29توت:  البار أندرونيكوس وزوجته أثناسيا

عن كتاب قاموس آباء الكنيسة وقديسيها "حرف أ" القمص تادرس يعقوب ملطى، وكتاب راهبات فى زى الرجال اعداد القمص تادرس البرموسى.

كان يوجد فى إنطاكية شاب إسكندري الجنس اتسم بمخافة الله وحبه الشديد للفقراء، يدعى أندرونيكوس، تزوج بفتاة تقية شاركته ورعه وتقواه، فأنجح الرب حياتهما. فقسما أموالهما ثلاثة أقسام: الثلث الأول وزعاه على الفقراء، الثلث الثانى ليقرضاه لمن هو فى ضيق بدون ربا، القسم الثالث استخدمه الرجل فى عمله كصائغ فضة. وهبهما الله طفلين هما يوحنا ومريم، وعاش الكل كما فى كنيسة مفرحة، يؤمها كل فقير أو متألم ليجد راحته مادياً ونفسياً وروحياً.

وفجأة مات الولدان فى يوم واحد على أثر حمى شديدة وكان سن يوحنا 12 عاماً، ومريم 10سنوات، فكانت تسبحة الرجل ليلاً ونهاراً كلمة أيوب: "الرب أعطى، الرب أخذ ، ليكن اسم الرب مباركاً". أما الأم فلم تجد تعزية قط، وكادت تفقد صوابها من شدة الحزن .. لا عمل لها سوى الانطلاق إلى مقبرة طفليها بجوار كنيسة يوليانوس، تبكيهما بغير انقطاع.

تأخرت المرأة فى أحد الأيام حتى الليل، وبينما هى تبكى إذ بها ترى رجلاً أشبه برئيس دير يسألها عن سر بكائها، فارتعدت منه، ولكنها تمالكت نفسها وقالت له إنها قد دفنت ولديها الذين هما أحشاءها فى هذه الأرض. أجابها إن ابنيها عند السيد المسيح، وأنهما أصبحا من سكان السماء لذا لا داعى أبداً لهذا الحزن المفرط. فشعرت براحة وتعزية، حتى إذ فكرت أن تشكره اختفى من أمامها .. وعلمت أنها إنما رأت رؤيا.

رجعت السيدة إلى رجلها لأول مرة بقلب مبتهج ووجه باش وأخبرته بما رأت، وكيف استراحت نفسها فى داخلها، فشكر الله على ذلك. ومنذ هذا الوقت وضعا فى قلبيهما أن يكملا حياتهما فى النسك والاستعداد للأبدية. وزع الزوجان أموالهما على الكنائس والفقراء، وذهبا معاً إلى أورشليم لزيارة الأماكن المقدسة، مقررين أن يذهب كل منهما إلى الدير الذى يناسبه. وبالفعل بعد زيارتهما بيت المقدس، سافرا إلى الإسكندرية وتباركا من كنيسة أبا مينا فى الإسكندرية ومن هناك انطلق أندرونيكوس وحده إلى شيهيت ليتبارك من أديرتها، وقابل أنبا دانيال قمص شيهيت، وروى له قصته مع زوجته، فسأله أن يودعها فى أحد أديرة النساء ويعود إليه. وبالفعل تتلمذ أندرونيكوس على يدىَّ الأنبا دانيال لمدة 12 سنة، لكنه عاد يسأله أن يزور الأماكن المقدسة بأورشليم فسمح له. وفى الطريق إلى هناك تقابل مع راهب آنس وحدته فى الطريق وقبلا أن يذهبا معاً إلى الأماكن المقدسة على شريطة أن لا يتكلما فى الطريق بل يحافظا على صمتهما وأن لا يشتركا إلا فى التسبيح والصلاة . ثم عادا إلى الإسكندرية معاً ، وقد ارتبطا بمحبة روحية وانسجام خلال الصلاة والعبادة.. فدخلا معاً دير "أوكتوكايديكاثون" أى الدير العاشر، وكان يزورهما القديس دانيال قمص شيهيت من حين إلى حين، وكان يفرح بنموهما روحياً، إذ كانا يشجعان بعضهما البعض مع صمت فى قلاية واحدة.

مرض الراهب الآخر "أثناسيوس" واشتد به المرض جداً، فانطلق أندرونيكوس يستدعى الأب دانيال، فجاء ليجد أثناسيوس يبكى.. فظنه يخاف الموت… وإذ سمع أثناسيوس ذلك قال: "إننى أبكى يا أبتِ لأنى أترك أندرونيكوس وحيداً فى هذه الحياة". ثم قال له سراً: "يا أبتِ متى توفيت تجد تحت وسادتى كتاباً فخذه وادفعه إلى أندرونيكوس". فوعده بذلك، وإذ صلى أودع حياته فى يدىَّ الرب.

بينما كانوا يدفنون الراهب أثناسيوس تسلم أندرونيكوس الكتاب الذى تحت الوسادة، فعرف أن الراهب هو زوجته أثناسيا، بقيت معه تجاهد فى الحياة النسكية وتسنده وتحبس مشاعرها حتى النفس الأخير. شاع الخبر سريعاً بين الرهبان وانتقل الخبر إلى بلاد الشرق والغرب. لم يحتمل أندرونيكوس الغربة وحده طويلاً، وأحست نفسه فى داخله بحنين واشتياق للخروج من الجسد. ولم تمض إلا فترة قصيرة لينطلق هو أيضاً ويلحق بزوجته.

 تعيد لهما الكنيسة اليونانية واللاتينية فى 9 اكتوبر الذى يوافق عادة 29 توت من السنة القبطية. بركة صلواتهم تكون معنا أمين.