|
28 طوبة: استشهاد أنبا هلياس الخصى السنكسار القبطى اليعقوبى لرينيه باسيه إعداد الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر وتوابعها فى هذا اليوم استشهد القديس العظيم أنبا هيلياس الخصى. وهذا كان من قرية من أعمال البهنسا، وكان مولى على بساتين كلكيانوس الأمير المتولى بها، وكان يحمل الفاكهة فى كل يوم إلى دار الأمير. وكان خاله من النساك الفضلاء الكملاء ساكن البرية، منفرد. وكان هلياس هذا يأتى إليه ليتعلم منه العبادة والنسك، وكان يوصيه أن يحفظ نفسه بالطهارة ويقول له إن بالطهارة يتشبه الجسدانيين بالملائكة الروحانيين. فلذلك حصل على فائدة كثيرة لأجل افتقاده لخاله يعقوب، وحسيات الروح القدس انكشفوا له وسكنت فيه مخافة الرب التى هى رأس الحكمة. وفى تلك الأيام صار يتشبه بخاله بكثرة الصوم والصلاة والسهر الدائم، وصار عقله وفكره فى السماوات وترك أمور العالم . وكان كل دفعة يأتى بالفواكه إلى دار الأمير يطرق بوجهه إلى الأرض ولا يشتهى ينظر أحد البتة من أهل الدار. فلما نظروا كثرة أدبه وعفته وكثرة حشمته، فصاروا جميعهم يقفوا قدامه. وعلى الجملة كانوا أهل الدار جميعهم يقفوا قدامه من الحظايا والجوار المنهدات والبنات الأبكار. وكان هذا الصبى فى حد الشبوبية، وكان جميل الصورة، معتدل القامة، حسن الخلقة، ناعم الجسم، أشقر اللون. وكانوا عينيه شهل، وخدوده حمر. وكان هذا الفتى أى من أبصره ما يشتهى يفارقه، ولا يقدر أحد يشبع من نظره. ولم يكن له شبيه ولا نظير إلا يوسف الصديق ملك مصر. وإن العدو حسده على حسن سيرته وطهارته ونقاوة قلبه وصفو ضميره، فأراد أن يرميه فى فخاخه الذين هم بنات حوا ويطرحه فى فخ الزنا ومحبة النساء والنظر إليهم والكلام معهم، فلم يقدر لأنه كان محصن بالصوم والصلاة والنسك وذكر السيد ما يقطعه من فاه. لذلك هرب منه إبليس وهو حيران نادم يطلب مصيبة يرميه فيها. وإنه ألقى فى قلب ابنة الأمير كلكيانوس العشق فيه والمحبة التى فيها الشهوة والتهاب النار فى أعضائها، لأنه كان جميل حسن الصورة لم يكن فى العالم أحسن منه فى ذلك الزمان، وما ولدت النساء مثله فى ذلك الجيل. وبدت فى كل دفعة يحضر إلى الدار بالفاكهة تسرع وتجئ إليه وتكايده وتمازحه تريد تسقطه معها. ولما نظر إلى أعمالها الرديئة وفعالها القبيحة وإنها تريد تطرحه معها فى الخطية، فعاد إذ دخل الدار يلقى القواديس بالفاكهة ويهرب كمثل من يبتعد من النار، ويصعد لوقته عند خاله أنبا يعقوب ويشتكى له ما كانت الفاجرة الردية تصنعه معه من المناقشة واللعب والمجون. فحينئذ كان يوصيه وينبهه ويحذره من النظر إليها والكلام والحديث معها والبعد عنها بالكلية، لأن يا ولدى النظر إلى النساء عثرة وشك لأنهم شباك وفخاخ ابليس لأن البعد يخلص الإنسان. وقد قال مخلصنا إن من نظر إلى امرأة واشتهاها فقد زنا بها فى قلبه، ويقول يا ولدى لابد من الدينونة وعقوبة جهنم والدود الذى لا ينام وصعوبة الطريق وخروج النفس والزبانية المختلفين الوجوه والظلمة القصوى وصرير الاسنان. فسمع منه مشورته وزاد على نسكه وعبادته بالصوم والصلاة والسهر الكثير بلا ملل. ومن بعد ذلك زادت عشقها واشتعل قلبها بنيران الخطية وصارت مثل هيروديا الملعونة. أين الشباب المبتدين الذين يضاربوا على هذا الفعل الردئ النجس. أين الشباب المبتديين الذين الشهوة تثور عليهم ويطلبوا بنات حوا فليأتوا ويحسدوا هذا الفتى وكثرة طهره. ولما رأى الأمور قد اشتدت عليه من جهة هذه الابنة فكر فى قلبه وقال مايكون الخلاص من هذه الصبية، وإنه قطع ذكره ومسحه بالكمال وإنه أخذه ولفه فى منديل وجابه إليها وقال لها هذا الذى انتى تحبيه وتشتهيه فى اعضائى خذيه واتركينى. وانصرف هارباً عنها فمرض وأقام أياماً حتى وجد العافية أما هى فصارت تزيد عليه كالأسد الضارى وقالت أنت تعنى انك بهذا قهرتنى سوف ترى ما أعمله معك وفكرت فى هلاكه كمثل المرأة المصرية زوجة الطباخ التى لفرعون ملك مصر[2]. وإنها نهضت إلى أبوها واشتكت له الصبى قائلة يا والدى؛ الخولى الذى أنت امنته وتدعه يدخل إلى دارك ويأتى إليك بالفاكهة قد ظهرت له أشياء ردية وقد تعرض لى مراراً كثيرة ويطلب منى فعل القبيح وأيضاً يا أبى هو نصرانى يعبد المسيح. فحنق عند ذلك أبوها وأمر بإحضار الصبى هلياس وقال له كيف تكون عندى مؤتمن على المال والعيال وتخوننى فى دارى وتطلب الفاحشة من ابنتى. فقال له هلياس يا سيدى هذا الكلام الذى قلته لى أنا برئ منه، وإنى لم أخونك فى شئ منذ دخلت إلى دارك لا فى مالك ولا فى عيالك وأنا حافظ بتوليتى منذ يوم ولدونى إلى هذا الوقت. ثم أنه شمر له ثوبه وأوراه الموضع فتعجب الأمير وقال له هذا الذنب ندعه والآن هلم وارفع البخور للآلهة وتبقى على شغلك مستمراً. وكان الأمير يحبه جداً لأجل دعته ونعمة الله الحالة عليه. فقال له القديس هلياس يا سيدى مايمكننى أسجد لهذه المصنوعات وأترك عنى سيدى يسوع المسيح. وإنه عاقبه بأصناف العذاب المر والرب يخلصه. ولما رأى أنه لا يقدر عليه فكتب قضية أخذ رأسه، ففرح الشهيد لما سمع وقال هذه الساعة التى كنت أطلبها. وسأل الأجناد أن يخلوه حتى يصلى وأدار وجهه نحو الشرق وطلب المواهب الروحانية وقال يارب إن كل من يصنع فى يوم تذكارى قربان بإسمى أو يعمل خير مع مسكين فتعوضه فى ملكوتك السمائية، ومن يذكر اسمى وهو فى شدة أو فى ضائقة أو من جهة دين أو طلب سلطان فتفرج عليه وتعطيه مطلوبات قلبه. فظهر له ملاك الرب وقال كل ما سألته من السيد المسيح فهو يكمل لك وأكثر منه، وأما جسدك فهوذا يوليوس الأقفاهصى قائماً بالغرب منك وقد كتب كل ما جرى لك وهو يكفن جسدك ويوصله إلى خالك فيحفظه إلى اليوم الذى يريد الرب بظهوره. ويبنوا بيعة حسنة فى مدينة اهناس ويترك فيها جسدك ويظهر الرب آيات وعجائب فى تلك البيعة. وهوذا قد هيأ لك الرب ثلاثة أكاليل الواحدة لأجل عبادتك وصلاوتك وصومك وسهرك ومفترضاتك[3]، والثانى لأجل بتوليتك، والثالث لأجل صبرك واحتمالك العذاب ودمك الذى يسفك على اسم المسيح ففرح الشهيد بما سمعه من ملاك الرب وأشار للأجناد ومد عنقه فأخذت رأسه وأكمل سعيه. الرب يرحمنا بصلاته. أمين. |