3 كيهك: صليب الجديد بسطوروس

 عن كتاب :روحانية التسبحة حسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ـ الأنبا متاؤوس مأخوذ من كتاب سلسلة تاريخ البطاركة إصدار دير السريان العامر الحلقة الرابعة.

ولد فى بلدة هور مركز ملوى. وعند ولادته اسماه أبواه "صليب" ذلك الاسم الحلو فى أفواه المسيحيين جميعاً، وربياه بكل آداب البيعة المقدسة وعلماه صناعتهما ليعاونهما، ولما بلغ حدود الرجال فكرا أن يزوجاه فرفض مفضلاً حياة البتولية، وكان يمضى أكثر أوقاته متنقلاً بين الأديرة والبيع يجالس النساك والمتعبدين ويستمع لأقوالهم ونصائحهم، وكان دائم الطلبة للسيدة العذراء أن تعينه على أخذ إكليل الشهادة على اسم ابنها الحبيب.

وفى أحد الأيام جاء إلى جماعة غير مسيحيين وتكلم معهم بخصوص العقيدة، فأمسكوه ثم أطلقوه إكراماً لوالديه، أما هو فازداد غيرة فى الكلام فلحقتهم غيرة شيطانية فقبضوا عليه، وأوقعوا الدعاوى أمام المحاكم فى بلاد الصعيد على ما تكلم به بفمه الطاهر فلم ينكر، بل اعترف جهراً أمام الجمع وزاد بالأكثر، فقيدوه ورجموه فلم يصبه شئ من الرجم، لأن الملاك ميخائيل كان باسطاً عليه أجنحته النورانية، ثم أودعوه الاعتقال، وكان السجان يقيده وبعد قليل يجده بغير قيود، وكانت زوجة السجان تراه من طاقة فى السجن مصلياً طوال الليل وامرأة مضيئة جداً أكثر من الشمس قائمة أمامه تتكلم معه قائلة: "اصبر فإنك ستنال إكليل الشهادة على اسم ابنى الحبيب، وسيحفظك رئيس الملائكة ميخائيل إلى أن تكمل جهادك". فلما أعلمت زوجة السجان رجلها بذلك خافا كلاهما، وأعلما القديس صليب أنهما مستعدان أن يهرباه من السجن ويهربا معه فرفض.

وفى ذات يوم أرسل القاضى وأخذه من السجن وأرسله إلى مصر ـ القاهرة ـ مقيداً بالسلاسل الحديدية محروساً بالجنود، فودعه أهله بالبكاء والنحيب، أما هو فكان فرحاً، وأقام عدة أيام فى السفينة التى تقله، لم يأكل ولم يشرب دائم الصلوات، والسيدة العذراء تظهر له وتقويه.

ولما نزل ساحل مصر نال من الأعداء ضرباً وشتيمة وعذاباً أليماً..ثم أحضره القائد المكلف بحراسته أمام الحاكم وأتوا بكل الكتب والرسائل التى كتبوها بما نطقه بفمه الطاهر فى بلاد الصعيد. ولما استجوبه الحاكم عن صحة هذا الكلام لم يخف، بل اعترف الاعتراف الحسن قائلاً: "جميع ما قالوه عنى فى أمر دين المسيح حق، فإنه ليس إله فى السماء ولا على الأرض إلا يسوع المسيح". فلما سمع الحاكم منه هذا الكلام أمر بأن يحتفظوا به إلى أن يوقفوه أمام الملك بمصر، وفى الصباح أحضروه أمام الملك، ولما استجوبه الملك اعترف أمامه قائلاً: "أيها الملك ما قالوه وكتبوه عنى وأرسلوه إليكم هو حق وليس فيه كلمة واحدة باطلة قط، بل جميعه قلته بقلبى وجميع حواسى، وإنى نصرانى علانية". فحول الملك قضيته إلى القاضى ليحكم عليه حسب القانون، وحضر معه قاضى الشريعة، ولما وقف القديس أمامهما بشجاعة واعترف بالمسيح بغير خوف ، حكما عليه بسفك دمه وإشهاره فى أرض مصر وشوارعها وهو مكبل بالحديد.

وللحال أحضروا لوحى خشب وسمروهما كمثال الصليب ثم بسطوا عليه يدى القديس وسمروهما ثم رفعوه مصلوباً على ظهر جمل وطافوا به جميع شوارع القاهرة وأمامه منادى ينادى بكل ما اعترف به أمام الملك والولاة والقضاة، أما هو فكان فرحاً لنوال بغيته التى طالما تمناها وصلى من أجلها وهى نواله إكليل الشهادة على اسم المسيح.

واستمروا هكذا إلى أن وصلوا إلى المكان الذى يضربون فيه الرقاب فأنزلوه على الجمل ثم أخذوا يعدونه بالإفراج عنه إن هو رجع عن رأيه، ولكن القديس صرخ بأعلى صوته: "أنا لا أموت إلا مسيحياً على اسم المسيح". فلما سمع القاضى من الشهيد هذا الاعتراف الحسن أمر للوقت بأخذ رأسه فضربه السياف بحد السيف فنال إكليل الشهادة.

وكان ذلك فى الساعة السادسة من يوم الاثنين المبارك الموافق 3 كيهك سنة 1229 للشهداء الأطهار الموافق لسنة 1513م. وصار الجسد مطروحاً لمدة ثلاثة أيام ولم يتلف شئ من أعضاءه الطاهرة لأنه كان محفوظاً بملائكة الله. ثم أتى المؤمنون وأخذوا الجسد الطاهر وأحضروه إلى القلاية البطريركية. بركة هذا الشهيد العظيم فلتكن معنا. أمين.