2 طوبة: نياحة أنبا يونا بجبل مدينة أرمنت

السنكسار القبطى اليعقوبى لرينيه باسيه إعداد الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر وتوابعها

          وفى هذا اليوم أيضاً تنيح الأب القديس أنبا يونا بجبل مدينة أرمنت لأنه كان من أهل المدينة المذكورة وهو ذو جنس شريف من أكابر هذه المدينة وابن وعد كمثل صموئيل. وهو ابن أخت القديس القسيس السائح العظيم أنبا بقطر، لأن هذا القديس أنبا بقطر هرب من والده لأنه كان يريد أن يخلطه معه فى هموم هذا العالم. وكان قصده أن يزوجه ويأخذ له رياسة المدينة. فهرب إلى البرية الجوانية وسكن فى دير أنبا حزقيال بالهدوء الجيد والسكون. وكانت أخته تزوره فى البرية وتسأل أخوها أن يطلب من الرب لأجلها ليرزقها ولداً. ولما نظر أخوها كثرة حزنها وبكائها قال لها إن أردتِ أن أطلب من السيد المسيح من أجلك فاعترفى لى أنكِ تقدميه للرب وهو ابن ثلاثة سنين. ومن كثرة شوقها اعترفت له بذلك لأنها عارفة بأن القديس مقتدر على ذلك.

          كما حكت عنه قائلة إنى كنت أسوس أمور البيت وكان آبائي قد جعلونى على ما فيه، وأما أخى فكان يأخذ كل ما يجده ويتصدق به، وكنت من ذلك فى صعوبة حتى إنى مرة عملت قليل كشك وفرشته بيخنى وكنت أحترس على ما فى البيت. فلم يجد شئ يتصدق به، فصار يأخذ منه (الكشك) خفية ويتصدق به. فحزنت وقلت كيف أتخلص من هذا اللص. وفيما أنا نائمة فى الليل رأيت كأنهم قد رمونى من فوق سطوح الدار إلى الشارع، ولحقنى شدة وقلق حتى كادت نفسى تفارق جسدى وأدركتنى حمى ولهيب وضربان كأنى منتظرة رسول الموت، فرأيت إنسان مخوف وقد وقف أمامى وقال لى هذا (بسبب) الكلام الذى قلتيه وبهذا السبب تفارق نفسك جسدك. فقلقت واستيقظت برجفة من الحلم، ومضيت واستغفرت من أخى. فقال من الآن كونى متحننة على صورة الله الذين هم المساكين. فقلت له إن أعاننى الرب بصلواتك فأنا أعمل الخير بكل جهدى ما دمت فى الحياة. فرشم على جسدى بعلامة الصليب وأقامنى من مضجعى وليس بى مرض.

وهذه السعيدة كانت عجيبة فى سيرتها وطهارتها وتواضعها ويقظتها وكثرة فضائلها وهذا جميعه سمعته من الأب أنبا بقطر أخوها وهو يمدحها.

وقد حدث لى مرة فى صغرى أن أبصرت معطف معلق، فظننت أن فيه شئ للأكل. فلما حركته بيدى نزل منه قليل جير ووقع فى عينىَّ، فتعكرت علىَّ واظلم بصرى، وأما هى فقد كانت تسكب دموع كثيرة وأن أبائى نفقوا علىَّ فضة (كثيرة) للأطباء ولم أجد راحة، فأصعدونى إلى البرية إلى عند أنبا بقطر وسألوه من أجلى. وبالاتفاقكانت قد تنيحت هذه القديسة أخت أنبا بقطر فدفنوها عند أخوها فى دير أنبا حزقيال. فلما نظرنى القديس فى تلك الصعوبة أنه قال لى امضِ وأضجع على هذا القبر، وأنا أرجو من الله أنه يرد عليك نور بصرك كما كنت أولاً. فاقتنيت لى عظم أمانة، وصنعت كما أمرنى وأخذت يسير من تراب وتفلت عليه، ولطخت به عينى الوجيعة ومن ذلك اليوم أنا شاكر الله على الخلاص الذى أدركنى بصلاة القديس لأن الشجرة تعرف من ثمرتها. فقد عرفناكم أصل هذا القديس وذكروا لنا أن والدته لما فطمته أصعدته إلى البرية فى كمال ثلاثة سنين إلى عند الشيخ أنبا بقطر أخوها، فرباه بيقظة عظيمة وأدب كثير. وكان وجودهم فى تلك البرية الجوانية كمثل موسى ويشوع، وكان يعلمه قراءة الكتب المقدسة على الدوام وبيقظة. وأما الصبى فكان يسمع منه ويحسد فضائل الشيخ ويصنع جهده أن لا يحيد عن وصاياه ويتبع أثره فى كل حين. ففى الصيف كانا يصومان إلى المساء فى كل يوم وفى الشتاء يصومان يومين يومين. ولا كانا يستعملان زيتاً ولا يأكلاه. ولم يكن لهما أكل غير خبز وملح، وشغل أيديهم كانوا يعملوا فيه ويصلوا مع بعضهم لأن هذا الشيخ كان يعمل صنائع كثيرة. فإذا أبصر النوم ثقل على الصبى فيترك ذلك الشغل ويعمل غيره، وإذا ثقل عليه النوم يخرجوا إلى البرية وينقلوا الحجارة ويجعلوها أكوام وإن العدو لم يطق ينظرهم فى ذلك الجهاد، فظهر لهم بزى ذئاب يريدون أن يفترسوا الصبى. فلما نظرهم الشيخ تحنن وطرح التفلة من فيه، فهربت الشياطين مثل الدخان. ولما نظر العدو قوة صبرهم واحتمالهم حرك عليهم أعوانه، فأتى إليهم باللصوص وطرح فى قلوبهم أفكار ردية على هؤلاء الأصفياء أن عندهم فى تلك البركة كنز يحرسوه. فجاءوا إليهم وعذبوهم وبالأخص الشيخ أوجعوه بالضرب، فظنوا أنه قد تنيح فتركوهم ومضوا. فخرج الصبى من البرية وأوصل الخبر للرهبان بدير القديس أنبا داريوس بحاجر مدينة أرمنت، فأخذوا معهم دابة ومضوا وحملوا القديس أنبا بقطر وأتوا به إلى الدير ولاطفوه إلى أن وهبه الرب الشفاء. وفى تلك الأيام صار ذلك الدير ميناء خلاص لكل القاصدين إليه لطلب الشفاء من جميع أمراضهم.

ولما قوى الشيخ لم يكف عن نسكه بل كان يملأ الماء ويدخل يفتقد السواح الذين فى ذلك الجبل ويقدس ويقربهم. أخبرنى بذلك القس حزقيال الراهب، أن أنبا بقطر لما سكن الدير البرانى كان يصحبه أخ راهب يدعى اسمه تاوسيطس هؤلاء كانوا يملئوا الماء للمنقطعين فى البرية لأنه كان مرتب على هذه الخدمة. وكانا فى دير الملاك غبريال فى تلك البرية ذلك اليوم فأجابه الشيخ تأمل هذه السحابة التى تجئ قبالة الدير اليوم وهى لها أوعية كثيرة فهى تملأهم لك ماء بقدر مايمسك زمان طويل. قال إن الكلام لم ينقطع من فم الشيخ وسحابة مطرت قبالة الدير والشمس ظاهرة فى ذلك اليوم وملأت من ذلك المطر اثنى عشر وعاء على قدر ما وجدت (أوعية) فى ذلك الدير وكان الناس يترددون لزيارة هؤلاء القديسين وسموهم موسى وإيليا الجدد. وأما القديس أنبا بقطر فتيح بشيخوخة حسنة ودفنوه حيث كانوا ساكنين فى دير أنبا داريوس بجانب البيعة، وظهرت من جسده آيات كثيرة وبقى ولده الروحانى أنبا يونا فى هذا الدير يصنع عبادات كثيرة فى السر ولا يدع أحد يعلم به، وأعطاه الرب القوة على الشياطين. 

اتفق ذات دفعة أن النيل كان متأخراً ووصلنا إلى عيد الصليب قبل أن يوفى خمسة عشر ذراع، ثم أنه وقف ونقص. فمضيت أنا الخاطئ وأخذت بركته وجلست عنده، فحضر إليه أرخن من أهل مدينة إسنا وسأل القديس قائلاً يا أبى أنا كنت عندك فى العام الماضى وقلت لك إنى أريد أن أزرع فى الجزيرة فأشرت علىَّ بذلك فوجدت بركة كثيرة فعرفنى إن كانت تروى هذه السنة؟ فأجابه قائلاً إنى أرجو من الله كما انك زرعتها فى العام الماضى تزرعها فى هذه السنة. أجابه إنسان من الدير كان جالساً يا أبى أترى نيل هذه السنة يأتى مثل الماضى فقل له يا ولدى ما يكون نيل يشبه آخر.

كان إنسان راعى من بلاد قـفط وله ثلاثة أصدقاء يأكلوا ويشربوا مع بعضهم وسكان فى بيت واحد. ولم يكن لهم إمرأة وان الراعى باع من غنمه وأخذ خمسة دنانير ذهب فدفنهم فى البيت الذى هم يجتمعون فيه، ولم يعرف أحد منهم، فلما شربوا ذات ليلة فأصبح باكر وطلب الذهب ولم يجده فقال لرفقته امضوا بنا إلى الأب القديس نأخذ بركته. فأجاب الذى أخذ الذهب قائلاً له نمضى إليه اليوم مالنا عنده حاجة غير إنى متعجب من الناس الذين يفكرون فيه أنه يعلم الغيب حقاً أقول لكم ماهو يعرف إلى أين ماضى أو ذاهب. فقال له رفيقه ما يخفى عنه شئ. فأخذوه غصب وكلفوه إلى القديس أنبا يونا. فلما أخذوا منه البركة وجلسوا التفت إليه القديس وقال له يا ولدى ما هو هذا الشر الذى صنعته بك لأنك تتكلم علىَّ. فأما ذلك الرجل فلم يرد عليه جواب من الخجل. فتقدم إليه الراعى واعلمه بالذهب الذى ضاع. فقال له القديس أنت تجدهم وإن الرجل قال له يا ابونا فتشت البيت كله فلم أجد شئ، من الآن ما أفارق حتى تعلمنى أين أجدهم. وأنه قال له إذا مضيت إلى البيت الذى أنتم فيه تجتمعوا امضى إلى الناحية القبلية تحت حائط البيت تجد بلاطة احملها فتجدهم تحتها. فمضى الرجل ووجدهم كما قال القديس، وانه رجع إلى القديس فعرفه وشكر الرب على ما صنعه معه.

كان إنسان من المسلمين لحقه مرض وفى النهاية خرس ولم يستطع أن ينطق. فأما معارفه النصارى لما رأوه فى هذه الشدة أشاروا عليه قائلين امضِ إلى القديس أنبا يونا واطلب بدموع كثيرة فإنه يتحنن عليك ويسأل الرب فيهب لك الشفاء. فأتى ذلك الإنسان الأخرس وسجد تحت أقدام القديس وكان رفقته يتكلمون من أجله ويسألوا القديس أن يطلب من الرب يشفيه ويحل رباط لسانه. فقال له إيش مقدارى أنا المسكين أن أصنع هذا بل قوة الله التى فى هذه المواضع المقدسة هى التى تصنع العجائب لأجل أمانة الطالبين. فتركوا الإنسان المريض فى الدير ومضوا إلى أشغالهم، فأما ذلك الأخرس فكان إذا أبصر أحداً يأتى إلى عند القديس فيشير بيده إليه ويطلب إليه أن يطلب إلى القديس من أجله، ودفوع كثيرة كان يتبع القديس ويمسك إصبعه ويجعله فى فمه. فلما مكث عنده عشرة أيام أرسل القديس خلف أصحابه وقال لهم خذوا هذا الرجل إلى بيته وأنا أرجو من الله أنه يهب له الشفاء ويحل رباط لسانه ويتكلم بسهولة. وفيما هم سائرين فى الطريق تكلم الإنسان المسلم وإنما صنع أبونا هذا ليبتعد من المجد الفارغ.

كان رئيس دير القديس متوس قد مضى إلى ساقية الدير يفتقدها فأمسى عليه الوقت وبات فى ذلك البستان مع الأخوة الذين كانوا معه، فاستيقظ من نومه ووجد جسده وقد لحق نصفه مرض الفالج وتغير كلامه وأنهم يأسوا منه. فمضى الأخوة إلى القديس وأخبروه بالذى جرى على الرئيس، وطلبوا إليه أن يسأل الرب من أجله، فأجاب القديس أنبا يونا للأخوة لا تخافوا فما يصيبه شر، وتمهلوا إلى خمسة عشر يوماً وهو ينال الشفاء. وتمت نبوة القديس عليه وتكلم بلسان فصيح واستقام جسده وسبح الله.

كان رجل من أهل مدينة إسنا وكان جميلاً فى شخصه، وكان قد اتفق فى تلك السنة مرض الخانوق. فمرض ولده بالخانوق وأنه يأس منه. أما أبوه فكان له إيمان فى القديس أنبا يونا فقال لأصحابه دعونى أمضى إلى عند القديس وأسأله من أجل ولدى لعل تدركه رحمة الله ويعافيه بصلاة هذا القديس. وهكذا خلىولده فى شدة الموت وذهب إلى القديس كمثل ذلك الملكى الذى فى الإنجيل قائلاً يارب انزل قبل أن يموت فتاى. وكان يقول للقديس إذا لم تدركنى نعمة صلواتك فما اخذه مع الأحياء. فقال له القديس لا تخف فليس يموت. فرجع إلى بيته بإيمان فأما الذين كانوا حول المريض فكانوا قد يأسوا منه، وأن أبوه كان يقول لهم إنى أؤمن أن كلام الشيخ لن يسقط قط. وقد أوهبه الرب الشفاء بصلاة القديس وسبحوا ومجدوا الله.

رجل آخر كان مريض بحمى الرابع الذى تسمى المتلتة فمضى إلى القديس وأعلمه بمرضه فقال له القديس امضى واستحم بماء لقان البيعة فتنال الشفاء. فسمع وأطاع وعمل كما قال له القديس ونال العافية بصلوات أبونا أنبا يونا.

          وحدث فى ذلك الزمان فناء عظيم حتى أن نساء كثيرات قد ماتوا، وكان شماس من معارف القديس قد أصاب زوجته ذلك المرض، وكانت حامل وخرست فتغير عقلها وصارت لا تعرف من حولها، وأقامت مدة أيام على هذه الحال. وأن الشماس مضى إلى عند القديس وطلب منه المعونة، فلما سمعه القديس فكر أن ذلك الرجل قليل الحيلة وكيف يربى أولاده بعد موت أمهم، فصلى وطلب من الله قائلاً يارب لا تطفئ سراج بيت هذا المسكين. فسمع الرب طلبته. أما الذين كانوا حولها فشهدوا أنها أسلمت الروح وأقامت ساعتين ولم يجدوا فيها نفس وبكلام هذا القديس رد الرب إليها روحها مرة أخرى واستقام لسانها وتكلمت جيداً.

          وأما هذا القديس فأوهبه الرب نعمة عظيمة حتى أنه لم يحتلم مثل سائر الناس لأنه أقمع جسده بالصلاة، ولما رأى الرب كثرة صلاته ونسكه أراد أن يريحه من تعبه وينيحه، وكان يقول لنا قد قربت الشمس أن تغيب. ودفعات أخرى يقول قد أتى الرب وعلىَّ أن أمضى كسائر أبائى. ولما ثقل عليه المرض لم يكف من صلواته المفروضة عليه، وأوصانا أن نثبت على الصلاة والصوم وكل قوانين الرهبنة. وقال أنا استودعكم. الرب يكون معكم. ولما قرب أن يسلم الروح للرب ظهر له كل القديسين وهم فرحين وبصحبتهم أنبا بقطر خاله، وكان يقبله وهو لابس ثياب فاخرة جداً ونيره وهو يشير إليه قائلاً عجل وتعال إلينا لترث الفرح الدائم. ولما كان المساء ليلة صباحها الثانى من شهر طوبة أسلم الروح بيد الله الحى وكان يومئذ ابن اثنين وسبعين سنة وأربعة أشهر. حينئذ حملنا جسده وأقبرناه قدام المذبح وأوقدنا السرج والشمع الكثير وأكملنا التسابيح والمزامير والتراتيل الروحانية. ومن الغد أحضر الأسقف وأهل المدينة وجموع كثيرة لا تحصى رجال ونساء وقد سموا وتقربوا ثم أقبرنا جسده إلى جانب البيعة وهذا هو اليسير من كتاب هذا القديس. الرب يرحمنا بصلواته إلى النفس الأخير. أمين.       

لقد قالت : "كيف أتخلص من هذا اللص." وتقصد أخيها

بالمصادفة

إيمان كبير

بصق

ترك