20 طوبة: مار اسحق السريانى أسقف نينوى

عن كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية للأب متى المسكين.

دخل مع أخيه دير القديس متى فى نينوى، ثم توحد فى مغارة. ولما اشتهر علمه وقداسته أُختير أسقفاً لمدينة نينوى.

وفى أول يوم من أسقفيته أتاه دائن ومدين يحتكمان إليه. فطلب المدين من الدائن أن يمهله قليلاً إلى أن يجمع لـه المال ويوفى الدين. فأبى الدائن وأصرَّ على تسليمه للحاكم. فأجابه القديس مار اسحق: "إن الإنجيل المقدس يأمر بأن الذى يأخذ مالك لا تطالبه، فلا أقل من أن تصبر عليه". فأجاب الدائن: "دع عنك كلام الإنجيل". فقال مار اسحق: "إذا كانوا لا يستمعون لكلام الإنجيل فماذا أتيت لأعمل؟"

ولما راى أن تدبير شئون الأسقفية سيُفسد عليه عمل وحدته، ترك الأسقفية وهرب إلى برية الأسقيط وأكمل جميع أيام حياته فيها.

وبلغ حداً عالياً من القداسة. وكان معلماً ومرشداً للرهبان وميناء خلاص لكل أحد. ووضع أربعة كتب غاية فى الروحانية فى تعليم النسك والتوحد، تُرجمت إلى العربية. ولـه كتب أخرى بالسريانية لم تُترجم بعد إلى العربية.

 

بعض من أقوال القديس مار اسحق السريانى:

22ـ الصلاة يسبقها خلوة، والخلوة يمكن التمرن عليها بالصلاة، ومن الإثنين نكتسب حب الله لأن فى كلتيهما أسباباً تدعو لحبه، والحب ثمرة الصلاة.

يا أحبائى، إن العِشرة السرية والإنشغال فى الأمور الروحية يُشار إليها بكلمة "الصلاة" سواء كانت تلاوة أقوال مقدسة عن ظهر قلب ولكن بتمييز وإدراك، أو كانت ترتيلاً وتسبيحاً لله، أو تذكراً دائماً لعنايته أو سجوداً أمامه، او مزامير التهليل والتمجيد. فالصلاة إذن، هى نبضات الإرادة الحية بالله الميتة عن الحياة اللحمية، لأن من يصلى بالحق هو مائت عن العالم. فداوم الصلاة يعنى دوام إنكار النفس وميتوتة النفس".

60ـ الصلاة تشجع الضمير، وتُلبس العقل قوة. وتقوى الرجاء الذى يلهب الضمير، فيتجلد الإنسان تجاه الضيقات ويصبر على شرور الأرض. لأنه يوازن كل حين بين هذه الأتعاب وبين الخيرات العتيد أن يرثها، فيستهين بالعذابات وأنواع الآلام.

61ـ الصلاة الكاملة ترشد إلى السماء وترذل محبة هذا العالم، بالصلاة نستدرج النعمة إلينا التى تسمى الملكوت، لكى إذا أحسسنا بها ننسى الأرض وما فيها، ونتذكر كل حين أن لنا معيناً قوياً غير منظور.

62ـ بواسطة الألفاظ ندخل إلى الأسرار، فالصلاة تقرِّب العقل إلى الله.

63ـ ليس لأجل سؤالنا يعطى الله مواهبه وإنعاماته بل إنما جعل سؤالنا وطلبتنا واسطة كلام يوصل العقل إلى تفرس أزليته لإدراك مقدار اهتمامه بنا.

66ـ الذى يتهاون بالصلاة ويظن أن لـه باباً آخر للتوبة فهو مخدوع من الشياطين.

76ـ الهذيذ فى الكتب المقدسة ينير العقل ويعلم النفس الحديث مع الله.

77ـ الذين يعرفون الكتب المقدسة يسهل عليهم التضرع فى صلاة حقيقية.

78ـ توجد قرءة تعلمك كيف تدبر أمورك، وتوجد قراءة تشعل النفس بحلاوة الفضيلة. كن مداوماً الهذيذ فى الكتب الألهية وسير القديسين، لأن من دوام التفكير فيها تنمو فيك أفكار حارة وتسهل عليك الصلاة وتجعل الضيقات هِّينة فى عينيك.

81ـ الباب الذى يدخل منه الإنسان إلى الحكمة هو الهذيذ فى الكتب.

83ـ الصلاة التى يشير بها الآباء لا تكون بالكلام فقط ولا ينمكن تعلمها بالألفاظ، لأنك لا تصلى أمام إنسان، بل إنك ترسل صلاتك قدام الذى هو روح. والصلاة الروحانية أعمق من الشفتين واللسان، وأعمق من التلاوة. فإذا ما أراد الإنسان أن يصلى بها غطس إلى داخله قلبه بعيداً عن الفم واللسان، هناك فى بلد الملائكة، بغير كلام يقدِّس مثلهم. فإذا عاد إلى اللسان ليعبر عن شعوره، فقد خرج من بلد الملائكة ومن التشبه القليل بهم.

85ـ إذا تقدم الإنسان بالنعمة فى تدريب الهذيذ فإنه يبتدئ قليلاً قليلاً يلاحظ الأفهام السرية الكائنة فى كلام الله، وفى المزامير، وفى بقية الأعمال الجارية حوله، وفى حركات الروح داخله، وينظر سفينة حياته تسير إلى قدام يوماً بعد يوم.

87ـ إذا مل الضمير من الهذيذ فى المزامير والصلوات، إشغله فى الألحان لئلا يميل منك إلى الطياشة.

91ـ الهذيذ الدائم بالله يؤهلنا للصلاة بلا انقطاع. ومن الصلاة يتحرك القلب للهذيذ بغير فتور فى الله.

93ـ الصلاة تقرب العقل غلأى الله، وبالهذيذ يتشجع العقل فيتفرس فيه فيتنقى ويتقدس. هذا هو الهذيذ الذى يتسلط على كل الأفكار ويضبطها، فيستضئ العقل بالخفيات الداخلية ومعرفة الله. ومن هنا نستطيع أن نقول: "من يقدر أن يفصلنى عن حب المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم خطر أم سيف؟ إنى مصلوب للعالم والعالم مصلوب لى.

94ـ بالحديث مع الله فى الصلاة نتقدم لنظرة الملكوت، الموضع الذى نحن مزمعون أن نقدم فيه السجود بالروح والحق الذى لا يحده جسد ولا جهة من جهات العالم.

96ـ نحن نداوم على الصلاة ليقتنى عقلنا حياءً وتعففاً من النظر الدائم فى الله والكلام الهادئ معه.

97ـ حرارة الصلاة والهذيذ تحرق الآلام والأفكار الشريرة كمثل نار آكلة. هذا النوع من الهذيذ يمنحك أجنحة ويبلغك إلى العقل الروحانى الذى تكون خدمته بالروح وليس بالفم.

99ـ أنا أنصحك أن تجلس فى هدوء، وابدأ برفع قلبك فى صلاة صامتة! بدون تلاوة محفوظاتك من المزامير أو غيرها وبدون سجود. إذا استطعت أعبر ليلتك بكل وسيلة ممكنة جالساً فى هذيذك الحلو (اختبار متقدمين فى تدريب السهر)

116ـ أهلنى يارب أن أعرفك وأحبك لا بالمعرفة الموجودة فى تشتت العقل الحادثة من تعليم الكتب، بل أهلنى لذلك العلم الذى به يعرفك العقل عندما يزول منه الإحساس بالعالم ويرتفع عن التصور والإرادة، فستنير بك برباط الصليب ويمجد طبيعتك بحرية النظر إليك والاتصال الدائم بك.

124ـ حالتان متغايرتان توضحان غنى النعمة العظيم الذى يعمل بطرق مختلفة فى كل واحد حسب قياسه. فواحد تهبه النعمة غيرة حادة فيضاعف ويزيد من عدد صلواته، وآخر تهبه النعمة هدوءاً فى نفسه يشمله تماماً حتى أنه يضطر لاختصار صلواته الكثيرة إلى صلاة واحدة قصيرة يرددها فى هدوء.

129ـ الشعور بالفرحة أثناء الصلاة، خلاف الرؤية أثناء الصلاة، والأخيرة أرفع من الأولى كما يمتاز الرجل البالغ عن الولد الصغير. إنه يحدث أن الكلمات تصير حلوة فى الفم حتى أن كلمة واحدة تملأك سروراً، ومن فرط الشعور بعدم الشبع لا يدعك أن تتركها إلى ما بعدها. ولكن حينما يدخل الإنسان فى التأمل يجعل الصلاة بكلماتها تتلاشى من الشفاه. والذى يؤهل لهذه النعمة يشعر أنه بلا جسد من فرط عدم الشعور به ومن الذهول الذى يغشى العقل الواعى. هذا ما نسميه الرؤية فى أثناء الصلاة وليس هو صورة أو شكلاً من تزوير الخيال كما يتراءى للجهال.

وحتى هذه الدرجة تدعى صلاة لأن الفكر لم يعبر تماماً ذلك الحد الذى يفصل الصلاة عما هو أعلى منها، لأن حركات اللسان والقلب أثناء الصلاة هى مفتاح لذلك الشئ الذى من بعده يكون الدخول إلى موضع الكنز، حيث يكف اللسان وتجمد الشفاه ويهدأ القلب ويقف العقل عن طوافه وترتخى الحواس ويعجز الفكر عن التحليق.. يقف الكل بلا حراك، والصمت يسود مملكة الإنسان الداخلية لأن السيد قد حلّ فى هيكله.

160ـ لأنه ليس بنظر الجسد نبصرعالم الروحيات، لأن النظر الحقيقى إنما يكون بالنفس، لأن النفس تنظر كل شئ على حقيقته بمعرفة، أما الجسد إذا نظر بلا عقل فيكون كالبهيمة، أما النفس فتنظر بدون الجسد نظراً روحانياً. العقل والنفس ليسا مرتبطين لأن النفس وإن كانت ساكنة فى الجسد إلا أن معرفتها تمتد إلى كل شئ، وعلى الرغم من ارتباطها بالجسد تبقى متحررة منه، وفرحها دائماً يكون منفصلاً عنه، وعلى الرغم من وجودها معه على الأرض فهى دائماً تميل إلى العلو حيث بلدها الحقيقى. وهى وإن كانت محبوسة فى هذا العالم إلا أنها تحسب من اهل السماء، وإن كانت تحيا مع التاربيين إلا أن لها حياة مخلدة مع الروحانيين وتمجد معهم خالق الكل.

فاجمع نفسك يا أحى واحرص على أن يكون مسكنك عند سيدك. إرفع أجنحتك من الأرض وتطلع إلى البلد الذى استعددت لـه، لأن هناك يشاء الخالق أن تكون سكناك دائماً.

هو إليك مشتاق، وإلى رؤياك عطشان، فاخرج كلم خالقك لأنه يحب كلامك وحديثك أفضل من المراتب العالية، وهو مشتاق إلى صوتك أعظم من ضجة الوحانيين، وهو يحب الترابى أفضل من مجمع النورانيين، ويفرح يصوتك وكلامك معه أفضل من بهاء الساروفيم، ويحب صورة الإنسان أفضل من شعاع السمائيين، وسماجة آدم الذى خلقه أفضل من كل المخلوقات. هو لمحبته لك أتى ليطلبك فاخرج أنت فى طلبه. هو تنازل إلى حقارتك ليرفعك إلى علوِّه، وأظهر ذاته للأرضيين ليجعلك مع السمائيين. فبالمحبة التى أتى بها إليك، أسألك أنت أيضاً بها وامض إليه.

163ـ فكِّر وافهم أن الفضيلة هى الجسد، والتاوريا (التأمل الروحى) هى النفس. والإثنان يكونان إنساناً روحياً كاملاً متحداً من جزئين: الأول محسوس والآخر معقول. وكما أنه يستحيل على النفس أن يصير لها وجود أو ميلاد بدون تمام تكوين جبلة الجسد، هكذا التاوريا أيضاً يستحيل أن تُدرك وتولد فى رحم الذهن الذى هو بيت نمو البذرة الروحانية بدون أن يكمل فى هذا الذهن كمال تجسم الحق.

261ـ والكل يستنير من الشمس الواحدة المعقولة، كل واحد حسب ما يستحقه على قدر تدبيره. ولا ينظر أحد منزلة مَّنْ هو أعلى منه أو مًنْ هو دونه لئلا يعرض لـه من ذلك حزن وكآبة عندما يقيس نقصه إلى كمال غيره، أو تكبر وتشامخ عندما يقبص كماله إلى نقص غيره. لكن هناك لا يوجد حزن أو تنهد ولا شر وتكبر، بل كل واحد يُسُّر فى داخله بالنعمة المعطاة لـه.

316ـ لا ينبغى ـ من غير ضرورة أكيدة ـ أن نسأل أو نشتهى أن تكون على أيدينا أعجوبة ظاهرة أو استعلان. لأنه إذا لم تكن هناك ضرورة فالرب لا يُظهر قواته ولا يعطى آية بلا سبب.. حتى لا تكون المعجزة حقيرة فى أعيننا وتتراءى لنا أنها أمر تافه.. أما إذا جدَّ أمر يستدعى إظهار قوته فإنه لا يتوانى فى إظهار اهتمامه لقديسيه، فهو يتركهم أولاً حتى يُظهروا حرصهم حسب قوتهم بالصلاة، فإذا عسر عليهم امر ما ولم يكن فى طبيعتهم الكفاية لـه، فحينئذ يتممه لهم بعظم قوته. هوذا القديس أمونيوس لما مضى لزيارة العظيم أنطونيوس وضل الطريق، أنظر ماذا قال: "يارب دلنى على مغارة عبدك".وماذا فعل الله معه؟ سمع نداءاً يرشده إلى الطريق!.. واذكر أيضاً ما صنع مقاريوس لما كان فى الطريق وزنابيله على كتفه قال: "يارب أنت تعرف أنه ما بقى فىَّ قوة"، فوجد فى الموضع الذى كان ماضياً إليه!

338ـ هذه القوة الروحانية حينما تحل فى النفس تعطيها لذة وتملأها فرحاً وسروراً يوماً بعد وتشعل فيها حرارة إلهية.

342ـ وتدبير السيرة الروحانية يتكلل بهذه الأكاليل الثلاثة: التوبة والنقاوة والكمال. فسُئل القديس ما هى التوبة؟ قال: قلب رحوم على جميع طبائع الخليقة سواء كانت بشراً أو طيوراً أو وحوشاً أو دبابات (ثعابين وحيات)، حتى أنه يكون من مجرد ذكرهم فقط تفيض العينان بالدموع من شدة الرحمة التى تعصر القلب، ولا يحتمل أن يسمع أو ينظر أذية تلحق بإحداها حتى ولو كانت حيواناً مؤذياً لأجل الرحمة الفياضة فى القلب بغير كيل بشبه الله.

350ـ ويصير رحوماً بالحق حتى أنه لا يعرف أن يفرق بين المستحق وغير المستحق. ومتواضعاً بالحق حتى أنه إذا مُدح وهو مستحق للمدح ما يستريح قلبه.

بركة صلواته تكون معنا آمين.

2  عن كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية للأب متى المسكين وقد احتفظنا بأرقام الأقوال كما هى فى كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية. غير ملتزمين بكتابة كل الأقوال التى أوردها الكتاب.