20بابه:  نياحة القديس العظيم الأنبا يؤنس القصير

 في هذا اليوم  تنيح القديس العظيم الإيغومانس الأنبا يؤنس القصير، كان من أهل بتسا  بصعيد مصر. وكان وأخ له من أبوين صالحين خائفين من الله، غنيين في الإيمان والأعمال الصالحة.

ولما بلغ يؤنس الثامنة من عمره تحول قلبه عن أباطيل العالم وشهواته وأمجاده واشتاق للرهبنة، فحركته نعمه الله أن يمضي إلى برية  شيهيت، وهناك اهتدي إلى شيخ قديس مجرب، يقال له أنبا بمويه من البهنساء وسأله أن يسمح له بالإقامة عنده فقال له الشيخ مختبراً: "يا أبني أنك لا تقدر على الإقامة معنا لأن هذه برية متعبة، والساكنون فيها يقتاتون من عمل أيديهم فضلا عن الصوم الكثير والصلاة والنوم علي الأرض والتقشف، فارجع إلى العالم وعش في التقوى". فقال له الأنبا يؤنس: "لا تردني يا أبى من أجل الله لأني أتيت لأكون تحت طاعتك. وفي صلاتك، فإذا قبلتني فإني أؤمن أن الرب يطيب قلبك علي".

ولما كان من عادة الأب بمويه أنه لا يعمل بعجلة، فقد سأل السيد المسيح أن يكشف له أمر هذا الشاب، فظهر له ملاك الرب قائلاً: "اقبله فانه سيكون أناء مختاراً". فأدخله الأب بمويه وقص شعر رأسه، وأخذ ثياب الرهبنة ولبث يصلي عليها ثلاثة أيام وثلاث ليالي. وعندما ألبسه إياها رأى ملاكا يصلب عليها.

وأبتدأ القديس يؤنس بنسك عظيم وأعمال فاضلة. وفي أحد الأيام أراد الأب بمويه أن يمتحنه فطرده من عنده قائلاً: "لا أقدر أن أسكن معك". فأقام سبعة أيام خارج باب القلاية. وفي كل يوم كان يخرج الأب بمويه ويقرعه بجريدة نخل. فيسجد له قائلا: "أخطأت". وفي اليوم السابع خرج الشيخ قاصدا  الكنيسة. فرأى سبعة ملائكة معهم سبعة أكاليل يضعونها علي رأس يؤنس. ومن ذلك اليوم صار عنده مكرما مبجلا.

وحدث يوما أن الأنبا بمويه وجد عوداً يابسا فأعطاه لأنبا يؤنس وقال له: "خذ هذا العود وأغرسه واسقه". فأطاعه وصار يسقيه كل يوم مرتين وكان الماء يبعد عن سكنهما مقدار أثني عشر ميلاً، وبعد ثلاث سنين نما العود وصار شجرة مثمرة. فأخذ الشيخ من ثمرة الطاعة. ولا تزال هذه الشجرة باقية في المكان الذي فيه ديره.

ومرض الأب بمويه اثنتي عشرة سنه، وكان الأب يؤنس يخدمه طول هذه المدة، ولم يسمع من معلمه في أثنائها قط أنه قصر في خدمته. لأن القديس بمويه كان شيخا ذا اختبار، وقد جرب كثيرا وأضناه المرض حتى صار كالعود اليابس ليكون قربانا مختاراً. وعند نياحته جمع الشيوخ وأمسك بيد الأنبا يؤنس وسلمه لهم قائلاً: "احتفظوا بهذا فانه ملاك وليس إنساناً". وأوصاه أن يقيم في المكان الذي غرس فيه الشجرة. وبعد هذا أتي أخوه الكبير وترهب عنده وصار هو أيضا راهباً فاضلاً.

ولما صيروا الأنبا يؤنس قمصا علي كنيسته، حدث أنه لما وضع الأب البطريرك ثاؤفيلس يده علي رأسه. أن أتي صوت من السماء سمعه الحاضرون قائلاً: "مستحق. مستحق. مستحق".  وقد امتاز هذا القديس بأنه كان وقت خدمة الأسرار يعرف من يستحق القربان ومن لا يستحقه من المتقدمين للتناول.

وكان الأب البطريرك الأنبا ثاؤفيلس قد بني كنيسة للثلاثة فتية بالإسكندرية. ورغب إحضار أجسادهم ووضعها فيها فاستحضر القديس يؤنس وكلفه السفر إلى بابل الكلدانيين وإحضار الأجساد المقدسة. وبعد إحجام كثير قبل القيام بهذه المهمة الشاقة، وخرج من عند البطريرك فحملته سحابه إلى بابل فدخل المدينة وشاهد أثارها وأنهارها وقصورها ووجد أجساد القديسين. ولما شرع في نقلها من مكانها، خرج صوت من الأجساد المقدسة يقول له: إن هذه أراده الله. انهم لا يفارقون هذا المكان إلى يوم القيامة. ولكن لأجل محبة البطريرك ثاؤفيلس وتعبك أيضا، عليك أن تعرف البطريرك أن يجمع الشعب في الكنيسة ويأمر بتعمير القناديل ولا يوقدها. ونحن سنظهر في الكنيسة بعلامة تعرفونها في ذلك الحين. فأنصرف عائدا إلى الإسكندرية. وعرف البطريرك بما قاله القديسون وقد حدث عندما كان البطريرك والشعب بالكنيسة أن القناديل أنارت فجأة فأعطوا المجد لله.

وفي أحد الأيام دخل أحد الرهبان قلاية الأنبا يؤنس. فوجده راقداً وملائكة يروحون عليه.

وبعد ذلك أغار البربر على البرية فتركها. وعندما سئل في ذلك أجاب بأنه لم يتركها خوفا من الموت ولكن لئلا يقتله بربري فيذهب إلي الجحيم بسببه، وأنه لا يريد أن يكون في راحة، وغيرة في عذاب بسببه ، لأنه وان كان مقاومه في العبادة إلا أنه أخوه في الصورة.  ثم قصد جبل أنطونيوس عند القلزم وسكن بجوار قرية هناك، فرزقه الله رجلاً مؤمناً كان يخدمه.

ولما أراد الرب نياحته وإنهاء غربته في هذا العالم، أرسل إليه قديسيه البارين أبومقار وأنطونيوس ليعزياه ويعرفاه بانتقاله. فمرض مرضا بسيطا وأرسل الخادم ليأتي له بشيء من القرية وكان ذلك ليلة الأحد. فحضرت الملائكة وجماعة القديسين وتسلموا نفسه الطاهرة وصعدوا بها إلى السماء. وعندما عاد الخادم رأي نفس القديس وجماعة القديسين يحيطون بها. والملائكة يرتلون أمامها، وفي مقدمة الكل واحد منظره مثل الشمس يرتل. ودهش الخادم لهذا المنظر الرائع فأتاه ملاك وعرفه عن اسم كل واحد من القديسين بقوله له هذا أنبا باخوم ، وهذا أبو مقار، إلى أخره فقال له الخادم: "ومن هذا  المتقدم المنير كالشمس؟" فأجابه: "هذا أنطونيوس أبو جميع الرهبان".

ولما وصل الخادم إلى المغارة وجد جسد القديس ساجدا إلي الأرض. لأنه أسلم روحه في حال سجوده. فبكي بكاء عظيما. وأسرع إلى أهل القرية وأعلمهم بما حدث. فحضروا وحملوا جسده المقدس بكرامة عظيمة. وفي دخوله المدينة أجرى الله من جسده عجائب كثيرة. صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما أبديا أمين.