16 هاتور: القديسة الشهيدة كاترين

كتاب: شهيدات الإسكندرية إصدار أبناء البابا كيرلس

تنحدر القديسة الشهيدة كاترين من أسرة عاشت في مد ينة الإسكندرية أثناء حكم أباطرة الرومان الكفرة مكسيميان، ومكسنتوس اللذان حكما في سنة 305 – 313م. هي ابنة كونستاس حاكم مدينة الإسكندرية، تعلمت كل حكمة وفلسفة اليونان، درست معظم أعمال ومؤلفات كبار الفلاسفة والشعراء أمثال هوميروس وفيرجيل وأرسطو وأفلاطون، ودرست أيضاً علوم الطب التي كتبها المصريون وغيرهم مثل كتب أسكولابيوس وأبقراط وجالينوس. كما أجادت الفتاة كاترين كثيراً من اللغات، وفاقت كل أقرانها فى العلم والمعرفة وعلوم البلاغة والمنطق، ولذلك كان كل من يسمعها يتعجب من درايتها لشتى العلوم، فجاء كثيرون من الأغنياء ونبلاء المدينة يطلبون الزواج منها، ولكن الفتاة كانت دائماً تتذرع بأسباب عديدة وترفض الزواج بأي واحد بسبب الشعور بالإحساس الذى يلازمها إنها أحسن من الكل وأن لا أحد يستحقها، وقالت لهم أريد منكم أن تأتوني بشاب يماثلني فى المواهب الأربع التي أحصل عليها، ولم يجد أهلها رجلاً يصلح لها زوجاً بحسب الشروط التي طلبتها واقترحوا عليها أن تتزوج ابن إمبراطور روما أو آخرين من النبلاء وعظماء البلاد، ولكن كاترين رفضتهم جميعهم .لأنهم وإن كانوا يفوقونها فى الغنى واكتناز المال، ولكنهم جميعاً كانوا أقل منها حكمة وعلماً، وأمام هذا الرفض اصطحبت والدة كاترين ابنتها إلى شيخ مسيحي يعيش مختبئاً خارج المدينة، لعله يقدم لها كلمة منفعة أو يصلى لأجلها. كانت والدة كاترين قد آمنت بالمسيح من قبل وكان هذا سراً بسبب الاضطهادات التي كان أتباع مكسيميان يمارسونها ضد المسيحيين.

وعندما قابلتا الشيخ استقبلهما بفرح، واستمع إلى قصة كاترين، وعرف رغبتها فى الزواج بإنسان ذو صفات معينة، وأعجب الناسك بذكاء الفتاة وحسن كلامها، وإذ رأى فيها إناءاً مقدساً للمسيح قرر أن يجذبها لمحبة الملك السمائى.

فقال للفتاة: "إني أعرف إنساناً واحداً متفرداً فى صفاته ولا يشبهه فيها أحد ويفوق كل الذين ذكرتهم، فجماله يفوق الشمس فى ضيائها، وحكمته هي التي تقود كل الأشياء التي نراها أو ندركها بحواسنا، أما من جهة غناه فخزائنه تملأ أطراف الأرض ولا تنقص بل تزيد، وأصله لا يمكن وصفه إذ هو غير محدود ولا يدركه فهم أو يحدّه عقل".

وأخذ الناسك المكرم فى سرد مثل هذه الأقوال. فظنت الفتاة كاترين أن تلك الصفات تخص أمير أرضى. فسألت الشيخ إن كان ما يقوله عن هذا الشاب هو حق؟.

فما كان من الشيخ إلا أن زاد فى مدحه وتمجيده لهذا الشاب، فعاودت الفتاة سؤالها للشيخ متعجبة عن من يكون هذا الشاب الذى له كل هذا المدح والإكرام؟

أجاب الشيخ: "إن هذا الفتى لا أب أرضى له، وهو قد ولد من عذراء فاقت كل العذارى فى النبل والقداسة يعجز عن فهمها العقل البشرى. أرادت كاترين أن تعرف إن كانت تستطيع أن ترى هذا الشاب. حينئذ أعطى الناسك لها أيقونة مرسوم عليها صورة والدة الإله وهى تحمل الطفل القدوس يسوع، وقال لها هذه هي مريم العذراء أم هذا الشاب الذى أخبرتك عنه، خذي هذه منى واذهبي لبيتك واغلقي بابك، واسأليها أن تتنازل وتتحنن عليك وتكشف لك سرّ ابنها، وأنا أؤمن أنها ستستجيب لك، هذا إن طلبت بثقة وإيمان وستعرفك بمن تريدي وترغبي.        

أخذت كاترين الأيقونة ورجعت إلى مقرها، ودخلت إلى مخدعها وأغلقت بابها وفعلت كما قيل لها، وجاهدت فى الطلبة كثيراً حتى تعبت، ثم نامت، فتراءت لها أم الله فى حلم وهى تحمل ابنها كما بدت فى الأيقونة وكان وجه الطفل يشع نوراً أبهى من الشمس، ولكن لم يشأ أن ينظر إلى وجه كاترين والتي كانت تشاهد ظهره فقط، وكلما استدارت حوله لترى وجهه كان الطفل يدير وجهه بعيداً عنها، وتكرر هذا الفعل ثلاث مرات.

وأخيراً سمعت الفتاة الأم الطاهرة تقول لابنها: "يا ابني انظر إلى كاترين جبلتك التي خلقتها يديك، كم هي جميلة".

ولكن الطفل أجاب العذراء قائلاً: "لا إنها ليست كذلك"

فقالت له أمه: "أليست هي أكثر حكمة من كل الناس، وأكثرهم غنى وجمالاً فى كل المدن".

أجابها الرب يسوع المسيح: "لا يا أمي إنها جاهلة وفقيرة".

فقالت له أمه: "يا أبني لا تحتقر عمل يديك بل أرشدها وعلمها الطريق الذى تسلكه حتى تجد نصيباً وميراثاً فى مجدك وحتى تستحق أن تعاين وترى وجهك المنير"

أجابها الرب يسوع وقال: "عليها أن تذهب إلى الشيخ الناسك الذى أعطاها الأيقونة وهو سوف يخبرها بما يجب أن تفعله وعليها أن تستجيب حتى تراني وتفرح بي".

استيقظت كاترين من الحلم متفكرة فى هذه الرؤيا، وأسرعت مع بعض النسوة المؤمنات، وقابلت الناسك وسجدت عند رجليه باكية بدموع غزيرة وتوسلت إليه أن يفسّر لها ما رأته فى الحلم حتى يرتاح قلبها ويهدأ فكرها، فبدأ الشيخ يفسر لها ويشرح لها حقائق الإيمان بالمسيح يسوع له المجد منذ بدأ الخليقة حتى تجسد المسيح يسوع له المجد، وقضية الخلاص ومجيئه الثاني فى مجد ملكوته الذى لا يوصف، ليدين المسكونة كلها بالعدل، ويالسعادة من يكونوا عن يمينه، ويالخسارة الذين يكونون عن يساره.

تعلمت كاترين بسبب فرط ذكائها، وقد علمهاالشيخ كل حقائق الإيمان المسيحى فى مدة قصيرة، وآمنت واعتمدت وتقدمت من الأسرار الطاهرة، وطلبت من الشيخ القديس أن يطلب من أجلها حتى تعاودها مرة أخرى أم الله فى حلم أو رؤيا.

رجعت القديسة كاترين إلى قصرها وقد خلعت الإنسان العتيق ولبست المسيح له المجد وكانت تداوم على الصلاة بدموع، والصوم والتضرع، وفى يوم كانت قد خلدت إلى الراحة فرأت أم الله ملكة السماء ومعها ابنها القدوس فى حلم أو رؤيا، ولكن فى هذه المرة رأت كاترين الطفل يسوع ينظر إليها بعين مملوءة حنانا ومحبة، وسمعت والدة الإله تقول لابنها: "هل سررت بالقديسة كاترين؟"

فأجابها قائلاً: "إنها الآن قد استنارت وصارت فى مجد عظيم، لأنها اقتبلت النعمة، وصارت ممتلئة بالغنى والنعمة، وأنا الآن أريد أن أخطبها لنفسى".

عندئذ انطرحت كاترين على الأرض قائلة: "إني غير مستحقة أيها الإله حتى أنظر إليك بل اجعلنى كواحدة من أجرائك".

حينئذ أخذت والدة الإله يد كاترين اليمنى وقدمتها الى ابنها القدوس وهى تقول لـه: "يا ابنى البسها خاتما، وضع فى إصبعها علامة خطبتك لها حتى تصير مستحقة أن ترث فى مملكتك".

عندئذ أعطاها الرب يسوع المسيح خاتما جميلا وألبسها فى يدها وقال لكاترين: "خذى هذا فانه لك، فاليوم قد خطبتك لنفسى عذراء عفيفة إلى الأبد، فاحفظى هذا العهد".

فى هذا الوقت كان قد تملك مكسيميانوس إمبراطوراً على العالم وكان قاسيا شريرا، وأصدر مرسوما كتب فيه: "من مكسيميانوس إمبراطوركم إلى كل الرعية أرسل لكم تحياتي من أجل البركات والهبات التي وهبتها الآلهة، لذلك أمرت أن تجتمع كل الرعية عند سماع هذا القول دون تأخير أو إبطاء فى عاصمة البلاد لنشكر الآلهة التي أعطتنا السلام ونقدم لها الولاء والإكرام، وليقدم كل فرد تقدمة للآلهة بحسب غناه وليكن معلوما أن كل من يحتقر أمر هذا المرسوم ويعبد آلهة أخرى غير آلهتنا سيحكم على نفسه بالعقاب والتأديب،".

وفور إعلان هذا المرسوم فى أركان الإمبراطورية اندفعت الحشود الغفيرة نحو العاصمة (الإسكندرية) ومعهم تقدماتهم من ثيران وخراف. وذبح الإمبراطور مائة وثلاثين ثورا، وعم الصخب والصيحات فى كل أنحاء الإمبراطورية.

أما كاترين فقد امتلأ قلبها بالحزن والحسرة والكآبة من أجل نفوس هؤلاء الناس الذين أجبروا على فعل هذه الأفعال الدنسة ليهربوا من عقاب دنيوى وقتى، وغير مهتمين بالدينونة الأبدية، ومضت ومعها بعض من صاحباتها إلى المعبد ووقفت على عتبته، فتطلع الحاضرون إليها، فطلبت منهم أن تقابل الإمبراطور،وعندما اقترب الإمبراطور خاطبته بكل شجاعة قائلة: "اعلم أيها الإمبراطور انك قد انخدعت فى عبادة هذه الأصنام كآلهة وعمى قلبك وصرت كالأغبياء الذين لا يعرفون الحقيقة، دعنى أذكرك بكلام ديودورس المعتبر حكيماً عندكم الذى لم يؤمن بهذه الآلهة وقال عنها إن هذه الآلهة ليست إلا أناسا بشرا، وقد صيرهم بعض الجهلاء من ذريتهم آلهة نظير ما أظهروه من شجاعة فى يوم من الأيام، فأقاموا لهم التماثيل ورسموا لهم الصور ليحفظوا ذكراهم، وصارت عادة عند ذرية هؤلاء الناس أن يتعبدوا لها، ظناً منهم أن هذا هو الوفاء الواجب نحو آبائهم أن يعبدوهم كآلهة. وكذلك كثير من الفلاسفة يسخرون من الذين يقدمون الإكرام لتلك التماثيل، وكان الأجدر بك أيها الإمبراطور أن تلتفت إلى ما قاله هؤلاء وتفهم تعاليمهم، اعلم أيها الإمبراطور إن الإله الحقيقى هو واحد غير متغير، وغير محدود، وهو خالد لا يموت، وكائن قبل كل الدهور، هو صانع الخيرات، وخالق الكل.

حينئذ صمت الإمبراطور، وتظاهر بانشغاله فى الاحتفالات لعدة ساعات، وبعدما فرغ من عباداته الدنسة للأوثان، أمر بإحضار المباركة وسألها: "من أنت؟ وكلام من هذا الذى تفوهت به؟"

أجابت القديسة:"أنا ابنة كونستاس، وتعلمت ودرست الكثير من العلوم كالبلاغة والفلسفة والهندسة وعلوم أخرى كثيرة، ولكنى حسبت كل هذه نفاية وفانية عندما عرفت سيدى يسوع المسيح وأصبحت عروسا له، وإنك لو أردت أن تتخلص من ضلالك وتتأكد من أن آلهتك بلا فائدة وتعرف من هو الإله الحقيقى صاحب الاسم العظيم والعجيب، الذى إذا ذكر اسمه أو علامة صليبه تهرب وتنحدر كل الشياطين آلهتك، فأمرنى الآن أيها الإمبراطور أن أفسر لك وأوضح لك هذه الأمور".

وأدرك الإمبراطور سمو حكمتها وغزارة علمها وخاف أن يجادلها. فتدارك الأمر بخبث وكبرياء، وقال لها انه ليس من اللائق أن يجادل ويناقش الإمبراطور امرأة، ولكن على أي حال سوف أحضر لك أصحاب المعرفة والعلم ليعرفوك بضعف حجتك وخطأ فهمك.

حينئذ أمر الإمبراطور بسجن هذه القديسة وأن توضع تحت حراسة مشددة، وأرسل إلى كل أطراف الإمبراطورية لإحضار كل المقتدرين فى الفهم والحكمة والبلاغة. فاستجاب مائة وخمسون رجلا من كبار معلمى ومثقفى وحكماء الإمبراطورية، وكانوا ممن يصرح لهم بالخطابة والتعليم فى المعابد الوثنية. حينئذ أمر الإمبراطور بدخول الفتاة، فتدافع جمهور كثير من الشعب  إلى المدرج حيث امتلأ بهم المكان ليشاهدوا ما سيفعله الحكماء مع هذه الفتاة.

حينئذ ظهر رئيس الملائكة ميخائيل فى رؤيا إلى كاترين وعزاها قائلاً: "لاتخافى يا ابنة الله لأن الله سوف يعطيك فما وحكمة لا يستطيع جميع معانديك أن يقاوموها، بل سوف يسألون عن إلهك وينالون أكاليل الشهادة التى للحياة على اسم المسيح يسوع له المجد".

حينئذ ابتدأت المناقشة وسألها الفلاسفة باحتداد عن ما تقوله من سب أو هزء للآلهة فأجابتهم القديسة قائلة: "إنى أتكلم بكل حب ومودة و إخلاص نحوكم وخوفى عليكم.."

فقاطعها كبير الفلاسفة قائلاً: "انك قد انتفعت من كثير من شعرائنا وفلاسفتنا وهم يكرمون آلهتنا أما أنت فتحتقريهم وتقولى عنهم سخافات".

أجابت كاترين: "إن العلم والمعرفة اللذان عندى هما منحة من الله أصل الحياة وأصل كل معرفة، والذين يخافونه ويحفظون وصاياه هم محبوا الحكمة الحقيقيون.ثم اخبرونى يا أيها الفلاسفة من هم من الفلاسفة قد حسب الأوثان كآلهة؟"

أجاب رئيس الفلاسفة: "بالتأكيد سوف أقول لك إن "هوميروس" شاعرنا العظيم مدح زيوس كبير الآلهة ودعاه بالعظيم بين الآلهة الأخرى والمكرم بالأكثر من جميعهم،وكذلك "أورفيوس" الشاعر المرموق، ولا داعى أن أخبرك أيتها الفتاة إن كل فلاسفتنا ذكروا أن آلهتنا خالدة لا تموت، ومع ذلك أنت تعبدين المصلوب الذى لم يذكره أحد من شعرائنا".

أجابت الفتاة وقالت لهم: "لكن هوميروس نفسه يقول فى موضع أخر عن زيوس كبير آلهتكم انه كاذب ومخادع وبلا فضيلة ولا شرف حتى أن بقية الآلهة "هيرا" و"بوسيدون"، و"أثينا"  قيدوا رجليه ويديه حتى لا يختبئ ويهرب، وكثير من الفلاسفة رددوا نفس الكلام وسخروا من تلك الآلهة. ومع أنك تقول انه لا يوجد أحد من الفلاسفة قد ذكر شيئا عن يسوع فإني أطلب منك أن تسمع ما يقوله "سبيل" كاتبكم العلامة المشهور فقد كتب عنه: "انه شخص ظهر ومشى على الأرض الخراب الملعونة، وصار جسدا وحلنا من نجاساتنا دون أن يتكدر هو أو يتأثر ولهذا حسده الكفرة الذين لم يؤمنوا به وحكموا عليه بالصلب، وكذلك قال "أبوللو"عنه: "إن الذى تألم هو كائن سمائى مثلث الإشعاع، وعلقت كاترين قائلة: "بذلك يكون "أبللو" قد اعترف أن المسيح الذى لم يعرفه هو الإله الحقيقى، ولذلك عليك،أيها الفيلسوف الحكيم أن تفهم وتعرف هذا الكلام وتصير خادما لهذا الإله العظيم إن أردت أن تخلّص نفسك فإلهنا هو الرحوم الرؤوف الذى يبحث عن الخطاة وعليك أن تصدق وتؤمن بكل ما قاله الشعراء والآلهة التي تعبدها أمثال افلاطون وأرفيوس وأبوللو الذين بفضل إلهنا الحقيقى قد تكلموا عليه ووصفوه لنا بدون قصد منهم، حتى تكون بلا عذر أيها الإنسان".

بعد هذا الكلام لم يجد كبير الفلاسفة والحكماء كلاما أو قولا آخر يرد به على كلمات الحق، إذ كشفت له كاترين كل أقوال شعرائه وفلاسفته. فبقى صامتا، وشعر الإمبراطور إن الفتاة قد هزمت الرجل، فطلب من باقى الرجال الفلاسفة أن يستمروا فى مجادلة ومناقشة القديسة، حينئذ أجاب الفلاسفة: "نحن لا نستطيع أن نخفى الحقيقة وهى قد عرضت كل ما خفى من كلام فلاسفتنا وشعرائنا، ونعترف أن هذه الفتاة قد هزمت كبيرنا ونحن لا نقدر أن ننجح فيما هو فشل فيه".

حينئذ استشاط الإمبراطور غضبا وأمر أن يوقد نار كبيرة فى منتصف المدينة، فلما سمع الفلاسفة هذا الأمر، تقدموا نحو كاترين وطلبوا أن تتشفع فيهم عند الإله الحقيقى يسوع المسيح، حتى ينالوا رضاه ويكونون من مؤمنيه، عندئذ أجابتهم القديسة وقالت لهم بفرح: "مباركون أنتم بالحقيقة لأنكم أتيتم الى طريق النور ومعرفة الحق وآمنتم بإله السماء والأرض، وهذه النار التي يزمع الإمبراطور أن يضعكم فيها ستكون هي معموديتكم التي تريدونها وسوف تطهركم من أدناس الجسد والنفس، إنها السلم السمائى الذى سوف يوصلكم إلى الملك السمائى، ويجعلكم نجوما فى ملكوته".

وظلت القديسة كاترين تشجعهم على احتمال الآلام الزمنية، حينئذ أخذهم الجنود وألقوا بهم فى أتون النار وكان عددهم مائة وخمسين فيلسوفا ونالوا أكاليل الشهادة فى السابع عشر من شهر نوفمبر.

حينئذ فكر الإمبراطور فى حيلة أخرى ليستميل بها كاترين فأخذ يتملقها بالكلام اللين والمداهنة ووعدها بأن يتزوجها ويعطيها نصف أمواله وتعيش مكرمة فى قصره. حينئذ أجابته كاترين قائلة: "دع عنك أيها الثعلب الماكر هذه الأقوال الغاشة لأنى قلت لك انى مسيحية ولن أعبد إلها غير المسيح إلهي، وأنى أفضل أن أموت شهيدة على اسمه القدوس فهذا أفضل جدا من تاج المملكة فى قصرك". حينئذ أخذ يتوعدها بأن يجردها من شرف عائلتها ويحرمها من كل ممتلكتها.

حينئذ قالت له القديسة: "افعل ما تشاء فان احتقارك لى وإهانتك لى هو شئ وقتى  يضيف لى مجداً أبديا لا يضمحل، واعلم أيها الإمبراطور إن ربى يسوع المسيح قد أعلمنى أن كثيرين من الناس الذين فى قصرك سوف يؤمنون به وينالون إكليل الشهادة".

حينئذ أمر الإمبراطور بان ينزع عنها ردائها وتجلد بالسياط، فظل الجنود يجلدونها لمدة ساعتين على ظهرها وبطنها حتى تمزق جسدها وسالت دمائها على الأرض، وتعجب الواقفون من صبر وشجاعة القديسة على احتمال هذه الآلام، بعد هذا أمر الإمبراطور أن تلقى فى السجن، وأمر الحراس بأن لا يعطوها طعاما الى أن تموت، أو أن يخترع آلة جديدة لتعذيبها.

لم يمر يومان، إلا وقد دخلت زوجة الإمبراطور"فوستينا" إلى السجن ومعها "بروفيروس" كبير قادة جند الملك، منتهزين فرصة سفر الإمبراطور فى إحدى الحملات على القرى المجاورة. فقد دبر "بروفيروس" هذه الزيارة عندما طلبت منه الإمبراطورة هذا، فجمع مائتى جندى وذهب إلى السجن، ووزع هدايا على حراس السجن حتى يفتحوا لهم أبواب السجن. وعندئذ دخلت الإمبراطورة زنزانة القديسة وأبصرت وجهها وتعجبت من النور الذى يشع منه، حينئذ تقدمت الإمبراطورة وانحنت أمامها، وجلست بجوارها وقصت عليها، وعلى الموجودين معها الرؤيا التي رأتها فى الليلة السابقة قائلة: "لقد رأيت كاترين جالسة فى وسط بعض العذارى وقد تسربلن بملابس بيضاء وكان وجه القديسة يلمع أكثر من الشمس ثم قامت كاترين ووضعت على رأسى إكليلاً من ذهب، وقالت لى إن المسيح له المجد قد وهبك إياه، وأنا الآن قد نلت شرف رؤياك وفرحت نفسى أن تنظر وجهك الملائكى ولم أعد أخاف من الموت، لأنى قد قررت أن أتبعك وأتبع إلهك، بل انى أحسدك لأنك قد تبعت وعبدت هذا السيد المكرم الذى أصبغ عليك هذه العطايا والمنح الروحية".

أجابتها كاترين قائلة: "مباركة أنت بالحقيقة أيتها الإمبراطورة لأني قد نظرت التاج والإكليل الذى وضعته الملائكة فوق رأسك، وها أنت سوف تتألمين وتتعذبين من أجل ربنا يسوع  المسيح له المجد وبعد ثلاث أيام سوف تنالين المجد الأبدي في حضن الملك الحقيقي يسوع المسيح له المجد.

حينئذ صاحت الإمبراطورة "فوستينا" إنى أخاف أن أتعرض لمثل هذه العذابات لأن الملك إنسان قاسى وشرير ولعل قلبي يضعف من قسوة هذه العذابات.

أجابتها القديسة كاترين: "إن المسيح له المجد الساكن فى قلبك سيهبك المعونة والاحتمال فلن تخوري، وأنا أقول لك إن آلامك هنا هي وقتية وأما المجد الذى ينتظرك حيث الفرح والراحة فهو إلى الأبد".

ثم سأل بروفيروس القديسة كاترين: "ما هي المكافأة التي يهبها المسيح للذين يؤمنون به، وما هو النعيم الأبدي؟ لأني أريد أن أكون له جنديا ولا أعرف عنه شيئا ولم أقرأ في كتب المسيحيين بل تعلمت منذ صغري فنون الحرب والقتال، فأخذت كاترين المباركة تشرح له ما أعده الله صانع الخيرات لمحبي اسمه القدوس للذين يعبدونه ويحفظون وصاياه، وفي تلك اللحظة مست النعمة قلب بروفيروس والمئتين من الجنود الذين معه وآمنوا بالمسيح له المجد واعترفوا به إلهاً، وفي هذه الليلة التي كانت نهاية فترة العقوبة وكانت أكثر من عشرة أيام، ظهر لها الرب يسوع له المجد فى حلم وقال لها: "السلام لك يا ابنتي المحبوبة كاترين لا تخافي لأنى معك وسوف يؤمن كثيرون بى بسبب شهادتك وسوف أعطيك أكاليل كثيرة".

وفى فجر هذا اليوم أمر الإمبراطور بإحضار القديسة وتعجب جداً عندما رأها وقد بدا وجهها مشرقا بنور عجيب والكثيرون من الحضار أظهروا تعجبهم أيضا. حينئذ ظن الإمبراطور إن أحدا من الحراس كان يعطيها طعاما وماء، فأراد أن يعاقب الحراس، ولكن القديسة إذ لم تشأ أن تعاقب الحراس ويتعرضون للأذى بسببها حينئذ صرخت أمام الإمبراطور قائلة: "إن أحدا من حراسك لم يعطني شرابا أو طعاما بل إن المسيح الذى أعبده كان يعولني فهو يعول كل الخليقة".

حينئذ أراد الإمبراطور أن يستميلها إليه بالوعود قائلا لها: "لابد أن تطيعيني وتعبدي آلهتنا حتى لا تتعرضي للتعذيب فيصبح جمالك هباء".

فقالت له كاترين: "انى رماد وتراب والجمال يفنى ويزول سريعاً ويعبر كحلم إما بسبب مرض أو عجز أو بالموت".

وكان يحضر هذه المناقشة إنسان شرير فأراد أن ينال شرف مصادقة الإمبراطور فأخبره بأنه قد اخترع آله جديدة للتعذيب، وقال لـه، انه عند رؤية الفتاة لها سيدخل الرعب قلبها فترضخ لرغبتكم وتعبد آلهتنا وان ظلت على عنادها فان هذه الآلة سوف تسبب لها آلاما شديدة لم تتعرض لها من قبل، وشرح له هذه الآلة فهي مكونة من أربع عجلات خشبية يبرز من كل عجلة مسامير وأنصال حادة مصنوعة من الصلب، وتتصل كل هذه العجلات بواسطة محور وعند إدارتها تتحرك عجلتان جهة اليمين، والأخرتان جهة اليسار، بينما توضع الفتاة فى منتصف الآلة.

سر الإمبراطور بهذه الفكرة وأمر بتنفيذها على الفور، وتم صنع هذه الآلة فى ثلاث أيام، ثم أحضر الحراس القديسة من سجنها وأوقفوها أمام هذه الآلة الرهيبة وهى تدور بقوة عظيمة حتى يلقوا الخوف والرعب فى قلبها، فيلين موقفها وتغير رأيها، حينئذ نادى الإمبراطور على كاترين وشرح لها ما سوف تقاسيه من الآلام الفظيعة إذا لم تعبد آلهتهم.

فأجابته القديسة قائلة: "إنى لن أترك إيماني وأقول لك أسرع وافعل ما تريده بأقصى سرعة، حينئذ أمر الإمبراطور بوضع القديسة على الآلة، فربطها الحارس، وأرادوا تشغيل الآلة، وصرخت القديسة طالبة معونة الرب يسوع، حينئذ بفعل معجزي سقطت كاترين من بين العجلات مكسرة العظام ومنحلة الأعصاب، ولكن فوجئ الجميع بأنها تقف على أرجلها سالمة وكأنها لم تمس بأى شئ، بينما أخذت العجلات تدور بسرعة شديدة حتى انفصلت عن بعضها البعض، وظلت تدور وسارت بين الجمهور الواقفين، فقتلت عدداً كبيراً من غير المؤمنين الواقفين، وتملك الرعب والجزع والخوف باقى الجمهور حينما شاهدوا ما حدث ومنظر القتلى والدماء التي تسيل منهم فصرخوا بصوت عظيم قائلين: "عظيم هو إله المسيحيين".

حينئذ ازداد الإمبراطور غيظاً وكمداً، فخرجت إليه الإمبراطورة ووبخته بصوت مسموع أمام الحاضرين لأنه يعذب هذه الفتاه الصغيرة بدون حق، وهى لم تعمل شيئاً ضد المملكة أو الملك، وحينما سمع هذا الكلام من زوجته هاج كحيوان مفترس، وصرخ على الجنود أن يضربوا الإمبراطورة بالآلات الحديدية، فقطع ثدييها، وظلت الإمبراطورة تصلى وتتوسل للرب يسوع أن يسندها ويعينها، حينئذ أمر الإمبراطور بقتل زوجته، فنظرت الإمبراطورة إلى كاترين وقالت لها: "صلى من أجلى يا خادمة الرب يسوع"

فقالت لها كاترين: "اذهبى بسلام لتملكى مع المسيح له المجد إلى الأبد".

حينئذ نالت إكليل الشهادة فى 23 نوفمبر، فى المساء حضر بروفيروس ورفاقه وأخذوا جسد القديسة ودفنوه بإكرام، وعندما علم الإمبراطور بهذا، أمر بإحضار كل من شارك فى هذا العمل، فظهر له بروفيروس وجنوده وقالوا له نحن جميعاً مسيحيون وصرنا جنوداً للإله العظيم، حينئذ صرخ على باقى العسكر أن يقتلوا هؤلاء الجنود وقائدهم بروفيروس ونالوا جميعاً أكاليل الشهادة في الرابع والعشرين من نوفمبر، وتم قول الرب لها بأن كثيرين سوف يؤمنون بالمسيح بسببها ومن داخل بلاط الإمبراطور ذاته. حينئذ أحضر الإمبراطور كاترين أمامه وقال لها: "لقد تسببت فى قتل زوجتي وقائد جنودى وكثيرين من الجنود، وأنت الآن تستحقين أشد أنواع العذاب والموت، ولكنى مستعد أن أصفح عنك إذا أطعتى كلامي فإني أتخذك زوجة وأجعلك إمبراطورة فى مملكتي، حينئذ لعنته كاترين وقالت له: "اذهب أنت وآلهتك الى جهنم أما أنا فإني لا أعبد إلا إلهي يسوع المسيح له المجد. حينئذ أمر الإمبراطور أن تخرج من أمام وجهه وكتب أن تقتل بحد السيف.

أخذها الجنود إلى مكان تنفيذ الحكم، وعند ذاك ركعت القديسة على ركبتها، وصلت قائلة: "ربى وإلهى يسوع المسيح أشكرك لأنك قُـدْت خطواتي وثَبت رجلي على صخرة الصبر والاحتمال، فالآن يا سيدي اسمح أن تمد يدك المقدسة التي سمرت على الصليب المقدس من أجلنا وتحنن على واقبل روحي، أسألك يا سيدي أن تغفر لى خطاياي التي فعلتها بمعرفة والتي بغير معرفة، والتي صنعتها بإرادتي أو بغير إرادتي، ولا تجعل لشياطين الظلمة أن تشتكي عليَّ عندما أقف أمام كرسي حكمك المخوف، انظر يا ربي واطلع من علو سماك وتحنن علي هؤلاء الناس الواقفين حولي واهديهم إلى نور معرفتك، وأطلب منك أن تخفى جسدى حتى لا يناله سوء من الأشرار، وهوذا منذ الأزل وإلى الأبد كل الخليقة تمجدك وكل البشر يسبحون أعمالك وعجائبك التي صنعتها والتى تصنعها، ولك المجد مع أبيك الصالح والروح القدس إلى الأبد آمين".

وبعد هذه الصلاة أحنت عنقها أمام السياف فقطع رأسها المبارك ونالت إكليل الشهادة فى 25   نوفمبر بركة شفاعتها وصلواتها وطلبتها تكون معنا إلى النفس الأخير أمين.

يقول التقليد: "إن الملائكة جاءت وحملت جسد القديسة بعد أن قطعت رأسها المقدس وخبأته فى أعلى قمة على جبل سيناء، وبعد ثلاث قرون رأى أحد رهبان الديرـ الذى شيدته الملكة هيلانة ـ رأى فى حلم، الموضع الذى أخفى فيه الملائكة جسد القديسة كاترين، فذهب الرهبان وكشفوا عن الجسد وأحضروه بإكرام ووضعوه فى صندوق ذهبي فى كنيسة الدير، ومازالت تفوح روائح زكية من بقايا الجسد الطاهر.