13كيهك: تكريس كنيسة ميصائيل السائح 

وفي هذا اليوم أيضا تذكار تكريس كنيسة القديس ميصائيل السائح. بينما كان الأنبا اسحق رئيس دير القلمون جالسا في ديره، تقدم إليه شاب فرسم علي وجهه علامة الصليب كعادة الرهبان وسمح له بالدنو منه، فأقترب وضرب ميطانية أمامه وقال له: "يا أبانا الأنبا اسحق اقبل مسكنتي من أجل السيد المسيح، وساعدني علي خلاص نفسي، واحسبني من جملة أولادك". فتعجب منه الرئيس لكونه دعاه باسمه، وقال له: "من أعلمك باسمي". فأجابه الشاب: "النعمة الحالة عليك هي التي أعلمتني". فقال له الرئيس: "اجلس. الله سبحانه وتعالي يجعلك لـه هيكلا مقدسا. والآن أخبرني بأمرك". فأجابه الشاب: "إنني أدعي ميصائيل، وكان أبي محبا للعالم، منشغلا به عن عبادة الله. وكان حزينا لحرمانه من النسل. وفي بعض الأيام استشار شيخا راهبا قديسا، وشكا له حزنه لعدم وجود ابن يرث غناه، فقال له الشيخ اصلح طريقك مع الله المحب للبشر، وهو يرزقك ولدا مباركا. فقال له وكيف ذلك. فقال الشيخ: عش عيشة الكمال واسلك بحسب وصايا الكنيسة المفروضة علي المؤمنين، وواظب علي الصلاة الليلية والنهارية، ولا تنقطع عن الكنيسة المقدسة، وليكن لك كاهن تستشيره في كل أمورك. فإذا فعلت هذا أنت وزوجتك بلغتما المقصود. ففعل والدي جميع ما أوصاهما به الشيخ الراهب. فتم كلامه وحملت بي والدتي كما حدثنني بذلك.

ولما بلغت السادسة من عمري مات أبواي. فاهتم الأب الأسقف بأمر تربيتي وتعليمي وتدبير أموالي، ولما اطلعت علي الكتب المقدسة اشتقت إلى الرهبنة وجئت إلى هنا". فسر الرئيس من كلام الشاب ميصائيل، وسلمه لأحد الشيوخ، فتعلم منه كيف يكون الجهاد والنسك. وبعد ذلك ألبسوه لباس الرهبنة وأسكيمها المقدس، ومن ذلك الوقت انفرد للعبادة والنسك.

وفي أحد الأيام حضر إليه أحد الأخوة، فوجده واقفا يصلي ولما طرق باب قلايته فتح لـه، وصليا معا، ثم تباركا من بعضهما البعض، وجلسا يتحدثان في الكيفية التي بها يمكن التغلب علي العدو الشرير. فقال له القديس ميصائيل: "إن الشيطان يهرب من الصلاة إذا كانت بحرارة". وبعد الفراغ من أحاديثهما الروحانية، سبحا الله، وخرج الأخ من لدنه. وبعد حين عاد إليه فوجده واقفا يصلي قائلا: "اللهم خلصني، وانظر إلى ذلي، واغسلني من أثمي، فان أبي وأمي قد تركاني والرب قبلني". فلما رآه الأخ وقد ضمر جسده والتصق جلده بعظامه، بكي وقال له: "لقد صار جسدك كالمحترق". فقال له القديس. "أشكر الهي الذي وهبني نور عيني وسمع أذني لأطالع الكتب المقدسة وأسمع كلمة الله، كما وهبني أيضا قوة للوقوف في الصلاة".

ولما سمع رئيس الدير نسكيات القديس ميصائيل، أتاه في أحد الأيام ليفتقده. فقال له ميصائيل: "اعلم يا أبي القديس أنه بعد ثلاثة أيام يأتيك أناس مشبهون بالجنود، ويطلبونني منك، فلا تمنعني عنهم  ولا تخف ولا تحزن، فإنها إرادة الله. واعلم أنه في العام الآتي سيكون غلاء، ولكنني سأتي إليك في ذلك الحين. فلما سمع الرئيس كلام هذا القديس اشتري كثيرا من الحبوب. وبعد قليل أتي القوم المتشبهون بالجنود وأخذوا القديس ميصائيل ومضوا، ثم حدث الغلاء وقل وجود القمح كما أنبأ القديس بذلك. فجاء الوالي برجاله ليأخذ ما يجده في الدير من الحبوب. فظهرت له جنود منعته من ذلك ورجع خائبا، فرحب الرئيس بهؤلاء الجنود وشكرهم، ثم قدم لهم طعاما ليأكلوا. فقالوا له نحن لا نحتاج إلى شيء مثل هذا . ثم برز من بينهم واحد وأمسك بيد الرئيس وانفرد به، وقال له: "أنا ولدك ميصائيل، وهؤلاء القوم المتشبهون بالجنود هم سواح، وهم الذين أتوا هنا في العام الماضي وأخذوني معهم، والآن أسألك أن تمضي إلى الأنبا أثناسيوس أسقف بلدي الذي تربيت فيها، وأعلمه بخبري، وأطلب منه مال أبي، ثم ابن لي به كنيسة علي اسمي، ثم ادع أبانا الأسقف لتكريسها". ففعل الرئيس بما قاله القديس ميصائيل واستلم من الأسقف سبعمائة مثقال ذهب، وتسعمائة درهم فضة وكتبا كثيرة وخمسمائة رأس غنم، عدا الأقمشة والحلي والأواني، وهدم بيته القديم واشتري ما يجاوره من أرض وبني هناك كنيسة، وفيما كان الأب الأسقف محتفلا بتكريسها، إذا بالقديس ميصائيل قد أتي مع الأباء السواح وحضروا صلاة التكريس. وتقدم القديس ميصائيل من الرئيس وقال له أنك ستنتقل من هذا العالم في العام المقبل. وبعد ذلك عادوا من حيث أتوا. صلوات هؤلاء القديسين تكون معنا. ولربنا المجد دائما أبديا. آمين.

العادة أنه إذا التقي الرهبان بأخر فأنهما يقبلان بعضهما بالأيدي. ثم يجلسان للتحدث في عظائم الله وفي الجهاد الروحي، فحدث أن شيطانا دخل مرة علي راهب في زي راهب شيخ وإذ قبلا بعضهما ابتعد الشيطان ضاحكا من الراهب. فرسم الأباء أنه عندما يري الراهب شخصا مقبلا عليه يرسم علي وجهه علامة الصليب. حتى إذا كان الوافد شيطانا فإنه لا يقوي علي الوقوف أمام علامة الصليب المقدس.