|
28 طوبة: سيرة الشهيد آبا كاو الفيومى[1] نص السيرة كما وردت فى المخطوط بقلم يوليوس الأقفهصى كاتب سير الشهداء
نبتدئ بعون الله تعالى وحسن توفيقه بنسخ شهادة شهيد ربنا يسوع المسيح أبا كوه الذى أكمل جهاده الحسن فى الثامن والعشرين من شهر طوبه[2] صلاته وبركاته تكون معنا ومع الناسخ العاجز آمين. قال كان فى ذلك الزمان فى السنة الثانية من مُلك دقلديانوس[3] الملك المنافق الذى أغضب الله وملايكته، أن كلكيانوس الوالى قد أقبل من عند الملك وقد أُعطى السلطان أن يُعذِب كل المؤمنين بالسيد يسوع المسيح. ومن لم يسجد لآلهة الملك ، يقتلهم بأنواع العذاب. وكان فى ذلك الزمان رجل من أهل بمويه بإقليم الفيوم اسمه أبا كوه، وكان قد خرج خارج بلدته وبنى لـه مكان يستعبد فيه للرب طول أيام حياته بالصوم والصلاة. ولم يفطر إلا من يوم السبت إلى يوم السبت، ولم يأكل شئ يخرج منه دم، ولم يشرب مُسكراً. وكان كل من فى تلك التخوم يحضروا إليه ويتباركون منه. وكان يأتى إليه كل من به مرض وجميع من به علة وكان يبرئ جميعهم بصلاته، العمى ينظرون، والطرش يسمعون، والمقعدين يمشون، والبرص يتطهرون، وأظهر الله على يديه آيات عظام. وبينما هو قائم وهو يصلى كعادته، وإذا ملاك الرب قد ظهر له بمجد عظيم وقال له: "السلام لك يارجل الله." فأجاب القديس وقال: "من هو أنت يا سيدى." أجابه الملاك وقال: "أنا غبريال رئيس الملائكة أرسلنى الرب إليك. لماذا أنت غافل والشهادة منشورة. فإذا أنت قمت باكراً أسرع إلى البحر، فأنت تجد كلكيانوس الوالى وهو يعذب عبيد الله الرب يسوع المسيح فاعترف باسمه قدام الوالى. فهو يسيرك إلى مدينة أنصنا لتكمل شهاداتك هناك." وفى الوقت اختفى عنه الملاك. فأما الطوبانى أبا كوه فلم يهمل الأمر البتة، بل قام فى الغد ودعى تلميذه وقال لـه: "ابق فى هذا المكان إلى حيث أحضر، وإن حضر أحد يطلبنى فعرفه أنه مضى يفتقد أخ له ولا تضجر، وابق كعادتك تكمل صلاتك كما ترانى فى كل حين. حتى يشاء الله أن أعود إليك." فصلى القديس وودع تلميذه، ومشى الطوبانى بقوة الله الذى معه إلى أن حضر إلى البحر[4] فوجد الوالى يعذب القديسين فى مكان الحكم، منهم من أخذ رؤوسهم بحد السيف ومنهم من أحرقه بالنار كل واحد حتى أكملوا شهاداتهم. أما القديس أبا كوه فتقدم إلى الوالى وصرخ وقال: "يا ابن الأثيم النجس أكثر من كل سكان الأرض لماذا تركت الله إله السماء، وعبدت الأوثان." فلما سمع الوالى ذلك أمر أن يقدموا إليه القديس أباكوه وقال له: "من أين أنت؟ وما هو اسمك حتى تكلمنى هذا الكلام؟" فقال له: "قبل كل شئ أنا نصرانى.. أعبد السيد يسوع المسيح إله الحق الذى لا أعرف إله آخر سواه. وأنا من بلاد الفيوم وبلدى بحرى المدينة واسم بلدى بمويه." حينئذ نظر الوالى إليه فرأى نعمة الله حالة على وجهه فقال لـه: "حقاً إنى أرعاك لكبر سنك، وإلا كنت قد ضربت رقبتك إذ لم تتأدب وتسجد لآلهة الملك التى أسجد أنا لها." فقال لـه القديس أبا كوه: "لا ينبغى لى أن أسجد لآلهة نجسة. فقال لـه الوالى أنا آمر أن يحضروا إليك الأبلون العظيم لترى حسنه. فأمر بإحضار الأبلون أمامه. فأسرع الوالى وسجد لـه فضحك عليه وقال: "دعنى أكلمه حتى أعرف إن كان يكلمنى." ففرح الوالى وكان يظن أنه يسجد لـه. وكان الوالى لما مضى إلى مدينة أنطاكية وقدم للملك هدايا كثيرة فوهب لـه الملك صنم ذهب مرصع بالحجارة الفاخرة طوله ذراع ونصف وهو يسمى الأبلون. ففرح به الوالى أكثر من عداه. فأمر القديس أبا كوه أن يتقدم إلى الصنم وجعله فى حضنه ثم رماه إلى الأرض فكسره قطعاً كثيرة. فلما رأى الوالى ما فعله القديس خزق ثيابه وغضب غضباً عظيماً وأمر أن يدفع القديس للمعذبين ليعلق على الهنبازين. فعذبوه من تانى ساعة من النهار إلى ثامن ساعة من النهار[5] حتى جرى دمه على الأرض مثل الماء، وتعبوا المعذبين وتخلوا عنه فقالوا للوالى يا سيدنا تعبنا ولم يحس بالعذاب بل هو يتلوا اسم يسوع المسيح. فأمر الوالى أن ينزلوه ويحضروه إليه. وقال له جربت معك العذاب (وكيف لا تشعر)؟ أجابه القديس وقال لـه يا عدو الله كل حين أما تعلم أن القديسين يدفع لهم ربى يسوع المسيح القوة على عذابك، ويعيننى على كل الأتعاب وبرحمته خلصنى. والآن اصنع ما أردت بى بعذابك. فأمر الوالى أن يربطوه والقديسين الذين معه ويركبهم السفينة ويمضى بهم إلى مدينة البهنسا وقام الوالى من الحكم وهو غضبان لأجل الصنم الذى كسره القديس أبا كوه. ولم يأكل ولم يشرب فى ذلك اليوم. ثم أمر أن يشدوا السفينة إلى مدينة البهنسا وأمر أن يبسطوا الحكم فى ذلك المكان الذى يدعى البلغليون وأمر أن يحضروا الجمع ويسجدوا للآلهة وجمع كبير تقدموا ودفعوا البخور فى ذلك اليوم. ولما كان بعد هذا وإذا رجلين تقدموا إلى الوالى وصرخوا قائلين: "نحن مسيحيين." علانية اسم أحدهما بلقس والآخر يقضان فلما رأى يقضان آلات التعذيب وهى موضوعة خاف وسجد للأوثان وانصرف روح القدس عنه ومات. فأما القديس بلقس فحل عليه روح القدس قايلاً أنا مسيحى علانية. فغضب الوالى وأمر أن يضرب وهو يقول له: "لماذا لم تتأدب مثل رفيقك الذى تأدب وسجد لآلهة الملك. فقال له القديس: "لا ينبغى أن أترك ربنا يسوع المسيح وأسجد لأصنام ميته. وأمر الوالى أن يضرب عنقه وأكمل شهادته وأخذ الإكليل الذى لا يفسد بسلام من الرب آمين. وبعد ذلك أمر الوالى أن يحضروا إليه القديس أبا كوه بين يديه. وكان الشيخ البار مثل أبونا إبراهيم ناير مثل الشمس. أجاب الوالى وقال: "يا أبا كوه الراهب أنا أرعاك لأجل كبر سنك، والآن أطعنى لئلا تموت بأشر العذاب." فأجاب القديس أبا كوه وقال يا منافق ما تستطيع أن تهزأ بى أنا مؤمن بربى يسوع المسيح. فلما سمع الوالى ذلك أمر أن يشبحوه بين أربعة ويضرب مخالف حتى جرى دمه على الأرض مثل الماء فتعجب أهل المدينة من صبره على العذاب العظيم. وكان فى المدينة رجلاً أعمى وكل من فى المدينة عارفاً به أنه مولود من بطن أمه أعمى. فقدموه إلى مكان القديس وهم يعذبوه، فأخذ قليلاً من دم القديس ووضعه على عينيه وللوقت نظر وصرخ بين الشعوب وهو يقول: "واحد هو الله إله القديس أبا كوه فصرخ الجمع على الوالى قائلين: "أيها المنافق على الله لا تهلك هذا القديس لكبر سنه لأن الموت الذى يموت به نحن نموت به أيضاً." فغضب الوالى وأمر أن يقتل كل المعترفين باسم ربنا يسوع المسيح وكان القديس أبا كوه يقوى قلوبهم وكان عدد الذين قتلوا فى ذلك اليوم خمسمائة شهيد الذين لبسوا إكليل الحياة الذى لا يفسد من الرب أمين. فلما رأى الوالى الذى كان خائف من أهل المدينة لئلا يقومون عليه، فأمر أن يربطوا القديس أبا كوه بسلسلتين حديد. واثنين أُخر معه ويركبهم مركب ويمضوا بهم إلى مدينة أنصنا ويطرحهم فى الحبس حتى يرجع من البهنسا ويعرف ما يصنع بهم. فلما طرحوا القديس أبا كوه فى الحبس فى مدينة أنصنا سمع أهل المدينة عن العجائب التى يُظهرها الله على يديه فجاء إليه جميع أهل المدينة. وأتوا بكثير من المرضى ليصلى عليهم القديس أبا كوه. فسألوه القديسين الذين كانوا معه فى الحبس ليصلى عليهم لأن القديس أبا كوه كان أكبر منهم سناً. فصلى عليهم القديس فأبرأهم ومضوا إلى بيوتهم يمجدوا الله. وبينما القديس أبا كوه قايماً فى الحبس وهو يصلى. وإذ باغض كل الخيرات الشيطان قد ظهر للقديس فى صفة ملاك نورانى وقال له: "السلام لك يا أبا كوه صفى الله، اسمع منى ما أقول لك لتخلص من هذا العذاب. اعلم أن الله لا يريد أحد يموت قبل يومه، وخارجاً من عمره. وهوذا الوالى يطلبك غداً ويخرجك من السجن. تقدم واسجد لآلهة الملك حتى تخلص من هذا العذاب، وتمضى إلى حيث تشاء وتبقى فى عبادتك كما كنت." وكان القديس يظن أنه ملاك الله قد ظهر لـه لأن عادته أن يرى ملاك الله كل حين فلما سمع القديس منه ذلك حزن جداً وصلى قائلاً هكذا: "ياربى وإلهى يسوع المسيح إله السماء والأرض لا تنسانى ولا تسلمنى إلى العدو يهلكنى لكن ثبت فىَّ مخافتك وارحمنى بناموسك وسهل لى أن أعلم من هو هذا الذى يخاطبنى لئلا تهلك نفسى." وفى الوقت وإذا صوت الرب قد أتاه من السماء وهو يقول: "يا حبيبى أبا كوه تقوى وكن شجيع القلب أنا يسوع المسيح ابن الله الحى كاين معك فلا تخاف. والآن تقدم وامسك الذى يكلمك فهو يعرفك من هو." فلما سمع القديس أبا كوه صوت الرب انحلت السلاسل الحديد التى كان مربوط بهم كما ينحل الشمع على النار وبقوة الله التى فى القديس مد يده ومسك الشيطان بقوة وقال له: "عرفنى من هو أنت ومن أين أتيت؟ ومن الذى أرسلك؟" فقال له الشيطان: "أطلقنى فأنا أعرفك من هو أنا." فقال لـه القديس: "عرفنى وأنا أطلقك." قال الشيطان: "أنا اسمى سفوسير[6] الروح النجس الفرحان بالأوثان، المحب للكذب المبتهج بالزنا، المتهلل على الفرقة، المحب للفسق، البعيد عن السلامة، أنا ضليت آدم وحوا من البدء. أنا جعلت بختنصر يصنع صورة الذهب ويسجد لها، أنا طغيت منسى الملك حتى نشر أشعياء النبى بمنشار الخشب، أنا خليت بنى إسرائيل عبدوا الأصنام فى البرية، أنا أطغيت هيرودس حتى ذبح الأطفال وأيضاً أخذ رأس يوحنا المعمدانى فى السجن، أنا أطغيت يهوذا الإسخريوطى حتى اسلم سيده للموت، أنا أضغيت الجندى حتى طعن السيد يسوع المسيح بالحربة على الصليب، أنا أضغيت اليهود حتى رجموا استفانوس بالحجارة، أنا أضغيت نيرون الملك حتى صلب بطرس وضرب رقبة بولس، أنا جعلتهم سحبوا أندراوس فى بلاد الفيلان، أنا أهلكت مال أيوب أنا تركت سليمان يسجد لإله المرأة الموآبية. هؤلاء واشكالهم أنا مكملهم." قال له القديس: "من الذى أرسلك إلىَّ." قال له إنى سطانائيل أبو كل الشرور مكمل كل الفعال الردية." فقال لـه القديس: "إن لم تنال الأمور التى سيرك لها، فما يكون لك؟ قال الشيطان: "إذا أرسل أبانا شيطان إلى قديس فإذا لم يستطيع أن يرده عن أفعال الحسنة، فما يقدر يظهر أمامه فى ذلك النهار، ويوصى الذين يجدوه أن يعذبوه عذاباً شديداً. فيجب علينا أن نكمل إمرة سيدنا الشيطان حتى نرضيه." فقال القديس أبا كوه للشيطان: "ما هو الفعل الذى تعملوه." فقال الشيطان: "يا سيدى أبا كوه أنا أعرفك كل شئ لأن خطيتى جاءت علىَّ اليوم وأوقعتنى فى يديك، أنا جيت إليك، أردت أن أضلك لتعبد الأصنام، لأن عادتنا إذا رأينا رجلاً وهو مكمل نحن نملأ قلبه من الأفكار الردية مثل النار وننزع من قلبه الأفكار الحسنة ونضل عقله بالأفكار الردية التى لا فايده فيها حتى لا يفتكر البر الذى يعمله فإذا رأينا من هو ملازم البيعة دايم فى الصلاة ويسمع ما يقرأ فى كنيسة الله فإذا عاد إلى بيته طمسنا على قلبه حتى لا يفتكر شيئاً مما سمع. لأننا نحن لا حاجة لنا لا بأكل ولا بشرب ولا بنوم، وإنما اهتمامنا وجهدنا هلاك من يعبد الله. وإذا رأينا من يصدق ويكمل وصايا الله طرحنا فى قلبه الأفكار الردية ونقول أنظر.. لئلا تُهلِك مالك، وتحل بك الأوجاع الصعبة الردية والضعف ولا تجد من ينفعك. ومن كان راغباً أيضاً فى الصلاة فنجيب عليه الكسل والنوم الكثير وأكثر من ذلك نصنع قيامه وقت الكنيسة. وبالجملة نضل كل واحد وواحد عن طريق الله ومن يعطى قلبه لنا ويقبل مشورتنا نريد بذلك أن نبعدهم عن طريق ويبكتهم فى يوم الدينونة الحق لأننا عرفنا أن العذاب مُعد لنا." قال لـه القديس أبا كوه: "عرفنى أيها الروح النجس الظمت كيف تستطيعون أن تدنوا من عبيد المسيح." قال لـه الشيطان: "يا سيدى أبا كوه حبيب الرسل وجليس الأنبياء المبتهج مع الملائكة المرتل مع الكاروبيم. أقسم عليك باسم الآب وكنيسته وبقوة المسيسح وآلامه على خشبة الصليب. إرحمنى واطلقنى إذهب عنك. يكفينى (هذا) أنا المسكين الحقير." قال لـه القديس: "عرفنى الناس الذين ضليتهم." قال الشيطان الذين ضليتهم كثيراً أقوام أعميتهم، وآخرين غرقتهم وأموالهم هلكتهم، وآخرين خنقتهم حتى ماتوا، وكل الشرور التى فى العالم أنا مكملهم، وأكثر(من) ذلك فى المسيحيين الذين عليهم رشم الصليب. وهذه الرذائل جميعها صنعتها لم يستطع أحد أن يمسكنى إلا أنت لا فى الرسل ولا فى الشهداء. جربت يسوع المسيح ابن الله فى البرية وصعدت معه أيضاً على جناح الهيكل ولم يأسرنى وهوذا أنت أهنتنى أيها الشيخ البكر[7] أنت هو يوحنا الثانى البتول لأن ذلك أهاننى مراراً كثيرة. هذا وما يشبهه يقوله الشيطان للقديس أبا كوه." وإذا الوالى قد أرسل إلى السجن بغضب عظيم وأخرج القديس أبا كوه من السجن. وكان يسحب الشيطان على الأرض وهو يقول: "لا تفضحنى هكذا فإنى لا أقدر أستطيع أن أظهر قدام سطانائيل. مالى داله أن أستطيع أقابله الآن وهم يقولون أن المسيحيين رحوميين وأنت قد تقسى قلبك علىَّ ولم أجد فى قلبك رحمة." وكان القديس أبا كوه يمشى فى (المكان) ورما الشيطان فى موضع طمث مملواً نجاسه وانصرف وقدموا المجاهد أبا كوه إلى الوالى بوجه يضئ كالشمس ووجهه حسن وقلبه قوى بالرب يسوع المسيح فقال لـه الوالى: "يا أبا كوه الراهب من عرفك هذا السحر." فأجابه القديس أبا كوه وقال لـه: "يا جاهل وغير متأدب ربى يسوع المسيح هو الذى يبطل السحره وهو مع من يتوكل عليه وهو الذى أرسل ملاكه وخلصنى. فأما أنت فافتضح وأبوك الشيطان الويل لك يا مسكين الويل لنفسك الشقية لأنك أعددت لها النار التى لا تطفأ وصرير الأسنان والدود الذى لا ينام فى العذاب الدائم. والآن تُب أيها المسكين وانتشل قلبك من تحجره عُد إلى الرب يسوع المسيح بالتوبة فهو محب حنون يريد خلاص كل الناس ويفرح بمن يعود إليه ويوهب لهم غفران خطاياهم." فلما سمع الوالى ذلك امتلأ غضباً وأمر أن يُحرق وهو حى فجمعوا أخشاب كثيرة فى وسط المدينة وأوقدوها حتى عَلى نارها على المدينة عشرة أذرع وربطوا القديس بيديه ورجليه ورموه فى النار، فبسط يديه فى النار وصلى قائلاً: "أسألك يا سيدى يسوع المسيح إلهى لا ترفضنى ولا تتباعد عنى، ولا تطرحنى عن وجهك كن لى معيناً وخلصنى من هذه النار، لئلا يقول هذا الوالى أن إلهك لم يقدر أن يخلصك من يدى." فلما أكمل القديس صلاته وإذا برئيس الملائكة غبريال هبط عليه من السماء فصير النار كهواء بارد وكان القديس فى وسط النار يسبح الله وكلمه ملاك الرب فى وسط النار وهو يقول له: "لا تخف أنا معك فى كل شدائدك." ومسك الملاك بيده وأخرجه من لهيب النار ولم تؤلمه بشئ وقال لـه: "امضى مسرعاً إلى الوالى المنافق لتفضحه، وآلهته النجسة المصنوعة بالأيادى. فجاء القديس إلى الوالى وهو جالس فى وقت الصبح وصرخ وهو يقول: "افتضح الآن أيها المنافق لأن الرب أرسل ملاكه وأنقذنى ونجانى من النار." فالتفت الوالى وقال: "من هو هذا الذى يصيح." فقالوا لـه: "هو أبا كوه الراهب." فقال: "إن هذا سحر عظيم." وامتلأ غضباً من غضب الشيطان وأمر أن يحضروه. وأمر بإحضار كلاليب نحاس محميه بالنار ويغرسها فى جسم القديس. وأمر أن يقيموه بين عمودين وأربعة من الجند قدامه. وأربعة من الجند خلفه وحموا تنور حتى صار ناراً مملواً، ودوروا اللولب على جسد القديس حتى تكسرت كل عظامه وانفصلت كل أعضائه، ولم يرجع عن صبره وهو يسبح الله بقوة عظيمة. وفى الوقت هبط ملاك الرب غبريال من السماء وأطفأ النار عن القديس وفك الرباطات كلها، وارتجفت النار وأحرقت النار الجند الذين كانوا يعذبون القديس واحترقت اللوالب أيضاً. وكان يسبح الله وهو يقول: "ربى يسوع المسيح …معطى الحياة لكل أحد خالق العناصر من لا شئ الذى مد السماء كالخيمة وأعطى نسمة الحياة لكل مخلوق، خالق السموات والأرض، الجالس على حدود المياه وأعالى البحار، الذى لم يترك الإنسان الذى خلقه بيده المقدسة، الذى جعل الوحوش الكاسرة خاضعة للناس، وجعل التنين يسحب على بطنه على الأرض، واخضعته إلى أسفل لأجل الإنسان الذى خلقته على صورتك ومثالك. ولما أخطأ طردته من فردوسك. الذى ألبس آدم وحواء ثياب من جلود ونفاهم إلى هذه الدنيا المملؤة تعباً وهو الذى أدرك قايين وقبل قربان هابيل الصديق. الذى وهب لآدم شيث ولداً عن هابيل. الذى هدم برج الجبابرة من أجل جحودهم، الذى أرضاه أخنوخ فرفعه إلى السماء ولم يعاين الموت، الذى نفى حام من إخوته وأهانه بالعبودية فإنه نظر عورة أبيه ولم يستحى الذى كان مع نوح فى الطوفان، الذى دعى إبراهيم وأخرجه من أرض الكلدانيين ووهب لـه إسحق الذى أحرق سدوم وعمورة والمدن التى حولها الذى خلص لوط وأخرجه من بين الناس المنافقين من أجل محبته لله. ولما ارتجعت إمرأته إلى ورائها حيث المنافقين صارت عمود ملح. الذى أحب اسحق وباركه وبارك على يعقوب. الذى خلص يوسف من بين يدى اخوته. ونجاه من أيدى إمرأة عزيز مصر ووهب له مُلكاً. الذى ملك داود ملكاً وأهلك جالوة (جليات) الفلسطينى. الذى جاء إلى العالم بمسرة أبيه وروح القدس المحيى، الذى تجسد من مريم العذراء من أجل خلاصنا، الذى تمجده الملائكة ورؤساء الملائكة، الذى يقيم الأموات بكلمته، الذى اختار الرسل لبشارة لاهوته، الذى صُلب من أجلنا على عهد بيلاطس البنطى. الذى دفن وقام من بين الأموات فى اليوم الثالث كما فى الكتب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين القوة فى العلا يهدى الضالين، أب المظلومين، أنت وحدك لا خطية لك. أنت وحدك الرؤوف، أنت وحدك القوى ولا أحد من الناس يستطيع أن لا يمجدك مما تستحق. أسألك ياربى وإلهى أنا هو الغير مستحق أن أموت على اسمك المقدس. نجنى يا سيدى حتى أفضح هذا الوالى المنافق وأبوه الشيطان. فأرسل إليك تسبيح أيها الآب والابن والروح القدس إلى دهر الداهرين. أمين. فأما الجمع لما رأوا القديس أبا كوه لم يألمه شئ البتة صرخوا قائلين: "واحد هو إله القديس أبا كوه، ولا إله سوى الرب يسوع المسيح إله الحق." وفى ذلك الوقت صاحوا ثلاثماية رجل قائلين: "نحن مسيحيين علانية أيها الوالى الظالم، إذا لم تأمر بأنجازنا بسرعة حرقناك وقتلناك وكل من ينتسب إليك." فلما سمع الوالى ذلك امتلأ غضباً على القديس أبا كوه ولم يستطع أن يعذبه من أجل الشعب. لأنهم كانوا يصرخون عليه قائلين: "الرب يهلكك ويهلك كراسى المنافقين ويمحيها ويخرب البرابى من على وجه الأرض. والآن أيها المنافق عذبنا كيف شئت هوذا النار والسيف وآلة العذاب إفعل ما أمرك أبوك الشيطان فاعلم أننا قد اخترنا الجزاء الحسن أن نموت على اسم ربنا يسوع المسيح ونفرح معه فى ملكوته إلى الأبد." فلما سمع الوالى ذلك بهت وتحير فيما يعمل فقالوا له جلسائه: "لماذا أنت باهت هكذا ومتحير فيما تفعل. وقالوا لـه (أيضاً) الطائفة التى تتبعه: "اضرب أرقابهم وبعد هذا تعلم ما تفعل بأبا كوه الراهب." فلما سمع الوالى ذلك من جلسائه قال: "اخرجوا هؤلاء المنافقين خارج المدينة." فضربوا أعناقهم على اسم الرب يسوع المسيح، وعدتهم ثلاثماية رجل الذين لبسوا الأكاليل وورثوا الحياة الدائمة التى بلا فساد إلى الأبد أمين. وبعد هذا أمر الوالى أن يطرحوا القديس فى السجن حتى ينظر بأى موته يميته بها. حينئذ قام القديس أبا كوه تلك الليلة كلها يصلى إلى الرب يسوع المسيح جل اسمه، لأن الرب نزل إليه فى الحبس (محمول) على الكاروبيم وميخائيل وغبريال قدامه وجميع الملائكة يسبحون وقاله: "السلام لك يا أبا كوه البكر الطاهر، أنا يسوع ملكك، أنا معك لا تخاف، أنا اسمع تضرعك كل حين، وهوذا وهبت لك ثلاثة أكاليل، أكليل عن بتوليتك، وإكليل عن كهنوتك وقداستك.. ، وإكليل عن دمك الذى يهرق على اسمى القدوس. تقوى فإنى معك فى كل حين وقد بقى لك ثلاثة أيام فى هذا العالم الفانى وتصعد إلىَّ وتفرح معى فى ملكوتى إلى الأبد." حينئذ خر القديس أبا كوه على وجهه، وسجد للسيد المخلص ربنا يسوع المسيح وهو يقول: "ياربى يسوع وإلهى ومخلصى يسوع المسيح اسمعنى اليوم فى طلبتى التى أطلبها منك." أجابه المخلص الرب يسوع المسيح له المجد وقال له: "الحق أقول لك يا صفىَّ ومختارى أن كل ما تطلبه وهبته لك. وكل إنسان يجئ إلى كنيستك ويدعوا ويقول يا إله ..أبا كوه كن لى معيناً. فإنى استجيب لـه." فأجاب القديس أبا كوه وقال: "يا سيدى وإلهى إذا حضر أحد من أهل بلدى قدام سلطان ويفتكر اسمى ويقول يا إله .. أبا كوه كن اليوم معى انجده سرعة وخلصه. ومن كان فى لجج البحر فى خوف وغرق أو فى شدة ويفتكر اسمى ويدعوا إليك به اسمعه ونجيه سرعة وسهل إليه ميناء السلامة فى مسيره. (وإن كانت) إمرأة تعسر فى طلق ولادتها وتدعو إليك باسمى سهل خلاصها. ومن رفع قربان إلى كنيستى أوهب لـه بركتك تكون فى منزله كل أيام حياته. ولا تعجزه شيئاً من خيرات العالم. ومن لبّس جسدى شيئاً من لباس العالم. ألبسه من لباس المجد وهو صاعد إليك وسهل سبله فى كل حين وفى كل الأماكن. والذى يهتم بكتاب شهاداتى أخزق كتاب خطاياه وتكتب اسمه فى سفر الحياة. من يتصدق صدقة على اسمى تجعله ياكل فى وليمة الألف سنة ويكون مستحقاً أن يكون مع قديسيك. وكل رجل يكون فى شدة ويفتكر اسمى ويدعوك. اسمع منه يارب وهب له طلبته." أجاب المخلص وقال: "يا مختارى أبا كوه يا حبيب أبى الصالح. الحق أقول لك إن كل ما طلبته منى، والذى لم تطلبه وهبتهم لك. وكل من يدعونى باسمك أنا اسمعهم سرعة وأخلصهم من شدايدهم." فلما قال السيد المخلص يسوع المسيح هذا للقديس أبا كوه صعد إلى السماء بمجد عظيم والملائكة تسبحه. ولما كان فى الغد الثامن والعشرين من شهر طوبة جلس الوالى عند باب المدينة وأمر بإحضار القديس أبا كوه وهو مربوط يديه ورجليه. قال الوالى: "أيها الشيخ المخالف إلى الآن لم ترض أن تسجد للآلهة أيها الشيخ الجاهل." أجاب القديس أبا كوه وقال: "لا يكون هذا أبداً أيها المنافق أن أعبد أصنام ميته ظمته نجسه، صنعة أيدى الناس." أجابوه جلسائه وقالوا: "إن سمعت منا ما نُشير به عليك. فأمر بإنجازه وإن أبقيته فى هذه المدينة فهو يصنع عجائب كثيرة وقوات عظيمة ويرجموننا أهل المدينة ويخرجوننا منها منفيين بسببه." فلما سمع الوالى ذلك من عظمائه فزع جداً وأمر بإخراجه وكتب هكذا وهو يقول: "أبا كوه الراهب الذى من إقليم الفيوم، تعبت مما أوقره، وهو لم يسجد لآلهة الملك، وأنا آمر أن تضرب رقبته بالسيف." فلما سمع القديس أبا كوه بإنجازه فرح جداً كمثل من يدعوه إلى العرس. وأن الجند أخرجوه خارج المدينة وأنه سأل الجند أن يدعوه يصلى إلى صاحب مجازى الرحمة ربى يسوع المسيح الذى أنا منتظر مدينته المقدسة أورشليم السمائية. وأن الجند تركوه يصلى إلى الرب يسوع المسيح وأنه أدار وجهه نحو الشرق وقال: "ياربى يسوع المسيح الذى أنا قبلت هذا العذاب على اسمه القدوس اسمعنى اليوم وكمل لى كل ما طلبت منك." وإذ صوت الرب قد جاء إليه وهو يقول: "والآخرين الذين لم تطلبهم قد وهبتهم لك. تعال إلىّ لأعطيك أجرة تعبك الذى (تعبته) من أجل اسمى المقدس." فلما سمع القديس أبا كوه ذلك مد عنقه وضربت رقبته فى الثامن والعشرين من شهر طوبه فى سادس ساعة من النهار (أى الساعة 12 ظهراً) وحملت الملايكة نفسه إلى السماء بمجد عظيم، وألبسه ربنا يسوع المسيح لـه المجد ثلاثة أكاليل وفرح القديسين فى أورشليم السمائية. مدينة المسيح. أنا يوليوس الأقفاصى (الأقفهصى) كما اعترف القديس أبا كوه هكذا كتبت الذى وقعت عينى عليه أنا أشهد لكم أنى لم أزيد على تعب القديس ولا نقصت منها شئ لئلا يغضب الله علىَّ وكفنت أنا جسده بيدى وسيرته إلى بلده سرعة مع عبدى وسيرته إلى مدينة الفيوم. فوجد أهله هناك أخذوه وسيروه إلى بمويه بلده. وشهد لى أيضاً عبدى وهو يقول رأيت عجائباً كانت تخرج من جسده. فخرج أهل بلده ومسكوه. وان أهل البلد أرادوا أن يبنوا بيعة للقديس بيعة فى بلده. وإذا صوت خرج من جسد القديس وهو يقول المكان الذى كنت فيه حيث كنت فى الجسد هو الذى أكون فيه إلى الأبد. وللوقت أخرجوه إلى البرج الذى كان فيه حيث كان فى الجسد وبنوا له فيه بيعة حسنة، وعاد العبد إلى عندى وعرفنى كل ما جرى وأسرعت وكتبت كتاب شهادته وسيرتها إلى بيعته وكتبتها أيضاً عندى وجعلتها فى خزانتى لتحل بركته فى منزلى إلى الأبد شفاعة هذا القديس تكون معنا جميعاً أمين. والمجد والكرامة وكل سجود وكل تسبحه وعظمة لربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا يسوع المسيح ولأبوه الصالح والروح القدس الحى والمحيى. من الآن وإلى دهر الداهرين أمين. 1 كتاب: سيرة الشهيد آبا كاو بقلم القديس يوليوس الأقفهصى ـ حققها وعلق عليها القس يوسف تادرس الحومى. ويذكر اسمه السنكسار المطبوع أبا كاؤو 2 28 طوبه توافق الآن 5 فبراير وكانت قديماً (فى القرن الرابع) توافق 23 يناير. 3 حكم دقلديانوس مابين 284م و 305 والمقصود بالسنة الثانية هنا السنة الثانية من بدأ اضطهاده الذى بدأه فى سنة 303م أى أن الأحداث وقعت فى عام 304م 4 يذكر سنكسار الكنيسة طبعة مكتبة المحبة أن المكان الذى تقابلا فيه كان فى منطقة اللاهون المعروفة الآن. 5 أى من الساعة 7ص إلى 2 ظهراً. أما السنكسار اليعقوبى فذكر أنهم عذبوه من الساعة 6 إلى 8 وهى تساوى من 12 إلى 2 ظهراً. 6 وردت هكذا فى المخطوط وربما تكون محرفة عن لوسيفورس وردت فى سنكسار باسيه باسم صوفوناسار. 7 يلاحظ أن الشيطان يحاول أن يوقعه فى خطية الكبرياء. |