة. جاء إليه الكاهن وأدخلوه بكرامة إلى الهيكل وصعد القس إلى الهيكل فوجد الصينية والكأس كما كان أولا.

 

أنطلق القديس إلى مدينة سخا وأقام عند حاكمها دوريتاس المحب لله. افتقد الرب القديس بمرض فرأى قبل نياحته كأن قوما بمنظر باهر قد حضروا إليه. إنهم القديسون الذين سبقوه، الذين كان يردد كلماتهم المقدسة ويتذكر تعاليمهم.

كان القديس راقداً على فراشه ونصحوه أن يأخذ حماما، ولما أضجعوه على الأرض كان جسمه شبه ميت ولم يقو على الجلوس. ولما رفعوه عن الحجر الذى كان مضطجعا عليه  وجدوا علامة لا تمحى. وقد تمتع كثيرون بالشفاء بلمسهم هذا الحجر. أدرك الحاضرون أن وقت انحلاله قد حضر فسألوه ألا يتركهم، أما هو فقال لهم: "لقد انتهى عملي وإني مستعد للرحيل منذ زمن طويل. وكنت أفكر فيه فى كل وقت. وعن قريب تلحقون بي، ونتحد سريعا معا فى المسيح  ونفرح إلى الأبد.." وعندما نطق بهذه الكلمات فاضت روحه وجاء البطاركة والأنبياء والمعلمون والحكماء، خاصة معلموا الكنيسة يستقبلونه، وكان متهللاً معهم. وكان ذلك فى الرابع عشر من أمشير عام 538م.

بعد موته انبعث من جسمه عطر زكى، كان يفوح منه حتى فى حياته حتى كان يعتقد البعض أنه كان يتعطر بالبرفير.

بعد نياحته أرسله دورثاؤس مع قوم فى مركب إلى دير الزجاج غرب الإسكندرية وأمرهم أن لا يدخلوا الخليج بل يسيروا فى البحيرة حتى يصلوا إلى الساحل، ولما وصلوا بحرى قرطسا قليلاً واتجهوا نحو الغرب لم يجدوا ماءً يكفى لسير مركبهم فحاروا وقلقوا. ولكن الله المحب حفظ جسد هذا القديس من أعدائه وأظهر آية بأن جعل المركب تسير فى ماء قليل مقدار ستة أميال حتى وصلوا إلى حيث الساحل ومن هناك حملوه إلى دير الزجاج ووضعوه فى المكان الذى بناه له الأرخن دوروثاؤس، وصار بذلك فرح عظيم في مدينة الإسكندرية. وقد أجرى الله آيات وعجائب كثيرة من جسده وعظم القديس بعد مماته أكثر من حياته.

كتب عنه الأب يوحنا رئيس دير أفتونيا ما ترجمته: "ذهب إلى الصحراء التى أحبها وتنبأ أن نهاية حياته وشيكه وسينتهي كل شئ بالنسبة له، ستنتهي الحياة والجهاد معا، وكموسى بطريقة ما سمع من يقول له: اصعد إلى الجبل ومت هناك، لأنه عند قمة الجبل الروحى تتم نهاية كل حياة في الفضيلة."

كما ذكر الأب يوحنا رئيس الدير لرجل الله دوماديوس معجزة حدثت عند دفن القديس ساويرس. فقد لاحظوا أن القبر المعد لـه غير مناسب لطوله، بل كان أقصر منه بكثير, فاحتار الكل واقترح البعض أن يثنوا رجليه. وقال البعض أن فى ذلك إهانة. لكنهم شعروا كأن قوة إلهية تدفع الجسم، فنزل الجسم دون أن يثنى ولو قليلا. وكما يقول الأب: "ترى هل صغر الجسم أم كبر القبر؟! الله وحده صانع هذه المعجزة فهو يكرم الذين يكرمونه حتى بعد الموت"

يوجه كاتب السيرة حديثه إلى رجل الله دوماديوس قائلا: "اقتطفت بطريقة ما وردة فى حديقة أو عنقودا جميلا من كرمة وقدمتها إليك وإلى القراء لكي أكون لك مرضيا".

 

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بثلاث تذكارات للقديس ساويرس بطريرك أنطاكية

فى 2 بابة تذكار مجيئه إلى مصر

فى 14 أمشر تذكار نياحته.

فى 10 كيهك تذكار نقل جثمانه إلى دير الزجاج .

بركة صلواته وطلباته تكون معنا أمين.