30 كيهك: ميخائيل القمص

 عن كتاب روحانية التسبحة حسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ـ الأنبا متاؤوس.

ميخائيل اسم عبرى معناه "من مثل الله". هو الشهيد الايغومانوس ميخائيل الطوخى، من بلدة طوخ النصارى، وكان كاهناً فاضلاً يرعى شعبه بالبر والاستقامة. نال إكليل الشهادة فى 30 كيهك سنة 1240للشهداء الموافقة لسنة 1423ميلادية. وكان ذلك فى أيام المماليك.

كان هذا الأب القديس والكاهن الشهيد من ضيعة تسمى طوخ أعنى طوخ النصارى، من أعمال مصر إقليم المنوفية. ولما رزق الله والديه به أسمياه ميخائيل، وعلماه بكل الآداب وحفظ قراءة الكتب الإلهية والمزامير وعلوم البيعة والقراءات والفصول والتسبحة والأناجيل، لذلك انتخبوه لدرجة الشموسية وصار خادماً ومجاوباً مع الكهنة فى الخدمة، وعندما كبر ونما فى القامة وصار شاباً زوجه والداه، وبعد ذلك نظر الله إلى استقامة قلبه فأعطاه نعمة الكهنوت، وصار ايغومانوس "قمص" أى مدبر شعب الله وخادم هيكله، وكانت نعمة الروح القدس تحل عليه مثل قرص هالة يفيض على رأسه. وقد رزقه الله من زوجته بنين وبنات أخيار غير أولاده الروحيين فى البيعة المقدسة، الذين كان يرشدهم ويعظهم بالأقوال الإلهية، وكلامه المملوء عزاءً واتضاعاً، وكان معلماً تاماً كاتباً ذا فهم فى العتيقة والحديثة.

ولما كان له من العمر ما ينيف عن خمسين سنة خطر بباله أن يسافر فى أمر ضرورى. فسافر فى أحد الأيام، وتصادف سفره مع قوم أردياء أشرار، فركب معهم فى مركب إلى مدينة مصر (القاهرة). وكان قلبهم فيه مكر، فتعصب عليه جماعة منهم ونسبوا إليه كلاماً ردياً لم يتفوه به ليخيفوه وذلك لبغضهم فى المسيحيين.

وصل الايغومانس ميخائيل إلى مصر وقضى أموره وعاد إلى بلده ولم يكن على باله شئ مما أضمره له الأردياء فى قلوبهم، وأمهلوه ثلاثة أشهر وقد مضوا بمكرهم الخبيث إلى قضاة مصر وكتبوا عليه أوراقاً باتفاق منهم دونوا فيه كل ما شهدوا به عليه من الزور من غير علمه، وطلعوا بها إلى الوالى بمصر وأطلعوه عليها فأصدر أمره باستدعائه سريعاً مكبلاً بالحديد، وللوقت عينوا أحد الجنود لهذا الغرض، فلما وصل إلى ضيعة قريبة من ناحية طوخ بلد الشهيد، وأعلمه بعض الناس بمجئ الجندى للقبض عليه وخوفوه لكى يهرب، ولكنه رفض وذهب إلى حيث الجندى فقبض عليه وأوثقه بالحديد، ثم وصل الخبر إلى أهل بلده وأولاده فصاحوا عليه وعولوا على فراقه كأب لهم. وصارت زوجته وأولاده ينوحون عليه ويندبون ويبكون. أما القديس فكان ينهيهم كثيراً عن هذا الفعل، ولما شاهد هذا من زوجته وأولاده وأهل بلده نهض القديس واقفاً وصلى إلى الرب يسوع لكى يعزى خاطر أولاده، ولكى يعطيه قوة روحه القدوس ويساعده على ما سيلقاه.

بعد ذلك خرج أهله وأهل بلده لوداعه إلى خارج البلدة وهم يبكون، وأخذ الجندى الشهيد وذهب به إلى مدينة مصر، وأدخله إلى بيته ليقضى الليلة وهو مقيد بالحديد. وفى هذه الليلة وهو نائم دخل عليه نور عظيم ليشجعه أن لا يخاف ثم اختفى عنه، ولما أصبح الصباح حضر إليه ولده ومن معه ليطمئنوا فنظروا وجهه يلمع بنور عظيم، فأخبروه بأنهم وعدوا الحكام بأموال جزيلة ليطلقوه فطلب منهم أن لا يكون منهم هذا ولا يتعبوا أنفسهم بل أن يسعوا لخلاص نفوسهم، وأنه هو قد أعد نفسه لهذا التعب، ثم حضر الجنود فأخذوه وصعدوا به إلى الوالى بمصر، ولما وقف رفع الخصوم قصتهم أمامه، وبعدها أسلمه إلى والى المدينة وجعلوه فى الحبس مع جنديين، ثم أحضروه أمام القضاة فسأله القاضى عما ادعى به عليه فنفى هذا عنه ولكن خصومه زعقوا بأعلى صوتهم أنه تكلم بما ادعوا به عليه وأكثر منه، فرسم القاضى أن يودعوه فى السجن، فأخذه السجان وحفر له حفرة فى الأرض وصلبه منكساً ذلك النهار جميعه وتلك الليلة. أما الشهيد فكان شاكراً الله على ما هو فيه وما ناله من التعب والإهانة وكان يرتل ويسبح الله بفرح.

بعد ذلك مضى خصومه وجمعوا قوماً ومضوا إلى الوالى بمصر وأخبروه بما وقع وكذلك فعلوا مع القضاة، ولكن القديس وقف أمامهم بشجاعة وقوة ورد عليهم ما ادعوه عليه، ولما عجزوا من جوابه مضوا إلى أحد القضاة، لا يخاف الله ولا يستحى من الناس، وأتوا بشهود زور كثيرين وانعقد مجلس الحكم عليه، فهددوه ولكنه لم يخف من تهديدهم، فأمر القاضى بطوافه جميع شوارع المدينة، واجتمع عليه ألوف و ربوات ولكنه كان يرتل مع داود إلى أن أحضروه إلى موضع شهادته…

أما الأب البطريرك الأنبا غبريال الخامس عندما علم بأمر الشهيد مكث ثلاثة أيام واقفاً على قدميه يصلى ويطلب من السيدة العذراء لتقف معه وتساعده على إكمال جهاده، وحضر بعض المؤمنين خفية إلى القديس ميخائيل وبشروه أن الآب البطريرك أشرق له نور عظيم بعد أن طلب من السيدة العذراء من أجله لكى تثبته، فتعزى وابتهجت نفسه، ولما حضر إلى مكان شهادته عرض عليه الوالى إنكار الإيمان ولكنه رفض كلامه بشجاعة قلب، فأتى جماعة وحفروا له حفرة عظيمة متسعة وأحضروا أخشاباً وغاباً وعيداناً وأضرموا فيها النار، فاشتعل لهيبها مثل أتون بابل والقديس بداخلها، لكن النار لم تؤثر فيه ولا فى ثيابه وكان من داخل النار ينادى على من جعلوه فيها أنه يرى أمامه السيدة العذراء ومعها أربعة ملائكة ويطلب منهم أن يأتوا معه إلى داخل النار ليروها، عندئذ صروا بأسنانهم عليه وقام أحد الجنود وطعنه فنال إكليل الشهادة، وكان ذلك فى 30 كيهك سنة 1240للشهداء.

وفى ثانى يوم حمل أهله وأهل بلده جسده الطاهر وأتوا به إلى القلاية البطريركية. ثم حملوا جزءاً من جسده الطاهر ومضوا به إلى بلدهم. بركة صلواته تكون معنا أمين.