24توت:  القديس غريغوريوس النزينزى الثيئولوغوس ( الناطق بالإلهيات)

 ولد هذا القديس سنة 328م بقرية من أعمال نزينزا بإقليم كبادوكية بآسيا الصغرى. وكانت أمه "نونا" مثالاً للتقوى المسيحية فى العبادة والسلوك. وقد نذرت ابنها وهو لا يزال فى بطنها لخدمة الله ، وقد كان والد غريغوريوس أسقفاً على مدينة نزينزا وكان اسمه غريغوريوس أيضاً (وقد كان لأمه "نونا" الفضل فى تحويل زوجها من البدعة التى كان يتبعها إلى الإيمان المستقيم بتأثير صلواتها وقدوتها وذلك قبل سيامته أسقفاً بأربع سنوات).

نشأ غريغوريوس الطفل تحت رعاية أم قديسة ربته على قراءة الكتاب المقدس وحفظ وطاعة وصايا الله. وعرَّفته منذ سن مبكرة بأنه مكرس للرب كذبيحة مثل اسحق. ولما شب غريغوريوس، سافر مرة إلى قيصرية كبادوكية حيث تعرف بباسيليوس وتصادق معه ثم التحق بعد ذلك بمعاهد قيصرية فلسطين لدراسة الخطابة. ومن قيصرية سافر إلى الإسكندرية حيث كان ديديموس الضرير ناظراً لمدرستها اللاهوتية، ومنها ذهب إلى أثينا بحراً، وفى الطريق إلى أثينا هبت عاصفة استمرت 22 يوماً كادت تُغرق السفينة ولكن كُتبت النجاة لكل الركاب بواسطة صلاة رفعها غريغوريوس، فآمن بحارة السفينة بالمسيح. وفى أثينا التقى بصديقه باسيليوس مرة أخرى وعاشا معاً حياة مشتركة فى وحدة الروح حتى قيل عنهما أنهما "صارا عقلاً واحداً فى جسدين". ومكث فى أثينا عشر سنوات، وفى طريق عودته مرَّ على القسطنطينية وتعمَّد هناك وكان فى سن الثلاثين تقريباً. ثم عاد إلى وطنه نزينزا، وقصد أن يعيش حياة خلوة كراهب، يعكف على العبادة، ودراسة الكتاب المقدس الذى يحبه ويعشق قراءته كثيراً.  ثم دعاه صديقه باسيليوس ليعيش معه فى الدير الذى أسسه فى بنطس. فذهب إلى هناك حيث قضى ثلاث سنوات عاد بعدها إلى نزينزا حيث سامه والده الأسقف قساً، سنة 361م رغماً عنه بسبب إصرار الشعب، وإلحاحه فى طلب الرسامة. الأمر الذى كان يتهرب منه غريغوريوس ويرتعد منه ويتحاشاه منذ سنوات.

وفى سنة 372م سامه صديقه القديس باسيليوس رئيس أساقفة قيصرية كبادوكية أسقفاً على سازيما. ولكنه لم يدخل الإيبارشية الجديدة لأنها كانت موضع صراع باسيليوس والأسقف المجاور، فعاد غريغوريوس إلى خلوته فى الجبال، ولكن والده الأسقف طلب مساعدته فى نزينزا فعاد إلى هناك. واستمر يعاون والده فى الخدمة حتى وفاته فى سنة 374م ، ولحقته والدته "نونا" فى نفس السنة إذ انتقلت وهى راكعة تتناول الأسرار المقدسة. وبعد وفاة والديه صار هو الوريث الوحيد لكل الممتلكات إذ كان والده غنياً، فوزع كل شئ على الفقراء. وفى سنة 375م اختفى متوحداً فى سلوكية، متعبداً فى دير باسم القديسة تكلة. وفى سنة 379م ألحَّ عليه المؤمنون فى القسطنطينية مع عدد من الأساقفة، أن يأتى إلى القسطنطينية ليرعاها فى ظروفها الصعبة وسط البدع والهرطقات فَقَبِل، بعد أن أحس بالروح القدس فى داخله يحمِّله هذه المسئولية.

ذهب إلى القسطنطينية بينما كانت البدع المختلفة مثل الأريوسية هى السائدة على شعب المدينة وكان المستقيمو الإيمان قليلين مرذولين. فظل يعظ ويعلِّم بموهبة نادرة وإلهام إلهى، ويجاهد طوال سنتين، حتى انتصر الإيمان فى عاصمة الإمبراطورية، وصارت الكاتدرائية الكبيرة تمتلئ بالسامعين من مختلف البدع الذين تحولو إلى الإيمان المستقيم. وقد كان له أكبر الأثر فى تثبيت الإيمان بالثالوث الأقدس. وبسب براعة القديس غريغوريوس النزينزى بنوع خاص فى الحديث عن الثالوث باقتدار، وإلهام فائق، وموهبة نادرة من الروح القدس. أُطلق عليه اسم "الثيئولوغوس" أى "الناطق بالإلهيات". فإنه لم يكن يتكلم فى الإلهيات (أى اللاهوت) من مجرد معرفته بالكتب أو البحث والدرس العقلى الضيق، وإنما من حياة وعشرة عميقة كان يحياها فى عبادته للثالوث الأقدس. وله خمس عظات مشهورة ألقاها فى القسطنطينية عن الآب والابن والروح القدس.

وفى سنة 381م لما اجتمع مجمع القسطنطينية المسكونى الثانى واشترك فيه غريغوريوس، كان الاتجاه السائد فى المجمع أن يُثبَّت غريغوريوس على كرسى القسطنطينية. ولكن خوفاً من حدوث انقسام بسبب اعتراض بعض الأساقفة المصريين، أعلن غريغوريوس إصراره على عدم قبول كرسى القسطنطينية، حباً بالسلام والوحدة. ثم ترك المدينة بعد أن ودع الأساقفة والشعب بخطاب مؤثر. واعتزل عاكفاً على الصلاة والتأمل طيلة السنوات الباقية من حياته وانتقل إلى راحة القديسين سنة 390م وتعيد له كنيستنا فى 24 توت (الموافق عادة 4 أكتوبر) ، والقداس الغريغورى المستعمل فى كنيستنا منسوب إليه.

وقد ترك كنزاً ثميناً من الكتابات اللاهوتية غاية فى الدقة والعمق الروحى مع مجموعة من الرسائل والعظات الرائعة. بركة صلواته تكون معنا أمين.