21 طوبة: نياحة القديسة صوفيه

السنكسار القبطى اليعقوبى لرينيه باسيه إعداد الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر و توابعها. 

وفى هذا اليوم أيضاً تنيحت السعيدة صوفيه، فاسمعوا سيرتها المقدسة المختارة الطاهرة. كان بطريق يدعى اسمه تاوغنسطس المنسوب لجلالة الملوك الأبرار الأتقياء أرغاديوس وأنوريوس وزوجته تاوضورا، تلك التى كانت طايعة لبعلها البار. وكانوا أغنيا ذو اسم شائع فى عبادة الله وكان زوجها وزير الملك. وكان الملك يقول له مراراً كثيرة امضى إلى قلاية الأب البطريرك لكى يصلى عليك فيرزقك الله نسل إنسان يكون خليفة لك. ولما تمادى الحال يوماً بيوم أظهر كلام الملك لتاوضورا زوجته وأنهما اثنيهما حضروا إلى البيعة عند حقارتى أنا يوحنا واطلعانا على سرهما. أما أنا فقلت لهما إن يد الله على قلب الملك وربما قد يكون قد قال هذا الكلام بالنبوة. وإنى ادخلتهم إلى البيعة وصليت عليهم قائلاً الذى استجاب رفقه وأعطاها يعقوب، واستجاب حنه ووهبها صموئيل هو الذى يظهر عجائبه ويستجيب لكما، ويعطيكما سؤلكما. وأمرت فى ذلك الوقت أن يأتونى بيسير من ماء اللقان وبيسير من زيت القنديل، فدهنتهما، ومضوا إلى منازلهم بسلام. وعند كمال تسعة أشهر ولدوا هذه العطية العظيمة التى هى المغبوطة صوفيه هذه التى أنارت بنورها مدينتنا بأسرها وسيرتها النسكية الملائكية. ولما ولدوها أتوا بها إلى البيعة عند كمال أيام تطهيرها، وقالوا يا أبونا هذه ثمرة بركاتك. فباركتها وأعطيت المجد لله على عظم عطيته التى أوهبها سريعاً. وقلت لهم مجدوا الله وكونوا دايمين على الإيمان باسمه إلى العاقبة. ثم انتهى الخبر إلى الملك البار فتعجب وسبح الله على الذى جرى.

فأما أمها فربتها بأحسن تربية إلى أن أكملت خمسة سنين. لأنها كانت قد ظهرت جميلة المنظر، حسنة الصورة جداً، زهرة الوجه، مقاومة الاعتدال كحال العاج. وصنعوا لها أبواها مقصورة فوق سطح بيتها لشرف ملك أنوريوس وأرغاديوس حتى لا ينظرها أحداً من الناس البتة. ثم زخرف والدها تلك العلية والمقصورة التى لها بكثير من الذهب الخالص والجواهر الكريمة مرصعات كزينة كواكب السماء. ونصب تخوت من العاج ومتكآت من الذهب ورصع صليب فى الأرض من ذهب إبريز برسم سجودها عليه وترشم ذاتها.

ولما نشأت قليلاً خطبها من أبواها أحد الأشراف البطارقة اسمه قسطور. وعند كمال خمسة عشر سنة تزوج بالصبية زيجة قانونية على مافى ناموس الله برأى الملك. وذلك الفتى المسمى قسطور لم يكن له أب ولا أم وكانوا قد توفيا فى ذلك الوباء الذى حدث فى ذلك الزمان، فاحتسباه عند ذلك هؤلاء المغبوطين. ثم أن هذه الست المغبوطة صوفيه ولدت من هذا الفتى ثلاثة بنين. هؤلاء الذين تعرفونهم الآن. ودعت اسم الأول استيفانوس كأول الشهداء، والثانى بولس كاسم الرسول العظيم والثالث مرقس كاسم مرقس البشير. وبعد هذا توفى الفتى قسطور البطريق زوجها. فأمر أن يكون استفانوس الابن الأكبر قائماً مكان أبيه عن يمين الملك وبولس أخاه عن يساره. وكانوا أرثوذكسيين جداً على عقيدة أمهم وأمانتها. وبعد هذه الخطوب توفيا أبهات هذه المغبوطة صوفيه أبوها وأمها ثانياً. وأما القديسة صوفيه فإنها بقت وحدها مع أولادها الثلاثة وورثت أموالاً جزيلة عن أبوها وبعلها. ثم فكرت فى قلبها قائلة ها ابواى قد مضوا إلى الله وتركوا هذه الأموال الكثيرة ولم يستطع أن يمنع الموت عنهما والرجل الآخر الذى صرت له عوناً على ما فى الناموس سافر هو أيضاً فى سبيل كل أحد، ولم يستطع المال أن يفديه من الموت. وأنا أيضاً يقول لى الله اهتمى بشأن نفسك لأنك أنتى تابعة لهم وقد بلغتك نوبة الوفاة. وإن أنا قلت إنى أمكث فى العالم أرملة لأجل أولادى، فليس يدعونى الملوك، بل سيلزمونى الاختلاط بزواج ثانى فيمقتنى الله وأكون مرذولة أمامه غريبة عن أبواى وبعلى. وإن أنا قلت أيضاً أن أمضى إلى دير وأصير راهبة فقد تحترق جوارح قلبى على أولادى ويحرقوا الدير بسببى. فماذا أصنع الآن. أقوم وانطلق إلى البيعة عند أبى البطريرك وجميع ما يشير به علىَّ امتثلته وصنعته.

فقامت تلك المرأة القديسة وحضرت إلى القلاية إلى حقارتى أنا يوحنا لسان الذهب وجعلت تطلبنى، فأخبروها اننى فى البيعة التى للعذراء مرتمريم أعظ الشعب. أما هى فقالت للبواب امضى وقول لأبى لسان الذهب إن صوفية ابنة الملك المغبوط تاوغنسطس البطريق تقصد الحضور إلى بين يديك. ولما سمعت ذلك أرسلت إليها اثنين من القهرمانات الأرامل الذين يخدمون البيعة كى يحضروها بكرامة عظيمة. ودخلت إلى مجلس منفرد فى البيعة إلى أن قربت الشعب والملك وأولادها الثلاثة من غير أن يعلموا حضور والدتهم إلى البيعة. ومن بعد القداس دخلت إلى المجلس أنا ومرقس رئيس القسوس والقيم وأمرت بحضور تلك المرأة الزكية صوفيه، لأن منذ يوم عَمَدتَها لم أرجع أشاهدها بالوجه إلى تلك الغاية. ولما دخلت خرت ساجدة عند قدمى وهى باكية قائلة لى بلغة الملوك الخصيصة؛ يا مولاى الأب البطريرك ماذا أصنع حتى أخلص نفسى التى لا يساويها العالم كله. فأجبتها أنا أيضاً قائلاً لها يا ابنتى إن كنت قد علمتى أن العالم لا يساوى نفسك فانتى الآن تفهمى كيف يكون خلاصك من جهته، ما قد سمعته فى البيعة بإذنيكِ. غير إنى كنت أشاهد روح القدس ناطق فى فمها. وقلت لها أنا أؤمن بالله أن نبوة الملك الذى خاطب أبواكِ قبل ميلادك قد تكمُل وتتم عليكِ. فأما هى فاخرجت ما قد احضرته من البركة وهى سبع مائة دينار وانصرفت إلى بيتها قبل وقت الغدا وحضور أولادها من قصر المملكة.

ولما دخلت مقصورتها وصلت وطلبت من الرب باجتهاد كى يوحى إليه بما فيه خلاص نفسها، ولم تنام تلك الليلة ولم تستقر إلا  ساجدة على الصليب الذهب المرصع طالبة من السيد المسيح ووالدته العذارء. وبغتة وإذا الموضع اضحى أكثر من ضوء الشمس أضعاف كثيرة. ورأت وإذا سحابة من نور قد دخلت إليها من طاق وحلت فى وسط المقصورة. فأما تلك المرأة القديسة صوفية فإنها لما شاهدت ذلك النور الأعظم اضطربت وصرخت قائلة يا يسوع ملك الحياة اعنى. وللوقت ظهرت لها من وسط السحابة العذراء مرتمريم مخاطبة لها قائلة عرفتينى يا صوفيه. أما هى فقالت لا يا سيدتى. فقالت لها أنا مرتمريم العذراء الزكية أم الحياة. إن كنتى تريدى رضا الله فليس يدعوكى فى هذه المدينة، قومى واتبعينى فأنا أخطبك لابنى . أما صوفيه فإنها خرت بوجهها على قدمى العذراء وصارت كأنها فى رؤيا لا تعلم ماذا كان لها.

ولما كان الغد وجدت نفسها على جبل الزيتون فوق مدينة يورشليم المقدسة، وكان دير العذارى هناك على تل جبل منحوت فى صخرة يدعى دير الشركة وعليه عذراء رئيسة قديسة تدعى أوفاميه قد شاهدت ملائكة الله مراراً كثيرة يرتلون فى كنيسة القيامة والجلجلة حيث صلب فيها السيد المسيح. وبينما هى قائمة تصلى فى الوقت أشرق النور وإذا ملاك قد تجلى عليها وقال لها يا اوفاميه؛ يا اوفامية إن العذراء الزكية مرتمريم قد حضرت إلى هذا الدير فى هذه الليلة هى وابنها، وانتم هوذا تعلمون المكتوب إذ يقول تيقظوا واسهروا لئلا يأتى العريس (فيجدكم نياماً). والآن فانهضى واخرجى إلى برا باب الدير فتجدى هذا الإناء المختار، فخذيه واعبرى به إلى هذا الموضع. وللوقت اختفى عنها الملاك. أما القديسة اوفاميه رئيسة ذلك الدير فانها أخذت معها عذراتين قديسات وخرجوا باكراً عند إشراق النور إلى خارج باب الدير فوجدوا القديسة صوفية وهى ملتحفة بازار من الخرز المنسوج بالذهب الخالص والصليب الذهب الذى كان مرصع فى المقصورة التى لها منصوب أمامها. أما المغبوطة صوفيه فإنها لم تكن تعلم أنها خرجت من مقصورتها بل كانت تظن أنها فى الرؤيا. فلما شاهدتها الرئيسة اضطربت لأنها كانت تظن أنها الملكة زوجة أرغاديوس الملك. فخرت على الأرض ساجدة لها. أما القديسة صوفيه فإن عينيها انفتحوا وأبصرت ذلك التل من الجبل والدير، وأبصرت العذراء ساجدة لها. فاضطربت وذهلت وقالت بلغتها واحد هو الله لأنها كانت من أهل القسطنطينية لا تعرف لغة أهل بيت المقدس. لكنها أشارت بيدها نحوهم قائلة اعبروا بى إلى الدير وكانت تتكلمهم بلغتها ولم يفهموا. فعبروا بها إلى الدير لأن النور قد أشرق وطلعت الشمس مشرقة.

فاجتمعوا سائر العذارى لمشاهدة هذه الأعجوبة. وكانت واحدة من العذارى اسمها اخروسا كانت أمة لأحد البطارقة بمدينة القسطنطينية. وهذه هربت من وجه مولاها وأتت إلى هناك واستقرت فى الهدوء والسكون من أجل الله. ولما تفرست فى وجه القديسة صوفيه اضطربت وصرخت بصوت عظيم وقالت يا سيدتى صوفيه كيف تركتى مقصورتك المغشاة بالذهب وحضرتى إلى ها هنا. ومن الذى أرشدك وحملك فى هذه المسافة العظيمة، أين أولادك الثلاثة الملوك الأعزاء استيفانوس وبولس ومرقس، لأن أبوك وامك توفوا قبل خروجى من القسطنطينية. أما المغبوطة صوفيه فإنها لما علمت وسمعت لغتها فرحت ورفعت عينيها وقالت إنى تركت عنى كل هؤلاء من أجل سيدى يسوع المسيح وهو الذى أرشدنى وأتى بى إلى ها هنا، وعانقتها وفرحت بأنها وجدت من يعرف لغتها ويكلمها. أما القديسة صوفيه فإنها عرفَّت المرأة بكل شئ جرى، وكيف حملتها السحابة من القسطنطينية واحضرتها إلى هاهنا. ثم أن أخروسا حدثت الأم والأخوات والعذارى وتوجهت إلى رئيس الشمامسة بالبيت المقدس وحدثته بجميع ما جرى لها. وخافوا من أجل غضب الملك. وأوصل رئيس الشمامسة الخبر إلى الأب البطريرك ببيت المقدس وقص عليه جميع ما جرى لها فنهض البطريرك أنبا تاوضروس ماشياً على قدميه ومضى إلى دير العذارى وشاهد بعينيه هذه الأعجوبة ومجد الملك العظيم يسوع المسيح وفكر وقال؛ نخشى لئلا يجرى على هذه المدينة ضنك شديد من جهة الملك وأولادها الثلاثة. فكاتبهم سريعاً ثم كتبوا مطلعة بجميع هذه الأمور التى كانت وأرسلوها إلى الملك البار ارغاديوس. وبينما الكتب فى الطريق قبل وصولها إلى مدينة القسطنطينية، لأنهم أقاموا ثلاثة أشهر قبل وصولهم هناك.

فأما أولادها فإنهم لما دخلوا إلى منزلهم ولم يجدوا والدتهم خزقوا ثيابهم وطافوا جميع الأماكن بسببها ولم يجدوها. فأخبروا الملك بذلك فحزن جداً وتعجب مما كان. وإن واحداً شريراً تقدم إلى أولادها وأعلمهم قائلاً إنى قد شاهدت أمكم فى قلاية البطريرك. أما هم فبادروا بالحضور إلى الكنيسة وثيابهم مخزقة ورؤوسهم مملوة تراب، وهم صارخين وعبيدهم قائلين، يا أبونا البطريرك انعم علينا بوالدتنا لئلا نموت من أجلها. أعنا يا مولانا الأب لأن النار اشتعلت فى جوارحنا. حى هو السيد المسيح إذا ما أنت نظرت إلينا بالرأفة فى هذه الساعة العسرة نحن وهى سنكون تحت أحكام البيعة إلى الأبد. هب لنا والدتنا فقد نشاهد وجهها لأن أمعائنا قد تقطعت منا ونحن نجلب الموت على أنفسنا بالخنق أو التغريق فى مياه الأنهار. وأما ابنها الأصغر مرقس فإنه انطرح على التراب برا باب البيعة وصار كالأموات. أما رئيس القسوس فإنه أخبرنى بجميع هذه الأمور التى كانت فنهضت أنا لوقتى ونزلت إلى مجلس البيعة وأمرت أن لايدخل أحد سوى أولادها الثلاثة وعند دخولهم خروا ساجدين على الأرض تحت قدمى وهم باكين بكاءاً مراً. وبالجهد قدرت أرفعهم إذ قبلت رؤوسهم ورسمت قلوبهم بالصليب إلى أن أجلستهم مسترضين للحديث معى لأنى أنا أيضاً كنت قد بكيت جداً على ما قد كان إذ شاهدت هؤلاء الثلاثة فتيان الملوك فى هذا الحزن الكثير لأجل أمهم. ثم قالوا لى يا سيدنا الأب قد أعلمونا أن والدتنا عندك فلا تغفل عنا لئلا نموت فى هذا الحزن الكثير. ترآف علينا يا أبونا وليس نخرجها من تحت طاعتك إلى الأبد. وبينما هم يتكلمون بهذا ومثله وإذا ملاك الرب قد لمس جنبى قائلاً يا يوحنا المرأة التى هؤلاء فى طلبها الآن مقيمة فى بيت المقدس فى دير من ديارات العذارى. وحملتها السحابة وأوصلتها إلى هناك فى ليلة واحدة. ومن بعد ثلاثة أشهر سيورد إليكم كتاب بسببها. وحدثنى الملاك بجميع ما قد اتفق لها. أما أنا فالتفت نحو بنيها وقصصت عليهم جميع ما عرفنى به ملاك الرب. أما هم فانصرفوا إلى منزلهم بحزن عظيم.

أما المغبوطة صوفيه فإنها دفعت ذاتها إلى نسك صعب، وربطت جسدها بالعبادات المتواترة بالجوع والعطش حتى صارت تأكل من السبت إلى السبت ولم تكن تذوق خبزاً بالجملة سوى يسير من حبوب مبلولة بالماء، لأن الله الصالح كان قد دبرها كحسب إرادته. وعند كمال ثلاثة أشهر وصلت كتب بطريرك يروشليم وسلموهم للملك. فلما وقف على الكتب تعجب كيف حملتها السحابة وأوصلتها إلى جبل الزيتون. أما الملك المحب لله اغاديوس فإنه خر على وجهه ساجداً للرب وتوجع قلبه وبكى وقام وحضر إلى البيعة وطلبنى وأعطانى كتب البطريرك. ثم قال لى ماذا نصنع حتى نعزى بنيها لأنهم من أكابر الدولة وهم انسبائى وأقاربى. فأجبته قائلاً هكذا ليس أحد يعاند سلطان السيد المسيح. لكنى استدعيهم إلى هاهنا. فأرسل الملك عند ذلك حاجبين ليستدعيهما قائلاً إن الملك والبطريرك يلتمسا حضوركم أمامهم. فقام ثلاثتهم وحضروا إلى البيعة لأن وجوههم كانت قد تغيرت من الغم والحزن. ولما دخلوا إلى البيعة رفعوا أصواتهم قائلين احضر لنا والدتنا يا أبانا لأننا سنموت بسببها، فلتدركنا معونة صلواتك يا أبانا لأن قلوبنا فنيت من الغم الحزن، ونحن نؤمن أنها لو كانت ماتت أو افترسوها السباع فالسيد المسيح قادر أن يقيمها لنا بصلواتك الزكية. أما الملك فمد يده إليهم بالرسالة ولما قرأوها ووقعوا على مافيها من أمر والدتهم أفاضت عيونهم دموعاً كثيرة وهم قائلين إنا لانمكث دون والدتنا. ولما شاهد الملك ألم قلوبهم وكثرة حزنهم كتب لهم مطالعة بأمر نافذ ملوكى إلى مدينة يروشليم أن يقبلوهم ويزيدوا فى إكرامهم. فأخذوا حينئذ أموالاً كثيرة وركبوا الجراريف وسافروا فى البحر ولما مكثوا سائرين تكاملت لهم ستة أشهر من قبل وصولهم إلى مدينة يروشليم.

أما العالم بكل الغيوب سبحانه قبل كونها شاء أن لا يضيع تعب والدتهم صوفيه، لأن جسدها كان قد اضمحل من كثرة النسك، فتوعكت فى المرض من اليوم الحادى عشر من شهر طوبة الذى هو اصطباغ ربنا يسوع المسيح، وقد حضرت إليها العذراء الزكية ملكة الحق قائلة ياحبيبتى صوفيه. أجابتها قائلة نعم يا سيدتى ها أنا، وإنى لمحبة لك بكل قلبى وكل نفسى. قالت لها العذراء مرتمريم هلمى إلى النياح عندى فى ملكوت ابنى لأنى إلى كمال عشرة أيام فى يوم تذكارى أنا آتى وأصعدك إلى السماء عندى. غير أن أولادك الثلاثة قد حضروا إليكِ وسوف تشاهديهم بعينيك قبل وفاتك، فأوصيهم أن يسلكوا طرقك لكى يكون مستقرهم فى الأماكن التى نصلى فيها، وها جسدك سيذهبون به إلى مدينة القسطنطينية ويضعوه داخل المقصورة التى فيها أكملتى صلواتك، وسيقدسون بيتك بيعة باسم ابنى وتكون فيها قوات عظيمة، وتكون كنيسة جامعة للملك إلى الأبد. قالت لها المغبوطة صوفيا يا سيدتى لقد أخبرتينى بكل شئ، فماذا أجازى الرب الإله يا سيدتى الملكة وأم الحياة وشفيعة العالم عوضاً عن الآية عندى. وقامت العذراء ليلتها تلك بأجمعها تعزيها. وانصرفت من عندها ومن ذلك اليوم لم تستطعم شيئاً مما فى هذا العالم إلى حين مفارقتها للجسد.

وفى اليوم العشرين من طوبة صبيحة يوم الحادى والعشرين يوم عيد والدة الإله العذراء وصلوا أولادها إلى يروشاليم بمطالعة الملك، وجموع كثيرة من الأجناد. فخرج للقائهم أمير المدينة والبطريرك وأدخلوهم إلى المدينة بمجد عظيم. ولما سجدوا فى الأماكن المقدسة سألوا عن جبل الزيتون، وأخرجوا لهم كتب الملك. ولما قروها تعجبوا مما كان وسار الأب البطريرك أمامهم إلى حيث دير أمهم. ونزل العسكر فى البيت المقدس والأمير قائلاً لئلا يذهبوا إلى الدير فحصل للرهبان قلق بسببهم. وعند وصولهم قرعوا الباب ففتحوا لهم للوقت ودخل البطريرك فقط والثلاثة فتيان. ولما رأوا أمهم فى هذا التواضع الكثير بكوا جداً وقلعوا شعور رؤوسهم وخرقوا ثيابهم وألقوا التراب على رؤوسهم. أما والدتهم فرفعت عينيها إلى السماء وقالت؛ اللهم ماذا أقول وماذا أشكر عوضاً مما صنعت معى من الإحسان، لأنى بلغت إلى الساعة الأخيرة فأرسلت إلىَّ أولادى لكى أشاهدهم. ولما قبلها أولادها وقت طويل وتمسحوا متباركين بسائر جسدها الطاهر وهم باكين بكاءاً مراً. فكلمتهم برئاسة عظيمة ويقظة قائلة يا أولاد أحشائى ومسرة نفسى صبروا نفوسكم قليلاً حتى أوصيكم بجميع كلامى الخصيص لأن الوقت قد انقضى والعذراء البتول الطاهرة مرتمريم مقبلة إلىَّ لتعاهدنى فى هذه الليلة. وقصت عليهم جميع ما جرى لها منذ أن حملتها السحابة من مدينة القسطنطينية وعرفتهم بجميع عبادة الله وأوصتهم أن يعطوا مالاً للدير الذى للعذارى الراهبات قائلة إن هؤلاء هم الذين قبلونى واحسنوا إلىَّ فى غربتى. وأقامت ليلتها تلك كلها ليلة الحادى والعشرين من طوبة توعز إليهم وصايا الحياة إلى وقت صياح الديك. وقالت لهم أنا استودعكم يا أولادى بالرب الآن هوذا ملكة الحق والحياة قد حضرت إلىَّ. ولما سلمت على أولادها سلام الوداع مع جميع العذارى رشمت على وجهها ثلاث مرات باسم الآب والابن والروح القدس وفتحت فاها وأسلمت الروح فى الحادى والعشرين من شهر طوبة يوم عيد العذراء أم النور.

وعبق فى ذلك الوقت نوراً عظيماً حتى سمع جميع العذارى ترتيل الملائكة قدام نفسها وكفنوا جسدها بايزارات من خرز وحللاً من الديباج وأطياباً فائقة مختارة وجعلوها فى تابوت رخام إلى ثلاثة أيام إلى أن هيئ الصناع والمعلمين الصياغ تابوت من فضة مصفاة وجعلوا فيه جسدها وحملوها وذهبوا بها إلى مدينة القسطنطينية. وعبروا به إلى مقصورتها وجعلوها على سرير من عاج مرصع بالذهب المختار. واجتمعت عند ذلك جموع كثيرة لكى يشاهدوا الأعجوبة ويسجدوا على جسدها المختار كحال سائر الشهداء وكانت قوات كثيرة واشفية تكون من جسدها. فأما الملك وأولادها فاستشاروا بى قائلين هذا البيت هو للمسيح وليس من الواجب أن يسكنه أحد من البشر سوى السيد المسيح وعبدته. أما أنا فلم أتهاون البتة بل دخلت إليه ورشيت فيه ماء التطهير وكرزته باسم الآب والابن والروح القدس، ودعيت عليه اسم القديسة صوفيه إلى يوم الناس هذا. وهى الكنيسة الجامعة يتقرب الملك فيها كل حين.

أما نحن يا حبائى فلنحسد سيرة هذه القديسة وفضائلها الشريفة المكرمة كى ننال أيضاً كرامتها بنعمة ومحبة البشر التى لربنا يسوع المسيح الرب يحفظنا بصلاتها أمين.